بسم الله الرحمن الرحيم

 

أبعاد الثورة الإسلامية

الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا البشير النذير والسراج المنير أبي القاسم محمد وعلى آله المنتجبين الهداة المهديين.

إن للثورة الإسلامية التي قادها الإمام الراحل وأشاد على أساسها الجمهورية الإسلامية بعدان: الأول داخلي ـ  أي داخل إيران ـ والآخر عالمي إسلامي إنساني، وكلا البعدين يمتازان بأهمية قصوى.

الثورة الإسلامية بما أوتيت من قابليات ونقاط قوة ذاتية وبفضل القيادة الحكيمة للإمام الراحل وجهاد واستقامة وصمود الشعب الإيراني، إستطاعت أن تحرز مواقع متقدمة على كلا الصعيدين.

واليوم ومن موقعي هذا ـ وأنا أقف أمام المرقد المبارك للإمام الخميني القائد الفذ الذي لم نشهد له مثيلاً في عالمنا المعاصر حيث نعيش ذكراه ـ أعلن أنّ الثورة الإسلامية لم تتوقف ولن تتوقف في مسيرتها على كلا الصعيدين، بل نحن مصمّمون على السير قدماً في هذا الاتجاه.

على صعيد البعد الأول، فإن الهدف الأساس الذي سعت الثورة لتحقيقه، وهو إقامة نظام مستقل في شتى جوانبه؛ لأن التبعية للقوى الأجنبية هي الطامة الكبرى بالنسبة للشعب وللدولة معاً ويترتب عليها جملة من المفاسد والمضار, فإذا فقد الشعب استقلاله وارتبط بدولة أجنبية فإن جميع طاقاته وموارده الطبيعية والبشرية ستستنزف وتُكرّس لصالح تلك الدولة، وهذا لا يخدم البلد قطعاً، وستكون الطاقات المخلصة والمؤمنة بمنأى عن مراكز صنع القرار، بل وقد يقوم النظام العميل بتصفية وإنهاء تلك الطاقات الخيّرة.

كما أن طبيعة العلاقات التي تربط ذلك البلد بغيره من البلدان تُحَدَد من قبل الدولة الأجنبية المسيطرة على مقدّرات البلد، أضف إلى ذلك أن مثل هذا البلد الخاضع لهيمنة دولة أجنبية سيتطبّع بالآداب والأخلاق والعادات والدِيانة التي ترتضيها القوة المهيمنة. ومن الطبيعي ـ في مثل هذا البلد ـ أن تكون هناك عملية تجاهل واستبعاد لآراء وإرادة الشعب؛ فلا يوجد أي دور للشعب في مثل هذا النظام, وأي شقاء وأي تعاسة أكبر من هذه التعاسة وهذا الشقاء الذي يصيب شعباً كهذا؟!

إخوتي وأخواتي الكرام، لقد كانت إيران قبل انتصار الثورة الإسلامية من الدول المرتبطة بالقوى الأجنبية، خاصة في الخمسين سنة الأخيرة التي استلم فيها النظام البهلوي مقاليد السلطة, حيث كان هذا النظام الفاسد يعيش قمة التبعية إلى الغرب.

وللتدليل على ذلك سأستعرض عدة نماذج واضحة وملموسة؛ ليتبيّن لنا مدى العظمة التي وصلها الشعب الإيراني جرّاء الثورة الإسلامية المباركة.

لا يوجد هناك ثمة جدال في أنّ الانجليز هم الذين أوصلوا (رضاخان) إلى السلطة في إيران، فهذه حقيقة يؤيدها حتى المرتبطون بذلك النظام، ويتفق عليها جميع المؤرخين المنصفين, وعندما أحس الانجليز أنّ رضاخان أخذ يُبدي نوعاً من الميول والتعاطف مع الألمان بسبب ما أحرزته ألمانيا من انتصارات جزئية إبّان الحرب العالمية الثانية خلعوه عن السلطة وجاءوا بـ (محمد رضا) إلى الحكم.

وهنا أنقل لكم مقولة لأحد أتباع النظام لتروا كم كانت هذه التبعية والعمالة مذلة ومهينة.

يقول هذا الشخص: خلال الفترة التي أعقبت طرد رضاخان من إيران حيث لم يحسم موضوع السلطة في إيران، قال السفير الانجليزي للوسيط الذي أرسله محمد رضا للتفاوض في خصوص السلطة والحكم ـ حسب المعلومات الواصلة إلينا ـ فإن محمد رضا يستمع إلى إذاعة برلين ويتابع تقدم الألمان من على الخارطة، لذا فهو لا يحظى بثقتنا ولا يمكن الاعتماد عليه.

وما أن وصلت رسالة السفير إلى محمد رضا حتى ترك الاستماع إلى إذاعة برلين، وألقى الخارطة جانباً.

عندئذ قال سفير انجلترا: «أما الآن فلا بأس به ويمكن أن ينتخب رئيساً للسلطة».

إنّ نظاماً يقف على رأسه شخص مرتبط بالسفارة الأجنبية إلى هذا الحد من الارتباط والعمالة، بحيث أنهم يشترطون عليه مثل هذه الشروط المحقِّرة والمذلِّة، وهو يستقبل هذه الشروط ويُمكّنهم من نفسه بلا أدنى تردد، إنما يعبر عن عمق المأساة التي كانت تعيشها إيران آنذاك.

وتفيد المذكّرات التي كتبها سفراء إنجلترا وأمريكا والتي تم نشرها في اللحظات الأخيرة للنظام البهلوي البائد أنّ هذه التبعية المقيتة إستمرت إلى النهاية، حتى أنّ انجلترا والتي لم تعد دولة عظمى كانت ومن خلال سفيرها تؤثر وبشكل كبير في وضعية محمد رضا ومصيره وفي اتخاذه للقرارات.

اُنظروا كم عانى الشعب الإيراني العظيم من الذل والهوان طوال الخمسين سنة.

وانتصرت الثورة الإسلامية في إيران واجتثت ذلك النظام العميل والمنقاد من جذوره، ورفعت راية الاستقلال عالية خفاقة.

هذا هو البعد الأوّل للثورة، حيث نرى أنّ نظام الجمهورية الإسلامية ذو ثبات واستقرار ويتمتّع باستقلال تام وغير منقاد للقوى الأجنبية، ويهتم بمصالح الشعب بالدرجة الأولى.

إنَّ هذا الاستقلال أَقَضَّ مضاجع أعداء الثورة وأعداء النظام الإسلامي وجعلهم يعيشون في دوامة من الاضطراب والقلق، وهم الآن يحاولون تلافي الهزيمة التي مُنوا بها.

 

الاستكبار وشعاره التسلط على الآخرين

 

أيها الشعب الإيراني الكريم، إنّ النزعة العدوانية الموجودة لدى القوى الإستكبارية في الاستحواذ على الدول الأخرى والهيمنة عليها لا تختص بالعصور التاريخية المتصرّمة، بل أنّ هذه القوى إلى اليوم تعيش نزعة التسلّط على الآخَرين.

فالقوى العالمية العظمى تبذل قصارى جهدها لتتغلغل في أوساط دول العالم الأخرى لتبسط هيمنتها عليها ولتربط هذه الدول بعجلتها.

قبل أيام رد الرئيس الأمريكي في تصريح له على الذين يرون أنّ أمريكا تتمادى أكثر من اللازم في التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، قائلاً: «نحن إنّما نتدخل في الشؤون الداخلية للدول حفاظاً على مصالح أمريكا», أي أنّه يصرح علناً بالنزعة التسلّطية وحب السيطرة على الآخَرين.

إنّ ما يهم هؤلاء بالدرجة الأُولى هو تأمين مصالح دولهم، ولتأمين تلك المصالح يرون أنّ لهم الحق في التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى, ومن هذا المنطلق فَهُم يعتبرون الجمهورية الإسلامية عدواً لهم؛ لأنّها تقف وبقوة أمام هذه الرغبة اللامشروعة, ففي التصريحات التي يطلقونها على الصعيد العالمي يؤكدون على دعوى: «أنَّ إيران تقف بوجه المصالح الأمريكية».

وهنا أقول لهم لو أنكم حصرتم دائرة هذه المصالح في داخل بلدكم، حينئذ لا يعنينا أمركم، ولو أنكم لا تريدون التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بما فيها إيران، فلا يهمنا من أمركم شيء، ولكنكم أناس سلطويون تريدون فرض سلطتكم خارج حدود بلادكم، ولذلك تنتهجون اليوم نفس نهج الدول الأوروبية في القرن التاسع عشر، حين أخذت تجوب العالم للسيطرة على الدول الضعيفة واستعمارها والتلاعب بمقدّراتها.

إنّ ما تسعى إليه أمريكا اليوم هو في الحقيقة نفس ما كانت تسعى إليه الدول المستعمرة في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.

الدول الأوروبية آنذاك كانت تتذرع بحاجاتها إلى ثروات الدول الأخرى، واليوم تكرر أمريكا نفس الكلام، حيث صرّح الرئيس الأمريكي أمام نخبة من المسؤولين الحكوميين: إنّما نتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى لأن مصالحنا تقتضي ذلك، وفي مكان آخر من كلمته هذه يقول:«على الشعب الأمريكي أن يبقى شعباً مكافحاً».

ومن هنا تلاحظون أنّ هذه المصالح ليست مشروعة، وهذا الكفاح ليس كفاحاً من أجل العدالة والسلام، بل هو كفاح من أجل الظلم ومن أجل التلاعب بمقدّرات الآخرين.

ومن المتيقّن أنّ الشعوب الأخرى وقطّاعات كبيرة من الشعب الأمريكي ينزعجون ويستاؤون من هذه النزعة الشريرة والعدوانية, وللسبب نفسه فإن الشعب الإيراني لا يجد في نفسه أي رغبة للصلح مع أمريكا؛ إعتقاداً منه بأنّ أمريكا دولة عدوانية تريد فرض هيمنتها على الآخَرين.

إن الشعب الإيراني اليوم لا يرضخ ولن يرضخ لإرادة ورغبات الدول العظمى وخاصة أمريكا في كافة الشؤون وعلى كلا الصعيدين الداخلي والخارجي, سواءاً في مواقفه السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية والإعلامية.

وينطلق النظام الإسلامي في موقفه المناهض لإرادة القوى العظمى ـ سيما أمريكا ـ من صميم روح ثورته الإسلامية العظيمة التي تأبى الانقياد والتبعية، وتسعى من أجل استقلال وعظمة هذا الشعب.

إنّ الأثر الذي تركته الثورة الإسلامية لم يقتصر على داخل إيران فقط، بل امتد ليشمل البشرية جمعاء والأمة الإسلامية على وجه الخصوص, وخلافاً لما تتناقله أجهزة الدعاية والإعلام الإستكبارية, من أن إيران تسعى للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، فإننا لا نتدخل في أي شأن من الشؤون الداخلية لتلك الدول؛ لأنّنا لسنا بحاجة إلى ذلك.

ولكي نكون دولة مستقلة وقوية وشعباً شجاعاً مقداماً ومتطوراً لا نحتاج إلى أن نتدخل في الشؤون الداخلية للشعوب والدول الأخرى.

إن الشعب الإيراني شعب مناضل ومكافح؛ وكفاح الشعب الإيراني ضد الظلم والتمييز وفرض الهيمنة لا من أجل التدخل في شؤون البلدان الأخرى.

وبناءاً على ذلك فإنّنا عندما نقول:

إنّ لثورتنا بعداً عالمياً ودولياً لا نعني بذلك أنّ الثورة تتدخل في شؤون الدول والشعوب الأخرى، وإنّما نعني بذلك أنّ للثورة الإسلامية رسالة ومبدأً ومنطقاً ونهجاً واضحاً هو بمرأىً من الشعوب، فإذا ارتضت الشعوب هذه الرسالة وهذا النهج فلها أن تختارهما, ولسنا بصدد فرض رسالة الثورة على أحد، كما أنّ الشعوب التي عرفت نهج الثورة وصممت على السير عليه ليست قليلة.

إذاً البعد العالمي والدولي للثورة إنّما هي القيم المعنوية التي حملتها الثورة الإسلامية إلى العالم الغارق في متاهات المادية.

لقد سعى زعماء المادية وشبكاتها الأخطبوطية منذ قرنين إلى جرّ العالم باتجاه المادية, وبذلك أغرقوا الشعوب في وحل المادية الأسن.

 

القيم المعنوية رسالة الثورة الإسلامية

 

إنّ العالم اليوم في مسيرته التي اختطتها له القوى العظمى يفتقد إلى القيم المعنوية, والسبب في ما نراه في الكثير من الدول، حيث الضياع والتبرّم من الحياة لدى الشباب، وازدياد حالات الانتحار، وتلاشي الأسر؛ يعود بالأساس إلى انعدام القيم المعنوية، فالقيم المعنوية هي الغذاء الروحي للبشرية.

فهل من المعقول أنّ بمقدور الإنسانية أن تعيش حياة هانئة بدون القيم المعنوية لفترة طويلة.

إنّ سبب الأزمات وحالات القلق وعدم الاستقرار التي يشهدها العالم المادي هو إلغاء القيم المعنوية من حياة الناس، والذي قاد عملية الإلغاء هذه هي القوى العظمى, والملاحظ أنّ هناك تناسباً طردياً بين العلم والحضارة المادية من جانب, وبين حالات الضياع والاضطراب والقلق من جانب آخر، حيث ترون أنّ أي مكان يشهد تطوراً علمياً ومادياً أكبر تكون فيه حالات الاضطراب والضياع أشد تفاقماً من غيره, ومن هنا نقول إنّ رسالة الثورة الإسلامية هي ما تحمله من القيَّم المعنوية والأخلاقية والارتباط باللّه عز وجلّ، وجعل الارتباط باللّه عنصراً أساسياً في حياة البشرية.

فكل مكان وصل إليه إسم ورسالة الثورة واسم الإمام الخميني كان إلى جانبه تبشير بالقيَّم المعنوية.

إنّ الأثر الذي تركته الثورة الإسلامية في العالم هو القيم المعنوية, وهي رسالة الثورة ورسالة الإمام الخميني الأولى، ذلك الرجل العارف الفقيه، العالم بدين اللّه، المتعبّد، القائم بالليل المتهجّد بالأسحار.

وأمّا رسالة الثورة الثانية فهي العدالة.

فكل موقع يرتفع فيه نداء المطالبة بالعدالة منسجم مع تطلّعات الثورة الإسلامية بل هو جزء منها، وقد أعلنت الثورة أنّها مع كل المتطلّعين إلى الحق والعدالة في العالم.وهناك الكثير من الذين استلهموا الدروس والعبر من الثورة.

هناك جماعات كثيرة ممن يناضلون في سبيل العدالة والحرية، ولدفع الظلم والتمييز العنصري أعلنوا أنهم إنما أخذوا هذا الدرس من ثورتكم،وهذه هي الحقيقة بعينها.

إنّ الرسالة الكبرى للثورة الإسلامية إلى الأمة الإسلامية هي الحفاظ على الهوية الإسلامية والعودة إلى الإسلام ورفد الصحوة الإسلامية.

وقد أدّت الثورة هذه الرسالة بجميع مفرداتها ببركة القيادة الربانية للإمام الخميني، فهو الذي اختط هذه المسيرة، وهو المعلّم الأول والمرشد الأكبر.

لقد استطاع الأعداء قبل الثورة أن يسلخوا المسلمين عن هويتهم الإسلامية وأن يبعدوهم عن تراثهم ودينهم، فكان المسلم يخجل من قول أنا مسلم، كما عملت الحكومات والدول غير الإسلامية والدول المناهضة للإسلام على خلق أجواء وظروف خاصة جعلت جيل الشباب يجهلون الإسلام ويعتبرونه ديناً يخصّ الأجيال السابقة فقط، فلا يعدو أن يكون تراثاً ليس أكثر، فكانوا يقولون:إنّ الإسلام قد مات وانتهى دوره.

وفي الدول التي يُصطلح عليها بالمتحضّرة أيضاً لا يجرأ المسلمون على التصريح بهويتهم الإسلامية؛ بسبب الأجواء والظروف ـ المشحونة بالعداء للإسلام ـ التي يعيشونها هناك, فتراهم إمّا أن يتركوا الإسلام بالمرة، أو أنهم يعملون خفية بتعاليم الإسلام وأوامره.

وأمّا الدول الإسلامية فهي الأخرى لم تكن بأحسن حال من غيرها.

ففي إحدى المؤتمرات العالمية كان رئيس إحدى البلدان الإسلامية يخجل من أن يبدأ كلمته بـ «بسم اللّه الرحمن الرحيم» إنّهم يعدون ذلك عيباً ورجعية, ويستحون من الإسلام ومن المظاهر الإسلامية, كل هذه الأمور إنّما حدثت بفعل المستكبرين الذين كانوا قد تلقوا صفعة قوية من الإسلام في بدايات وأواسط عهد الاستعمار، ولذلك أخذوا يبثّون روح التهاون واللامبالاة والإهمال بين الناس تجاه الإسلام, وفي إيران أيضاً كان الوضع على هذا المنوال.

من منكم كان يجرأ ـ آنذاك ـ أن يقيم صلاة الجماعة خارج المساجد؟ ومن يصلي في المطار كان يواجه بالسخرية والاستهزاء، وكذا الحال لمن يريد أن يصلي في إحدى ساحات المدينة أو يريد أن يؤذّن هناك، فإنه يواجه بالسخرية أيضا, لقد حظروا على الناس آنذاك الإسلام، جعلوا الإسلام ضمن قائمة المحظورات التي لا يجوز تداولها, وفي بعض البلدان كان الأمر بالنسبة إلى الإسلام والمسلمين أسوأ بكثير مما هو عليه في إيران.

إن الرسالة الكبرى التي حملتها ثورتنا، هي إحياء الهوية الإسلامية للشعوب المسلمة, واليوم فإن المسلمين في كل من أوروبا وآسيا وأمريكا يفتخرون بانتمائهم إلى الإسلام وبحملهم الهوية الإسلامية, ففي قلب أوروبا تعلن بنت محجبة في المرحلة الابتدائية عن اعتزازها بهويتها الإسلامية وعن فخرها لكونها مسلمة، وتُعلن عن إصرارها على دخول المدرسة بحجابها الإسلامي.

وفي قلب أوروبا أيضاً تطالعنا قصة صمود واستقامة شعب البوسنة والهرسك، ذلك الشعب الذي ظلّ وفيّاً لدينه وإسلامه رغم كل الضغوط التي يلاقيها، وها هو الآن يدفع ـ غالباً ـ ضريبة إسلامه ولكن بكل إصرار وعزم وثبات.

اليوم نرى أنّ رؤساء الدول الإسلامية أخذوا يتظاهرون بالإسلام؛ نتيجة الإقبال الشديد لشعوبهم على الإسلام، فهم مضطرون للتظاهر بالإسلام والتمشدق به.

وإنّنا اليوم نجد أيضاً رؤساء الدول الاستكبارية ومن أجل كسب ودّ المسلمين يقولون: «نحن لسنا في خلاف مع الإسلام، بل نحن نتفق مع الإسلام». وبالطبع لا يخفى كذبهم على أحد.

إنّ السبب في تظاهرهم بالتودّد إلى الإسلام، يعود إلى أنّ الإسلام في الوقت الراهن بدأ حياة جديدة كلها إقتدار وعظمة وعزة، ولأنّ الحركات الإسلامية في تنامي مطّرد ولأنّ الفكر الإسلامي في الدول الإسلامية أخذ يتطور، حتى يتحقق قوله تعالى ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾[1] إن شاء اللّه تعالى.

وحينئذ ستحبط كل الخطط والمؤامرات التي يحيكها أعداء الإسلام وسيكون مصيرهم الفشل والخسران.

لابدّ وأن سمعتم ما قاله أحد قادة الكيان الصهيوني في لقاء اُجري معه: «نحن لا نخشى الجيوش العربية، لكننا نخشى من الأصولية الإسلامية»، وأنا أقول، نعم هذا صحيح، نحن وإن كنا في خلاف مع العدو الصهيوني في كافة المسائل إلاّ أننا نتفق معه في هذه النقطة بالذات، وهي أنّ ما يدخل الرعب والخوف في قلوب الصهاينة هي الصحوة الإسلامية لا غير، وهي العامل الأساس الذي بواسطته تُحرر أرض فلسطين.

إخواني وأخواتي، إنّ ما يقوله الأعداء من أنّ أصحاب الثورة هم الذين يصدّرون الثورة حماقة وخطأ فادح، وخطأهم هذا ينشأ من أمرين:

 الأول: إنّ الجمهورية الإسلامية ليست بصدد تصدير أي شيء, وهذا النظام الإسلامي إنّما يعبر عن حقيقة الثورة الإسلامية, حيث أحدث شعبنا هذه الثورة الإسلامية، والجمهورية الإسلامية عبارة عن تجسيد لحقيقة الثورة.

الأمر الثاني: هو أنّ رسالة الثورة الإسلامية هي رسالة الحرية والصحوة، وكلاهما لا يحتاجان إلى تصدير.

هل يلزم أن يكون هناك من يصدّر مثل هذه المفاهيم, فالشعوب عندما تواجه حقيقة كانت غافلة عنها، فإنّها سرعان ما تتنبه إلى هذه الحقيقة, وهذا ما حدث بالفعل، حيث شاهدت الشعوب تجربة الجمهورية الإسلامية الناجحة فاستلهمت منها الدروس والعبر. ولا يلزم أن يكون هناك من يقول للشعوب اعملوا بهذه الطريقة أو بتلك, بل ترى الشعوب بنفسها الإنجازات العظيمة التي حققتها الجمهورية الإسلامية والثورة الإسلامية، وتشاهد عظمة وعزة إيران الإسلامية؛ فتستلهم من ذلك الدروس والعبر.

إنّ انتشار الصحوة الإسلامية في العديد من الدول، وانبعاث الروح المعنوية في جميع أنحاء العالم هما من إفرازات الثورة الإسلامية.

وهنا أود أن ألفت انتباه الأخوة والأخوات إلى نقطة مهمة وهي: أنّ الاستكبار العالمي اليوم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ومن تبعهم من المفسدين والظلمة والطواغيت وكل من يعادي الحق والعدالة توصلوا إلى هذه النتيجة وهي: أنّ مجرد قيام الجمهورية الإسلامية واستقرارها يعتبر أكبر دعم إعلامي للثورة الإسلامية, وهم يعيشون حالة الإنذار القصوى ويحسّون بخطر داهم ما دام نظام الجمهورية الإسلامية قوياً ومستقراً, وما دام في تطور وتقدم مستمر.

إنهم بالدرجة الأولى يحاولون القضاء على الجمهورية الإسلامية إن استطاعوا بالرغم من يأسهم من ذلك؛ لأنّهم يدركون جيداً أنّ هذه المحاولات لا تجدي نفعاً.

وبالدرجة الثانية يبذلون قصارى جهدهم للحيلولة دون أن يكون هذا البلد بلداً مستقلاً ومقتدراً.

فمن جهة يحاولون أن ينالوا من استقلال البلد بشتى السبل الممكنة, ويوحون لنا بأنّا غير قادرين على القيام بأي شيء دون مساعدتهم، ومن جهة أخرى تراهم يضعون العراقيل والمعوّقات؛ ليعيقوا الشعب عن عملية البناء والتنمية, وحتى لا تصبح إيران بلداً نموذجياً ورائداً للبلدان الأخرى.

فعليكم ـ أيها الأخوة والأخوات ـ أن تحذروا من ذلك[2].

 

 

[1] سورة الفتح، الآية: 28.

[2] مقتطفات من كلمة لسماحة الإمام الخامنئي في تاريخ: 14/3/1374ش. 5/1/1416هـ. (الذكرى السنوية السادسة لرحيل الإمام قدس سره)