في حديثه مع الطلبة قبل أيام تطرق سماحة السيد الخامنئي إلى قضية بالغة الأهمية وهي قضية الاستبدال التأريخي، والتي جاءت في حديثه على شكل نبوءة ونستخلص من حديثه مقاطع متتالية على شكل سيناريو :
1- (هناك مؤشرات كثيرة على أن النظام العالمي الحالي سيتغير، ونظام جديد سيحكم العالم). وهذه النبوءة مستندة إلى معطيات تتعلق بتحليل ظاهرة نشوء الحضارات واندثارها وهي الظاهرة التي اتفق بشأنها المؤرخان ابن خلدون المسلم وتوينبي البريطاني المسيحي مع أن الفارق الزمني بينهما حوالي 600 سنة، وكلاهما ساهم في تأسيس نظرية تعاقب الحضارات، المستندة على القول بأن الدول تنمو وتتطور الى مرحلة الذروة مثل الإنسان ثم تبدأ بالشيخوخة والعجز فتنخرها عوامل الفساد والركود والصراع الطبقي ثم تموت.
2- أميركا هي الدولة المهيمنة على العالم منذ أواسط القرن الماضي، وهي المسؤولة عن اغلب حالات الاحتلال والإبادة والعنصرية في العالم، هنا يؤكد سماحته: (ستكون أمريكا معزولة، على عكس ما قاله بوش الأب قبل عشر أو عشرين سنة، أمريكا اليوم هي القوة الوحيدة المهيمنة في العالم) وهذه النبوءة لها علاقة بعوامل التآكل والضعف التي بدأت تصيب اميركا لكي ينطبق عليها قانون ابن خلدون او توينبي، اي شيخوخة الحضارة الأمريكية كمقدمة لزوالها، وهذه الظاهرة طبيعية في المسار التأريخي، فمنذ فترة ما قبل الميلاد وحتى الآن تتنازع قيادة العالم حضارات ودول محددة مثل البيزنطيين والرومان والفراعنة والبابليين والفرس وحضارات شرق آسيا، وكانت تلك الحضارات تنمو وتصل الذروة ثم تنحدر لتندثر، واميركا تنطبق عليها القاعدة أيضا، فقبلها نشأت واندثرت المانيا النازية، والاتحاد السوفيتي، وتراجع نفوذ فرنسا وبريطانيا، واليوم اورپا كلها تسمى (اورپا العجوز) كذلك اميركا فمثلما تلاشت قوى عظمى قبلها فسيأتيها الدور لتكون جزء من الماضي فهذه قوانين طبيعية.
3- وضمن التسلسل يقول السيد :(انتقال القوة السياسية والاقتصادية والثقافية وحتى العلمية من الغرب إلى آسيا فتصبح آسيا مركز المعرفة ومركز الاقتصاد ومركز القوة السياسية ومركز القوة العسكرية) وهي قراءة للدور الآسيوي بعد انتهاء دور اميركا، فالقوى الصاعدة في المنطقة كإيران وتركيا وروسيا والصين والهند وكوريا الشمالية وباكستان ستشكل تحالفا بديلا للدور الأمريكي، وهنا لم يذكر السيد مصير اورپا وإسرائيل بعد انتقال الهيمنة إلى آسيا لأسباب واضحة، فاورپا ستزداد ضعفا لأن ساعة التأريخ لا تعود إلى الخلف وستكون تحت رحمة الهيمنة الروسية، اما اسرائيل فهي ليست دولة لكي تدخل ضمن قانون نشأة واضمحلال الدول، بل هي كيان مؤقت ومختلق يزول بزوال اميركا وضعف اورپا.
4- وينتهي السيد الى قضية المقاومة :(فكرة المقاومة وجبهة المقاومة، وراعيتها الجمهورية الإسلامية، وتوسع ثقافة المقاومة) فالجمهورية الاسلامية كانت من اكثر الدول معاناة من الاستهداف الأمريكي-الصهيوني السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي، وفي مواجهة هذا التحدي المستمر لأكثر من 4 عقود تمسكت طهران بالصبر والمقاومة وتشكيل محور مقاوم في المنطقة، وانتقال ثقافة المقاومة والتحرر الى بلدان عديدة، وفي عملية الاستبدال التأريخي سيكون لإيران دور المشارك في تهيئة المحور العالمي الجديد، وفي الوقت نفسه سوف تقطف ثمار هذا التحول باعتباره نتاجا لصبرها ونجاحها في ادارة الازمات المتلاحقة، وستكون راعية لعودة الامة الاسلامية الى الواجهة في عملية نهوض جديد .
هذا حديث سماحة السيد الخامنئي جدير بالقراءة والتحليل، لأنه يشكل نبوءة سياسية مبنية على أساس سنن التأريخ التي لا تتغير، ويجب ان تكون محورا لجهاد التبيين، وفي سورة الكهف المباركة جاءت آية تمثل لقطة واحدة من نظرية تعاقب الحضارات (وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا) صدق الله العلي العظيم .
تعليقات الزوار