كان الأربعين في واقعة كربلاء بدايةً. بعد أن حدثت واقعة كربلاء - تلك الفاجعة الكبرى - وتسطّرت التضحيات الفذة لأبي عبد الله (عليه السلام) وأصحابه وأعوانه وعياله في ذلك المكان المحدود، كان على واقعة الأسر والسبي أن تنشر الرسالة، وكان على خطب السيدة زينب الكبرى (سلام الله عليها) والإمام السجاد (عليه الصلاة والسلام) وكشفهما للحقائق أن تعمل كوسيلة إعلامية قوية لنشر الأفكار والأحداث والأهداف والاتجاهات على نطاق واسع.. وهذا ما حصل بالفعل.

 

من ميزات بيئة القمع أن الناس فيها لا تتوفر لديهم الفرصة والجرأة على التعبير عن الحقائق التي أدركوها في أعمالهم. فأولاً: لا يسمح الجهاز الظالم المستبد للناس بأن يفهموا ويدركوا، وإذا خرج فهم الناس من يده وفهموا الحقائق والأمور فلن يسمح لهم بالعمل بما فهموه. ففي الكوفة، وفي الشام، وفي وسط الطريق أدرك عدد كبير من الناس الكثير من الأشياء عن لسان زينب الكبرى (سلام الله عليها) أو الإمام السجاد (عليه الصلاة والسلام) أو عبر مشاهدتهم حال الأسرى، ولكن من كان يجرأ ويقدر على إبداء ما فهمه مقابل أجهزة الظلم والاستكبار والاستبداد والقمع؟ بقيت القضية أشبه بغصّة في حناجر المؤمنين. وتفجرت هذه الغصّة لأول مرة في يوم الأربعين.. الفوران الأول حصل في كربلاء في يوم الأربعين.

 

كتب المرحوم السيد بن طاووس - وغيره من الشخصيات اللامعة - أن قافلة الأسرى، أي السيدة زينب (سلام الله عليها) وباقي الأسرى، حينما جاءت كربلاء في الأربعين، لم يكن هناك جابر بن عبد الله الأنصاري، وعطية العوفي فقط بل «رجال من بني هاشم..» عدد من رجال بني هاشم وأصحاب الإمام الحسين كانوا مجتمعين حول تربة سيد الشهداء وجاءوا لاستقبال زينب الكبرى. وربما كانت هذه السياسة الولائية لزينب الكبرى بالتوجه إلى كربلاء - عند العودة من الشام - من أجل قيام هذا الاجتماع الصغير - لكن الغزير بالمعنى - في ذلك الموضع. البعض استبعد وصولهم إلى كربلاء في يوم الأربعين، وللمرحوم الشهيد آية الله قاضي مدوّنة مفصّلة يثبت فيها أن هذا الشيء ممكن الوقوع. على كل حال ما ورد في كلمات القدماء والأعلام هو أن زينب الكبرى وجماعة أهل البيت حينما نزلوا كربلاء كان فيها عطية العوفي، وجابر بن عبد الله ورجال من بني هاشم. هذا مؤشر ونموذج لتحقق ذلك الهدف الذي كان ينبغي أن يتحقق بالاستشهاد، أي نشر هذا الفكر وبث الجرأة في نفوس الناس. ومن هنا انبثقت أحداث التوابين. ومع أن نهضة التوابين قمعت، ولكن اندلعت بعد مدة قصيرة ثورة المختار وسائر أبطال الكوفة وكانت نتيجة ذلك انهيار عائلة بني أمية الظالمة الخبيثة. طبعاً حلّت من بعدهم السلالة المروانية، لكن المقاومة استمرت والطريق انفتح. هذه هي خصوصية الأربعين. أي ثمة كشف للحقائق في الأربعين، وثمة عمل، ويوجد في الأربعين كذلك تحقيق لأهداف هذا الكشف عن الحقائق.

 

من كلمة للإمام الخامنئي، بتاريخ: 16 / 2 / 2009

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ