إنّ إحدى ثمرات انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني (رضوان الله عليه)، هي كسر الطوق الحديدي لحلف الناتو في الشرق الأوسط وأمريكا التي نصبت محمد رضا شرطياً على الخليج وكانت مطمئنة حيال مطامعها والثروات التي تنهبها من مسلمي المنطقة. لكن ومع سقوط الشاه واجهت أمريكا معضلة كبيرة لانقطاع الثروات الهائلة التي كانت تنهمر عليها من إيران باعتبارها قاعدة لأمريكا و (إسرائيل).

من جهة أخرى ولطبيعة الثورة الإسلامية العقائدية وصلابتها لم يكن بوسعها أن تقف مكتوفة الأيدي تجاه ناهبي ثروات المسلمين والمستضعفين؛ لذا صارت شوكة وعقبة في طريق استغلال أمريكا للدول الإسلامية، وما مخططات ومؤامرات أمريكا ضدّ الجمهورية الإسلامية إلاّ لعلاج ضعف وفشل السياسة الخارجية وعدم تمكّنها من تحقيق المصالح الامبريالية. وعلى أثر سقوط الشاه وانهيار الركن الرئيسي للمؤامرة الأمريكية في المنطقة وخاصّة خطّة الاعتراف بـ (إسرائيل) الغاصبة، ولعدم وجود من يشغل بكفاءة منصب شرطي الخليج رغم سعي زعماء المنطقة الرجعيون كلّ من جانبه لإثبات كفاءته والفوز بهذا المنصب، عمدت أمريكا لمجموعة إجراءات لحلّ هذا المشكل الكبير والسدّ المنيع الذي واجهته بانتصار الثورة الإسلامية وتمثّل بما يلي:

 

1 ـ تشكيل مجلس التعاون الخليجي علّه يستطيع الوقوف بوجه الثورة.

 

2 ـ الحرب المفروضة التي شنّها النظام البعثي الكافر في العراق والتي لم تُؤت اُكلها بفضل صمود ومقاومة الشعب المسلم في إيران الإسلام.

3 ـ الحصار الاقتصادي والسياسي والإعلامي والعسكري المفروض على الجمهورية الإسلامية.

4 ـ المؤامرات الداخلية الخطيرة وتسلّل العملاء والمنافقين إلى المناصب الحسّاسة والقيادية في الدولة والتي لولا اللطف الإلهي لكانت الثورة في خبر كان.

لكنّنا في هذا المقال نستعرض وبشكل سريع وموجز منهج آل سعود هذه الطغمة المعادية للإسلام والإنسانية للفوز بمنصب شرطي الخليج حامي مصالح الغرب مقتصرين على بعض ما أورده الإمام الراحل(قده):

1 ـ استلام فهد للسلطة ومشروع الاعتراف بـ (إسرائيل):

كان لابدّ للقوى العظمى من أجل مواجهة الثورة الإسلامية وقيادة الإمام(رض) الذي كان يرى أنّ سرّ وحدة المسلمين والمستضعفين في مواجهة القوى المستكبرة يتمثّل في حركة الشعوب، فعهدت إلى إحداث تغييرات على صعيد رؤساء الدول. فخالد بن عبدالعزيز وإن أتقن خدمة المصالح الغربية في المنطقة إلاّ أنّه لم يستطع تحقيق المزيد من مطامع الغرب فجيء بفهد ليحقّق ذلك، وقد برز هذا التأثير في مستهلّ استلام فهد للسلطة حيث طرح مشروعه للسلام مع (إسرائيل).

إنّ الإمام الخميني(قده) وفي ندائه بمناسبة تحرير خرمشهر وضمن اعتباره مشروع فهد مساوقاً لكامب ديفيد وأنّ كلا المشروعين ولدا ميّتين قال محذّراً فهد وأمثاله:

«اليوم وعلى أثر تحرير خرمشهر المظلومة فإنّ حكومتنا وشعبنا المنتصر ومن موضع الاقتدار والقوة وأنا نيابة عنه اُطمئنكم على أنّكم: لو كففتم أيديكم عن الطاعة العمياء لأمريكا وعملائها، أو تعاملتم معنا على أساس الإسلام والقرآن فسوف لن ترو منّا إلاّ الخير والدعم.

اعلموا أنّ القوى العظمى التي تساند صدام العميل المطلق لها سوف لن تساندكم أنتم القوى الصغيرة الضعيفة، وقد شاهدتم عاقبة هذا الجاني وصديقه الشاه المخلوع“ وإنّها ستوردكم موارد الهلاك.

وأنا أنصحكم نصيحة أخوية بأن لا ترتكبوا عملاً يكلّفنا بسببه القرآن الكريم أن نجابهكم وأن نجري بحقكم حكم الله. إنّكم لو أردتم إحياء مشروع كامب ديفيد وفهد الميّتين الخطرين على الدول الإسلامية وخاصّة الحرمين الشريفين، فإنّ الإسلام لا يجيز لنا أن نقف مكتوفي الأيدي، وإنّي قد أدّيت واجبي الإلهي تجاه الساحة الإلهية القدسية».

كما يقول الإمام:

«ما دام فهد وحكومة آل سعود خاضعة لأمريكا ومنفّذة لمشاريعها في الاعتراف بالحكومة الغاصبة للقدس فإنّها ستظلّ مورداً لسخط وغضب الشعب الإيراني وحكومته وقواه المسلّحة».

2 ـ فرض الحرب على إيران ودعم آل سعود لها:

كانت سياسة آل سعود في المنطقة هي الدعم الشامل لصدام وحزب البعث العراقي في استمرار الاعتداء الوحشي على إيران والثورة الإسلامية، وكانت تشمل الدعم المادّي والإعلامي والاستخباراتي بطائرات الاواكس الأمريكية والدعم السياسي في المحافل الدولية.

وقد حذّر الإمام(قده) كثيراً في هذا الشأن حيث يقول:

«نحن نرى أنّ مصلحة جميع البلدان وخاصة المجاورة منها أن لا يورّطوا أنفسهم بالدنيا الفانية ليُجزوا أليم عذاب الآخرة من أجل إشباع غريزة السيطرة والمصالح الذاتية ومغامرات صدام وتسليط القوى الكبرى التي دعته إلى التهلكة، وأن يعترفوا بالبلد الذي يمدّ يده لجميع مسلمي العالم ويسعى لتحقيق الاُخوّة التي أمر بها الله وأن يتعاملوا معه بسلام، وأن يعتبروا من التحرّكات المجنونة لصدام العفلقي وعواقبها، ولو تمكن صدام الساعي للسيطرة فلن يعاملهم بأقلّ من معاملة (إسرائيل) لهم».

3 ـ تعظيم دور أمريكا في الاُوبك:

من أخطر تحركات آل سعود هي بسط يد أمريكا على منظمة الاُوبك حيث أصبح ارتفاع وانخفاض الأسعار وزيادة الإنتاج وتخفيضه بيد النظام السعودي وبما تشاء أمريكا وتريد؛ من أجل ضرب إيران والدول المستقلة.

4 ـ تشكيل جبهة عالمية في مواجهة الجمهورية الإسلامية:

لم تكن الثورة الإسلامية ثورة على الشاه فحسب، ولم تكن ثورة زراعية أو صناعية أو محدودة بحدّ زمني أو مكاني ضيق لتكون مواجهتها بقدره. لقد كانت وبحقّ ثورة ثقافية ايديولوجية شاملة لا يحدّها زمان ولا مكان، ثورة عالمية فكرية تبغي تحكيم شرع الله وإعادة الإسلام إلى الحياة. لذا كانت المواجهة بقدر الثورة، فعمدت أمريكا إلى تعزيز وتنمية الإسلام الأمريكي في مقابل الإسلام المحمدي الأصيل بقيادة الإمام الخميني(قده).

قام فهد وسلطته باعتبار قوتهم الاقتصادية الكبيرة جداً ولمكانة الحرمين الشريفين في قلوب عامة المسلمين بـ: طبع ملايين النسخ الأنيقة من القرآن الكريم وتوزيعها شرقاً وغرباً، توسيع الحرمين وتزيين الكعبة وغسلها بماء الورد والعطور، إرسال المبلّغين المروّجين للفكر الوهابي المنحرف، دعم الدول وحثّها للوقوف بوجه إيران ومواجهتها.

لكن الإمام(قده) وبما منحه الله من تفكير وتخطيط استراتيجي أفشل هذا المخطّط لتدمير الإسلام الأصيل، وأنّ الثورة الإسلامية قد عقدت العزم على تدمير الاستكبار العالمي خاصّة أمريكا على طول جبهة البلدان الإسلامية والمستضعفة، وستستمر قدماً في هذا النهج بلا أيّ انفعال وتهوّر تجاه المؤامرات الأمريكية البشعة، حيث شكّلت خلايا المقاومة (خلايا حزب الله) في جميع البلدان الإسلامية والتي وجّهت الضربات لأمريكا وعملائها كالضربات القاصمة التي ألحقها حزب الله (لبنان) بأمريكا، وهي تمثّل تصديراً عملياً معنوياً للثورة وعجزاً استكبارياً عن إنهاء الثورة أو حتّى تحجيمها.

فكان استغلال الإمام لموسم الحج وإحياؤه للحج الإبراهيمي في مراسم البراءة من المشركين من أكبر الصفعات الموجّهة للاستكبار. فالحج المكان الأمثل حيث يجتمع مسلمو العالم، والحج بدون مراسم البراءة من المشركين لا معنى له؛ لذا نرى أنّ مجزرة مكة التي لم يُصب المسلمون بأعظم منها لم تكن وليدة ساعتها بل سبقها تخطيط دقيق تمثّل في اجتماع القمّة الخليجية والاستعانة المسبقة بقوات أمن غربية ومسلمة وعربية.

لكن هيهات أن يترك الله جنده، فردّ كيد أعدائه، وأفشل الله سعيهم وردّت سهامهم إلى نحورهم بتصميم الإمام وجنده. يقول الإمام(قده):

«يجب إظهار إعلان البراءة من المشركين التي هي من الأركان التوحيدية والواجبات السياسية للحج في أيام الحج بصورة تظاهرات ومسيرات بمزيد من الصلابة والإجلال، وعلى الحجّاج الإيرانيين وغير الإيرانيين وبتنسيق تام مع مسؤولي الحج أن يشتركوا في جميع المراسم وأن يرفعوا عند بيت التوحيد أصواتهم عالياً بصرخات البراءة القاصمة لظهر المشركين والملحدين والاستكبار العالمي وعلى رأسهم أمريكا».

وكانت هذه الكارثة من العظمة بحيث لم يتحمّل القلب الكبير الذي وسع العالم وأدهش بتحمّله وصبره العدو والصديق، فضاق هذا الصدر وتألّم بما لم يتألّم بمثله من قبل، رغم كلّ المصائب والويلات فخاطب الأمة:

«كان لي مزيد من التحمّل للأحداث (أحداث الحرب)، في كلّ هذا كنت أتحمّل، لكنّ هذه جعلتني لا أتحمّل شيئاً، هذه الحادثة تختلف عن سائر الحوادث»، ويقول(رض):

«لتطمئن السلطات السعودية بأنّ أمريكا قد ألبستها العار ولن يطهّرها حتّى ماء زمزم والكوثر إلى يوم القيامة، وإنّ دماء شعبنا المسالة على أرض الحجاز سيصبح زمزم الهداية للإسلام الحق، وسترتوي الأجيال القادمة منه وسيغرق فيه الظالمون»

وبعون الله سنحاسبهم بالوقت المناسب ونأخذ بثأر أبناء إبراهيم(ع) من أتباع النمرود وقارون والشيطان، وهذا هو ثمن الإسلام والحرّية والاستقلال».

ويقول(رض):

«نحن مع تأثّرنا الشديد وحزننا على هذه المجزرة التي لا سابق لها في أمة محمد(ص) وأتباع إبراهيم الحنيف(ع) العاملين بالقرآن، لكنّنا نشكر الله المتعال أن جعل أعداءنا حمقى جُهّال. إنّهم لم يدركوا أنّ حركتهم الرعناء كانت سبباً لانتشار وقوّة ثورتنا، وإنّنا لو استخدمنا آلاف الوسائل الإعلامية وآلاف المبلّغين لتوضيح الفرق بين الإسلام الحقيقي والأمريكي لما تمكّنا من إظهاره بهذا الشكل الجميل“

ألا لعنة الله وملائكته ورسله على ظالمي الإسلام أمريكا وروسيا وعملائهم آل سعود».

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون..