التأصيل الإسلامي؛ انتصار النبوّة(2).. المحاضرة الحادية والعشرون من سلسة محاضرات ألقاها سماحة الإمام الخامنئي بمدينة مشهد قبل 46 سنة

 

انتصار النبوّة (2)

الأربعاء 22 رمضان المبارك 1394 هجرية

17/7/1353 هجرية شمسية

 

 

ذكرت أمس أن وَعْدَ الله لأنبيائه ورُسُله يحمل بشائر النصر. أي إنه سبحانه وعد أنبياءه وحاملي مسؤولية الأمانة بالنصر في هذه الحياة الدنيا على أعدائهم، وبالثواب والأجر في الأخرة.

وحول انتصار الأنبياء لخّصتُ الموضوع في محورين: محور انتصار الرهط الكريم من الأنبياء بمجموعهم، ومثلت لذلك بدور المعلمين الذين يبدأون بتعليم الطالب في مرحلته التمهيدية ثم يسلموه معلمين في المرحلة الابتدائية، وهؤلاء يسلمونه إلى معلمين في المرحلة الثانوية، وهكذا يتدرج ليبلغ أعلى المراحل الدراسية. معلم المرحلة التمهيدية لم يبلغ بالطالب مرحلة الكمال العلمي، لكنه أدى مهمته وقام بدوره المطلوب.

وأضرب لهذا مثالًا آخر طالما ذكرته من قبل. افترضوا أن حِملا ثقيلًا يجب أن ننقله إلى نقطة تبعد 1000متر، وهذا الحمل لا يطيق أحد أن ينقله إلى كل هذه المسافة، ولا يمكن أن يحمله مجموعة من الناس، بل لابد أن يحمله واحد. فماذا العمل؟ يأتي واحد من الأقوياء فيحمله إلى مسافة 10 أمتار، ثم يأتي آخر فينقله إلى مسافة 20 مترًا ويأتي الثالث والرابع والخامس و... وكل واحد يقرّ به مسافة إلى أن يصل الحمل إلى النقطة المطلوبة. لقد أدّى كل واحد مسؤوليته في حمل هذه الرزمة، وإن لم يوصلها إلى هدفها المطلوب. لقد وفّى بمسؤوليته وإن ضحّى بنفسه وسط الطريق من أجل أداء المهمة. وهذا هو شأن الأنبياء (عليهم السلام)، كل منهم قطع شوطًا على طريق رقيّ البشرية. نوح (ع) قطع، خلال ألف سنة إلاّ خمسين عامًا من عمره، شوطًا وضحّى نفسه على طريق الدعوة، ثم جاء مِنْ بعده مَنْ قطع شوطًا آخر، ثم وصلت الرسالة إلى خاتم الأنبياء(ص) حيث بلغت الأمانة حدًا بإمكانها أن تواصل الطريق، إذ وصلت البشرية إلى سنّ البلوغ. من هنا فإن رَكْبَ الأنبياء بمجموعه من أولهم إلى خاتمهم قد حالفه التوفيق في أداء المهمة. ثم يصل الدور إلى آخر سفير إلهي وهو المهدي المنتظر (عليه السلام). وهو الذي يوصل الأمانة إلى آخر مراحلها المرسومة. إنه يواصل عمل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى والنبي الخاتم والأئمة من أهل البيت. وبذلك تكتمل مسيرة الأنبياء وتتحقق آمالهم جميعًا. فلا فشل إذن لأنبياء الله رغم كل ما واجهوه في حياتهم من عقبات ومن أذى ومصائب.

وثمة موضوع آخر تناولناه أمس وهو إن بعض الأنبياء، حققوا انتصارًا آخر إضافة إلى ما قطعوه من شوط على طريق ر قيّ البشرية، استطاعوا أن يقيموا مجتمعًا على أساس الفكر التوحيدي. النموذج الواضح لذلك ما قام به نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام. فقد أقام في المدينة مجتمعًا ونظامًا وفق المشروع الإلهي. ومثله أيضًا عيسى عندما آمن به إمبراطور الروم، وهكذا إبراهيم وسليمان قد نجحوا في إقامة مجتمع توحيدي يسوده نظام توحيدي.

غير أن بعض الأنبياء لم يحالفهم التوفيق في هذا المجال. ما هو السبب؟ السبب يعود كما ذكرنا أن رهطهم لم يكونوا على الدرجة المطلوبة من الإيمان والصبر. متى ما كان قوم النبي متحلّين بالإيمان والصبر فقد حققوا النصر على أعدائهم وكُتب لهم الفتح، ذلك لأن دعوة الأنبياء تقوم على الحق، والحق منتصر لا محالة لأنه ينسجم مع فطرة الكون وطبيعته.

والآية التي تلوناها أمس تؤكد على حتمية انتصار جبهة الحق: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِینَ # إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ # وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)[1] لو شاهدتم أن دعاة كلمة الحق في مقطع زماني كانوا مغلوبين فاعلموا أنهم لم يكونوا جند الله، أي لم تكن خصائص جند الله متوفرة فيهم. حين تتوفر مواصفات جند الله في مجتمع فالنصر حليفه، وإن لم تتوفر فالفشل قرينه.

ملخص حديثنا هو متى ما كان رهط النبي متحلّين بالإيمان التام وكانوا ثابتين في مواقفهم الحقّة فإنهم منتصرون لا محالة. ذكرت لكم أمس قول ذلك الرجل الذي كان يوصي المناضلين في الحركة الدستورية الإيرانية المعاصرة. كان يوصيهم بالنضال في كل حال، وإذا أيقنوا بالهزيمة ومع ذلك واصلوا فإنهم عندئذ سينتصرون. الآية الكريمة تقارب هذا المفهوم إذ تقول: (حَتَّى إِذَا اسْتَیْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا)[2]. حين تنسدّ الطرق أمام السائرين إلى الله، ويظنون أن الله لم يَعِدهم بالنصر، ويرون تكالب الأعداء عليهم، ومع ذلك يحافظون على استقامتهم، فإن نصر الله حليفهم.

الذين لا يعرفون منطق القرآن يقرأون التاريخ بشكل مشوّه. يرون أن الحركات الداعية إلى الحق قد فشلت. يرون استشهاد الثائر زيد بن علي[3] والثائر محمد بن عبد الله النفس الزكية[4]، وشهادة حسين بن علي الحسني شهيد[5] فخ قرب المدينة المنورة مع كل أصحابه، ومقتل إبراهيم بن عبد الله[6] شقيق محمد النفس الزكية في العراق، فيستنتجون من ذلك أن أية نهضة داعية للحق أمام الباطل مآلها الفشل. وذكرت أن هذه القراءة للتاريخ هي ما يرومه الطغاة والمتجبرون وما يستسيغونه ويروجون له، ويدعون الله أن يكون الأمر على هذا النحو!!

لو رأينا أن زيد بن علي قد استُشهد فلا يعني ذلك أن دعوة الحق مآلها إلى الهزيمة. بل يجب أن نفهم أنّ دعوة الحق بحاجة إلى سعي وجهد وعمل. لا يجوز لنا أن نفهم بأننا منتصرون لأننا فقط على حقّ، بل لابد من السعي والمثابرة والمواصلة والصبر وبذل الجهد وتقديم التضحيات.

زيد بن علي كان على حق، والإمام الصادق(ع) أيّد قيامه في زمن هشام بن عبدالملك الأموي، لكن الذي حدث هو أن جمعًا من أصحابه قد تأثروا بالدعايات المسمومة لأعدائه فخذلوه وتركوه وحيدًا. وهذا درس لنا يعلمنا أن الدعوة ــ وإن كانت على حق ــ فإنها قد تتعرض للهزيمة إذا خذلها أصحابها، وإذا لم يصمدوا ويصبروا في سبيل هدفهم. أيُعقل أن نرى الدعوات التي لا تنسجم مع سنن الكون وطبيعة الإنسان تحقق انتصارًا بسبب ما يبذله دعاتها من جهود، أما دعوة الحق المدعومة بالسعي والصبر والمواصلة فإنها لا تحقق هدفها؟!! ما هذا الكلام السخيف الباطل.

أذكر لكم في هذا الصدد خطبة للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) ذكرتها في مناسبات متعددة حيث يقول:

«ولقد كنّا مع رسول الله نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا، ما يزيدنا ذلك إلاّ إيمانًا وتسليمًا ومضيًا على اللَّقم وصبرًا على مضض الألم وجدًا في جهاد العدوّ. ولقد كان الرجل منّا والآخر من عدوّنا يتصاولان تصاول الفحلين يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون. فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدوّنا الكبتَ وأنزل علينا النصر، ولعَمري لو كنّا نأتي ما أتيتُم ما قام للدين عمود ولا اخضرّ للإيمان عود»[7].

الإمام يتحدث عن ذوبان المجاهدين مع رسول الله في المبدأ، لا يأبون في ذلك أن يقتلوا أقرب الناس إليهم إذا كانوا في جبهة المحاربين الكفار، ولا يزيدهم ذلك إلاّ الإيمان والتسليم والاستمرار في تحمل الصعاب والصبر على تحمّل الآلام والجدّ في الجهاد. وقد كان الصراع مع عدوّنا صراعَ حياة أو موت. ولقد واصلنا الجهاد حتى رأى الله صدقنا، فقمع سبحانه عدونا ومنّ علينا بالنصر.

ثم ها هو الإمام يواجه نفوسًا مهزوزة ضعيفة، تخلق المبررات للابتعاد عن ساحة المواجهة، فيقسم لهم أننا لو كنا مثلكم ما استحكم الدين ولا أينعت شجرة الإيمان.

ماذا نفهم من هذه الخطبة؟ إنه حديث أخي رسول الله ونفسه. لماذا تقدم المسلمون في جهادهم مع رسول الله، ولماذا تراجعوا في زمن أمير المؤمنين؟ يذكر الإمام سرّ هذا الأمر، يقول: لقد صبرنا آنذاك وتركنا انشدادنا المادي فتقدّمنا، ولم تفعلوا ذلك فتأخرتم.

فالإيمان والصبر هما شرطا انتصار دعوة أنبياء الله ودعوة التوحيد. هذا هو ملخص حديثنا اليوم. نبدأ بآيات هذه الجلسة:

(إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَیَوْمَ یَقُومُ الْأَشْهَادُ # یَوْمَ لَا یَنفَعُ الظَّالِمِینَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)[8].

كلمة «إنّا» واللام في «لَنَنْصُرُ» للتأكيد ولحتمية وقوع الأمر.. والنصر لا يختص بالرسل بل يشمل «الذين آمنوا» بدعوة الرسل في هذه الدنيا وفي الآخرة. ثمة آراء أخرى في تفسير «في الحياة الدنيا» لكني أرى بقرائن الآيات التالية أن المقصود منها هذه الحياة الدنيا المعاشة.

«وفي الآخرة» حيث يكون النصر على رؤوس الأشهاد، أمام الملائكة والأنبياء والصدّيقين. وفي ذلك اليوم لا تقبل معذرة الظالمين بل يبوؤون باللعنة والعذاب. وليقدم القرآن شاهدًا على نصرة الأنبياء يذكر مثالًا من النبي موسى(ع): (وَلَقَدْ آتَیْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِی إِسْرَائِیلَ الْكِتَابَ # هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِی الْأَلْبَابِ) والكتاب هو مجموعة ما قرّره الله سبحانه لعباده، وعبارة «أورثنا بني إسرائيل الكتاب» تعني أنهم انتصروا على طغاة زمانهم، إذ لم يكونوا قادرين أن يكونوا ورثة الكتاب مع وجود أولئك الطغاة.

(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ) تلتفت الآية بعد ذلك إلى النبي، وتوصيه بالاستقامة مؤكدة «إنّ وعدَ اللهِ حقّ» والوعد هوالذي ذكرته الآية من سورة الصافات: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِینَ # إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ). النصر حتمي بشرط الصبر، بشرط الاستقامة على الطريقة، ومواصلة هذا الكفاح المقدس.

وعبارة «واستغفر لذنبك» لا تعني أن النبي(ص) قد أذنب، فهو معصوم بنص الكتاب وحكم العقل، لكنها الدعوة إلى ذكر الله واستغفاره والتسبيح بحمده آناء الليل وأطراف النهار.

ونأتي إلى آيات سورة الأنبياء، وأوصيكم أن تمعنوا النظر في آيات هذه السورة. ففيها التأكيد المتواصل على حتمية انتصار الأنبياء، وعلى سوء عاقبة أعدائهم. تذكر السورة قصة انتصار موسى واندحار أعدائه، وقصة إبراهيم وهزيمة القوى المعاندة لدعوته، وقصة نوح وقصة سليمان و.. تريد بذلك بيان سنّة التاريخ في انتصار دعوة الحق وفشل القوى الرجعية المضادة لدعوة الأنبياء.

(وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِی إِلَیْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ # وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا یَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِینَ # ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الوَعْدَ فَأَنجَیْنَاهُمْ وَ مَن نَّشَاءُ وَ أَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِینَ # لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَیْكُمْ كِتَابًا فِیهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)[9].

في الآية مفردات تهمنا في هذا البحث: «صَدَقناهم الوعدَ»، «أنجيناهم»، «أهلكنا المسرفين». ثم في هذا الكتاب «ذكركم» أي شرفكم وعزّكم ومجدكم. وهذه المفردة أيضًا لها دلالة على مقصد الدين، وفيها حثّ على الصبر والمواصلة لبلوغ ذلك المقصد.

ثم الآية الحادية عشرة تقول:

(وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْیَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِینَ) كثيرة هي المجتمعات التي ظلمت وكان عاقبتها الإبادة والفناء، و«قصمنا» تشير إلى شدة ما نزل بهؤلاء من العذاب. وفي الآية إشارة إلى الإمداد الغيبي الإلهي الذي يأتي في اللحظات الحاسمة وفق سنن الكون، لا وفق ما يسود الذهنية الكسولة التي تنتظر أن تأتي يد الغيب فتقضي على الأعداء، دون مراعاة لسنن هذا الإمداد الغيبي.

هذه المجتمعات الظالمة في نظامها، وفي علاقاتها الاقتصادية والاجتماعية أُبيدت ثم جاء بعدها قوم آخرون.

(فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا یَرْكُضُونَ # لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِیهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ). وحين رأوا العذاب بحسّهم ومشاهدتهم إذا هم يركضون منهزمين هاربين. ثم يأتيهم الخطاب على سبيل التهكم والسخرية يقول لهم: ارجعوا إلى القصور التي كنتم متنعمين فيها، وإلى البلدان التي كنتم تستعلون فيها وتتفاخرون، لعلكم تُسألون عما جرى عليكم وشاهدتموه.

(قَالُوا یَا وَیْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِینَ # فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِیدًا خَامِدِینَ).

قالوا حين شاهدوا العذاب: لقد حان دمارنا وهلاكنا بسبب ظلمنا، ومازالوا يرددون هذا الاعتراف حتى أصبحوا مثل الزرع المحصود، وخمدت أنفاسهم.

ثم تأتي الآية التالية لتبين الأساس الفكري لهذا الذي نزل بالمجتمع الظالم. إنها تبين سبب انتصار الأنبياء وهزيمة أعدائهم.

(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَ الْأَرْضَ وَ مَا بَیْنَهُمَا لَاعِبِینَ # لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِینَ).

خَلقُ السماوات والأرض لا يقوم على قاعدة اللهو والعبث، نعم لو شاء الله أن يفعل ذلك لفعل، ولكن لا يفعل ذلك أبدًا، لأن رب العالمين ليس في عمله عبث ولا لهو. فهو سبحانه خلق الكون لهدف معين، ومسيرة السماوات والأرض تتجه نحو ذلك الهدف، وهو الحق. وهذا ما لم تصرح به الآية الكريمة، بل يفهم منها ذلك بالتدبّر. والقرآن لا يصرح غالبًا بأمور يمكن فهمها وتعقّلها. وبعدها تقول الآية:

(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَیَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الوَیْلُ مِمَّا تَصِفُونَ). وهذه سنّة الكون، أن يصير الحق قذيفة تقع على رأس الباطل، فينتصر الحق، ويُزهق الباطل. عندئذ سيلحق بكم الهلاك لما ذهبتم إليه من باطل.

ثم تتوالى الآيات لتعبّر بشكل جميل رائع عن هذه الحقائق، حقائق حتمية انتصار الحق على الباطل، ولكن فهم هذه الآيات بحاجة إلى الأنس بالقرآن. وبعدها تتحدث الآيات عن خلق السماوات والأرض مؤكدة على أن رب العالمين الحاكم في الكون لابدّ أن تشمل حاكميته حياة الإنسان والمجتمع، ومن يقف بوجه هذه الحقائق التي نادى بها الأنبياء فمصيرهم إلى الزوال.

وفي السورة أيضًا قصة إبراهيم ولوط في مواجهة جبهة الأعداء: (قُلْنَا یَا نَارُ كُونِی بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِیمَ # وَأَرَادُوا بِهِ كَیْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِینَ # وَنَجَّیْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِی بَارَكْنَا فِیهَا لِلْعَالَمِینَ # وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِینَ وَ جَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً یَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَیْنَا إِلَیْهِمْ فِعْلَ الْخَیْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِیتَاءَ الزَّكَاةِ وَ كَانُوا لَنَا عَابِدِینَ)[10]

ففي هذه الآيات أيضًا تأكيد على انتصار النبوة وهزيمة أعدائهم.

والحمد لله ربّ العالمين.

[1] ـ الصافات/ 171 - 173

[2] ـ يوسف/ 110

[3] ـ ثار في خلافة هشام بن عبدالملك، ليردّ الحقّ إلى نصابه، تفرّق عنه أصحابه في المواجهة مع الجيش الأموي، وثبت هو وأصحابه في الحرب، ثم استشهد، وأثنى عليه الإمام الرضا (عليه السلام).

[4] ـ محمد بن عبد الله الملقب بالنفس الزكية من فضلاء الهاشميين، ثار على ظلم المنصور العباسي في المدينة، واستشهد وهو يقاتل جيش الخلافة.

[5] ـ الحسين بن علي، من أحفاد الإمام الحسن، ثار في المدينة ضد ظلم الخليفة العباسي، وحقق بعض الانتصار لكنه استشهد هو وأصحابه في منطقة (فخ) عند المواجهة مع جيش الخلافة العباسية. وروي عن الإمام الجواد إنه وصف حادثة فخ بأنها أفجع حادثة بعد وقعة كربلاء.

[6] ـ أخذ البيعة باسم أخيه، وثار بالبصرة فأصبحت تحت ولايته، ثم توجه إلى الكوفة، وفي الطريق اشتبك مع الجيش العباسي واستشهد.

[7] ـ نهج البلاغة، شرح صبحي الصالح، الخطبة 56

[8] ـ المؤمن/ 51 - 55

[9] ـ الأنبياء/ 7 - 18

[10] ـ الأنبیاء/ 69 - 73