ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي تقريراً يُلقي الضوء على محطات من تاريخ المسجد الأقصى وتاريخ النضال من أجله وبعض مواقف الإمام الخميني والإمام الخامنئي من الانتهاكات التي تعرّض لها هذا المسجد على مرّ الزمان.

 

على مدار تاريخ النضال والمقاومة الفلسطينية، كان المسجد الأقصى حائزاً الأهمية دائماً وفي صلب التطورات. يعرف المسلمون والفلسطينيون جيداً أن المسجد الأقصى هو رمز للهوية الفلسطينية والإسلامية، لكن يحاول الصهاينة بناء هوية مزيفة لأنفسهم من خلال محاولة بناء الهيكل في الموقع الحالي للحرم الشريف، حتى تصبح القدس عاصمة لدولة يهودية عنصرية وهذا الموضوع ضاعف من أهمية هذا المسجد.

 

وعن أهمية هذا الموضوع يقول الإمام الخامنئي: «لا تسمحوا أن تُنسى قضيّة فلسطين والقدس الشّريف وقضيّة المسجد الأقصى، فهذا ما يريده أولئك. إنّهم يريدون أن يغفل العالم الإسلاميّ عن قضيّة فلسطين... يسعى الكيان الصّهيونيّ إلى احتلال القدس الشّريف على غفلةٍ من العالم الإسلاميّ وشعوبه» 25/11/2014.

 

في مراجعة للتاريخ تظهر لنا أهمية المسجد الأقصى:

 

كان الحادي والعشرون من آب/أغسطس 1969 أحد نقاط العطف في تاريخ قضية فلسطين. حادثة مريرة في ذاكرة المسلمين، في ذلك اليوم، حيث أشعل الصهاينة النار في أحد أهم وأقدس مساجد المسلمين. ووصل حجم الحريق إلى أن دمر حوالي 200 متر مربع من سقف المسجد بالكامل. لكن هرباً من الاتهام، أعلن الصهاينة أن هذه الحادثة ارتكبها شخص مجنون يدعى «دينيس مايكل روهان»، وهو مسيحي أسترالي. عندما اشتعلت النيران في المسجد عام 1969، قالت رئيسة وزراء الكيان الصهيوني آنذاك، غولدا مائير: عندما اندلع الحريق، لم أستطع النوم حتى الصباح لأنني قلت إن العرب سيهجمون غداً على «إسرائيل». لكن عندما جاء الصباح ورأيت أنه لم يحدث شيء، أدركت أنه بإمكاننا عمل كل شيء ولن يحدث شيء (من الدول العربية والإسلامية).

 

لكن لماذا لم يحدث شيء؟ وقع الحريق بعد عام من حرب الأيام الستة، وهي حرب تجرع فيها العالم العربي والإسلامي الطعم المر والمهين لاحتلال القدس. وبحسب المحللين، كان فشل الدول العربية في حرب الأيام الستة أهم سبب لتجرّؤ الصهاينة على ارتكاب مثل هذه الجريمة الكبرى في المسجد الأقصى، وإضرام النار في هذا المسجد المقدس. هذا الشعور بالإهانة دفع الدول الإسلامية إلى تشكيل منظمة المؤتمر الإسلامي لمواجهة جرائم الكيان الصهيوني وحماية الهوية الإسلامية للقدس وفلسطين. على الرغم من أن التاريخ قد أثبت أن هذه المنظمة لم تسطع التأثير في المعادلات الفلسطينية.

 

انتقد الإمام الخميني (قده)، الذي كان يتواجد حينها في منفاه في النجف خلال العهد البهلوي، الاجتماع الأول للمؤتمر الإسلامي، بعد عقده بالرباط في أيلول/سبتمبر 1969، وطلب من جميع المسلمين أن يتحدوا ضد الأعداء. وكان الإمام الخميني قد أكد في مقابلة أن المؤتمر الإسلامي الذي عقد في الرباط لم يخدم مصلحة المسلمين، بل ساعد أعداء الإسلام لأن بعض المشاركين في هذا المؤتمر لم يكن لديهم نوايا صادقة بالإضافة إلى وجود تناقضات بين المشاركين في هذا المؤتمر. وأضاف: لا ينبغي للمسلمين إعادة إعمار المسجد الأقصى طالما لم تتحرر فلسطين المحتلة. لتتجسد جريمة الصهيونية دائماً أمام أعين المسلمين وتصبح وقوداً لحركة تحرير فلسطين. هم أضرموا النيران في المسجد الأقصى ونحن نصرخ ليبقي المسجد الأقصى على حاله محترقاً فلا تُمحى هذه الجريمة.

 

بعد بضع سنوات في 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 1990؛ في منتصف الانتفاضة الأولى، حاولت مجموعة متطرفة من الصهاينة تعرف باسم «أمناء الهيكل» دخول المسجد الأقصى ووضع حجر زعموا أنه من هيكل سليمان في المسجد، لكن قام ما يقارب من 5000 فلسطيني بمقاومة هذا العمل ما أدى إلى استشهاد 21 وجرح 150 واعتقال 270 شخصا. لكن بعد مرور سنوات من احتلال جيش الكيان الصهيوني المهين للقدس الشرقية، وإحراق المسجد الأقصى، في عام 2000 اندلعت انتفاضة دعماً للمسجد الأقصى. هذه المرة، لم يتسامح الشعب الفلسطيني مع أي إهانة للمسجد الأقصى، لذلك صاحب دخول أرييل شارون إلى هذا المكان المقدس مع الجنود واليهود المتطرفين رد فعل أسفر عن مقتل 1000 صهيوني واستشهاد حوالي 4000 فلسطيني في خمسة سنين. فيما يتعلق بتلك الانتفاضة، قال الإمام الخامنئي بوضوح: «إن جيل الشباب واليافعين الذين يقودون الانتفاضة ليس بالجيل الذي يمكن للمال والدنيا أن تحرفه [عن مسيرته]. وهل يمكن إخماد هذا النضال؟! [لا يكون] إلاّ من خلال التعرّف على الشعب الفلسطيني، والعمل بذاك الحل الذي أعلنا عنه بشأن قضية الشرق الأوسط وقضية فلسطين، والمتمثّل بمشاركة جميع الفلسطينيين الذين ينتمون إلى هذه الأرض في استفتاء عام لتعيين مصيرهم وإقامة دولة تقرر مصير المهاجرين غير الفلسطينيين الذين جاؤوا إليها» 7/2/2005.

 

أدخلت خطة تقسيم المسجد الأقصى عام 2014 فلسطين مرة أخرى إلى عملية أثبتت أن المسجد الأقصى لا يزال نقطة تحول في معادلات هذا البلد. الأحداث التي أصبحت تعرف باسم انتفاضة القدس. على مدار عام ونصف (أيلول/سبتمبر 2014- شباط/فبراير 2015) استشهد أكثر من 150 شاباً فلسطينياً في الضفة الغربية ومدينة القدس بعمليات استشهادية بأسلحة نارية وبيضاء. كان البادئ بالانتفاضة فتاً اسمه مهند حلبي.

 

الإمام الخامنئي أكّد في مؤتمر دعم الانتفاضة عام 2015 في طهران: «إن الشعب الفلسطيني يفتخر بأنْ منّ الله المتعالي عليه وحمّله رسالة عظيمة تتمثل في الدفاع عن هذه الأرض المقدسة والمسجد الأقصى. ولا سبيل أمام هذا الشعب سوى الحفاظ على مشعل النضال وهّاجاً بالاتكال على الله المتعالي والاعتماد على قدراته الذاتية، وهذا ما قام به لحد الآن والحقّ يقال. الانتفاضة التي انطلقت اليوم في الأراضي المحتلة للمرة الثالثة لهي مظلومة أكثر من الانتفاضتين السابقتين، لكنها تسير متألقة ومفعمة بالأمل، وسترون بإذن الله أن هذه الانتفاضة سوف تسطّر مرحلة مهمة جداً من تاريخ النضال» 21/2/2017.

 

في شهر رمضان 2020 شهدت فلسطين صراعاً على المسجد الأقصى. معركة دارت من أجل قضيتين. أولاً، قضية حي الشيخ جراح، وهو حي في القدس أمر الصهاينة بمصادرته بحجة أن سكانه القدامى من المهاجرين، وكانوا يريدون تنفيذ أمر المصادرة في منتصف شهر رمضان. وثانياً، محاولة الجماعات اليهودية المتطرفة إدخال عشرات الآلاف من الأشخاص إلى المسجد الأقصى بحجة ذكرى احتلال القدس في 10 أيار/مايو (28 رمضان). ورافقت دعوة هذه الجماعات للتعدي على المسجد رد فعل قوي للغاية من الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس. وبتواجدهم في المسجد، حالوا دون نجاح الجيش في إخلاء الفلسطينيين بمقاومة استمرت 4 ساعات من أجل التحضير لدخول اليهود إلى المسجد.

 

بالإضافة إلى هاتين الحادثتين، بدأت حركات المقاومة حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، حرباً ضد تل أبيب بإطلاق العديد من الصواريخ من أجل تغيير المعادلة في حي القدس والشيخ جراح من أجل دعم أبناء القدس. فشلت الهجمات الصهيونية والصواريخ غير المسبوقة في إجبار المقاومة الفلسطينية على التراجع وبقيت تقاوم لمدة 12 يوماً.

 

حول هذه الحرب ونتائجها، قال الإمام الخامنئي: «"الإرادة التي لا تنكسر" في الساحةِ الفلسطينية وفي جميعِ منطقةِ غربِ آسيا تحلُّ محلَّ ما سُمّيَ "الجيشَ الذي لا يُقهَر" للصهاينة. لقد بات ذلك الجيشُ المجرمُ مضطراً إلى أن يُبدِّل اصطفافَه الهجومي إلى دفاعي... الكيانُ الغاصِبُ يَتَخَبّطُ في الساحة السياسية والعسكرية داخلَ شبكةٍ مُعقّدةٍ من المشاكل» 29/4/2022.

 

استمرت المعركة حوالي 12 يوماً؛ التي أصبحت تعرف باسم سيف القدس، كانت بالتأكيد واحدة من أكثر الحروب والمعارك تأثيراً بين غزة والصهاينة. معركة شنتها غزة خلافا للمرات السابقة. وذلك دعما ومعارضة لقرار مجموعة من اليهود المتطرفين بالهجوم على المسجد الأقصى ومصادرة حي الشيخ جراح في مدينة القدس. أظهرت هذه الحرب أن المقاومة الفلسطينية لن تكون في موقف دفاعي كما كانت من قبل، وأنها ستبدأ المعادلات والمعارك. كان سيف القدس بداية معادلة جديدة مهمة أخرى. مقاومة ستجبر الصهاينة على الأخذ بعين الاعتبار معادلات المقاومة في غزة عند تنفيذهم لأي أعمال في الضفة والقدس. ما يشار إليه اليوم باستراتيجية وحدة الساحات.

 

أظهرت أحداث رمضان 1444 مرة أخرى أن المسجد الأقصى هو الخط الأحمر لجميع الحركات الفلسطينية والمقاومة في الدول الإسلامية والعربية. اليوم وحدة الساحات والتنسيق بين حركات المقاومة لدعم المسجد الأقصى وضعت الصهاينة في مأزق حقيقي. فهم لم يعتقدوا يوماً أن إهانة المسجد الأقصى سترد عليه بجبهة مشتركة تبدأ من قطاع غزة وجنوب لبنان ومرتفعات الجولان ولا تنتهي بعمليات شباب أراضي 1948. تحرير المسجد الأقصى يقترب أكثر فأكثر بإذن الله.