يعتبر شهر شعبان المعظم من أهم الشهور لدي المسلمين حيث يتهيأ المسلم لشهر رمضان وهناك جانب آخر يميز هذا الشهر وهو مواليد الأئمة واحد تلو الآخر في هذا الشهر فيصادف الثالث منه مولد الإمام الحسين عليه السلام ومن أهم واجباتنا التعرف علي هذه الأنوار الساطعة والاقتداء بهم.

يصادف الثالث من شهر شعبان المعظم مولد حفيد رسول الله صلوات الله و سلامه عليه حيث تقام احتفالات في أرجاء البلاد ولكنه الأهم في مثل هذه المناسبات أن نتعرف علي هذه الشخصيات الفذة آلتي ضحت بنفسها وروحها ومالها وولدها من اجل الإسلام لكي ننتهل من عذب ماء مدرستهم ونقتدي بهم. وبهذه المناسبة ننقل لكم أجزاء من كتاب الإنسان بعمر 250 عام والذي يشير إلى جوانب من حياة أبي الأحرار سيد الشهداء الحسين بن علي عليه السلام وخاصة أهداف الثورة الحسينية لسماحة القائد الإمام السيد علي الخامنئي. 

 

أهداف ثورة الإمام الحسين عليه السلام

يقول سماحته عند الدقة في هذه الثورة لعلّه يُمكن للإنسان أن يعدّ أكثر من مائة درس مهمّ في هذا التحرّك الّذي قام به الإمام أبو عبد الله عليه السلام في بضعة أشهر، من اليوم الّذي خرج فيه من المدينة نحو مكّة وإلى اليوم الّذي شرب فيه كأس الشهادة العذب في كربلاء حيث تُعتبر كلّ إشارة من ذلك الإمام العظيم درساً في فصول متمايزة. وكلّ فصل يُعتبر درساً لأمّة وتاريخ وبلد ولتربية النفس وإدارة المجتمع وللتقرّب إلى الله.

وهناك درس رئيس في هذا التحرّك والنهضة الّتي قام بها الإمام الحسين عليه السلام، بحيث تكون كلّ تلك الدروس بمنزلة الهوامش أمام هذا الّذي هو بمنزلة النصّ الأصليّ، وهو لماذا ثار الحسين عليه السلام؟

ويسال الإمام الخامنئي: لماذا ثرت يا حسين رغم كونك شخصيّة لها احترامها في المدينة ومكّة، ولك شيعتك في اليمن؟ اذهب إلى مكان لا شأن لك فيه بيزيد ولا ليزيد شأنٌ بك، تعيش وتعبد الله وتُبلّغ.

ويؤكد أن ما يريد قوله، هو استنتاجٌ جامعٌ ورؤية جديدة للقضيّة. فإنّ البعض يظن أنّ هدف ثورة أبي عبد الله الحسين عليه السلام هو إسقاط حكومة يزيد الفاسدة وإقامة حكومة بديلة. هذا القول شبه صحيح وليس بخطأ، فلو كان القصد من هذا الكلام هو أنّ الحسين عليه السلام ثار لأجل إقامة حكومة بحيث إنّه لو رأى أنّه لن يصل إلى نتيجة لقال لقد قمنا بما علينا فلنرجع، فهذا خطأٌ.

أجل، إنّ الذي يتحرّك لأجل الحكم، يتقدّم حتّى يرى إلى حيث يرى إن كان الأمر ممكنًا، فإذا رأى أنّ احتمال حصول هذا الأمر أو الاحتمال العقلائيّ غير موجود، فتكليفه هو أن يرجع. فإذا كان الهدف تشكيل الحكومة فالجائز هو أن يتحرّك الإنسان إلى حيث يُمكن، وعندما يُصبح غير ممكنٍ يجب أن يرجع.

ويؤكد سماحته أنه ليس لدينا في المصادر والأسانيد الإسلاميّة ما يجوّز للإنسان إلقاء نفسه في القتل. إنّ الشهادة، الّتي نعرفها في الشّرع المقدّس والآيات والرّوايات، معناها أن يتحرّك الإنسان ويستقبل الموت لأجل هدفٍ مقدّس واجب أو راجح، هذه هي الشّهادة الإسلاميّة الصّحيحة. أمّا أن يتحرّك الإنسان لأجل أن يُقتل، أو بحسب التّعبير الشّاعريّ أن يجعل دمه وسيلةً لزلزلة الظّالم وإيقاعه أرضًا، فمثل هذه الأمور لا علاقة لها بواقعةٍ بتلك العظمة.

إذًا هذا الأمر وإن كان فيه جانب من الحقيقة لكن لم يكن هدف الحسين عليه السلام. وباختصار لا يُمكننا القول إنّ الحسين عليه السلام ثار لأجل إقامة الحكومة، ولا القول: إنّه ثار لأجل أن يستشهد، بل يوجد شيءٌ آخر في البين.

ويشرح الإمام الخامنئي أنه كان للإمام الحسين عليه السلام هدفٌ آخر، والوصول إليه يتطلّب طريقًا وحركةً تنتهي بإحدى النتيجتين: الحكومة أو الشّهادة، وكان الإمام مستعدًّا لكلتا النتيجتين، فقد أعدّ مقدّمات الحكم وكذا مقدّمات الشهادة، ووطّن نفسه على هذا وذاك، فإذا تحقّق أيّ منهما، كان صحيحًا، لكن لم يكن أيّ منهما هدفًا، بل كانا نتيجتين، وأمّا الهدف فهو شيءٌ آخر.

إنّ هدف الإمام الحسين عبارة عن أداء واجبٍ عظيم، واجبٌ يحتلّ مكانًا هامًّا في البناء العام للنّظام الفكريّ والقيميّ والعمليّ للإسلام. ورغم أنّ هذا الواجب مهمُّ وأساس، فلماذا لم يؤدَّ حتّى عهد الإمام الحسين عليه السلام؟ كان يجب على الإمام الحسين عليه السلام القيام بهذا الواجب ليكون درسًا على مرّ التّاريخ.

وأضاف سماحته: "إنّ هدف ذلك العظيم كان عبارة عن أداء واجبٍ عظيم من واجبات الدّين لم يؤدّه أحدٌ قبله، واجبٌ يحتلّ مكانًا هامًّا في البناء العام للنّظام الفكريّ والقيميّ والعمليّ للإسلام. ورغم أنّ هذا الواجب مهمُّ وأساس، فلماذا لم يؤدَّ حتّى عهد الإمام الحسين عليه السلام؟ كان يجب على الإمام الحسين عليه السلام القيام بهذا الواجب ليكون درسًا على مرّ التّاريخ، مثلما أنّ تأسيس النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم للحكومة الإسلاميّة أصبح درسًا على مرّ تاريخ الإسلام، ومثلما أصبح جهاد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في سبيل الله درسًا على مرّ تاريخ المسلمين وتاريخ البشريّة إلى الأبد. كان ينبغي للإمام الحسين عليه السلام أن يؤدّي هذا الواجب ليُصبح درسًا عمليًّا للمسلمين وعلى مرّ التاريخ.

ويعتبر قائد الثورة الإسلامية أن أرضيّة هذا العمل قد مُهّدت في زمن الإمام الحسين عليه السلام، فلو لم تُمهّد هذه الأرضيّة في زمن الإمام الحسين عليه السلام، كأن مُهّدت، على سبيل المثال، في زمن الإمام علي الهاديّ عليه السلام لقام الإمام عليّ الهادي عليه السلام بهذا الواجب، ولصار هو ذبيح الإسلام العظيم

إذًا، لقد كان الهدف أداء هذا الواجب، وعندها تكون نتيجة أداء الواجب أحد الأمرين، إمّا الوصول إلى الحكم والسّلطة وقد كان الإمام الحسين عليه السلام مستعدّاً لذلك، لكي يعود المجتمع كما كان عليه في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام، وإمّا الوصول إلى الشّهادة وهو عليه السلام كان مستعدًّا لها أيضاً. لقد خلق الله الحسين والأئمّة عليهم السلام بحيث يتحمّلون مثل هذه الشّهادة لمثل هذا الأمر، وقد تحمّل الإمام الحسين عليه السلام ذلك.

إنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أتى بمجموعة من الأحكام، بعضها فرديّ من أجل إصلاح الفرد، وبعضها اجتماعيّ من أجل بناء المجتمعات البشريّة وإدارة الحياة البشريّة بما تسمي النّظام الإسلاميّ. لقد جاء بالصلاة والصّوم والزّكاة والإنفاقات والحجّ والأحكام الأسريّة والعلاقات الفرديّة، ثمّ جاء بالجهاد في سبيل الله وإقامة الحكومة والاقتصاد الإسلاميّ، وعلاقة الحاكم بالرعيّة ووظائف الرعيّة تجاه الحكومة. هذه المجموعة من الأحكام عرضها الإسلام على البشر، وبيّنها النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أيّها النّاس والله ما من شيء يُقرّبكم إلى الجنّة ويُباعدكم من النار إلّا وقد أمرتكم به". ولم يُبيّن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كلّ ما يُسعد الإنسان والمجتمع الإنسانيّ فحسب، بل طبّقه وعمل به.

فقد أقام الحكومة الإسلاميّة والمجتمع الإسلاميّ، وطبّق الاقتصاد الإسلاميّ، وأُقيم الجهاد واستُحصلت الزكاة، فشيّد نظامًا إسلاميًّا وأصبح النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وخليفته من بعده، مهندس النّظام وقائد هذا القطار في هذا الخطّ. كان الطريق واضحًا وبيّنًا، فوجب على الفرد وعلى المجتمع الإسلاميّ أن يسير في هذا الطّريق وعلى هذا النّهج.

وهنا يُطرح سؤال وهو: ماذا يكون التكليف فيما لو جاءت يدٌ أو حادثة وأخرجت هذا القطار الّذي وضعه النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه السكّة؟ وماذا يكون التكليف فيما لو انحرف المجتمع الإسلاميّ وبلغ الانحراف درجة بحيث خيف من انحراف أصل الإسلام والمبادئ الإسلاميّة؟

وهنا يُطرح سؤال وهو: ماذا يكون التكليف فيما لو جاءت يدٌ أو حادثة وأخرجت هذا القطار الّذي وضعه النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه السكّة؟ وماذا يكون التكليف فيما لو انحرف المجتمع الإسلاميّ وبلغ الانحراف درجة بحيث خيف من انحراف أصل الإسلام والمبادئ الإسلاميّة؟

الانحراف تارةً يفسد النّاس، وهذا ما يقع كثيراً، لكن تبقى أحكام الإسلام سليمة، وتارة ينحرف النّاس ويفسد الحكّام والعلماء ومبلّغو الدين ــ ففي الأساس لا يصدر الدين الصحيح عن قومٍ فاسدين ــ فيُحرّفون القرآن والحقائق، وتبدّل الحسنات سيّئات والسيّئات حسنات، ويُصبح المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، ويُحرّف الإسلام 180 درجة عن الاتّجاه الّذي رُسم له. فماذا يكون التّكليف فيما لو ابتُلي النّظام والمجتمع الإسلاميّ بمثل هذا الأمر؟

ويبين سماحته أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بين وحدّد القرآن التكليف ﴿مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾، إضافة إلى آيات وروايات كثيرة أخرى. وأنقل منها هذه الرّواية عن الإمام الحسين. لقد ذكر الإمام الحسين عليه السلام هذه الرّواية النبويّة للنّاس، وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد حدّث بها، لكن هل كان النبيّ ليقدر على العمل بهذا الحكم الإلهيّ؟ كلّا، لأنّ هذا الحكم الإسلاميّ يُطبّق في عصر ينحرف فيه المجتمع الإسلاميّ ويبلغ حدًّا يُخاف فيه من ضياع أصل الإسلام. والمجتمع الإسلاميّ لم ينحرف في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم ينحرف في عهد أمير المؤمنين عليه السلام بتلك الصّورة، وكذا في عهد الإمام الحسن عليه السلام عندما كان معاوية على رأس السّلطة، وإن ظهرت الكثير من علائم ذلك الانحراف، لكنّه لم يبلغ الحدّ الّذي يُخاف فيه على أصل الإسلام.

ويضيف الامام انه: هذا الحكم الّذي يُعتبر من الأحكام الإسلاميّة لا يقلّ أهميّة عن الحكومة ذاتها، لأنّ الحكومة تعني إدارة المجتمع. فلو خرج المجتمع بالتّدريج عن مساره وخرُب وفسد وتبدّل حكم الله ولم يوجد عندنا حكم وجوب تغيير الوضع وتجديد الحياة أو بتعبير اليوم (الثورة)، فماذا تكون الفائدة من الحكومة عندها؟ فالحكم الّذي يرتبط بإرجاع المجتمع المنحرف إلى الخطّ الصّحيح لا يقلّ أهميّة عن الحكومة ذاتها، ويُمكن أن يُقال إنّه أكثر أهميّة من جهاد الكفّار ومن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر العاديّين في المجتمع الإسلاميّ، بل وحتّى من العبادات الإلهيّة العظيمة كالحجّ. لماذا؟ لأنّ هذا الحكم ـ في الحقيقة ـ يضمن إحياء الإسلام بعد أن أشرف على الموت أو مات.

إذن يعتقد سماحة القائد أن هدف ثورة الحسين عليه السلام هو إحياء الإسلام وإرجاع المجتمع إلى ما كان والجهاد كان من اجل إحياء الإسلام لا من اجل إقامة الحكومة فقط فإن حصل فلا باس وان لم يحصل فإنه حاول أن يعيد المجتمع إلى مساره الصحيح.