بمناسبة اقتراب ذكرى مناسبة المولد النبوي الشريف حرصنا كما في العام الماضي وكما في المناسبات الماضية أن نستفيد من هذه الذكرى باعتبارها محطة مهمة جدا نستلهم منها أعظم الدروس والعبر التي نحن في أمس الحاجة إليها في واقع حياتنا.

وفي هذه المحاضرة على الحديث على ضوء الآيات المباركة من أول سورة الجمعة، يقول الله سبحانه وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم [يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ] ابتدأت السورة المباركة بالحديث عن التسبيح لله سبحانه وتعالى يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض استنفار شامل لجميع ما في السماوات وما في الأرض لتسبيح الله سبحانه وتعالى تنزيهه وتقديسه عن كل عيب عن كل نقص في مقام ربوبيته وكماله والتسبيح لله سبحانه وتعالى الذي هو دلالة على تنزيهه وقدسيته وكماله وتنزيهه عن كل نقص في مقام إلوهيته في مقام ربوبيته يمتد إلى موضوع مهم جدا ويتصل في هذا السياق بمواضيع في غاية الأهمية موضوع الهداية للعباد من جوانب متعددة سنشير إلى البعض منها وطبعا النصوص القرآنية واسعة الدلالة واسعة الهداية وما يمكن أن نستفيده منها أو نقدمه منها هو بلا شك شيء محدود فيما فيها من الهدى الواسع جدا فيما يمكن أن نستفيده فيما قد قدم من قبلنا فيما يقدم من بعدنا فيما يمكن أن نستفيده مجددا في أي مناسبات وبالتأكيد أيضا بحسب الظروف والمراحل وبحسب المناسبات.

وأشار السيد الحوثي في جانب آخر من محاضرته الأولى: الله سبحانه وتعالى يبتدئ عباده منذ بداية وجودهم أول ما خلق الإنسان منذ آدم عليه السلام أتى إليه وحي الله توجيهات الله تعليمات الله سبحانه وتعالى فهو جل شأنه يبتدئ عباده وعلى طول مسيرة التاريخ منذ آدم عليه السلام وأتت الأجيال تلو الأجيال من البشر ويترافق معها نزول الهدى الإلهي مجيء الهداية الإلهية إلى الواقع البشري فالله يبتدئ عباده بالهداية وتأتي إليهم الهداية منه وفق طريقته ووفق سنته التي هي مرتبطة بحكمته بعزته بقدسيته سبحانه وتعالى ثم ما يأتي منه سبحانه وتعالى وهو مشروعه لعباده في أرضه من موقعه في الملك والربوبية والألوهية هو معنيٌ بأمر عباده ليس فضوليا يتدخل في شؤونهم وليس له علاقة بهم فيأتي البعض مثلا يقول لماذا يريد الله أن يفرض علينا في حياتنا منهجا معينا ويقدم لنا توجيهات وأوامر ونواهي وغير ذلك، لا، هو جل شأنه المعني بأمرنا لأنه ربنا ملكنا إلهنا وهو كذلك العزيز والحكيم تأبى عزته وتقتضي حكمته أن يكون له في واقع حياتنا تدخل كامل تأبى عزته إن يتركنا هملاً وتقتضي حكمته أن يتدخل في كل شؤوننا لما فيه الخير لنا فيرسم لنا منهجا إذا سرنا عليه في هذه الحياة كان بذلك فلاحنا وخلاصنا وصلاح حياتنا وكان بذلك فوزنا في الدنيا وفوزنا في الآخرة هو جل شأنه من موقع ملكه وقدسيته وعزته وحكمته الذي بعث في الأميين رسولا ويتسم منهجه ورسالته هذه برحمته بحكمته مطبوعة بطابع أسمائه الحسنى بالرحمة بالحكمة بالعلم بالخير والعزة إلى آخره، فليس فضوليا وليس مجرد مقترحات متروكة لمزاجنا إن نحن رغبنا أن نعمل بها فلا بأس وإن لم نرغب نتركها ويكون الموضوع عاديا وطبيعيا لا بل المشروع الإلهي هذا هو ملزم، ملزم لأنه من الله سبحانه وتعالى الرب الملك للسموات والأرض وللناس وإذا لم نعمل ولم نقبل بهذه الرسالة الإلهية هناك عقاب وهناك حساب وهناك جزاء هناك عواقب وخيمة عواقب وخيمة للرفض لهدي الله والإعراض عن هدي الله سبحانه وتعالى في الدنيا وفي الآخرة، ثم كذلك هناك نقطة مهمة جدا أن الهدي الإلهية والرسالة الإلهية ليست مجردا توجيهات جافة ومنفصلة عن الله سبحانه وتعالى ومشروعا ينزل إلى البشر يرسم لهم طريق الخير والفلاح ثم يترك الأمر هكذا إن أخذوا به استفادوا وإن لم يأخذوا به يعاقبون في الدنيا والآخرة هذا المنهج الإلهي وهذه الرسالة الإلهية تتصل بالله سبحانه وتعالى في تقديره يعني المشروع الإلهي هو مشروع تفاعلي إن صح التعبير يتصل بالله القيوم المدبّر والله سبحانه وتعالى لم يفصل هذا المنهج عنه يعني يفعل فينا جميلا ويقدم إلينا رؤية جميلة حسنة وخلاص وانتهت المسألة عند هذا الحد، لا.

وأضاف سماحته المشروع الإلهي هو مشروع تفاعلي يبقى مرتبطا بالله سبحانه وتعالى في كل الجوانب في كل المجالات في كل الاتجاهات وسنذكر بعض الأمثلة على ذلك، مثلا نجد في القرآن الكريم الأمر بالجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى وهو أمر بما فيه خير لنا عزة لنا كرامة لنا دفعٌ للشر عنا ودلالة على عملٍ هو لصالحنا فيه دفع للظلم عنها ودفعٌ للشر عنا فيه تحقيق للخير لنا لكن هل تكون المسالة فقط عند هذا الحد، لا، المسالة أكبر الله يقول [إن تنصروا الله ينصركم] المسالة يرتبط بها تدخل إلهي تدبير إلهي، نلاحظ مثلا الله سبحانه وتعالى يقول [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا] والله سبحانه وتعالى عندما تتجه أمة أو قوم أو أي ناس من البشر يجتمعون لينفذوا هذا التوجيه الإلهي كيف يتدخل الله سبحانه وتعالى فيؤلف بين قلوبهم هو جل شأنه القائل [وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ] والقائل [وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا] كيف أن الله يتدخل جل شأنه في كل اتجاه نتجه بتطبيق هديه لقبول توجيهاته يتدخل على أساس تنفيذنا لذلك التوجيه فيمدنا سبحانه وتعالى يمدنا بمدده في كل مقام بما يقتضيه [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ] يأتي التدخل الإلهي مع الهدى هذا فالمشروع الإلهي والرسالة الإلهية لا ينفصل عن الله ليست مجرد توجيهات طيبة وإرشادات جميلة ينزلها إلينا ونستفيد منها بحسب إيجابيتها في الحياة بحسب بل يرتبط بقيومية الله وبتدبيره ويكون لما ننفذه ونطبقه من تعليمات الله سبحانه وتعالى أثر في تدبير الله في تدخل الله سبحانه وتعالى ويمتد بهذا إلى كل مجالات الحياة كل واقع الحياة وهذه مسألة مهمة جدا مسالة مهمة جدا.

وفي الختام  أكد  السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي: لهذا يمتاز الرسل بما لا يوجد في غيرهم، ويمثل هذا عاملاً جاذباً فيفترض بنا أن ننشد إلى الرسل وأن ننشد إلى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ونحن ندرك هذه الميزة التي لن نجدها في غير الرسل والأنبياء عند غيرهم، بقية الناس مثلاً قد يتجه الناس إلى زعيم وطني أو زعيم قومي أو متفلسف أو مفكر هنا وهناك في الشرق والغرب لكن كيف كان ذلك المتفلسف كيف كان ذلك الزعيم الوطني، ذلك الزعيم القومي كيف كانت نفسيته روحيته رصيده السلوكي اهتماماته اتجاهاته، هل يمتلك ذرة من الرحمة التي تحلى بها الرسل والأنبياء، وهم أرحم الناس بالناس بعد الله، هل يمتلك تلك الحكمة ذلك النقاء ذلك الصفاء تلك الطهارة تلك المواصفات الكثيرة والكثيرة، فالله سبحانه وتعالى لم يجعل هذه المهمة الإنقاذية موكولة إلى زعيم وطني أو إلى شخصية هنا أو شخصية هناك أو متفلسف هنا أو متفلسف هناك، كذلك لم يتركها مثلاً إلى حبر من الأحبار، المجتمع آنذاك فيه أحبار من بني إسرائيل ممن يقدمون أنفسهم على أنهم أتباع للرسالة الإلهية، أو كذلك مثلاً قساوسة من النصارى لم يجعل المسألة الإنقاذية هذه متروكة إلى قس هناك أو إلى حبر من أحبار من بني إسرائيل هناك فيقول إليك هذه المهمة، لأنهم بأنفسهم من بقي من أحبار وقساوسة كانوا في واقعهم أصلاً قد تحولوا إلى جزء من المشكلة القائمة في الواقع البشري،...

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا وأن يوفقنا للاهتداء بهديه والإتباع لرسالته والإقتداء برسوله (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،