سبيل الانتصار في هذا التحدّي ليس إلّا الصّمود المحفوف بالإيمان، والثّقة بالنّفس والاعتقاد بالنّهج؛ علينا أن نؤمن بالنّهج الذي نسير عليه: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ»؛ أي يجب على آحاد المؤمنين بهذا النّهج أن يتكاتفوا ويصمدوا؛ ويُبرزوا صمودهم هذا. فهذا مسار التقدّم والانتصار. والنّصر محسومٌ إن بادروا للقيام بهذا الأمر.
مجموعة من الدروس القرآنية للإمام الخامنئي التي فسّرها سماحته وشرحها ضمن خطاباته.
آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ
سورة البقرة المباركة ﴿۲۸٥﴾
الاعتقاد برسالة الإسلام من أعماق القلب، سبيل التقدّم
لا شكّ في أنّ أحد العناصر التي آلت إلى تقدّم الإسلام، كان الاعتماد على الله والأحكام الإلهيّة؛ ”آمن الرّسول بما أُنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله“ (١). فالرّسول الأكرم والمؤمنون في مرحلة صدر الإسلام، كانوا معتقدين برسالة الإسلام والشعارات الإسلامية من أعماق قلوبهم، وقد كانوا موقنين فعلاً بالحقائق الإسلاميّة وكون الإسلام كافياً لإنقاذ البشريّة. هذا الإيمان يشكّل عنصراً فائق الأهميّة. (۲)
أهميّة التقيّد بالإسلام، إلى جانب الإيمان العميق
قضيّة التبليغ تحتاج إلى العمل الذي يلازم البصيرة واليقين. توفّر البصيرة ضروري. ينبغي أن يتوفّر اليقين - أي الإيمان القلبي الذي يترافق مع الالتزام- وأن تكون الحركة وفق هذه البصيرة واليقين. وجود البصيرة، وتوفّر اليقين دون النّهوض بأيّ عملٍ ليس محبّذاً؛ وهذا لا يعدّ تبليغاً. فعندما يتمّ إبلاغ شيء، ويفتقد هذا الشيء للبصيرة واليقين أو لأحدهما؛ فسوف تكون أركانه مزعزعة ولن يحصد النتيجة المرجوّة. هذا اليقين هو نفس ما ”آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ”؛ أي أنّ الشخص الأوّل الذي يعتقد بالرسالة ويؤمن بها إيماناً عميقاً؛ هو الرّسول نفسه. ولو لم يكن الأمر كذلك، فسوف لن يتواصل العمل ويستمرّ، ولن يترك تأثيراً. يجب أن يترافق ذلك الإيمان مع البصيرة أيضاً. (۳)
«لا نفرق بین أحد من رسله»
أن نصرّح بأنّنا نقبل تلك الحقيقة التي نزلت على رسولنا الأكرم (ص)، ونرفض ما نزل على سائر الرّسل، هذا ليس موضعٌ للتعصّب، فالعديد من البشر المعاصرين لبعثة الرّسول الأكرم (ص) دفعهم تعصّبهم هذا نحو الضّلال وقضى عليهم …
واليهود كانوا يقولون بوجوب أن يكون خاتم الأنبياء من بني إسرائيل لأنّهم سمعوا بأنّ التوراة صرّح بقدوم النّبي الخاتم؛ ثمّ عندما بُعث من بين العرب رفضوا ولم يؤمنوا به، وهذا كان ضلالاً - لأنّه بُعث من عند الله - وعندما تبرز فيه علامات الوحي الإلهي وتكون لديه المعارف والدروس الإلهيّة المرشدة، ماذا يهمّ على من نزل الوحي، لذلك فإنّ المسلمين كما يؤمنون بالوحي الذي نزل على نبيّهم، فهم يؤمنون أيضاً بالوحي الذي نزل على الأنبياء السابقين كموسى وعيسى وإبراهيم. وقد تكرّر هذا المعنى في مواضع متعدّدة من القرآن الكريم، ومن بينها هذه الآية التي تقول: ”لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ“ (٤)
إيمان المسؤولين العميق وعملهم الصّالح، سرّ تقدّم وانتصار النظام الإسلامي
نظام الجمهوريّة الإسلاميّة نظامٌ يسعى لتوفير سعادة التشكيلات البشريّة بواسطة نفس الرسالة التي جاء بها الرّسل على مدى تاريخ النبوّات وأوصلوها للبشر؛ وهو يصدّق بشكل عمليّ رسالة الأنبياء في مقابل رسالة طواغيت العالم. والطواغيت موجودون اليوم أيضاً ويصعب ذلك على هؤلاء فيواجهون ويعارضون. مسار الانتصار في هذا التحدّي وهذه المواجهة ليس إلّا ”الصّمود الذي يترافق مع الإيمان والثقة بالذات والنهج المتّبع“؛ علينا أن نؤمن بهذا النّهج: ”آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ“؛ أي ينبغي على جميع الأفراد المؤمنين بهذا النّهج أن يتكاتفوا ويصمدوا. هذا هو مسار التقدّم والانتصار. وعندما يبادرون للقيام بذلك يكون النّصر محتّماً.(٥)
وقد قدّم الله لنا وعوداً؛ وعلينا أن نؤمن بهذه الوعود. فالله عزّوجل قال لنا بشكل قاطع أن: ”أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ“. خصوصيّة الإيمان في وجود الإنسان المسؤول هي أنّه يعبّد طريقه ويقلّص من أهميّة المصاعب بالنسبة إليه؛ ويشحذ همّته؛ ويمنعه عن التلوّث برغبات أهل الدنيا الحقيرة؛ ويجعله عاشقاً، خادماً ومحبّاً للنّاس ومصوناً أمام تهديد الأعداء ومنيعاً أمام المشاكل التي تحملها المسؤوليّات والأعمال. (٦)
الإمام الخميني، المؤمن الأوّل بمسار الثورة
والإمام الخميني أيضاً كان قلبه عامراً بالإيمان بنهجه. كما يقول الله عزّوجل: ”آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ”. ففي ثورتنا كان الإمام الخميني العظيم، أوّل المؤمنين بهذا النهج وكان قلبه عامراً بالإيمان بهذا النهج وهذا الهدف ومدركاً لعظمة هذا العمل أكثر من الجميع، كما أنّه كان مدركاً لضروريّات هذا العمل حيث أنّ الأمر الضروري الأول كان الثبات على هذا النّهج بالتوكّل على الله عزّوجل. وشباب هذا الشّعب صمدوا اقتداء بصموده؛ فنبع الصّبر والسكينة هذا غمر الشعب كلّه عندما فاض وتدفّق. فصاروا هم أيضاً تجسيداً لـ“هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ“. عندما تنزل هذه السكينة على قلوب الناس يرتفع منسوب إيمانهم. ثمّ يقول الله عزّوجل: ”وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ“(٧). ممّ تخافون؟ جنود الأرض والسماء لله جلّ وعلا. كن مع الله، فتكون جيوش الأرض والسماء مسخّرة لك؛ وملكاً لك. هذه هي السّنن الإلهيّة. (٨)
الهوامش:
١) سورة البقرة؛ الآية ٢٨٥
۲) كلمته في لقاء مسؤولي النظام ٦/١١/١٩٩٩
۳) كلمته في لقاء مع عدد من العلماء وطلاب الحوزات ١٣/١٢/٢٠٠٩
٤) كلمته في جلسة تفسير القرآن التاسعة (تفسير سورة البقرة) ٢٣/١٠/١٩٩١
٥) كلمته في لقاء مسؤولي النظام ١٠/١٠/٢٠٠٦
٦) كلمته في حرم الإمام الرضا (عليه السلام) ٢١/٣/٢٠٠٤
٧) سورة الفتح؛ الآية ٤
٨) كلمته في لقاء مع مسؤولي النظام بمناسبة المبعث النبوي الشريف ٣٠/٧/٢٠٠٨
تعليقات الزوار