تقرير: الشيخ قاسم بيلون

 

"التعبئة مدرسة العشق ومذهب الشاهدين والشهداء المجهولين حيث رفع أبناؤها من فوق مآذنها أذان الشهادة والشهامة. إنّها شجرة يفوح من براعمها ربيع الوصال وطراوة اليقين وحديث العشق". بهذه الكلمات تحدّث الإمام الخمينيّ الراحل قدس سره مع أبناء التعبئة كأبٍ يعبّر عن مدى عشقه لأبنائه.

 

بمناسبة أسبوع التعبئة، كان لمجلّة بقيّة الله لقاءان مع شخصيتين من الشخصيات التي واكبت العمل التعبويّ الميدانيّ في حزب الله من مراحل التأسيس الأولى حتّى يومنا هذا، في محاولة للإضاءة على أبرز المحطّات التي مرّ فيها.

 

* أساسنا تعبئة

تحدّث الحاج علي ضعون مسؤول منطقة جبل عامل الثانية عن أهميّة عمل التعبئة العامّة، قائلاً إنّه محوريّ وأساسيّ في حزب الله؛ لأنّ الحزب يعتمد في تشكيلاته منذ تأسيسه حتّى اليوم على التعبويّين من الإخوة والأخوات. وقد قسّم المحطّات التاريخيّة التي مرّ بها حزب الله إلى مجموعة مراحل، وهي:

 

1. المرحلة الأولى: من العام 1982م حتّى 1992م، كانت مرحلة إثبات وجود حزب الله والمقاومة.

 

2. المرحة الثانية: من العام 1992م حتّى 2000م، كانت مرحلة مواجهة العدوّ الإسرائيليّ وتحرير الجزء الأكبر من أرض الوطن.

 

3. المرحلة الثالثة: من العام 2000م وما بعده، مرّ حزب الله بمراحل عديدة وتحدّيات كبيرة، أهمّها في العام 2006م حيث شهد لبنان حرباً شرسة عليه، وبعدها تطوّرت الأمور لتصل إلى مرحلة مواجهة الحرب التكفيريّة، والحفاظ على إنجازات المقاومة كلّها.

 

* التعبئة تواكب الحاجات

مع مرور البلد بمحطّات مختلفة، برزت التخصّصات والمؤسّسات والجمعيّات المختلفة التي راحت تواكب المجالات والخدمات الاجتماعيّة والثقافيّة والخدماتيّة والإنمائيّة؛ فكان الشباب التعبويّون هم الحاضرون في هذه الخدمات لخدمة مجتمعهم. يقول الحاج ضعون: "منذ 4 سنوات وحتّى اليوم، واجهت التعبئة التحدّيات الأخيرة التي أراد أعداؤنا من خلالها القضاء على المقاومة وبيئتها وشعبها عسكريّاً وأمنيّاً، في ظلّ الحصار الذي يواجهه لبنان على أكثر من صعيد، سواء الاقتصاديّ أو الثقافيّ أو غيرهما. وقد أثبتت المقاومة قدرتها وقوّتها في المنطقة وهزمت المشروع الأميركيّ وذراعه التكفيريّة، حيث استطاع حزب الله أن يبقى حاضراً وصامداً من خلال الدور البارز والأساسيّ الذي قامت به التعبئة، ولا سيّما في مواجهة محاولات تجويع شعبنا وأهلنا وإضعافهم؛ فكان تشكيل مختلف اللجان والمراكز المعنيّة بهذا الأمر"، من هذه اللجان والمراكز:

 

1. لجان التكافل الاجتماعيّ: يشرح الحاج علي ضعون عن طبيعة هذه اللجان ومهامها، فيقول: "هي عبارة عن تشكيلات ولجان تعبويّة وشعبيّة، وبحمد الله توزّعت هذه اللّجان في المناطق المختلفة والقطاعات وصولاً إلى البلدات، وكان كلّ العاملين في هذه اللجان من التعبويّين المتطوّعين، من الطلاب الجامعييّن، والمهنيّين، والأساتذة، ومن الفعاليّات الاجتماعيّة، جميعهم قاموا ويقومون بمهام ووظائف تطوعيّة تُعنى بالتقديمات الاجتماعيّة، مهمّتها متابعة شؤون شعبنا وأهلنا وخدمتهم، وتأمين الحاجات المطلوبة والأساسيّة لمجتمعنا، كتأمين حصص تموينيّة غذائيّة، إذ تقوم هذه اللجان بتجميعها وتنظيمها وغيرها من الاحتياجات، سعياً إلى توفير الأمن الاجتماعي على قدر الإمكانيّات المتاحة".

 

2. الشؤون الصحيّة: بعد عدوان 2006م، أُسّس ملف يسمى "الشؤون الصحيّة"، يوضّح الحاج ضعون: "وهو عبارة عن تشكيلات صحيّة تتألّف من التعبويّين المتطوّعين في كلّ بلدة، يتكامل عملها مع عمل الهيئة الصحيّة الإسلاميّة والدفاع المدنيّ، وهي تضمّ أطبّاء وممّرضين وصيادلة من الإخوة والأخوات، الذين تلقّوا التدريب اللازم خصوصاً خلال تفشّي وباء كورونا". ويضيف: "من مهامهم تأمين الأدوية ولا سيّما تلك الخاصّة بالأمراض المزمنة والحالات المستعصية، بالتنسيق مع الهيئة الصحيّة الإسلاميّة، ثمّ تقديمها للمرضى أو ذويهم بطريقة منتظمة ودائمة في مراكز الرعاية الأوليّة المنتشرة في المنطقة بالتعاون مع وزارة الصحّة والجهات المانحة".

 

3. مراكز الدفاع المدنيّ التطوعيّة: ثمّة كذلك مراكز تطوعيّة للدفاع المدنيّ في المنطقة الثانية، يشرح عملها الحاج علي ضعون بقوله: "يحضر إلى هذه المراكز الشباب التعبويّون المتطوّعون مرتدين بزّات الدفاع المدني بعد تدريبهم وتأهيلهم لتقديم الخدمات اللازمة إلى أهلنا. أمّا التبرّعات الخاصّة بهذه المراكز، فيشترك في تقديمها الناس والبلديات وحزب الله، من أجل توفير ما يلزم لخدمة الأهالي مجّاناً. والجدير ذكره أنّ شباب الدفاع المدنيّ شاركوا في حرب تمّوز العام 2006م والمعارك في سوريا كمتطوّعين، وقد ارتقى منهم عدد من الشهداء".

 

4. اللجان الزراعيّة: بعدما أطلق سماحة الأمين العام السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) فكرة الجهاد الزراعيّ ودعا إلى العمل به، تشكّلت لجان زراعيّة في كلّ البلدات لخدمة المزارعين. يقول الحاج ضعون: "اللافت في هذه اللجان أنّ أعضاءها كلّهم من الشباب التعبويّين المتطوّعين لمساندة أهلنا المزارعين، بما يمتلكون من خبرة في هذا المجال جنباً إلى جنب مع مؤسّسة جهاد البناء، حيث قاموا بورش ودورات تدريبيّة لخدمة المزارعين".

 

5. العمل التربويّ: ولا ننسى جانباً مهمّاً للغاية من عمل التعبئة وهو العمل التربويّ، الذي تقع على عاتقه مجموعةٌ من المهام والمسؤوليّات، يعدّدها الحاج علي ضعون: "تقيم مجموعات التعبويّين في العمل التربويّ معارض القرطاسيّة، بداية كلّ عام دراسيّ بأسعار مخفّضة، ومكتبات لإعارة الكتب المدرسيّة، في محاولة لتخفيف الأعباء الماديّة عن أهلنا وشعبنا". ويضيف: "كما يقوم هؤلاء بمهام أخرى مثل: التوجيه العلميّ، وزيارات المدارس من أجل دعمها ودعم الأساتذة، فضلاً عن إجراء أعمال الصيانة للمدارس والثانويّات والجامعات، إلى جانب حملات تنظيف لهذه الصروح التربويّة".

 

* التعبئة رياضيّة أيضاً

لم يُغفل حزب الله أهميّة الرياضة، إذ أفرد لها جزءاً من عمل التعبئة. وقد خصّنا الحاج حسن ياسين مسؤول التعبئة الرياضيّة بحديث عن أهمية هذا النوع من العمل التعبويّ، وتفاصيله:

 

1.الانطلاقة: تحدّث الحاج ياسين عن انطلاقة التعبئة قائلاً: "بدايات التعبئة كانت من خلال العمل الرياضيّ، الذي كان يشكّل جهةً استقطابيّة، وقد تأسّست في تلك الفترة مجموعة أندية كرويّة كنادي الهدى الإسلاميّ في منطقة المصيطبة في بيروت، ونادٍ آخر في فتح الله وفي الشياح، بالإضافة إلى أندية في الجنوب وغيرها من المناطق اللبنانيّة".

 

2. الأهداف: أمّا عن أبرز أهداف التعبئة الرياضيّة فيحدّد الحاج ياسين معاييرها بقوله: "نحن لا نهتمّ بالجانب الرياضيّ البحت، وإنّما نبغي من وراء ذلك تحقيق أهداف عدّة؛ فمثلاً: خلال التدريبات في المدارس الكرويّة للأعمار من 6 سنوات حتّى 17 سنة، نعزّز لدى الفتية فكرة أنّ العضلات التي نعمل على تقويتها وتنميتها ليس هدفها المشاركة في المباريات فحسب، وإنّما نشر ثقافة الرياضة في المجتمع، والاهتمام بالقيم، والتربية الروحيّة، عن طريق الترويج لثقافة المقاومة والدفاع عن الوطن والتحفيز على الخدمة المجتمعيّة، ونشر مفهوم التطوّع لخدمة المجتمع؛ حتّى يكون شبابنا من المشاركين الفاعلين في المبادرات التطوّعية المختلفة، وصولاً إلى تعزيز الأخلاق الأسريّة وكيفيّة مواجهة الحرب الناعمة وأدواتها المختلفة كالمخدّرات والميسر الإلكترونيّ والشذوذ".

 

ويردف الحاج حسن ياسين هذه الفكرة بالقول: "بحمد الله، تمكّنت أنديتنا، ومن خلال كلّ هذه الأهداف التي نعمل على تحقيقها، من حصد المراتب الأولى في كثير من البطولات التي شاركت فيها".

 

3. وسام الشهادة: لقد أثمرت كلّ تلك الجهود التي يبذلها القائمون على التعبئة الرياضيّة، بأن خرّجت ثلّةً من المجاهدين الأبطال الذين انتسبوا إلى أندية رياضيّة تعبويّة، في الوقت نفسه لبّوا نداء الواجب في الدفاع عن الأرض والعِرض، حتّى التحق عدد منهم بقافلة الشهداء في مختلف المواجهات ضدّ العدوّ الإسرائيليّ والآخر التكفيريّ، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: الشهيد عبد المجيد كركي الذي استشهد في عمليّة بدر الكبرى، وكان من المنتسبين إلى نادي الهدى الإسلاميّ في المصيطبة، والشهيد قاسم شمخة الذي كان من لاعبي فريق العهد، وغيرهما الكثير من الشهداء الذين قدّمتهم التعبئة بمختلف أقسامها؛ فبذرت فيهم الحبّ والتضحية والعطاء لصالح المجتمع وأبنائه؛ حتّى حصدت قمّة العطاء وهو وسام الشهادة.

 

المصدر: مجلة بقية الله