«دروس في الحكومة الإسلامية»؛ الدرس الثامن: الطائفة الثالثة من الروايات (الاستدلال لولاية النبي والأئمة)
آية الله الشيخ محمد مؤمن
الإمام إما عادل وإما جائر
هي الأخبار التي تدل على أن الأئمة إمامان إمام عادل من الله وإمام هو من أئمة الضلالة، وكيفية دلالة هذه الطائفة هي أنها قد قابلت بين القسمين من الأئمة وحكمت بفسق وضلال طائفة وبعدل واهتداء الطائفة الأخرى، وحيث إن المعلوم أن أئمة الضلال المتصدين لأمر الناس كانوا يتصدون إدارة أمر الأمة ويرون الأمة رعاياهم وكان ضلالهم بأنهم ادعوا هذا الذي لم يجعل الله لهم فيفهم من علمهم أن أئمة الحق أيضاً في مقام تصدي أمور الناس، وقد جعل الله هذا الحق لهم فيتصدونه ويعملون بما يحكم الله به ويعلمهم الله سبحانه.
1. فمن أخبار هذه الطائفة صحيحة جابر عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: قال عليه السلام: لما نزلت هذه الآية: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ قال المسلمون: يا رسول الله ألست إمام الناس كلهم أجمعين؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا رسول الله إلى الناس أجمعين، ولكن سيكون من بعدي أئمة على الناس من الله من أهل بيتي يقومون في الناس فيكذبون ويكلمهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم، فمن والاهم واتبعهم وصدقهم فهو مني ومعي وسيلقاني، ألا ومن ظلمهم وكذبهم فليس مني ولا معي وأنا منه بريء[1].
فهي واضحة الدلالة على أن مقصوده صلى الله عليه وآله من أئمة الكفر والضلال هم الذين غصبوا مقام أئمة الحق وادعوا جهراً وغصباً خلافة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأخذوا بيدهم أمر إدارة أمور الأمة مع أنها كانت من الله ومن رسوله موكولة إلى أئمة الحق من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله.
2. ومنها معتبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال: إن الأئمة في كتاب الله عز وجل إمامان، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ لا بأمر الناس، يقدمون أمر الله قبل أمرهم وحكم الله قبل حكمهم، قال: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾ يقدمون أمرهم قبل أمر الله وحكمهم قبل حكم الله، ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب الله عزوجل[2].
وتقريب دلالته يعرف مما مر في سابقه. ورواه في الاختصاص بإسناد فيه محمد بن سنان عن طلحة[3].
3. ومنها معتبر حبيب السجستاني عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال الله تبارك وتعالى: لأعذبن كل رعية في الإسلام دانت بولاية كل إمام جائر ليس من الله، وإن كانت الرعية في أعمالها برة تقية، ولأعفونّ عن كل رعية في الإسلام دانت بولاية كل إمام عادل من الله وإن كانت الرعية في أنفسها ظالمة مسيئة[4].
4. ومثل هذه المعتبرة ما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال عليه السلام: إن الله لا يستحي أن يعذب أمة دانت بإمام ليس من الله وإن كانت في أعمالها برة تقية، وإن الله ليستحي أن يعذب أمة دانت بإمام من الله وإن كانت في أعمالها ظالمة مسيئة[5]. وفي السند ابن جمهور الذي لم يوثق وأبوه حسن بن جمهور الذي لم يذكر ترجته.
5. ومثلهما ما رواه عبد الله بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم ويتولون فلاناً وفلاناً، لهم أمانة وصدق ووفاء، وأقوام يتولونكم ليس لهم تلك الأمانة والوفاء والصدق، قال: فاستوى أبو عبد الله عليه السلام جالساً فأقبل عليَّ كالغضبان، ثم قال: لا دين لمن دان الله بولاية إمام جائر ليس من الله، ولا عتب على من دان بولاية إمام عادل من الله، قلت: لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء؟! قال: نعم، لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء، ثم قال: ألا تسمع لقول الله عز وجل ﴿اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ﴾ يعني (من) ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة، لولايتهم كل إمام عادل من الله، وقال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾ إنما عنى بهذا أنهم كانوا على نور الإسلام، فلما أن تولوا كل إمام جائر ليس من الله عز وجل خرجوا بولايتهم (إياه) من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر، فأوجب الله لهم النار مع الكفار، فـ ﴿أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[6].
ودلالتها على المطلوب واضحة، إلا أن في سندها عبد العزيز العبدي الذي لم يذكر توثيقه.
6. ومنها معتبر جابر بن يزيد الجعفي، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ﴾ قال: هم والله أولياء فلان وفلان، اتخذوهم أئمة دون الإمام الذي جعله الله الناس إماماً، فلذلك قال: ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ ثم قال أبو جعفر عليه السلام: هم والله يا جابر أئمة الظلمة وأشايعهم[7].
7. ومنها ما رواه محمد بن منصور قال: سألت عبداً صالحاً عن قول الله عز وجل: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن) قال: فقال: إن القرآن له ظهر وبطن؛ فجميع ما حرم الله في القرآن هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمة الجور، وجميع ما أحل الله في الكتاب هو الظاهر والباطن من ذلك أئمة الحق[8].
ودلالة الرواية تعلم مما قلناه، إلا أن في السند أبا وهب الذي لم يوثق، ومحمد بن منصور أيضاً متعدد لم يوثق جميعهم.
ويأتي ذكر صحيحة أخرى من هذه الطائفة بعد ذكر الطائفة الرابعة، فراجع. فهذه الأخبار نبذ من هذه الطائفة والمتتبع يظفر بأكثر منها.
[1] الكافي: باب أن الأئمة في كتاب الله إمامان، ج1 ص215 و 216 الحديث1 و 2.
[2] نفس المصدر.
[3] اختصاص الشيخ المفيد: ص21.
[4] الكافي: باب فيمن دان الله بغير إمام من الله ج1 ص376 الحديث4.
[5] الكافي: باب فيمن دان الله بغير إمام من الله عز وجل ج1 ص376 و 374 الحديث5 و 3.
[6] نفس المصدر.
[7] الكافي: باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل ج1 ص375 الحديث10 و 11.
[8] نفس المصدر.
تعليقات الزوار