يوافق الثالث عشر من شهر جمادى الأولى الذكرى الأليمة لاستشهاد بضعة النبي(ص) السيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، وبهذه المناسبة نسلط الضوء على منهج حياتها الطيبة في بيتها مع زوجها وأولادها.

عاشت الزهراء عليها السلام في بيت أعظم شخصية إسلامية بعد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله على الإطلاق، رجل مهمته حمل راية الإسلام والدفاع عنه.

وكانت الظروف السياسية حسّاسة وفي غاية الخطورة يوم كانت جيوش الإسلام في حالة إنذار دائم، إذ كانت تشتبك في حروب ضروس في كلّ عام، وقد اشترك الإمام عليّ عليه السلام في أكثرها.

وكانت الزهراء توفّر الجوّ اللازم والدفء والحنان المطلوب في البيت المشترك، وبهذا كانت تشترك في جهاد عليّ أيضاً فإنّ جهاد المرأة حسن التبعّل كما ورد في الحديث الشريف.

لقد كانت الزهراء عليها السلام تشجّع زوجها، وتمتدح شجاعته وتضحيته، وتشدّ على يده للمعارك المقبلة، وتسكّن جراحه وتمتص آلامه، وتسرّي عنه أتعابه، حتى قال الإمام عليّ عليه السلام: " ولقد كنت أنظر اليها فتنجلي عنّي الغموم والأحزان بنظرتي اليها".

ولقد كانت حريصة كلّ الحرص في القيام بمهام الزوجية، وما خرجت فاطمة عليها السلام من بيتها يوماً بدون إذن زوجها، وما أسخطته يوماً وما كذبت في بيته وما خانته وما عصت له أمراً، وقابلها الإمام عليّ عليه السلام بنفس الاحترام والودّ وهو يعلم مقامها ومنزلتها الرفيعة، حتى قال: " فوالله ما أغضبتها ولا أكربتها من بعد ذلك حتى قبضها الله إليه، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً".

وذكر الإمام عليه السلام ذلك في لحظات عمر الزهراء عليها السلام الأخيرة حين أرادت أن توصيه: " يا ابن عمّ! ما عهدتني كاذبة ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني"؟ فقال عليه السلام: " معاذ الله، أنتِ أعلم بالله وأبرّ وأتقى وأكرم وأشدّ خوفاً منه، والله جدّدت عليَّ مصيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وقد عظمت وفاتكِ وفقدك، فإنّا لله وإنّا اليه راجعون".

وعن أبي سعيد الخدري قال: أصبح عليّ بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم ساغباً فقال: "يا فاطمة هل عندك شيء تغذينيه؟" قالت: "لا، والذي أكرم أبي بالنبوّة وأكرمك بالوصيّة ما أصبح الغداة عندي شيء وما كان شيء اُطعمناه مذ يومين إلاّ شيء كنت اُؤثرك به على نفسي وعلى ابنيّ هذين (الحسن والحسين) فقال عليّ عليه السلام: "يا فاطمة ألا كنت أعلمتني فأبغيكم شيئاً؟" فقالت: "يا أبا الحسن إنّي لأستحي من إلهي أن أكلّف نفسك ما لا تقدر عليه".

هكذا عاش هذان الزوجان النموذجيان في الإسلام، وأدّيا واجباتهما، وضربا المثل الأعلى للأخلاق الإسلامية السامية، كيف لا؟ وقد قال النبيّ صلى الله عليه وآله في ليلة الزفاف لعليّ عليه السلام: " يا عليّ، نِعمَ الزوجة زوجتك" وقال لفاطمة عليها السلام: " يا فاطمة نعِم البعل بعلُك".

وقال صلى الله عليه وآله: " لو لا عليّ لم يكن لفاطمة كفؤ".

 

 فاطمة عليها السلام في دور الاُمّ:

إنّ الاُمومة من الوظائف الحسّاسة والمهام الثقيلة التي اُلقيت على عاتق الزهراء عليها السلام حيث أنجبت خمسة أطفال هم: الحسن والحسين وزينب واُمّ كلثوم في حين اسقط جنينها المحسن قبل ولادته.

وقد قدّر الله سبحانه وتعالى أن يكون نسل رسول الله صلى الله عليه وآله وذرّيّته من فاطمة عليها السلام، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله: " إنّ الله جعل ذرّيّة كلّ نبيّ في صلبه وجعل ذرّيّتي في صلب عليّ بن أبي طالب".

إنّ الزهراء عليها السلام ـ وهي ربيبة الوحي والنبوّة ـ تَعرِف جيداً مناهج التربية الإسلامية والتي تجلّت في تربيتها لمثل الحسن عليه السلام الذي أعدّته ليتحمّل مسؤولية قيادة المسلمين ويتجرّع الغصص في أحرج اللحظات من تأريخ الرسالة، ويصالح معاوية على مضض حفاظاً على سلامة الدين الإسلامي والفئة المؤمنة، ويعلن للعالم أنّ الإسلام وهو دين السلام لا يسمح لأعدائه باستغلال مشاكله الداخلية لضربه وإضعافه، فيُسقط ما في يد معاوية ويُفشل خططه ومؤامراته لإحياء الجاهلية، ويكشف تضليله لعامة الناس ولو بعد برهة، ويقضي على اللعبة التي أراد معاوية أن يمرّرها على المسلمين.

والزهراء عليها السلام قد ربّت مثل الحسين عليه السلام الذي اختار التضحية بنفسه وجميع أهله وأعزّ أصحابه في سبيل الله ومن أجل مقارعة الظلم والظالمين، ليُروّي بدمه شجرة الإسلام الباسقة.

وربَّت الزهراء عليها السلام مثل زينب واُمّ كلثوم، وعلّمتهنّ دروس التضحية والفداء والصمود أمام الظالمين، حتى لا يذعنّ ولا يخضعن للظالم وقوته، ويقلن الحقّ، أمام جبروت بني أُميّة بكلّ جرأة وصراحة، لتتّضح خطورة المؤامرة على الدين وعلى اُمّة سيّد المرسلين.