إنه يمكن الاستدلال لولايتهم على الأمة الإسلامية

ونصبهم من الله تعالى أولياء على إدارة أمر الدولة الإسلامية

بالكتاب والسنة بل وبضرورة المذهب

أما الكتاب فبآيات

وهي على طائفتين، إحداهما: ما تدل ولو بانضمام تفسيرها بالروايات المعتبرة على ولاية النبي وجميع الأئمة المعصومين عليهم السلام. والثانية: ما يكون مفادها ولاية النبي أو بعض خاصّ من الأئمة عليهم السلام ثم بضمّ أدلّة تساويهم في المناصب الإلهية نستفيد ثبوتها لجميع المعصومين عليهم السلام.

 

أما الطائفة الأولى فآيات:

الآية الأولى

قوله تعالى في سورة المائدة: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ 55 وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾[1].

محل استشهادنا هي الآية الأولى، وقد دلت الآية المباركة على أن ولي المسلمين هو الله تعالى ورسوله والذين آمنوا، ووصف الذين آمنوا بوصف هو أنهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة في حال ركوعهم لله تعالى، وصيرورة الاستدلال بها تامة متوقفة على أمرين، أحدهما: أن يراد من الولاية المذكورة فيها ولاية إدارة أمر الأمة وبلادهم ومملكتهم. والثاني: أن يكون المراد بالذين آمنوا خصوص الأئمة المعصومين عليهم السلام.

أما الأول فقد ذكر للولاية ولخصوص لفظ (الولي) معنى كون الشخص قيماً بأمر أو على شخص مفوضاً إليه إدارة أمره، ففي المصباح المنير: (والولي فعيل بمعنى فاعل من وليه: إذا قام به، ومنه (الله ولي الذين آمنوا) والجميع أولياء، قال ابن فارس: وكل من ولي أمر أحد فهو وليه، وقد يطلق الولي أيضاً على... والناصر وحافظ النسب والصديق). وفي نهاية ابن الأثير: (في أسماء الله تعالى: الولي هو الناصر، وقيل: المتولي لأمور العالم والخلائق القائم بها... وكل من ولي أمراً أو قام به فهو مولاه ووليه). وفي مفردات الراغب: (والولاية: النصرة، والولاية: تولي الأمر، وقيل: الوِلاية والوَلاية نحو الدِّلالة والدَّلالة، وحقيقته تولي الأمر). وفي أقرب الموارد: (وَليَ الشيء وعليه وِلاية ووَلاية: ملك أمره وقام به... ووليَ فلاناً ووليَ عليه: نَصَره ووليَ فلاناً ولايةً: أحبه ووليَ البلد: تسلط عليه... الولي ـ كغني ـ ...: المحب والصديق، والولي النصير).

هذه خلاصة من بعض كلمات اللغويين، ومنها يعلم أن الولاية بمعنى القيام بشيء أو بأمر أحد الذي هو المساوق لتولي الأمور وتصديها، وهو المفيد لما نحن فيه معنى شائع لهذه المادة، والولي بمعنى المتولي للأمور معنى شائع لهذه اللفظة، ولا يبعد أن يكون هو المراد في قوله تعالى: ﴿اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾[2] وذلك بقرينة أنه أسند إلى الولي والأولياء إخراج الذين آمنوا من الظلمات إلى النور وإخراج الذين كفروا من النور إلى الظلمات، وهو إنما يناسب معنى التولي بأمرهم حتى يكون الولي هو الفاعل المخرج، وإلا فالنصرة لا تقتضي أزيد من إعانة المنصور، فالمنصور هو الخارج والناصر بعينه على أن يخرج، وعدم اقتضاء الولاية بمعنى المحبة له أيضاً واضح.

ومثل هذه الآية قوله تعالى حكاية عن يوسف على نبينا وآله وعليه السلام: ﴿أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾[3] فإن استدعاء توفيه وإلحاقه بالصالحين من الله تعالى بما أنه تعالى وليه إنما يناسب إرادة المتولي بأمره حتى يكون هو المتوفى والملحق له بالصالحين.

ومثلهما أيضاً قوله تعالى: ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ 196 وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلآ أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ 197 وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾[4] فإن جعل الله تعالى ولياً لنفسه في الآية الأولى مع التأكيد في الآيتين الثانية والثالثة أن ما يدعونه المشركون لا يستطيعون نصرهم ولا أقل منه مناسب أيضاً لأن يراد من الولاية تولي أمره حتى يكون وليه القائم بأمره مخرجاً له إلى النور وملحقاً له بالصالحين.

وبالجملة: فإرادة معنى التكفل بأمر من يكون الولي وليّه من مادة الولاية ومن لفظ (الولي) أمر شائع في هذه المادة، إلا أنه ربما يستشكل استظهاره منه في الآية المباركة ولذلك فتكون الروايات نعمت العون في هذه الجهة.

كما أن دلالة الآية على ولاية الله تعالى والرسول واضحة، وأما إرادة خصوص أمير المؤمنين وسائر الأئمة صلوات الله عليهم من قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ ليست واضحة بنفسها. فلا محالة نحتاج إلى الأخبار لتوضيح كلا الأمرين فنقول:

إن الأخبار التي عثرنا عليه بعضها متكفل لكلا الأمرين وبعضها لخصوص الأمر الثاني.

1.فمن الطائفة الأولى صحيحة الفضلاء زرارة والفضيل بن يسار وبكير بن أعين ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية وزياد بن منذر أبي الجارود عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: (أمر الله عز وجل رسوله بولاية علي وأنزل عليه ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾. وفرض ولاية أولي الأمر، فلم يدروا ما هي؟ فأمر الله محمداً صلى الله عليه وآله أن يفسر لهم الولاية كما فسر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحج، فلما أتاه ذلك من الله ضاق بذلك صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وتخوف أن يرتدوا عن دينهم وأن يكذبوه، فضاق صدره وراجع ربه عز وجل، فأوحى الله عز وجل إليه: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ فصدع بأمر الله تعالى ذكره فقام بولاية علي عليه السلام يوم غدير خم فنادى: الصلاة جامعة، وأمر الناس أن يبلّغ الشاهد الغائب ـ قال عمر بن أُذينة: قالوا جميعاً غير أبي الجارود ـ وقال أبو جعفر عليه السلام: وكانت الفريضة تنزل بعض الفريضة الأخرى وكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل الله عز وجل: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ قال أبو جعفر عليه السلام: يقول الله عز وجل: لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة قد أكملت لكم الفرائض)[5].

فالصحيحة كما ترى صريحة في أن مراده تعالى بالولاية في هذه الآية هو نفس الولاية التي قام بإعلامها يوم غدير خم. ومن الواضح ـ وسيأتي إن شاء الله تعالى ـ أنها الولاية بمعنى تعهد أمر الأمة وتكفل إدارة المجتمع إسلامي. كما أن قوله عليه السلام: (وفرض ولاية أولي الأمر) بعد ذكره عليه السلام للآية شاهدٌ واضح على أن المراد بالذين آمنوا جميع أولي الأمر الذين لا ريب في أنهم الأئمة الإثنا عشر المعصومون عليهم السلام، مع أنها صريحة في إرادة خصوص أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً. وبالجملة: فهذه الصحيحة دليل معتبر كافية ووافية بإثبات كلا الأمرين، والحمد لله.

2. ومن هذه الطائفة معتبر الحسين بن أبي العلاء قال: (ذكرت لأبي عبد الله عليه السلام قولنا في الأوصياء أن طاعتهم مفروضة. قال: فقال: نعم، هم الذين قال الله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ وهم الذين قال الله عز وجل: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ﴾[6]. وقد ذكره الكليني بسندٍ آخر فيه القاسم بن محمد الجوهري وهكذا عن اختصاص الشيخ المفيد قدس سره[7].

فقوله عليه السلام (نعم) تأييداً لما عرضه عليه الراوي دليلٌ واضحٌ على أن طاعة الأوصياء الذين هم الأئمة عليهم السلام مفروضة واجبة وإطلاق طاعتهم شامل ـ بلا شبهة ـ لما كان من الأوامر والنواهي صادرة بتشخيص أنفسهم في كل ما يرتبط بأمر الأمة الإسلامية، فإن تخصيصه بخصوص أوامرهم التي كانت بياناً لأحكام الله تعالى خلاف الظاهر جداً، كيف وهذه الأوامر ليست أوامرهم بل هي أوامر الله تعالى ونواهيه وهم مبلّغون لها إلى العباد، بل إن أوامرهم هي التي يُنشئونها رعاية لمصالح الأمة الإسلامية، وحينئذٍ فإرادة وجوب إطاعة هذه الأوامر وتطبيق آيتنا عليها دليلٌ واضحٌ على إرادة التعهد بإدارة أمور الأمة من الولاية وهو الأمر الأول.

كما أن إثبات وجوب إطاعة أوامر جميع الأوصياء وتطبيق الآية عليه دليلٌ واضحٌ على أنه أريد بقوله تعالى: (الذين آمنوا منكم) جميع الأئمة المعصومين عليهم السلام وهو الأمر الثاني.

3. ومنها خبر أحمد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ﴾ قال: إنما يعني أولى بكم، أي أحق بكم وبأموركم وأنفسكم وأموالكم الله ورسوله والذين آمنوا يعني علياً وأولاده الأئمة عليهم السلام إلى يوم القيامة، ثم وصفهم الله عز وجل فقال: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ وكان أمير المؤمنين عليه السلام في صلاة الظهر وقد صلى ركعتين وهو راكع وعليه حلة قيمتها ألف دينار وكان النبي صلى الله عليه وآله كساه إياها وكان النجاشي أهداها له، فجاء سائل فقال: السلام عليك يا ولي الله وأولى بالمؤمنين من أنفسهم، تصدّق على مسكين، فطرح الحلة إليه وأومأ بيده إليه أن احملها، فأنزل الله عز وجل فيه هذه الآية وصيّر نعمة أولاده بنعمته، فكل من بلغ من أولاده مبلغ الإمامة يكون بهذه النعمة مثله، فيتصدقون وهم راكعون، والسائل الذي سأل أمير المؤمنين عليه السلام من الملائكة، والذين يسألون الأئمة من أولاده يكونون من الملائكة)[8].

ودلالة الحديث على الأمرين واضحة وهو كالصريح فيهما إلا أن أحمد بن عيسى راوي الحديث والحسن بن محمد الهاشمي وأبواه الواقعين في السند مجاهيل، بل ولعله كذلك أحمد بن محمد الواقع قبلهم، فالحديث غير معتبر السند لاسيما وقد ذكر أن ما تصدق به عليه السلام هي الحلة مع أن المعروف الواقع في روايات كثيرة أنه الخاتم.

4. ومنها ما أرسله العياشي عن ابن أبي يعفور قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أعرض عليك ديني الذي أدين الله به؟ قال: هاته، قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله وأقر بما جاء به من عند الله. قال: ثم وصفت له الأئمة حتى انتهيت إلى أبي جعفر عليه السلام قلت: وأقول فيك ما أقول فيهم، فقال: أنهاك أن تذهب باسمي في الناس. قال أبان: قال ابن أبي يعفور: قلت له مع الكلام الأول: وأزعم أنهم الذين قال الله في القرآن (وأطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم) قال أبو عبد الله عليه السلام: والآية الأخرى فاقرأ. قال: قلت: جعلت فداك وأي آية؟ قال: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ قال: فقال: رحمك الله، قلت: تقول رحمك الله على هذا الأمر؟ قال: فقال: رحمك الله على هذا الأمر)[9].

فالمرسلة كما ترى طبّقت الآية الشريفة كآية إيجاب الإطاعة على الأئمة عليهم السلام كلهم لكنها كما ترى ليس فيها دلالة على إرادة المعنى المطلوب من الولاية فهي من الطائفة الثانية.

ثم إن هذه الأخبار الثلاثة قد دلّت على إرادة جميع الأئمة عليهم السلام، إلا أن هنا أيضاً أخباراً تدل على خصوص إرادة أمير المؤمنين عليه السلام منها علاوة عن دلالتها على توضيح معنى الولاية أيضاً، فهذه الأخبار أيضاً قسمٌ آخر من الطائفة الأولى.

5. فمنها خبر آخر لأحمد بن عيسى أيضاً بمثل ذلك السند الذي كان عليه خبره الأول (قال: حدثني جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام في قوله عز وجل: ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا﴾ قال: لما نزلت ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ اجتمع نفرٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجد المدينة، فقال بعضهم لبعض: ما تقولون في هذه الآية؟ فقال بعضهم: إن كفرنا بهذه الآية نكفر بسائرها، وإن آمنا فإن هذا ذلٌّ حين يسلّط علينا ابن أبي طالب، فقالوا: قد علمنا أن محمداً صادق فيما يقول ولكنا نتولاه ولا نطيع علياً فيما أمرنا، قال عليه السلام: فنزلت هذه الآية: (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها) يعرفون يعني ولاية (علي بن أبي طالب) وأكثرهم الكافرون بالولاية)[10].

فذِكره لأمير المؤمنين عليه السلام واضح. كما أن نقله عليه السلام عن أولئك الأصحاب عقيب الآية (هذا ذل حين يسلط علينا ابن أبي طالب) دليل واضح على أن مفهوم الولاية المذكورة في الآية هو تكفل أمر الأمة والجامعة حتى يكون ثبوتها لأمير المؤمنين عليه السلام ذلاًّ عندهم، والإمام عليه السلام قد قرر هذا المفهوم، فالمرسلة أيضاً من أخبار تفسير الولاية المذكورة في الآية.

6. ومنها مرسلة أخرى رواها العياشي عن المفضل بن صالح عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السلام (قال: إنه لما نزلت هذه الآية ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ﴾ شق ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وخشي أن يكذبه قريش، فأنزل الله ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ... الآية﴾ فقام بذلك يوم غدير خم)[11]. فتطبيقه عليه السلام مفاد آية الغدير على المراد بآيتنا دليلٌ واضحٌ على أن المراد بالولاية المذكورة في آيتنا أيضاً هو تكفّل أمر الأمة المصرح بها يوم غدير خم كما أنه لا يدل على أزيد من إرادة أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً.

7. ومنها خبر أبي رافع ـ المروي في تفسير البرهان عن أمالي الشيخ الطوسي ـ قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله يوماً وهو نائم وحيّة في جانب البيت فكرهت أن أقتلها وأوقظ النبي صلى الله عليه وآله وظننت أنه يوحى إليه، واضطجعت بينه وبين الحية فقلت: إن كان منها سوء كان لي دونه، فمكثت هنيئة فاستيقظ النبي صلى الله عليه وآله وهو يقول: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ﴾حتى أتى على آخر الآية، ثم قال: الحمد لله الذي أتم لعلي عليه السلام نعمته، وهنيئاً له بفضل الله الذي آتاه، ثم قال لي: مالك ها هنا؟ فأخبرته بخبر الحية، فقال لي: اقتلها، ففعلت، ثم قال: يا أبا رافع كيف أنت وقوم يقاتلون علياً عليه السلام وهو على الحق وهم على الباطل وجهادهم حق لله عز اسمه، فمن لم يستطع فبقلبه ليس وراءه شيء، فقلت: يا رسول الله ادع الله لي إن أدركتهم أن يقويني على قتالهم، قال: فدعا النبي صلى الله عليه وآله وقال: إن لكل نبي أميناً وإن أميني أبو رافع. قال: فلما بايع الناس علياً عليه السلام بعد عثمان وسار طلحة وزبير ذكرت قول النبي صلى الله عليه وآله فبعت داري بالمدينة وأرضاً لي بخيبر وخرجت بنفسي وولدي مع أمير المؤمنين عليه السلام لأستشهد بين يديه فلم أدرك معه حتى عاد من البصرة وخرجت معه إلى صفين فقاتلت بين يديه بها وبالنهروان أيضاً ولم أزل معه حتى استشهد علي عليه السلام... الحديث[12].

وبحسب الرواية قد طبق صلى الله عليه وآله الآية على علي أمير المؤمنين عليه السلام، وظاهره أن القتال معه الذي ذكره إنما هو من تبعات قيامه عليه السلام بهذه الولاية وعدم تمكين الناس له وقيامهم بقتاله، ومن الواضح أن قتال الناس له إنما كان بعد بيعة الناس معه وبعد أن قام بأمر الولاية أعني بتكفل أمر الأمة وإدارة المملكة الإسلامية كما فهم أبو رافع أيضاً هذا المعنى منه، ففي الخبر دلالة واضحة على تفسير معنى الولاية بما هو المطلوب كما لا يخفى.

هذا كله ذكر أخبار الطائفة الأولى.

وأما الطائفة الثانية ـ أعني ما وردت في مجرد تطبيق (الذين آمنوا) المذكور في الآية على جميع الأئمة عليهم السلام أو خصوص أمير المؤمنين عليه السلام ـ فهي أيضاً روايات:

1. منها موثقة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام ـ المروية في تفسير البرهان عن تفسير القمي ـ قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله جالس وعنده قومٌ من اليهود فيهم عبد الله بن سلام إذ نزلت عليه هذه الآية فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المسجد فاستقبله سائل فقال: هل أتاك أحد شيئاً؟ قال: نعم ذلك المصلي، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا هو علي عليه السلام[13]. والمشار إليها بقوله عليه السلام (هذه الآية) هي آيتنا المبحوث عنها فعلاً فإن علي بن إبراهيم ذكر الموثقة ذيل هذه الآية[14]، وعليه فالموثقة صريحة في انطباق قوله تعالى: (الذين آمنوا... الخ) على أمير المؤمنين عليه السلام لكنه ليس فيها من تفسير لمعنى الولاية.

2. ومنها ما أرسله العياشي عن المفضل (الفضيل خ ل) عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ﴾ قال: هم الأئمة[15]. وتطبيقه على الجميع كعدم دلالته على تفسير الولاية واضح.

3. ومنها ما أرسله العياشي أيضاً أن عمار بن ياسر (قال: وقف لعلي بن أبي طالب عليه السلام سائل وهو راكع في صلاة تطوع فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله فأعلمه بذلك، فنزل على النبي صلى الله عليه وآله هذه الآية ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ إلى آخر الآية، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وآله علينا ثم قال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)[16].

وهو تطبيق على الأمير عليه السلام وليس فيه تفسير للولاية بناءاً على أن قوله صلى الله عليه وآله: (من كنت مولاه فعليٌّ مولاه) ليس ظاهراً في الولاية التي بصددها.

4. ومنها ما رواه الصدوق بسند صحيح عن كثير بن عياش عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ﴾ قال: إن رهطاً من اليهود أسلموا منهم عبد الله بن سلام وأسد وابن ثعلبة وابن يامين وابن صوريا فأتوا النبي صلى الله عليه وآله فقالوا: يا نبي الله إن موسى أوصى إلى يوشع بن نون فمن وصيّك يا رسول الله ومن وليّنا بعدك؟ فنزلت هذه الآية ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قوموا، فقاموا وأتوا المسجد، فإذا سائل خارج، فقال: يا سائل ما أعطاك أحد شيئاً؟ قال: نعم هذا الخاتم، قال: من أعطاكه؟ قال: أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلي. قال: قال: على أي حال أعطاك؟ قال: كان راكعاً، فكبر النبي صلى الله عليه وآله وكبّر أهل المسجد، فقال النبي صلى الله عليه وآله: علي بن أبي طالب وليكم بعدي، قالوا: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وآله نبياً وبعلي بن أبي طالب عليه السلام ولياً، فأنزل الله عز وجل: ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾[17].

ودلالته على التطبيق عليه (عليه السلام) واضحة. وعدم دلالته على تفسير الولاية مثل المرسلة السابقة، إلا أن سنده ضعيف فإن كثير بن عياش ضعيف على ما عن الفهرست. وقد نقل هذا التطبيق صاحب مجمع البيان رواية مسندة عن أبي ذر برواية عباية بن ربعي ونقل أيضاً عن ابن عباس قريباً من خبر أبي الجارود المذكور آنفاً وعن حديث إبراهيم بن الحكم بن الظهير أيضاً[18].

وفي خبر أبي سعيد الوراق عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام ـ في حديث عد احتجاجات أمير المؤمنين عليه السلام على أبي بكر ـ قال عليه السلام: (أنشدك بالله أليَ الولاية من الله مع ولاية رسول الله صلى الله عليه وآله في آية زكاة الخاتم أم لك؟ قال: بل لك)[19].

وقد نقل تفسير البرهان خبرين آخرين على هذا التطبيق عن الطبرسي في الاحتجاج. كما نقل فيه أيضاً عن كتاب المناقب لموفّق بن أحمد من إخواننا العامة خبر ابن عباس المروي في مجمع البيان وخبراً آخر عن عيسى بن عبد الله وهما يدلان على هذا التطبيق، فراجع[20].

كما نقل البرهان عن الشيخ ابن شهر آشوب أسماء أكثر من ثلاثين من الرواة عن كتب جمع كثير من مفسري العامة والخاصة رووا أن هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام لما تصدق بخاتمه وهو راكع. قال صاحب تفسير البرهان: (ذكر ذلك ابن شهر آشوب، وزاد عليه رواة تركنا ذكرهم مخافة الإطالة)[21].

هذه جملة مما عثرت عليه من الأخبار الواردة بشأن تفسير الولاية وببيان إرادة الأئمة المعصومين عليهم السلام من قوله تعالى:﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾. وقد عرفت أن عدة منها معتبرة السند بنفسها، وتعلم أن أخبار التطبيق ولاسيما على أمير المؤمنين ارتفعت عن حد الاستضافة فلا ريب في تمامية دلالة الآية المباركة بمعونة تلك الأخبار المعتبرة على المطلوب.

ثم إن من الواضح أن مفاد الآية المباركة جعل هذه الولاية ابتداءاً ومن قبل الله تعالى لرسول الله والأئمة صلوات الله عليهم، وليس فيها من مسألة إمضاء ما يختاره الناس عين ولا أثر.

كما أن مفاد الآية إبراز ولاية الله والمعصومين عليهم السلام على أمة الإٍسلام كما هو ظاهر مفاد ضمير الخطاب، فلا تدل هذه الآية على أزيد من هذا المعنى وهو لا ينافي ملك الله تعالى لجميع الأشخاص والأشياء وولايته عليهم وعليها.

هذا تمام الكلام في الآية الأولى.

 

[1] المائدة: 55 و 56.

[2] البقرة: 257.

[3] يوسف: 101.

[4] الأعراف: 196 ـ 198.

[5] الكافي: باب ما نص الله عز وجل ورسوله على الأئمة ج1 ص289 الحديث4.

[6] الكافي: باب فرض طاعة الأئمة ج1 ص187 الحديث7.

[7] المصدر السابق: ص189 الحديث16، الاختصاص: في أن طاعة الأوصياء مفترضة ص277.

[8] الكافي: باب ما نص الله عز وجل ورسوله على الأئمة ج1 ص288 الحديث3.

[9] تفسير العياشي: ج1 ص327 الحديث138، تفسير البرهان: ج1 ص482 ح14.

[10] الكافي: باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية ج1 ص427 لحديث77، البرهان: ج1 ص479.

[11] تفسير العياشي: ج1 ص328 الحديث140. عنه البرهان: ج1 ص483 ح16.

[12] تفسير البرهان: ج1 ص481 الحديث9.

[13] تفسير البرهان: ج1 ص480 الحديث7.

[14] تفسير القمي: ج1 ص170، والعياشي ج1 ص328.

[15] تفسير العياشي: ج1 ص328 الحديث 142 و 137، تفسير البرهان: ج1 ص 483 و 482 ح18 و 13.

[16] نفس المصدر.

[17] الأمالي: المجلس26 ص75. البرهان: ج1 ص480 ح6. الوافي: الباب30 من أبواب العهود بالحجج عليهم السلام.

[18] مجمع البيان: ج2 ص11 ـ 210. عنه البرهان: ج1 ص481 ـ 482 ح10 ـ 12.

[19] الخصال للصدوق: ص549 الحديث30 من أبواب الأربعين وما فوقه.

[20] تفسير البرهان: ج1 ص483 و 484 الحديث19ـ 22.

[21] تفسير البرهان: ج1 ص484 و 485.