ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي تقريراً يعرض تاريخ الساحة الأكاديميّة في الغرب وكيفيّة تعاطيها مع الحروب التي يشنها الحرب وحلفاؤه في العالم وسبب شعور الطلاب الجامعيّين هناك بالمسؤوليّة تجاه هذا الظلم الممارس من الاستكبار الغربي إضافة إلى السبب وراء عدم وجود تغيّرات ملموسة في السياسات العالمية للغرب وحلفائه رغم الاحتجاجات على مرّ التاريخ.
في نيسان/أبريل 1968، بدأ أكثر من ألف طالب من طلاب جامعة كولومبيا اعتصاماً واحتجاجاً في مباني هذه الجامعة؛ رداً على جرائم الجيش الأمريكي في فيتنام؛ وكان هدفهم من هذا الاعتصام وقف التعاون الأكاديمي لهذه الجامعة مع الجيش الأمريكي.
مر أكثر من نصف قرن على ذلك اليوم، ومرة جديدة، في نيسان/أبريل 2024، تشهد ساحة جامعة كولومبيا في نيويورك اعتصاماً للطلاب الذين يتظاهرون من أجل وقف التعاون بين جامعتهم والشركات المرتبطة بالكيان الصهيوني، ويكتبون على خيم اعتصامهم عبارة «المنطقة المحررة»، على غرار الستينيات. كما ظلّ إيقاف الطلاب عن الدراسة واعتقالهم إجراءً لم يتغير منذ الستينيات.
ما حدث اليوم في جامعة كولومبيا حدث مراراً خلال العقود القليلة الماضية في جامعات مختلفة في أمريكا وأوروبا.
إن التظاهرات الكثيرة التي يطلقها الجامعيّون من أجل إيقاف الحروب التي يشنّها الغرب وحلفاؤه تترك أمامنا سؤالَين مهمَّين:
1. لماذا يشعر الطلاب الغربيون بالمسؤولية إلى هذا الحد؟
2. رغم هذه الاحتجاجات عبر التاريخ، لماذا لا يوجد تغيّرات ملموسة في السياسات العالمية للغرب وحلفائه؟
للإجابة عن السؤال الأول، لا بدّ أن نعرف الدور المركزي للمؤسسة الجامعية في الحضارة الغربية، فمع ظهور الحكومات الحديثة أصبحت هذه المؤسسات مسؤولة عن جزء كبير من شؤون حياة الناس اليومية والأساسية، واعتماداً على نوع الحكومات الحديثة، تولّت هذه المؤسسات في كل بلد الضمان أو الإشراف على التغذية والعلاج والتعليم والأمن والتجارة، إلخ.
إن تشكيل الحكومات الحديثة وتنفيذ هذه المهام الواسعة يقعان على عاتق مؤسسة العلم الحديث؛ أي الجامعة. على سبيل المثال، إذا نظرتم إلى الهيكل العسكري للدولة الحديثة، سترون أن كل شيء؛ بدءاً من تدريب الجنود إلى تحديد الأهداف الإستراتيجية، ومن ترسيم هيكل المؤسسة العسكرية إلى إعداد وإنتاج الأسلحة، كلّه يتم في الجامعة؛ وهذا هو السبب الذي يجعل الطلاب المطالبين بالعدالة في الجامعات الغربية لا يستطيعون إغماض أعينهم عن التأثيرات الكبيرة التي تحدثها الجامعة على قرارات بلادهم، ويسعون إلى تغييرها عبر أنشطتهم.
السباحة عكس التيار
أما الإجابة عن السؤال الثاني فتبدأ بجملة مخيِّبة للآمال: «الطلاب الذين يتظاهرون يوماً لشعب فيتنام، ويوماً آخر لشعب اليمن، واليوم لشعب فلسطين، يسبحون عكس التيار الشديد للنهر»، والمقصود من النهر هو مؤسسة الجامعة والتيار الشديد، والأهداف والغايات التي وضعتها الحضارة الغربية لهذه المؤسسة.
يذكر مرتضى آويني في كتابه «التنمية وأسس الحضارة الغربية» أن النمو الاقتصادي والتنمية هما هدفا الحضارة الغربية، نقلاً عن كُتّاب غربيين مؤيدين ومعارضين للنظام السياسي العالمي، مثل آلفين توفلر في كتاب «الموجة الثالثة» وإيفان إيليتش، توصل في نهاية المطاف إلى استنتاج مفاده أنه منذ الثورة الصناعية ومع توسّع الرأسمالية والإمبريالية، أدّت الحاجة إلى القوى العاملة المتخصصة لتغيير البنية التعليمية في الجامعات، وأصبح هدفها الآن هو «التنمية والنمو الاقتصادي غير المحدود». وبالتالي، أصبح توجّه الجامعات الغربية يتحدد من قبل الرأسماليين الخارجيين، وليس من داخلها.
يرى المفكر النمساوي إيفان إيليتش في كتابه «نحو مجتمع بلا مدارس»[1]، أن نظام التعليم الغربي ملتزم بإيديولوجية يكون فيها النمو الاقتصادي على رأس الأولويات، وقد عدّ الإمام الخامنئي، في كلمته التي ألقاها في 7 نيسان/أبريل 2024 خلال لقاء مع الطلاب الجامعيين، أن العيب في مؤسسة الجامعة في الغرب هو أنها تفتقر إلى «التوجيه في تربية العالِم وإنتاج العِلم».
إن الموارد المحدودة والطبيعة الاستبدادية للرأسماليين الغربيين، جعلتهم يلجؤون إلى نهب ثروات الدول الأخرى باستخدام الأدوات المنتَجة في الجامعة من أجل تسريع «التنمية والنمو الاقتصادي». ومن أوضح الأمثلة على الاستعمار الجديد في عصرنا هذا هو مبادرة بريطانيا إلى تأسيس الكيان الصهيوني، وتعزيزه ودعمه من قبل أمريكا.
بات الصهاينة خدَماً لأمريكا في المنطقة لدرجة أن جو بايدن، الرئيس الأمريكي الحالي، يعدّ الكيان الصهيوني «أكبر مدافع عن المصالح الأمريكية في المنطقة»[2]. ومع وجود الكيان الصهيوني، تمكنّت أمريكا من تحويل عجلة أنابيب النفط في المنطقة نحوها، وقمع المساعي المطالبة بالاستقلال لدى شعوب المنطقة. لعب الكيان الصهيوني في تاريخه دوراً أساساً في تحقيق الأهداف الاستعمارية للغرب من خلال العمليات العسكرية، واغتيال العلماء والشخصيات المهمة في المنطقة.
الجامعة في خدمة الشعار
إن عاملَي «الأفتار إلى التوجيه في تربية العالِم وإنتاج العِلم» و«كونها أداة في أيدي الرأسماليين» حوّلا الجامعة في الغرب إلى عامل محفّز لاستعمار ونهب الشعوب العُزّل. يشتمل الاستغلال الأدواتي للجامعيين على نطاق من العلوم الإنسانية إلى العلوم التقنية والهندسية. فمن التخطيط للانقلابات، والهجمات الإعلامية والثقافية باستخدام أبحاث علماء الأنثروبولوجيا إلى أحدث النماذج وأشدّها؛ أيْ تسهيل الإبادة الجماعية في غزة وفلسطين بمساعدة علم تصنيع الأسلحة، كلّها تتم بالاستفادة من الجامعة، وهذا الاستغلال للجامعيين، كغيره من المشاريع الاستعمارية، له طبقة ظاهرية خادعة تسحر الشعب المستعمَر وبعض المستعمِرين أيضاً.
لقد جرى استخدام شعارات حقوق الإنسان والليبرالية في الدول الغربية لخداع شعوب المنطقة وكذلك لجلب شعوبهم، خاصة العلماء منهم، إلى العمل في هذا الصدد، فالحروب على فيتنام وكوبا والعراق وأفغانستان وليبيا بذريعة الحرية وإرساء الديمقراطية، لكنها في الواقع من أجل تأمين مصالح الرأسماليين.
إن عدوان الكيان الصهيوني على غزة بعد عملية «طوفان الأقصى»، وارتكابه جرائم الإبادة الجماعية بمساعدة الدول الغربية، والتي استشهد خلالها نحو 34 ألف شخص، هي مصداق آخر لنزعة الهيمنة وشن الحروب لدى الرأسمالية بذريعة محاربة الإرهاب والدفاع المشروع عن "دولة ديمقراطية".
هل ستُحدِث غزة تغييراً كبيراً؟
بعد الحرب العالمية الثانية، حاول العديد من الطلاب في الغرب مواجهة نزعة هيمنة حكوماتهم وعدوانيّتها. وفي كل مرة أسهمت هذه الجهود في تعرّف المزيد من الناس في الغرب على حقيقة دعاة الحرب هؤلاء؛ لذلك، فإن عدوان الكيان الصهيوني على غزة دفع الجامعيين الغربيين، وخاصة في أمريكا، إلى مواجهة هذه الحرب؛ لأن الكيان الصهيوني انتهك بشكل فاضح القوانين الدولية كافة، وكشف أمام الكثيرين نفاق شعارات حقوق الإنسان الغربية.
إن حجم المشروع الاستعماري للكيان الصهيوني والفوائد الكبيرة الحاصلة من وجوده لأمريكا والغرب، لم تمنع الغربيين من اعتقال[3] وإيقاف[4] الطلاب[5] والأساتذة[6] المحتجين عن الدراسة والعمل حفاظاً على الكيان، ولو على حساب تخريب الصورة الأكاديمية العلمية والمستقلة.
يبدو أن الجامعيين الغربيين لن يتمكنوا من تحقيق الكثير من هذه الأنشطة الساعية إلى العدالة إلّا بعد التوصّل إلى فكرة أساسية لتغيير اتجاه الجامعة. فهل بوسع صمود غزة أن يؤدي إلى وضع يافطة «منطقة محررة» على مداخل الجامعات الغربية بدلاً من «ساحة كذا» أو «كُلّية كذا»؟
تعليقات الزوار