كان الإمام [الخميني] يرى أن الدين توأم السياسة، وأن روح السياسة ومفاهيمها مجسدة في تعاليم الدين. وقد انبثقت عشرات الأصول الفكرية العملية للإمام عبر هذا الموقف الاعتقادي، من قبيل: نظرية ولاية الفقيه، وجوب مجابهة حكام الجور، ضرورة مقارعة الاستعمار والصهيونية، إقامة مراسم البراءة من المشركين في الحج، وعشرات المقولات الأخرى الناشئة من ذلك الفهم[1].

وعلى ضوء هذا الرأي فإن الإمام يعتقد بأن المرجعية الدينية ينبغي أن تمارس مسؤوليتها السياسية وليس لها أن تعتزل المسرح السياسي والمهام الاجتماعية. وهذه هي أهم قضية تميز أفكار الإمام، فقد قال بهذا الشأن:

((إن ما تناقلته بعض الألسن من ضرورة فصل الدين عن السياسية، وأن علماء الإسلام لا ينبغي أن يتدخلوا في الشؤون السياسية والاجتماعية هو من صنع المستعمرين وألاعيبهم، فلا يتفوه بذلك إلا من لا دين له. أفكانت السياسة منفصلة عن الدين إبان عصر النبي الأكرم (ص)؟ أفكان البعض آنذاك عالماً دينياً والآخر سياسياً؟ ... إنما روج المستعمرون الطامعون وجلاوزتهم المتخاذلون ذلك الكلام لينأوا بالدين بعيداً عن معترك الحياة وممارسة دوره في الأمور الدنيوية وتنظيم شؤون المجتمعات الإسلامية، وليبعدوا علماء الإسلام عن الأمة في نهضتها وسعيها لتحقيق حرياتها وكسب استقلالها وفي هذه الحالة سيتمهد السبيل أمامهم للتسلط علينا ونهب ثرواتنا))[2].

لقد أدت تأكيدات الإمام إلى لفت أنظار الجيل المعاصر في الحوزة العلمية لهذه القضية وأن يعيدوا حساباتهم في تقييمهم للمرجعية على أساس مدى التزامها السياسي وفاعلية حضورها الاجتماعي.

ومما يؤسف له هو أن هذه المؤسسة قد رافقتها عملية تنحية للقضية السياسية وإقصائها كلياً عن مسرح الأحداث. فإننا نشهد من جديد عودة بعض الأفراد الذين ليس لهم لحد الآن أي نشاط وحضور سياسي واجتماعي في الساحة، بل الأدهى من ذلك أنهم كانوا لوقت قريب يذهبون إلى إنكار القضية السياسية مغرضين حملتها من العلماء للنقد والتقريع.

لا شك أن هؤلاء الأفراد قد تصدوا للمرجعية وعادوا للحياة ثانية من خلال بعض مقتضبات المسائل الدينية. ولسنا مقام بيان كيفية وعلة هذا الأمر، فهذا يتطلب حديثاً مفصلاً، ولكن ما ينبغي أن يعيه جيل الحوزة العلمية الملتزم هو أن قوة شوكة هؤلاء سوف تؤدي إلى إضعاف وإزالة الأصول الفكرية والأسس الثورية لخط الإمام. إن هؤلاء سيحصرون الإسلام ثانية في تلك الطقوس والشعائر العبادية الصورية، سوف يفرغون الإسلام من محتواه ولا يفكرون في مجابهة الاستعمار والامبريالية العالمية. سوف لن يعتريهم أي هاجس من قلق إزاء العدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر والجهل. سيصرفون الاجتهاد عن الزمان والمكان ولن يتأملوا في التوفيق بين المسألة الدينية ومقتضياتهما. وبالتالي سوف لن يكترثوا لمجابهة جبهة الكفر للدين والمتدينين و... وآلاف الأمور الأخرى القائمة على أساس هذا الفهم والإدراك.

ومن هنا لا بد أن يكون الميزان الأصلي للمرجعية في نظر الجيل المخلص الوفي للإمام هو مدى ارتباط أولئك الأفراد بالنظام والثورة الإسلامية، وان أدنى تسامح ولين في هذا المجال قد يؤول إلى ما لا يحمد عقباه.

 

المصدر كتاب: دراسات في الفكر السياسي عند الإمام الخميني (قدس سره)

 ((البيع)) الإمام الخميني، المجلد 2: 495، اسماعيليان، قم.[1]

 ((ولاية الفقيه))، الإمام الخميني 1: 192، دار النشر آزادي.[2]