أكد الباحث في الشؤون العسكرية والإستراتيجية العميد اللبناني، شارل أبي نادر، انه بعد مرور عام على استشهاد الحاج قاسم سليماني، تتجلى يوما بعد يوم قدرات وإمكانيات الشخصية العسكرية الأكثر تأثيرا في ميادين المواجهات في الشرق الأوسط.
العميد شارل أبي نادر: بعد مرور عام على استشهاد الحاج قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، تتجلى يوما بعد يوم قدرات وإمكانيات الشخصية العسكرية الأكثر تأثيرا في ميادين المواجهات في الشرق الأوسط، وذلك منذ إن عيّن عام 1980 أثناء الحرب العراقية الإيرانية قائداً لفيلق "41 ثأر الله"، وهو في العشرينيات من عمره، مرورا بمسيرةٍ صاخبة من قيادة وإدارة العديد من العمليات العسكرية والأمنية إن كانت داخل أراضي الجمهورية الإسلامية أو على حدودها أو حتى خارجها، وصولاً إلى عام 1998، حين تم تعيينه قائداً لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وامتداداً إلى يوم استشهاده منذ عام تقريباً في العراق، بعملية اغتيال أميركية غادرة، مع رفيق دربه قائد الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس.
لا شك أن نجم الشهيد قد لمع في أكثر مرحلة من حياته العسكرية الجهادية خلال قيادته لفيلق القدس، فهناك عدة عوامل ساهمت في صقل الشخصية العسكرية المميزة للحاج الشهيد قاسم سليماني، والتي كان لها الدور الكبير والواسع في التأثير على ميادين المواجهات العسكرية في المنطقة.
** أهم العوامل التي صقلت شخصية الشهيد قاسم سليماني
* العامل الأول: يعود بالأساس لقدراته الفكرية والقيادية والتي صقلتها مع الوقت، التراكمات الكبيرة لكوكبة من الخبرات القتالية التي اكتسبها في الميدان، وفي مختلف انواع وأنماط المعارك العسكرية الخاصة او التقليدية، وبمواجهة نماذج مختلفة من الجيوش، حيث يقاتل كل منها بطريقة مختلفة عن الآخر كجيش صدام الذي كان مجهزاً بكل الأدوات والتجهيزات والمعدات والتكتيكات العسكرية، وكان مجهزاً أيضا بوحدةٍ متخصّصةٍ بإدارة العمليات وتنسيق المعارك من قبل بعض الدول الغربية الأكثر تطوراً من الناحية العسكرية.
وازداد خبرةً عندما واجه جيش الكيان الصهيوني، بطريقة مباشرة ربما، أو بطريقة غير مباشرة عبر فصائل محور المقاومة، اللبنانية أو الفلسطينية، وأيضا بمواجهة نماذج من المجموعات المسلحة الأكثر تدريباً وتجهيزاً في العالم كداعش مثلاً أو كغيرها من المجموعات المتشددة في العراق وفي سوريا ولبنان.
خلق اسم قاسم سليماني لدى كل من الأميركيين والصهاينة، الحافز الأكبر لمواجهة الحرس الثوري وفيلق القدس والحاج الشهيد على وجه الخصوص لما كان وجوده يشكّل تهديداً على أمنهم ومصالحهم في المنطقة، فاغتالوه غدراًً بعد أن عجزوا عن منازلته في الميدان
* العامل الثاني: إن الذي ساهم أيضا بشكل رئيس في صقل شخصية الحاج الشهيد العسكرية، يعود للبعد الإيماني والديني الذي يحضن تفكير ونمط حياة والتزام الشهيد، ليضاف كل ذلك إلى ما تحمله تسمية الفيلق الذي عُيّن لقيادته " فيلق القدس "، حيث خَلَقَ هذا الاسم " القدس " لدى الشهيد حافزاً مهماً، طبع طريقة عمله وإدارته وقيادته، للمجموعة العسكرية-الأمنية الأكثر تأثيرا في ميدان العمل العسكري والجهادي في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم ربما، وفي نفس الوقت، خلق هذا الاسم لدى كل من الأميركيين والصهاينة، الحافز الأكبر لمواجهة الحرس الثوري وفيلق القدس والحاج الشهيد بالتحديد، حيث اغتالوه غدراًً، بعد ان عجزوا عن منازلته في الميدان.
* العامل الثالث: يعود لإمكانيات فيلق القدس بشكل عام، حيث يُعتبر كوحدة عسكرية خاصة من أهم نقاط قوة الحرس الثوري الإيراني الأساسية، وبالتالي من أهم نقاط قوة الجمهورية الإسلامية في إيران، وهو فيلق للوحدات الخاصة، فهو مجهّز بقدرات عسكرية وتقنية ومالية كبيرة وهائلة، قادرة على تنفيذ مختلف أنواع المهمات العسكرية أو العسكرية-الأمنية أو الأمنية، داخل أو خارج أراضي الجمهورية الإسلامية، بالإضافة لإمكانياته الخاصة في الصورايخ والزوارق السريعة والطائرات المسيرة، حيث يمكن أن يستفيد أيضا من إمكانيات القوة الصاروخية والجو فضائية التابعة للحرس الثوري، وحتى التابعة للجيش الإيراني إذا اقتضت المهمة.
كل تلك العوامل قدّمت للحاج الشهيد البعد المناسب ليكون صاحب الشخصية العسكرية المؤثرة، حيث الإمكانيات المتوفرة للوحدة التي يقودها كانت كبيرة، وحيث يملك الكاريزما الطاغية التي تتمثّل في شخصية القائد المُسيّطَر القادر على جذب وقيادة الصديق، والقادر على بث الرعب لدى العدو.
** قاسم سليماني
هذه الشخصية الفريدة طبعت جولات ومعارك محور المقاومة بطابع استثنائي، فكان وجوده حاسماً ومؤثراً على المستوى العسكري، فكان من المتراس الأمامي إلى غرفة العمليات الميدانية إلى القيادة العسكرية العليا التي تمسك قرار شروع الحرب والمعارك، إلى التفاوض الدبلوماسي، فقد كان له دور مؤثر وفاعل في ضبط الخلاف بين الجيش العراقي والبشمركة ( اكراد كردستان العراق )، وتركيز جهود الطرفين في إنهاء معركة تحرير شمال شرق العراق من داعش ( الحويجة وكركوك وغيرها )
في الواقع، يبقى سر نجاح أي قائد عسكري في أن يكون بداية مقاتلاً فردياً ناجحاً، حيث إن المواجهة المباشرة في الميدان هي أساس المعركة والمدماك الرئيس لتحديد وجهة الحرب نجاحاً او فشلاً، وان يكون ايضا قائداً لوحدة صغيرة في الميدان، حيث على هذه الوحدة واجب ودور فهم فكرة المناورة وتنفيذها عملياً، وان يكون قائداً لوحدة متوسطة، فوحدة كبرى، حيث للأخيرة قدرة التأثير النهائية في المعركة.
وهذا ما جمعه الحاج الشهيد في شخصيته وفي موقعه وفي قدراته، ففرض نفسه ذلك القائد الميداني الخبير في القتال المتقارب وفي قتال المجموعات الصغرى، واثبت في نفس الوقت انه ذلك القائد العالمي الذي تضطر بعض الدول الكبرى التي تملك إمكانيات ضخمة لتغيير استراتيجيتها في الحرب وفي السياسة الدولية بهدف مواجهة تأثيرات عمله، أو بهدف مواجهة قدرات المجموعة التي يقودها والجيش الذي ينتمي إليه.
تعليقات الزوار