في قضيّة السيطرة على وكر التجسّس (السفارة الأمريكيّة)، يؤكّد الطرف الأمريكي الحياة العادية لسفارته في إيران. في هذا الإطار، يصفون الخطوة التي أقدم عليها الطلّاب الجامعيّون وأدّت إلى السيطرة على السفارة بأنّها خطوة حماسيّة وغير عقلائيّة وتتعارض مع القوانين الدوليّة. يحلّل الأستاذ المشارك في اختصاص الدراسات الأمريكيّة في جامعة طهران الدكتور فؤاد إيزدي هذه القضيّة وهذا التحدّي.

 

الكاتب: فؤاد ايزدي

 

لدينا في القوانين الدوليّة معاهدة 1963 في فيينّا، والقضايا ذات الصلة بالسفارات تندرج ضمن هذه المعاهدة. يمنح البند 40 من المعاهدة الحصانة للسفارات والقنصليّات. من هذه الناحية، وحين الكلام حول الحصانة الماديّة للسفارات أو حصانة الدبلوماسيّين – طبعاً الحديث عن الدبلوماسيّين ورد في البند 31 من المعاهدة، فهناك بند خاص بالدبلوماسيّين وهناك بند آخر لموقع السفارات - يُشار إلى البندين 40 و31 بخصوص هاتين الحصانتين. لكن هناك البند 41 في المعاهدة أيضاً، إذ عندما يحظى بلدٌ بهذه الحصانة، يتوجّب عليه التزام نقطتين.

 

النقطة الأولى هي أن يحترم قوانين البلد المضيف، فحيازة أيّ سفارة الحصانة لا تعني نقض قوانين البلد المضيف، إذ نبادر إلى نقض القوانين ثمّ نحظى بالحصانة! ثانياً عليه ألا يتدخّل في شؤون البلد. هذه نقطةٌ مهمّة وردت في المادّة 41 من معاهدة فيينّا عام 1963. في ما يرتبط بقضيّة وكر التجسّس نَقَض الأمريكيّون لسنوات المادّة 41، أي كانوا ينقضون قوانين إيران وقد تخطوا أيضاً حدود التدخّل بكثير في ما يخصّ شؤون إيران.

 

بداية، نفّذوا انقلاباً عام 1953 وغيّروا حكومة إيران، وهذه جريمة أكبر من التدخّل في الشؤون الداخليّة. إذا طالعتم مذكّرات السفراء الأمريكيّين كافة خلال هذه الأعوام، أو وثائق وكر التجسّس، فستجدون المئات من الشواهد أو الآلاف على التدخّل في شؤون إيران. إذاً، خرج الأمريكيّون عمليّاً من هذه الناحية من معاهدة 1963 في فيينا. كانوا قد خرجوا منها منذ أعوام ولم يكونوا ضمن هذه المعاهدة. وحين تُنقض المعاهدة على هذا النّحو العميق جدّاً، لا يمكنك أن تدّعي وتطالب بأن طبّقوا البند 40 أو 31 منها.

 

نعم، الهجوم على السفارة أمرٌ غير مشروع، وقد ورد هذا الأمر في البندين 31 و40 من المعاهدة. لكن ذاك المبنى لم يكن سفارة، بل كان لسنوات وكر تجسّس، وهناك الآلاف من الوثائق التي تُثبت هذا الأمر. هذه النقطة الأولى، والثانية أنّ أداء الطلاب الجامعيّين لم يكن اندفاعيّاً وحماسيّاً، بل كان خطوة عقلائيّة جدّاً. لماذا؟ لأنّهم كانوا يقفون أمام نقض المعاهدة، أي حين تتيقّن أنّ الأمريكيّين ينقضون القوانين الدوليّة، لا يكون منع هذا النقض عملاً بعيداً عن العقل ومنطلقاً من الحماسة والاندفاع.

 

قد يُقال: لماذا لم تُقدم الحكومة على هذه الخطوة؟ ما الذي جعل الطلاب الجامعيّين يتكفّلونها؟ على أيّ حال، نعم، قد يكون من الواجب على الحكومة آنذاك أن تخوض هذه القضيّة، لكن بعد أشهر من انتصار الثورة الإسلاميّة لم تكن حكومة إيران قويّة جدّاً. ولعلّها لم تستطع النهوض بمسؤوليّتها بصورة صحيحة في هذا المجال بسبب التحوّلات الثوريّة. هناك أيضاً نقطة أخرى تفيد بأنّ في بعض الأحيان يُمكن للمدنيّين العاديّين أن يفرضوا القانون، وهذا من المبادئ الموجودة في أمريكا نفسها وولاياتها كافة دون استثناء، وهو أمرٌ رسمي ويحظى بالاهتمام. يُسمّونه «إلقاء مواطن القبض» (Citizen arrest)، وهو يعني أنّك إذا رأيت أحداً ينتهك القانون ولم يكن هناك في الأرجاء أيّ شرطي، حتّى إن كانت الشرطة موجودة، ففي مقدورك التدخّل ومنع ذاك العمل.

 

citizen تعني المدنيّ و arrestتعني الاعتقال. يعتقل من؟ الأشخاص المخالفين للقانون. ما الذي فعله الطلاب الجامعيّون؟ اعتقلوا الجواسيس الأمريكيّين في طهران. لقد مارسوا Citizen arrest وفق تعبير الأمريكيّين. هذا ما فعله الطلاب الجامعيّون مع أمريكا، وقد لا تكون الحال كذلك في سائر الدول... في ما يرتبط بادعاء الأمريكيّين أنّ السفارة هي أرضنا، فإذا كانت تلك السفارة أراضي أمريكا، فقد طُبقت بالمناسبة القوانين الأمريكيّة هناك. لقد مورس Citizen arrest. لقد أُوقفت أعمال الجواسيس الذين كانوا يمارسون أنشطة تخريبيّة تتعارض مع قوانين إيران والقوانين الدوليّة تحت غطاء دبلوماسيّ، وأنتم تعلمون أنّ الدكتور ريتشارد فولك – هو أستاذ في جامعة برینستون ولا يزال حيّاً أيضاً – كتب مقالة تضمّنت هذه المفاهيم التي أعرضها لكم، ودعم بطريقة ما فعل الطلاب الجامعيّين. لقد دفع أثماناً كثيرة طبعاً وتعرّض لكثير من الضغط والأذى في أمريكا لأنّه فعل هذا الأمر بصفته أمريكيّاً يعيش في أمريكا.

 

أخيراً إنّ العمل الذي فعله الطلاب الجامعيّون كان مهمّاً جدّاً على المستويات العقليّة والقانونيّة والسياسيّة، ولهذا، وصف سماحة الإمام الخميني (قده) السيطرة على وكر التجسّس الأمريكي بالثورة الثانية، وأنّها كانت أهمّ من الثورة الأولى، لأنّ في الأولى طُرد عبيد أمريكا في إيران، لكن الصّنم الكبير كان لا يزال حاضراً فيها ويملك مكتباً ووكر تجسّس. الثورة الثانية أعظم لأنّها أطاحت بالصنم الأكبر وطردته من إيران. في رأيي، لو لم تحدث السيطرة على وكر التجسس، ما كان مُستبعداً تكرّر انقلاب 19/8/1953. على أيّ حال، مارس الأمريكيّون الدعم لنظام الشاه حتّى اللحظة الأخيرة، وبعد انهيار نظام الشاه دعموه بنسبة مئة بالمئة حتى وفاته. كان هناك خلافٌ في وجهات النظر داخل الحكومة الأمريكيّة، أي كان هناك خلافٌ بين وزير الخارجيّة سايروس فانس، وبين بريجنسكي الذي كان مستشار الأمن القومي لكارتر. كان بريجنسكي معتقداً حتى اللحظة الأخيرة بأن لا بدّ من دعم الشاه، لكنّ سايروس فانس كان متردّداً. في النهاية، اقتنع كارتر برأي بريجنسكي في مواضع الخلاف، وهذا ما يجعل من المهمّ إحياء ذكرى «13 آبان»، لأنّ ما حدث كان إنجازاً عظيماً جدّاً.

 

المصدر: arabic.khamenei.ir/news/6620