الدكتور الشهيد مصطفى شمران

الثورة الإسلامية قفزة نوعية نحو المدينة الفاضلة تشكل ثورتنا الإسلامية قفزة نوعية كبرى في مسيرة الإنسانية التكاملية نحو المدينة الفاضلة، وإمام الزمان (عج) ينتظر تلك اللحظة التي تصل فيها عملية تغيير النفوس إلى حد كمالها حتى يستطيع الظهور. إن إمام الزمان هو الذي ينتظرنا وهو غير مرتاح لغيبته بأي وجه من الوجوه، هو قلق ومتألم وغير نائم ولا غافل، إنه يشاهد ما يعاني منه المحرومون والمستضعفون من المجازر والجرائم والظلم والعذاب، إنه يتألم ويتعذب وينتظر الظهور بفارغ الصبر ليقتطع جذور الفساد من هذا العالم ويقيم الحق والعدالة الإلهية. لكن أمتنا لم تصل بعد إلى درجة التكامل المطلوبة التي تؤهلها لاستقباله وتحمّل إقامة الحق والعدالة ودولته الإسلامية المقدسة. تكليفنا تسريع التغيير الروحي حتى يظهر الإمام الحجة (عج) إن وظيفتنا وتكليفنا في حياتنا هو تسريع هذا التغيير الروحي حتى يصل مجتمعنا والمجتمعات الأخرى الى درجة الوعي والرشد والتكامل لكي يستطيع الإمام الحجة عجّل الله تعالى فرجه أن يعتمد عليهما فيظهر ويحقق مشروعه النهائي في هذه الدنيا ويقيم بنفسه وبيده بشكل عملي المدينة الفاضلة التي تجّسد هدف الإنسانية المرسوم منذ اليوم الأول لتاريخ وجودها. تعلمون أن هذه المدينة الفاضلة هي التي تنتهي فيها أعمال الظلم وتحكمها قوانين العدالة، وهي أمل ورجاء كافة الشعوب والأمم، وينتظر مفكّرو العالم ذلك اليوم منذ قرون طويلة لتتحقق تلك المدينة الفاضلة الثانية، ولكن من بين جميع الأفكار والنظريات والأنظمة والشعوب والمفكرين ان الإنسان الوحيد الذي بمقدوره إقامة هذه المدينة الفاضلة هو إمام زماننا الذي تدل عليه كافة الأحاديث والأدلة المختلفة. نحن نعرف بأننا نحن الذين لا نراه لأن قلوبنا وأرواحنا مغطاة بحجب الذنوب والآثام ولذلك لا نستطيع أن ندرك وجوده المبارك، فهو لم يغب عنا بل نحن الذين غبنا عنه. نور إمام الزمان (عج) يشعشع كالشمس في كل زوايا العالم يقول الشاعر حافظ: حجاب الأرواح يشبه غبار الأجساد طوبى لمن يقلع الستار عن هذه الأرواح‏ كما أن تراكم الغبار يشكل حجاباً على أجسادنا فنقوم بإزالته، كذلك يجب علينا أن نزيل هذه الغشاوة الضخمة عن أرواحنا وقلوبنا حتى نستطيع أن نشعر بوجود إمام الزمان عجّل الله تعالى فرجه الذي ينير الوجود كالشمس؛ إن نوره يسطع كالشمس ووجوده يشعشع في كل الأمكنة وزوايا العالم. محال أن يخلو هذا العالم من نور وجوده وإلاّ لتلاشى أساس هذا العالم واضمحلّ واندرست جباله وذرّات وجوده ولأصبحت كالصوف المنفوش وتبعثرت في السماء. هذا قانون وعلة الخلق؛ يجب أن يكون موجوداً وهو موجود يسطع كالشمس. أما إذا ما راجعنا الآية القرآنية الكريمة التي تقول: (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم) البقرة 7. فسنجد أن القلوب والأبصار والآذان مغطّاة بغشاوة وستار ضخم ولهذا السبب لا يستطيع الناس إدراك الوجود المبارك لهذه الشمس الساطعة. وجود إمام الزمان (عج) كوجود الجاذبية والهواء في كل مكان إمام الزمان عجّل الله فرجه موجود بيننا كوجود قانون الجاذبية وكوجود الهواء؛ فلو فُقد الهواء لمات الجميع، ولو انتفى قانون الجاذبية لتلاشت الجبال والأبنية وسبح الناس في الفضاء. إذاً وجود إمام الزمان (عج) كوجود قانون الجاذبية والهواء في كل مكان وعلى الدوام، لكن الحجاب الضخم على قلوبنا وأبصارنا هو الذي يمنعنا من رؤية وجوده المبارك. لن يأتي الامام المهدي (عج) لقطع أنفاس البشر حينما تصل الشعوب إلى مرحلة الرشد ترفض كل الأنظمة الشرقية والغربية وكل الحكومات والطواغيت، وتصبح جاهزة لطاعة الإمام والتضحية بكل وجودها لنصرة حركته ومشروعه ودولته. لن يأتي إمام الزمان (عج) ليقطع أنفاس البشر، فلو كان ذلك هو المطلوب لأنزل الله تعالى بلاءً من السماء وأباد العصاة والمخالفين لأمره.. يمكن أن تتحقق هذه الإرادة الإلهية في كل لحظة كما جرى في زمان النبي نوح (ع) والنبي موسى (ع) وبقية الأنبياء والأولياء (ع) وكذلك في زماننا هذا يمكن أن ينزّل الله تعالى بلاءً من السماء ويقتلع أعداء الثورة من الطواغيت والقوى الكبرى والصهاينة، لكن هذا الأمر لا يتناسب مع الفلسفة الإلهية لهذا التغيير. الفلسفة الإلهية تقتضي تغييراً بدون معجزات تقتضي الفلسفة الإلهية هداية البشر وتحقيق التغيير والتحوّل الروحي في نفوسهم، وما هذه الثورة إلاّ وسيلة من وسائل ترشيدهم وإعدادهم لتلك المرحلة. فلو أراد الله تعالى أن يقتلع جذور الفساد ويصنع المعجزات الى جانب الإمام الحجة (عج) ماذا سيكون دور الأنصار؟ لو فرضنا أنه لا يوجد حالياً في بلدنا أو في العالم أعداء كالقوى الكبرى والصهاينة والشاه وعملاؤه في الداخل لما كان لثورتنا قيمة لأن أهمية ثورتنا تكمن في وقوفها بوجه أكبر الدول وأعظم القوى ومخططاتها وتصديها لكل من يعرقل تطبيق الرسالة الإسلامية المقدسة. في هذا الطريق يصبح لثورتنا ولتضحياتنا قيمة ومكانة واعتبار. إذن لا يريد إمام الزمان (عج) أن يقطع أنفاس جميع الناس، يجب أن نستعد لتحمّل مسؤولياتنا، والذين ينامون في الزواية وينتظرون ظهور الإمام الحجة (عج) ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً هم أناس التبس عليهم الأمر ومشتبهون. التضحية والجهاد يعجّل ظهور الإمام الحجة (عج) يجب أن يضحّي شعبنا أكثر ويجاهد أكثر ويسرّع هذا التغيّر والتحوّل حتى يعجّل ظهور الإمام الحجة (عج)، ويجب أن تدركوا جيداً أن الإمام حاضر ويراقب كل أعمالكم. إمام الزمان (عج) لا يترك قافلته ولا يدعها عرضة للمخاطر، بل يراقبها ويتعذّب إذا أصابها مكروه ويتألم إذا سقطت الدماء بدون حق. إمام الزمان يسعى بكل وجوده لإيجاد التغيير والتحوّل الوجداني في نفوس هذه الأمة حتى تصل أسرع فأسرع الى تكاملها. أمل ظهور إمام الزمان (عج) يرفرف في أعماق فلسفة التشيّع عرضت ذلك المثل حتى يدرك شبابنا بحق أن إمام زماننا (عج) شاهد عليهم وحاضر معهم ويعيش بينهم ويسعى بقوة لتحقيق ذلك التغيير النوعي لا الكمّي لتصرفاتهم وتضحياتهم وحياتهم ومودّتهم، ولإنجاز خطوة كبرى في حركتهم التكاملية نحو المدينة الفاضلة. للأسف ان بعض أبناء مجتمعنا يجهلون هذه الحقيقة العظيمة لعلّهم يفكرون بوجوده المبارك خلال لحظات أو أيام ثم يصابون بالنسيان، لقد عرّفوهم عليه كأنه أسطورة تاريخية، فكما أن الإمام علي (ع) جاء وذهب وكما استشهد الإمام الحسين (ع) وانتهت حياته، كذلك يروون سيرة إمام الزمان (عج) كروايتهم لحوادث التاريخ، وهذا خطأ واشتباه كبير. إمام الزمان (عج) حاضر وموجود ويسمع ويرى كل ما نقوم به، وعندما تصل أمتنا الى هذا المستوى من الإيمان والإدراك سوف تحقق أعظم الخطى في طريق تكاملها. هذه هي فلسفة التشيع التي يرفرف في أعماقها أمل عظيم، هذا الأمل المقدس هو ظهور الإمام الحجة واقتلاع جذور الظلم وإقامة صرح العدالة في هذا العالم. علّقت مدرسة التشيّع لقافلتها أعظم الآمال بظهور إمام الزمان (عج) تربي مدرسة التشيع أبناءها لتحقيق أمل واحد، وذلك الأمل هو ظهور إمام الزمان عجّل الله فرجه، لأن ظهوره سوف يحلّ كل المشاكل ويحقق كل الآمال. اجمعوا كل الآمال التي ترد في ذاكرتكم فسوف تجدون أن قسماً يريد إسقاط الطاغوت وإزالة القوى الكبرى واقتلاع جذور الظلم والفساد في هذا العالم وتحقيق النصر، وقسم من العمّال يريد زيادة الرواتب وتحسين الظروف الصحية وتأمين السكن وغيره... إن جميع هذه المشاكل تنتهي عندما تتحقق المدينة الفاضلة لصاحب العصر (عج) في هذه الدنيا وبيديه المباركتين. إذن تلاحظون أن مدرسة التشيع تعلّق أعظم الآمال لأتباع قافلتها في أمل واحد وتطمئنهم بأن تحقُقه سيخلّصهم من جميع المشكلات وينجز لهم جميع الآمال. تأمّلوا في هذه المدرسة وحدّقوا بها، كم هي مدرسة عظيمة ومقدسة وصلت إلى هذا المستوى من السمو وهيّأت للمقتدين بها هذا الأمل الكبير الذي يضم في إطاره كل شأن من شؤون الدنيا ويؤمّن له الحل الصحيح، حقّاً الحل الصحيح. إمام الزمان (عج) ينتظر أمتنا لتصبح مستعدة لاستقباله كم هو تحوّل عظيم وعميق سيحدث في مجتمعاتنا لو أن أمتنا تدرك في الوقت الحاضر هذه الحقيقة العظيمة الساطعة بأن لها أملاً، وذلك الأمل هو ظهور الإمام، وتطمئن بأنه موجود بينها ويعيش معها ويراقبها ويتألم قلبه لعذاباتها وإراقة دماء أبنائها، وينتظر بفارغ الصبر تلك اللحظة التي نصبح فيها مستعدين لاستقباله. بناء على ذلك نصل الى النتيجة التالية: إن وظيفتنا نحن أن نسرّ بظهوره بشدة أكبر وأن نحقق هذا التغيير والتحوّل وأن نتجهّز لاستقبال شخصه الشريف، وأن نهيّئ أنفسنا ونرتفع بها إلى تلك الدرجة من الرشد والتكامل التي تؤهلنا لتحمّل وجوده المبارك بيننا. كونوا مطمئنين بأننا إذا وصلنا إلى ذلك المستوى فسيخرج إمام الزمان (عج) بشكل مؤكد. ثورتنا الإسلامية أعظم خطوة في تعجيل الفرج والخلاص إن الثورة الإسلامية في إيران تعتبر أعظم خطوة على طريق هذا التغيير والتحوّل الروحي والوجداني في النفوس الإنسانية، وبذلك تحقق دوراً مهماً جداً وأساسياً لتحقيق ظهوره المبارك (عج). واجبنا مقدس ومهمتنا عظيمة وعلى جميع شبابنا الذين يساعدون في حراسة هذه المعتقدات المقدسة وتحقيق مقدمات انتصارها الذي يشكل مساهمات كبرى في تعجيل الخلاص والفرج، أن يستمروا في تقديم التضحيات وأن لا يبخلوا عن بذل أي جهد مهما بلغت المصاعب. إلهي، عجّل فرج مولانا صاحب العصر والزمان‏. إلهي، مُنّ علينا بتحقيق النصر النهائي للثورة الإسلامية المقدسة. إلهي، أهلك القوى الكبرى والصهيونية والطغاة. إلهي، تفضّل علينا بحفظ إمام أمتنا وأطل في عمره‏.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته