أرسل الإمام الخميني السيدة دباغ إلى الاتحاد السوفيتي في ضمن فريق برئاسة آية الله جوادي آملي محملين رسالة إلى غورباتشف بَينَ فيها عجز الفكر المادي عن توفير احتياجات البشرية، وتنبأ بهزيمة الماركسية ودعاه إلى التوحيد. 

كان يؤكد الإمام الخميني رضوان الله علي دور المرأة في انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية ولو لم تكن في الصف الأول للكفاح ضد الشاه لما انتصرت الثورة ومن هذه النساء السيدة دباغ التي أرسلها الإمام الخميني بعد الثورة إلى الاتحاد السوفيتي في رسالة حملتها وثلاث من الرجال السياسيين إلى غورباتشف متنبأ بانهيار الاتحاد السوفيتي وعجز الماركسية عن توفير احتياجات البشرية ودعاه إلى التوحيد. فها هو بعض من زوايا حياة امرأة كانت فدائية الإسلام و الإمام الخميني وعانت في سجون الشاه فرحمها الله يوم ولدت ويوم توفيت ويوم تبعث حيا.

اعتقلوها. فيما كانت على مائدة الطعام مع أولادها. فتحت ابنتها الصغيرة الباب وقالت: " ماما، عند الباب رجل اسمه برويز يريد أن يتحدث إليكِ ".

عرفت بسرعة أنهم من قوات أمن الشاه، جاؤوا لاعتقالها. خرجت من البيت، والأطفال ينظرون إليها بقلق. قبلت وجه ابنتها وقالت: "سأعود بسرعة، و هي تعلم جيداً انها ربما لا تعود ابداً ".

منذ كانوا بجانب باب بيتها بدأ التعذيب. جلس شخص من قوات أمن الشاه في السيارة و طلبوا منها ان تجلس و بعدها جلس رجل امن آخر. يعني كانوا يريدون اجبارها على الجلوس بين الرجلين في سيارتهم. قالت: "حتي لو قتلتموني الآن لن اجلس بين رجلين من غير محارمي ".

قالت في السيارة: " اسالو اسالتكم بسرعة، لابد لي ان اعود الى البيت بسرعة. اطفالي بانتظاري، لم ياكلوا العشاء. مع انها كانت تعلم انهم إذا اعتقلوها فهذا يعني أنهم يعرفون عنها الكثير و يعرفونها جيدا "، في السجن اخذوا عباءتها و حجابها، وقالوا: "ربما تتنحر". كانوا يريدون أن يعرفوا انصار الامام الخميني. لم تقبل ان تكون بلا حجاب في السجن: "غطت شعرها بالبطانية في السجن". كانوا يضربونها كل يوم حتى الموت، إلا أنها لم تقل شيئاً. كانت جاهزة للشهادة، فتحملت كل التعذيب. كانوا يعذبونها بالكهرباء، اطفاء السجائر على جسدها، سيجار، ركل، لكم … ومع ذلك بقيت صامتة.

وفي ليلة فتحوا باب السجن، رأت ابنتها، لم تصدق. فعندما لم  يوفّقوا بعد كل هذا التعذيب في انتزاع أي اعتراف منها، اعتقلوا ابنتها، فلربما تكسر هذا الصمت، و لم تكسر. كل يوم كانوا يضحكون منهما: " الأم حجابها بطانية والبنت المسكينة تلوذ بها ". كانوا يقولون لهما: "أين الخميني الآن ليخلصكم من هذا السجن"، و هي تصرخ في وجوههم: "لو تقتلوننا ألف مرة، كل حياتي فداء للخميني".

في ليلة فتحوا باب السجن وأخرجوا ابنتها للتعذيب، قرب اذان الصبح فتحوا باب الزنزانة المظلمة و رموها، كانت مثل الأموات من شدة التعذيب، لم تكن تتنفس، سكبوا عليها الكثير من الماء، لم تفتح عينيها، بدأت الأم تضرب باب الزنزانة، احتضنت ابنتها بقوة. كانت تصرخ من الألم، فجأة سمعت صوتاً حزيناً من زنزانة أخرى: "كان واحداً من المجاهدين يقرأ لها بصوت جميل: "استعينوا بالصبر والصلاة"، ليسكن قلبها.

أخرجوا الفتاة على بطانية، شعرت بأنها ماتت، وبعد 16 يوماً فتحوا باب الزنزانة، دخلت ابنتها معافاة، علمت أنها كانت في مستشفى الجيش تتلقى العلاج.

 

شريكة الثورة والانتصار : حملت رسالة الإمام إلى غورباتشوف وقاتلت في جنوب لبنان

"إمرأة الثورة الحديدية" يعرفها الايرانيون بهذا الاسم، فهي المرأة الاشهر في ايران والتي شاركت في الثورة حاملة السلاح في احياء طهران والمناطق، ودربت النساء عسكريا. وهي المرأة التي يعرفها المجاهدون فقد حملت معهم الاسلحة والصواريخ في مرتفعات كردستان القاسية والقارسة وهي المرأة التي تركت اولادها الثمانية في طهران مضطهدين من قبل "السافاك" كي تقوم بتكليفها وترافق الامام الى فرنسا وتتولى امنه الخاص، وهي المرأة التي دربت المجاهدين وشاركت في المقاومة في جنوب لبنان، وهي التي حملت رسالة الامام التاريخية الى غورباتشوف مع اصرار الامام على كتابة وصيتها قبل الانطلاق لما لهذا السفر من اخطار محتملة.

 

"امرأة الثورة الحديدية" يعرفها الإيرانيون بهذا الاسم، فهي المرأة الأشهر في إيران والتي شاركت في الثورة حاملة السلاح في إحياء طهران والمناطق، ودربت النساء عسكريا

إنها السيدة مرضية حداد تشي دباغ ودباغ هي عائلة زوجها التي انتقلت معه من همدان إلى طهران بعد أن تزوجا فكانت الفرصة المؤاتية لها لمتابعة الدراسة والعلوم الدينية فهي كانت قد أخرجت من الكتاب لأنها كما قالت عنها مدرستها طموحة جدا و تؤثر على رفيقاتها في الصف .فتركت مرضية الصف لكنها لم تترك القراءة فوالدها كان صحافا ( لديه دكانا لتجليد الكتب ) فوجدت بمجيئها إلى طهران الفرصة التي كانت تنتظرها لتحقيق ما عجزت عنه في همدان البلدة المتواضعة في تلك الفترة.

ومن الذكريات التي لا تنساها كانت أيام توزيع بيانات الإمام الخميني وتشهد السيدة دباغ لنساء إيران جرأتهن في القيام بهذا العمل ففي ساعات معدودة كانت توزعن آلاف البيانات، فتقول: "كنا ندخل إلى بائع الخضار فنشتري منه وفي اللحظة التي يدير ظهره كي يضع المال في الجارور كنا نضع البيانات في الميزان ونخرج فلا يعلم احد من وضعها، أو كنا نستقل سيارة الأجرة او الحافلة وحين ننزل نترك وراءنا البيانات وهكذا كانت تصل إلى اكبر عدد من الشعب الإيراني ".

حكايتها مع الإمام الخميني بدأت من رؤيا شاهدتها في احدى الليالي من العام 1965 أنها تسمع أنين سيد جاء لزيارتهم وهي لم تكن تعرف الإمام حينها فقررت البحث عنه لأنها أحست أن وراء هذه الرؤيا رسالة وعليها مساعدة هذا السيد وبعد ان بدأت البحث في قم وطهران وبعد ان التقت الامام الخميني بعد اشهر من البحث لم يكن سوى هذا السيد الذي شاهدته في منامها وهو يشكو من الظلم ومنذ تلك اللحظة بدأت جهادها عام 1967.

كانت ايام رفقتها للامام في باريس من اهم الايام التي استطاعت فيها السيدة دباغ التعرف على شخصية الامام عن قرب فذهلت بشجاعته ورؤيته البعيدة والثاقبة ووضوح الامور له وتعلمت من التنظيم الذي كان يعيش فيه الامام وهو الذي يؤكد ان الانسان اذا ما نظم وقته وحياته يصبح كل وجوده منظما

فتعرضت لملاحقة السافاك وسجنت لمدة سنتين عام 1973 وبعد خروجها تركت ايران بمساعدة الشهيد الشيخ محمد منتظري فبدأت جهادها في سوريا وفي لبنان مع الشهيد شمران كما كانت قد رافقت السيد محتشمي الى النجف عام 1975حيث اقامت في بيت الامام كمسؤؤلة عن امن البيت ثم رافقت الامام الى فرنسا بعد ان اكد لها الامام ان الثورة ستنتصر وستعود الى اولادها الثمانية في ايران . كانت ايام رفقتها للامام في باريس من اهم الايام التي استطاعت فيها السيدة دباغ التعرف على شخصية الامام عن قرب فذهلت بشجاعته ورؤيته البعيدة والثاقبة ووضوح الامور له وتعلمت من التنظيم الذي كان يعيش فيه الامام وهو الذي يؤكد ان الانسان اذا ما نظم وقته وحياته يصبح كل وجوده منظما. 

وتنقل كم كان الامام يؤكد على اهمية مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية والسياسية فهو الذي يعتقد ان لا فرق بين المرأة والرجل في اداء التكليف فكان يصر ان يرسلها هي الى المناطق المختلفة في فرنسا لتلقي الكلمات مع امتناعها احيانا ولكنها اطاعة للامام كانت تذهب وكانت تدرك عندها تأثير وجودها كامرأة على الغربيين الذين يعتقدون ان الاسلام يحرم المرأة من المشاركات الثقافية والاجتماعية. 

الغربيون الذين تفاجأوا حين كانت رسالة الامام تحملها امرأة ترتدي الشادور الاسود الى الاتحاد السوفياتي السابق عام 1988 ولم يخفي غورباتشوف تعجبه من وجودها في الوفد كما وهي لا تنسى استنكار غورباتشوف لعدة نقاط في الرسالة: حين دعاه الامام الخميني لاعتناق الاسلام فاجاب وهل يقبل الامام ان ندعوه لاعتناق اعتقاداتنا وكذلك انزعج وتفاجأ غورباتشوف حين قال الامام ان الشيوعية يجب وضعها في متاحف التاريخ.

وتضيف السيدة مرضية دباغ غورباتشوف قال بعد عدة سنوات: "لو أني أدركت كلام الإمام عندما ارسل لي الرسالة كما الأن لكانت بلادنا تحولت إلى جنة". السيدة دباغ التي ناهزت الخامسة والستين عاما والتي كانت قد ترأست الحرس في منطقة همدان وتولت مسؤولية التعبئة النسائية في كل إيران كما وكانت لدورتين نائب في البرلمان وهي تتولى مسؤولية جمعية "نساء إيران " لا زالت هذه المرأة –الحديدية – تبكي كلما ذكر الإمام الخميني وتردد ان الامانة ثقيلة جدا، ثقيلة جدا.

بعد الثورة كانت لها مسؤولية كبيرة. كانت مرافقة الإمام الخميني، ومسؤولة حرس الثورة في همدان. كثيرون يعرفونها. ذات يوم رآها أحد ما وهي تعمل سائقة تاكسي بالسيارة. في منتصف الليل، وكان ذلك الشخص يعرفها و يعرف انها في أعلى مراتب المسؤولية. وصل الخبر  إلى الامام الخميني فطلبها وسأل عن الموضوع. قالت للامام: "انا كفلت اسرتين فقيرتين، و هذا صعب علي، لابد لي ان اعمل اكثر لاكون قادرة على ذلك".

قبل سنوات مرضت مرضاً شديداً. طلبت من الإمام الخامنئي أي أن يسمح لها بتنفيذ عملية استشهادية ضد الجيش الصهيوني، قالت: "لم يبق لي شيء إلا هذا الجسم العليل، أريد أن أقدمه للإسلام. فرد عليها الإمام بالقول: "نحتاج كثيرا إلى وجودكم  وتنفسكم بيننا". ثم أمر بإرسالها إلى مكان جوه نقي وبعلاجها. الحمد لله تحسنت حالها قليلا.

سألوها مرة: "هل توجد لحظة ندم في حياتك على ما تعرضت له في سبيل الثورة؟ أجابت:  كلا،  لو كنت استطيع أن أقف على قدمي ولم أكن مريضة، لكنت الآن في سوريا!".

المجاهدة مرضية حديدچي( طاهره دباغ) تركت الدنيا  في 17 تشرين الثاني/نوڤمبر2016.

وقد نعاها الإمام الخامنئي قائلا: "برحيل المرأة المجاهدة والثورية التي لم تعرف التعب. هذه المرأة الشجاعة والفدائية في زمان الشاه الطاغوتي، التي لم يستطع السجن والتعذيب أن يضعف من عزيمتها في الدفاع عن الثورة وفي أداء وظيفتها. أسأل الله لهذه المرأة المخلصة أن تشملها المغفرة و الرضوان الإلهي".