إن مهمة التصدّي للتحريفات الدخيلة على حادثة عاشوراء مهمة صعبة لم يقم بها إلاّ الندرة من العلماء والمصلحين المجدّدين، لماذا؟ لأنّه قد يكلّف العالم المصلح ثمناً باهظا أكبره القتل والاتهام بالمروق عن الدين وأقلّه اتّهامه بالجهل في التاريخ الإسلامي. لكن مع هذا، فقد تطرّق عدد من المحققين المتقدّمين لحوادث هذه الواقعة وتحليل التحريفات الرائجة فيها، وقد سعى المتأخّرون في تنقية هذه الفاجعة العظيمة من بعض التحريفات كالمرحوم النوري في كتابه اللؤلؤ والمرجان. ورغم كلّ ما بذل في هذا الباب إلاّ أنّه يمكن أن يقال إن الشهيد المطهري(قده) هو الفاتح لهذا الباب. فقد تطرّق الشهيد المطهري(ره) بشيء من التفصيل لهذه القضية؛ كَتَب المقالات، ألقى المحاضرات، عقد جلسات مناقشة لتحليل عوامل التحريف في قضية عاشوراء. وقد طُبعت خلاصة نظرياته حول ماهية نهضة الحسين(ع) وعوامل التحريف في واقعة عاشوراء في كتابه (الملحمة الحسينية) في ثلاثة أجزاء. يشير الشهيد المطهري(قده) في كتابه (الملحمة الحسينية) ـ بعد بيان معنى التحريف وأنواعه ـ يشير إلى عوامل التحريف في حادثة عاشوراء، فيرى انّ ثلاثة عوامل دخيلة في تحريف واقعة عاشوراء وهي: أ ـ الأعداء للوصول إلى مراميهم. ب ـ المحبّين وميلهم لخلق الأساطير. ج ـ تعليمات أئمة الدين في باب إحياء هذه الحادثة والتي أسيئ فهمها وإدراك معانيها. أوّلاً ـ الأعداء للوصول إلى مراميهم: وهذا متداول ومتعارف عليه لتحريف كلّ حادثة، فالأعداء عادة ما تكون أهدافهم سبباً لتحريف الحقائق وتفسيرها بما يتلاءم وميولهم وأغراضهم، وهذا أسلوب صادق على النهضة الحسينية أيضاً، فقد بذلت الحكومة الأموية كلّ جهدها لاتّهام نهضة الحسين(ع) بأنّها كانت من أجل السلطة والفساد وتضليل الناس. ثانياً ـ المحبّين وميلهم لخلق الأساطير: فالبشر عامّة يمتلكون حسّ عبادة الأبطال وتقديسهم الأمر الذي يدفعهم إلى خلق الأسطورة من أبطالهم القوميين أو الدينيين، لذا يشاهد خلق أساطير كثيرة مضمونها جميعاً هو جعل هؤلاء الأبطال شخصيات فوق سائر البشر، وما أكثر الأساطير التي اختلقناها عن حروب أمير المؤمنين(ع) ومنازلته الأبطال أمثال مرحب وغيره. ثالثاً ـ تعليمات أئمة الدين في باب إحياء حادثة عاشوراء والتي أسيئ فهمها: وهذا هو العامل الخاص بحادثة عاشوراء، على خلاف العاملين السابقين الذين يتكرران في كلّ تواريخ العالم. فتعليمات أئمة الدين(ع) جميعاً تؤكّد علينا ضرورة إحياء اسم الحسين بن علي(ع) والبكاء عليه وإقامة مجالس التعزية وقراءة الزيارات الواردة؛ وذلك لمعرفة ماهية وفلسفة نهضة الحسين(ع)، فالحسين(ع) أسّس مدرسة عملية في الإسلام ونموذج عمليّ للثورات الإسلامية، والتعليمات الواردة إلينا بهذا الشأن تهدف إلى المحافظة على هذه المدرسة الحيّة. فقد وردت روايات عديدة في باب فضيلة زيارة الحسين(ع) والبكاء على مظلوميته والهدف منها كلّها هو الحفاظ على هذه الثورة وماهيتها حيّة. لكن وللأسف الشديد، فإنّ البعض لم يدرك هذا المعنى وفلسفة صدور هذه الأوامر، وتصوّر بأنّ إقامة المجالس الحسينية والبكاء على الحسين(ع) بحدّ ذاته دون التوجّه إلى الهدف هو المطلوب لدى الأئمة(ع)، ممّا حـدا بـه إلى اختلاق طريقة جديدة لإبكاء الناس وخلق أساطير جديدة. فبالنظر إلى الأمور المذكورة يمكن تشخيص المعيار في باب العزاء وحفظ الشعائر الدينية وهو: إن كلّ حركة لا تسيء إلى ماهية نهضة الحسين(ع) ولا تنسي ذكرها صحيح ولازم، وإنّ كلّ حركة تسيء إلى هذه النهضة بأيّ شكل من الأشكال وتدخل السرور في قلوب الأعداء وتشوّه سمعة المذهب الشيعي، فهو خطأ ومرفوض.

**************