Skip to main content

‏‏لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ

التاريخ: 25-10-2025

‏‏لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ

لا ينبغي الخضوع للظلم وقبول الضيم، وهذا ما لم يفعله قطّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا أوصياؤه عليهم السلام ولا أتباعهم الحقيقيون؛ إذ لم يخضعوا للظلم أبداً.

‏«‏لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ <[1]

 

كما أن الظلم حرام فكذلك الخضوع للظلم

 

لا ينبغي الخضوع للظلم وقبول الضيم، وهذا ما لم يفعله قطّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا أوصياؤه عليهم السلام ولا أتباعهم الحقيقيون؛ إذ لم يخضعوا للظلم أبداً. ونرى ذلك بوضوح في مسيرة حياته النورانية (صلى الله عليه وآله) وحياة أوصيائه الكرام؛ لا بعد البعثة فحسب، بل حتى قبلها. فقد كان (صلى الله عليه وآله)لا يقبل بأيّ ظلمٍ يقع عليه، وكان يسعى في الوقت نفسه لمواجهة روح السكوت عن الظالم  في المجتمع، وينبري للدفاع عن المظلوم، وانتزاع الحقّ له، حتى تُزال أسباب الخضوع للظلم.ومن أبرز النماذج في هذه المرحلة حادثة «حلف الفضول» الشهيرة. فقد ذكر المؤرّخون أنّ عمره الشريف لم يكن قد تجاوز العشرين سنة[2]، أي قبل البعثة بعشرين عاماً، حيث شارك في حركة ضدّ الظلم، وكان هدفها كسر روح  التفرج على المظلوم. وتفصيل الحادثة أنّ رجلاً من «بني زبيد» قدم إلى مكّة في شهر ذي القعدة ومعه بضاعة، فاشتراها «العاص بن وائل السهمي» وامتنع عن دفع ثمنها. فحصلت بينهما مشادّة، ولم يتمكّن الرجل الزبيدي من أخذ حقّه، فاضطرّ إلى صعود جبل «أبي قبيس» مستغيثاً، ودعا أحرار قريش إلى الدفاع عن المظلوم ومواجهة الظالم، وقال لهم:

يا للرجالِ لمظلومٍ بضاعته    ببطنِ مكةَ نائي الحيِّ والنفرِ

إنَّ الحرامَ لِمَن تمَّتْ كرامتُه    ولا حرامَ لثوب الغادر الفجر[3]

فاجتمعت قبائل بني هاشم وبني عبد المطلب بن عبد مناف وبني زهرة بن كلاب وبني تيم بن مُرّة وبني الحارث بن فهر في دار عبد الله بن جدعان التيمي، وعقدوا ميثاقاً تعاهدوا فيه على أن ينصروا كلَّ مظلوم، وأن يتعاونوا على استرداد حقه، وألا يسمحوا بأن يُظلَم أحدٌ في مكة[4].

وقد ذُكر أن أوّل من بادر إلى هذا الأمر كان الزبير بن عبد المطلب[5]، وقد قال في وصف ذلك العهد:

حلفتُ لنقعدنَّ حلفاً علينا وإنْ كنّا جميعاً أهلَ دارِ

نُسمِّيه الفضول إذا عقدنا بعُزبةِ الغريبِ لدى الجوارِ

ويعلمُ من حوالَي البيتِ أنا نُباهي الضيمَ نهجرُ كلَّ عارِ[6]

وقد رُوي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه بعد هجرته إلى المدينة قال: «لقد شهدتُ حلفاً في دار عبد الله بن جدعان، لو دُعيتُ إلى مثله لأجبتُ، وما زاده الإسلامُ إلا تشديداً»[7]. فقد شدّد الإسلام على مضمون هذا الحلف المناهض للظلم، ولم يضف إليه إلا صلابةً ورسوخاً. وهذا يُجسّد بوضوح توجّه الإسلام ومنهج النبيّ (صلى الله عليه وآله) في محاربة الظلم والسكوت عن الظالم .

لقد كان حلف الفضول حركةً جادّة لكسر روح الخضوع للظلم، وقد بلغ من القوة والرسوخ حدّاً جعل الأجيال اللاحقة ترى نفسها ملتزمة بالوفاء له واحترامه. ومن شواهد ذلك ما حدث في زمن ولاية الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ــ ابن أخت معاوية وواليه على المدينة ــ حين اختلف الإمام أبو عبد الله الحسين عليه السلام معه في شأن مال، فلجأ الوليد إلى التسلّط والجور. وبما أنّ الظروف حينها لم تكن مناسبة لقيامٍ عامّ شامل، فقد لجأ الإمام الحسين عليه السلام إلى إحياء ذكرى حلف الفضول الذي بقي في الذاكرة الاجتماعية، ليستنهض به الناس، ويكسر أجواء الخضوع للظلم، ويعلّمهم أنّه لا يجوز الاستسلام للباطل في أيّ حال من الأحوال. فقال الإمام الحسين عليه السلام مخاطباً الوليد: «أحلف بالله لتُنصفنَّني من حقي، أو لآخذنَّ سيفي، ثم لأقومنَّ في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم لأدعوَنَّ بحلف الفضول. وكان عبد الله بن الزبير حاضراً فقال: والله لئن دعا الحسين بحلف الفضول، لآخذنَّ سيفي، ثم لأقومنَّ معه حتى يُنتزع حقّه أو نهلك جميعاً في سبيل ذلك. ثم بلغ الخبر المسور بن خزمة بن نوفل الزهري، فقال مثل قوله، وكذلك عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي حين سمع بما جرى. ولما وصلت هذه الأخبار إلى الوليد، فعدل عن ظلمه، واضطرّ إلى الإنصاف، ودفع الحقّ للحسين[8].

نرى أن الحسين (عليه السلام) بكلمته التي قال فيها:

إذا ظلمتموني سأمسك بالسيف وأقف في مسجد رسول الله وأدعو الناس إلى ذلك العهد الذي أسسه آباؤهم وأجدادهم، كسر أجواء الخنوع، وأصاب والي المدينة الرعب، فاضطر إلى التوقف عن الظلم.

من الواضح كيف أن حركة ضد الظلم والخنوع التي كان النبي (صلى الله عليه وآله) يفتخر بالمشاركة فيها، أظهرت دورها الاجتماعي والسياسي بعد سنوات طويلة، ومنحت الروح الحرة والقدرة على مقاومة الظلم.

عدم الخنوع كان مبدأً أكّده الإسلام والسيرة النبوية، وقد تمسّك به قدوتنا رسول الله ص، فلم يظلم ولم يقبل الظلم، وهذه هي تربية إلهية وقرآنية: «لا تَظْلِمُون ولا تُظْلَموُن».

جملة «لا تَظْلِموُنَ ولا تُظْلَموُن»، رغم أنها جاءت في سياق آيات الربا، لکن هي في الحقيقة شعار إسلامي واسع وعميق يقول: بقدر ما يجب على المسلمين أن يتجنبوا الظلم، يجب عليهم أيضا أن يمتنعوا عن الخنوع للظلم.

عمومًا، إذا لم يكن هناك مستضعف، فسيقل الظالم، وإذا كان لدى المسلمين استعداد كاف للدفاع عن حقوقهم، فلن يستطيع أحد أن يظلمهم. بعد أن نقول للظالم: لا تظلم، يجب أن نقول للمظلوم: لا تخضع للظلم![9]

الذين يقبلون الخضوع للظلم هم الذين يربون الظالم، والأشخاص الذين يقبلون ولاية الجور يمنحون الظالم مجالًا للنمو والسيطرة، كما نقل عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): «کما تکونوا يولی عليکم»[10].

والقرآن الكريم يحث على «الهجرة» لكسر أجواء الخنوع والظلم وعدم البقاء في مجتمع لا يمكن إصلاحه. التأكيد القرآني للتربية هو: إذا كنت قادرا على الإصلاح، غيّر بيئة الظلم الفاسدة، وإذا لم يكن بالإمكان التغيير، فلا تتحمل فساد الظلم، افصل نفسك عنه وتحرر من العلاقات الظالمة. ومن أمثلة الهجرة لهذا السبب: الابتعاد عن الخنوع لا البقاء تحت الظلم، أي: لا تقف، لا تبقَ، اهرب! «وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ»[11].

الله يشجع ويحث على الانفصال عن الخنوع؛ الذين إذا بقوا يضطرون للخضوع للظلم، يُنصحون بالرحيل، ويُرسم لهم النصر والخير. أما الذين يبقون ويقبلون الظلم، فيُؤاخذون، ويوبخهم القرآن ببيان شديد:

>إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا * إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا * وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا»[12].

لقد أمر الله بالهجرة من أجل أن لا تُداس كرامة الإنسان، وشرفه وإيمانه تحت أقدام الخنوع : إن الحق والحرية يموتان دائماً عندما يحبسان في الغرف المظلمة، وخلف الأبواب المغلقة، وتحاطان بالجدران العالية! هنا يأمر الله تعالى الإنسان الذي في قلبه شعلة الإيمان ويحس بثقل الرسالة: إذا تريد الله، اترك بيتك! اهرب! لا يمكن البقاء في صعوبة كهذه؛ إن بيتك، أسرتك، شهرتك وقومك في المکان الذي فيه حريتك وإيمانك؛ فلا تبقَ حيث يُظلم ويُسجن الحق! اذهب، فالأرض واسعة والناس كثيرون. فالذين يبقون ويستسلمون من أجل حفظ أنفسهم ومالهم ظلموا أنفسهم، ومن باع حريته وإيمانه من أجل ذلك سيفقد ما كان يسعى لحفظه. وعلى العكس، من يهاجر في سبيل الله متجاوزا كل ما يملك، سيجد في الهجرة أكثر مما فقد. هكذا فعل الرسول؛ قطع جميع الميول لا للهروب من الأعداء، بل لكي لا يستسلم للظلم. وبعد 13 سنة من الجهاد المتواصل في نشر التوحيد وإخراج الإنسان من الظلمات إلى النور، لم تعد مكة تحتمل المسلمين، ونمو الإسلام فيها  بلغ حدّه الممكن، لذا هاجر النبي للحصول على ظروف مناسبة وإمكانات جديدة في مواجهة البيئة السياسية والاجتماعية الظالمة، وبعبارة أخری، ترك مجتمعه للعودة منتصرا إليها[13].

وفي هذا السياق، يُعرّف القرآن الكريم «الهجرة» وسيلة لحياة طيبة في الدنيا وذخراً عظيماً في الآخرة، ويعتبرها سببا للحرية والراحة، وکان على النبي من أجل ترسيخ حكم الإسلام وإخراج مصير مظلومي التاريخ وكسر حصون الخنوع أن يترك مكة: «الآن مكّة، أرضُ الأجداد والعشيرة، ومهوى ذكريات النبيّ، واقعةٌ في قبضة قريش. ثلاثةَ عشرَ عاماً من النضال المتواصل لم تفتح في أسوارها الحصينة ولا تحت سقفها الواطئ والثقيل نافذةً إلى العالم الخارجي. فإمّا البقاءُ والموت، وإمّا الرحيلُ والهجرة؛ لإنقاذ الإيمان والحرية، وأداء الرسالة الإلهيّة العالمية».

كما يقول جورج جيورجيو: «القبيلة والعائلة هما الشجرة الوحيدة التي تنمو في الصحراء، ولا يمكن لأي فرد أن يعيش إلا في ظلها، ومحمد بتركه مكة وهجرته قطع الشجرة التي نمت من دم ولحم أسرته من أجل خالقه». كان على محمد أن يترك مكة، إلى أين؟ «إلى أي مكان آخر، أي مكان يوفر مجالاً للعيش الحر وقاعدة للجهاد، وقد أعد النبي يثرب مسبقًا لهذا الغرض»[14]. لذلك، إذا لم توجد قدرة على المواجهة المباشرة، ومستنقع الخنوع ينتظر ابتلاع الشرف والحرية والإيمان، لا ينبغي الخضوع للظلم، بل يجب الرحيل.

الآن وقد حطّمتم حصون الخنوع، ووجدتم القدرة على مواجهة الظلم، قاتلوا، وادفنوا الظلم والخضوع له. لقد أذن الله بالجهاد: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ39 الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ»[15].

لقد أذن الله للذين ظُلموا بالقتال، ووطّد هذا الإذن بوعد نصره، وأوضح بأن أهل التوحيد إذا ظُلموا، وتركوا مواجهة الظلم وتفرجوا على الطغاة، ستُهدم كل القواعد التي يُذكر فيها اسم الله. ولهذا، لكي لا يفسد الإنسان في مستنقع الخنوع، ولكي يتعلم ألا يخضع للظلم، يقول: إما أن يهاجر ليحافظ على شرفه وإيمانه وحريته وعزته، ويواصل القتال إذا حصل علی موقع جديد، أو أن يبقى ويصبر ويقاتل، إلا الذين لا سبيل لهم. الله قوي عزيز، وأهل الإيمان، متوكلون عليه، بالقوة والعزّة. فالإسلام دين القوة، لا الخنوع.

 

 مقاومة الظلم والظالمين

 

هنا يُطرح سؤال، وهو: ما هو موقف الإنسان تجاه الظلم والسلطة الطاغية المستبدّة؟ هل عليه أن يستسلم، ويُذعن، ويقبل بالظلم؟ أم يجب أن يصمد، وينهض، ويرفضه؟ وهل كما يظنّ البعض أنّ حكم الظلم والظالمين هو من باب القضاء والقدر الإلهي، ومشيئة الله، وأنّ الرضا بالقضاء الإلهي يستلزم الرضا بالظلم والخضوع للظالم؟ أم لا؟

إنّ جواب العقل والشرع في هذا المجال واضح؛ فلا العقل يجيز القبول بالظلم، ولا الشرع[16].

قال تعالى: ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ﴾[17]. وكذلك قال: ﴿قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾[18]. بل إنّه تعالى يأمر بالعدل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾[19]. ويأمر بالقيام بالقسط: ﴿كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ﴾[20]. فالله عزّ وجلّ لا يصدر منه إلا العدل، وإن كان هناك ظلم، فهو من الإنسان، ويجب إزالة هذا الظلم: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾[21].

وبناءً على ذلك، فإنّ «الدِّين» - وليس ما يُسمَّى دينًا وهو في حقيقته أفيونٌ للشعوب - يدعو إلى العصيان في وجه الظلم وكلِّ الظالمين، ومن يسعون إلى استعباد الجماهير وإذلالهم من مثل:

-     الأرستقراطيون الطفيليّون الذين لا يزدادون قوّةً ولا يُحافظون على سلطانهم إلا بمصِّ دماء المحرومين ونهبِ خيراتهم.

-         المستبدّون الذين يستمدّون قوتهم من ضعف الناس، ويبنُون مجدَهم على خنوعهم واستسلامهم.

-         المنافقون الذين يتظاهرون بالتديّن، فيحرّفون قضاء الله وقدره ليُحكِموا سلاسل العبودية للمال والسلطان.

وقد أوضح الله تعالى الطريق بالحجّة الباطنة (العقل) والحجّة الظاهرة (الرسل والأئمّة)[22]، فلم يترك عذراً للاستسلام للظلم.

لكن الظالمين يتستّرون وراء تعظيم الشعائر الدينية، وإقامة المراسم المذهبية، ليشوّهوا الحقائق، ويمحوا العدالة، ويستخدموا الدين لتشويه الهوية الدينية للمستضعفين، ومن ثمّ تهيئة الظروف لاستعبادهم والسيطرة الكاملة عليهم. ومع ذلك، فلا عذر أبدًا للرضوخ للظلم، أو طاعة الظالمين، أو إتّباع الفاسقين؛ إذ إنّ الله تعالى أغلق طريق التبرير والفرار، بما أودعه في الفطرة من إلهامات، وبما قدّمه من شواهد عينيّة حيّة.

في منطق الدين، الخضوع للجهل والظلم مرفوض، وقد بيّن القرآن الكريم هذا بوضوح. وفي سورة سبأ، يصوّر لنا مشهداً من يوم القيامة فيقول: لو ترى حين يُوقف هؤلاء الظالمون بين يدي ربّهم (للحساب والجزاء)، سترى العجب، حيث يلقي كلّ فريق باللوم على الآخر. فيقول المستضعفون للمستكبرين: "لولا أنتم لكنّا مؤمنين!"، فيردّ المستكبرون: "هل منعناكم من الهداية بعد أن جاءتكم؟ بل أنتم كنتم مجرمين!"، فيقول المستضعفون: "بل وساوسكم الماكرة في الليل والنهار أضلّتنا، إذ كنتم تأمروننا بالكفر بالله، وجعل الشركاء له." وعندما ينظرون إلی العذاب، يكتمون ندامتهم خشية الفضيحة، ويضع الله الأغلال في أعناق الكافرين، ويقال لهم: هل تجزون إلا بما كنتم تعملون؟[23].

في هذه الآيات يتّضح موقف المجموعتين من الظالمين (المستضعفين والمستكبرين) في مواجهة بعضهم بعضا؛ فكلاهما ـ الظالم ومن يقبل الظلم ـ مجرمان، وكلاهما يحمل وصف الظالم ويُعذَّب. وعندما يُلقي المستضعفون جرم ظلمهم على المستكبرين، يجيبهم هؤلاء: مع وجود الحجج الواضحة، وبعد أن جاءكم الهدى، فكيف تتهربون من المسؤولية؟ لقد كنتم أنتم أنفسكم مجرمين.

والحقيقة هي أنّ كلا الطرفين مجرم؛ فمَن يظلم مجرم، ومَن يقبل الظلم أيضا مجرم. فالمستضعفون كانوا يتّبعون المستكبرين إتّباعا أعمى، وهؤلاء المستكبرون سلكوا طريق الكبر والاستعلاء، وسعوا وراء الهيمنة والسيطرة. وبسبب ضعف المستضعفين وذلّتهم، خضعوا للظلم، ثمّ حاولوا في ذلك الموقف تبرئة أنفسهم، فيقولون لزعمائهم الطغاة: «لو لا أنتم لكنّا مؤمنين»، ويقصدون بذلك أنّهم أُجبروا على الكفر، وأنّ المستكبرين حالوا بينهم وبين الإيمان. لكنّ أيّ تبرير من هذا القبيل لا يُقبل منهم؛ فقد كانوا يملكون الحجّة الباطنة (العقل) والحجّة الظاهرة (الوحي والرسل)، ومع ذلك، وبكامل إرادتهم وعقولهم، مالوا إلى الكفر والإلحاد، وارتكبوا الجرائم. فكلا الفريقين مسؤولان، وسيلقون جزاء أعمالهم التي قدّموها سلفاً. فإنّ أعمالهم هي ذاتها التي تتحوّل إلى قيود وأغلال تُكبّل أعناقهم وأيديهم وأرجلهم. فقد كانوا في هذه الدنيا أسرى، وسيكونون في الآخرة كذلك. فالمستكبرون كانوا أسرى المال والقوة والخداع، والمستضعفون كانوا أسرى الطمع والخوف والجهل. فالأسر في الآخرة إنما هو صورة مجسَّمة لأسرهم في الدنيا.

وفي مشهد آخر، يصوّر الله تعالى عاقبة الكافرين الذين اتبعوا أئمّة الفساد، فيقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا﴾[24].

ثمّ يقول هؤلاء الأتباع الأشقياء: «رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً»[25]. فهم يعترفون أنّهم كانوا أتباعا لرؤسائهم وكبرائهم، فيطلبون من الله أن يضاعف لهم العذاب.

لكنّ الله يبيّن أنّ الحكم مختلف، فيقول: ﴿قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[26].

فكلاهما يستحقّ العذاب المضاعف؛ لأنّهم متساوون في الجرم. فإن كان القادة فاسدين ومضلّين، فإنّ الأتباع كانوا كذلك، قبلوا الفساد والضلال، وسكتوا عن الانحرافات، ودعموا قادة الظلم، وبذلك أصبحوا شركاء في الجريمة. ولو أنّ هؤلاء الأتباع لم يتّبعوا القادة، ولم يسكتوا على انحرافاتهم، ولم يقبلوا ظلمهم، لما كان للقادة أيّ قوّة أو سلطان. ولهذا لا يملك أحدهم فضلًا على الآخر، كما قال تعالى: ﴿وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ﴾[27].

إذن، فإنّ الذين يتّبعون زعماءهم وقادتهم إتّباعا أعمى، ولا يبالون بأعمالهم الفاسدة، ويقبلون ظلمهم، فإنّهم يدمّرون حياتهم في الدنيا والآخرة معاً. فالمعارف القلبية والموازين العقلية والنماذج العملية الواضحة هي بحيث يستطيع جميع البشر أن يدركوا أنه لا ينبغي لهم أن يخضعوا للظلم، حتى لو كان للظالم مظهر وجيه، ويُجري ظلمه تحت ستار الدين، وحتى لو حمل لنفسه ألقابا مثل: خليفة النبي، أو عالم، أو فقيه، أو شيخ، أو زاهد. فالعوام - وليس الخواص فقط - قادرون على هذا الإدراك، ولا عذر لهم في تركه. فإذا قَبِل عوام المسلمين أقوال علمائهم وقادتهم، في حين أنهم يرونهم غارقين في الكذب وأكل الحرام، ومتصفين بالتعصب الأعمى، ومولعين بالدنيا، فإنهم يكونون كعوام اليهود، الذين ذمّهم الله تعالى في كتابه، فقال: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾[28].

فهؤلاء كانوا يتبعون أوهامهم وظنونهم، ويسيرون وراء علمائهم وقادتهم رغم علمهم بحالهم الفاسد. وقد ورد في تفسير هذه الآية حديث يبيّن بوضوح الموقف الصحيح من التقليد، وحدود التقليد المشروع وغير المشروع، ومتى يجب السكوت أو المقاومة في مواجهة ظلم العلماء والقادة[29]:

 «قال رجل للصادق عليه السلام: فإذا كان هؤلاء العوام من اليهود لا يعرفون الكتاب إلا بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم إلى غيره، فكيف ذمهم بتقليدهم والقبول من علمائهم؟ وهل عوام اليهود إلا كعوامنا يقلدون علماءهم؟ فإن لم يجز لأولئك القبول من علمائهم، لم يجز لهؤلاء القبول من علمائهم. فقال عليه السلام: بين عوامنا وعلمائنا وبين عوام اليهود وعلمائهم فرق من جهة وتسوية من جهة، أما من حيث أنهم استووا، فان الله قد ذم عوامنا بتقليدهم علماءهم كما [قد] ذم عوامهم. وأما من حيث أنهم افترقوا فلا. قال: بين لي ذلك يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله! قال عليه السلام: إن عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح، وبأكل الحرام وبالرشاء، وبتغيير الأحكام عن واجبها بالشفاعات والعنايات والمصانعات. وعرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم، وأنهم إذا تعصبوا أزالوا حقوق من تعصبوا عليه، وأعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من أموال غيرهم وظلموهم من أجلهم. وعرفوهم بأنهم يقارفون المحرمات، واضطروا بمعارف قلوبهم إلى أن من فعل ما يفعلونه فهو فاسق، لا يجوز أن يصدق على الله، ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله، فلذلك ذمهم [الله] لما قلدوا من قد عرفوا، ومن قد علموا أنه لا يجوز قبول خبره، ولا تصديقه في حكايته، ولا العمل بما يؤديه إليهم عمن لم يشاهدوه، ووجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله صلى الله عليه وآله إذ كانت دلائله أوضح من أن تخفى، وأشهر من أن لا تظهر لهم. وكذلك عوام أمتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر، والعصبية الشديدة والتكالب على حطام الدنيا وحرامها، وإهلاك من يتعصبون عليه إن كان لإصلاح أمره مستحقا، وبالترفق بالبر والإحسان على من تعصبوا له، وإن كان للإذلال والإهانة مستحقا. فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم. فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا لهواه، مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه. وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم، فان من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا، ولا كرامة»[30].

إنّ الناس الذين اتبعوا بعد النبي (صلى الله عليه وآله) قادتهم وزعماءهم إتّباعا أعمى، وأسّسوا بذلك لانحراف "الانقلاب على الأعقاب"[31]، هم مصداق واضح لهذه الآية، فقد ساروا في طريق الجاهلية، رغم التأكيد القرآني المتكرر على الحذر من تقليد الآباء والأجداد، والبيئة، والزعماء، والأغلبية[32].

وقد أشار أبيّ بن كعب الأنصاري[33]، وهو من كبار الصحابة والأنصار، إلى هذه الحقيقة المرّة في كلمات جريئة قالها زمن الخليفة الثاني. فقد اجتمع حوله جماعة، فقال: والله، يوم قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، سقطت هذه الأمة على وجهها في التراب، ولم تنهض بعد. والله، لئن عشت إلى يوم الجمعة، لأقولنّ خطبةً أضع فيها روحي على كفي. ألا إنّ أصحاب البيعة والعهد قد هلكوا، فلعنهم الله وأبعدهم من رحمته. والله، لا أبالي بهلاكهم، ولكنّي أبكي على أمة محمد (صلى الله عليه وآله) التي هلكت بتقليدهم لهم."

غير أنّه لم يعش إلى يوم الجمعة، بل نادى المنادي في يوم الأربعاء أو الخميس من نفس الأسبوع بأن أبيّ بن كعب قد توفي[34].

لقد قال كلمة حقّ، لكنّه دفع ثمنها، فقد بيّن أنّ الأمة هلكت لأنها اتبعت زعماءها وقادتها إتّباعًا أعمى، وقبلت الظلم، ثم برّرت هذا القبول، فأسّست بذلك بنيانًا فاسدًا ما زال ينتج الظلم والانحراف جيلاً بعد جيل.

تبرير السكوت والخنوع

 

قامت أيدٍ خفية لتثبيت تلك البيعة العمياء، وترسيخ مبدأ القبول الأعمى بالأمراء والحكام - مهما كانوا، ومهما فعلوا - باختلاق الأحاديث[35]. وقد تطور الأمر حتى ظهرت مجموعة من الأحاديث التي تُبرّر الخضوع للظلم، واستسلام المظلومين للظالمين، حتى بلغ هذا التوجه أن خُصصت في كتب الحديث أبواب كاملة تحت عنوان "باب الانظلام" أي باب قبول الظلم وعدم مقاومته. ففي صحيح مسلم في كتاب الإمارة، نجد أبوابًا تحمل عناوين مثل[36]:

-           باب الأمر بالصبر عند ظلم الولاة واستئثارهم: أي باب الأمر بالتحمل والصبر على ظلم الحكام واستبدادهم.

-           باب في طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق: أي وجوب طاعة الحكام حتى لو امتنعوا ن إعطاء الناس حقوقهم.

-      باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة: أي وجوب البقاء مع جماعة المسلمين في كل الظروف، وتحريم الخروج على الحاكم أو مفارقته.

وفي هذا السياق، روى أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قوله: (من يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني)[37].

وروى عنه أيضًا: (عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك)[38]. أي يجب عليك السمع والطاعة في حال الشدة والرخاء، وفي حال السرور والكراهية، وحتى مع استبداد الحاكم وتفرّده بالرأي.

وعن أسيد بن حضير أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال لرجل من الأنصار: (إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)[39]. أي ستواجهون بعدي حكامًا مستبدين، فصابروا حتى تلقوني عند الحوض.

وروي أنّ بعض الصحابة سألوا النبي (صلى الله عليه وآله) عن موقفهم إذا ظهر حكام يطالبونهم بحقوقهم ولا يعطونهم حقوقهم، فقال: (اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمّلوا، وعليكم ما حُمّلتم)[40]. أي اسمعوا لهم وأطيعوا، فهم مسؤولون عن تكاليفهم، وأنتم مسؤولون عن تكاليفكم، وليس عليكم إلا الطاعة.

بل تعدّى الأمر إلى ما هو أشد، فقد روى أبو هريرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية)[41]. أي من يخرج عن طاعة الحاكم، ويفارق جماعة المسلمين ثم يموت، فقد مات ميتة أهل الجاهلية. كما روي عنه (صلى الله عليه وآله): (أطع كل أمير، وصلِّ خلف كل إمام)[42]. أي أطع أي حاكم كان، وصلِّ خلف أي إمام كان.

ومما نُقل في هذا السياق: "السلطان ظل الله في الأرض، فمن أكرمه أكرمه الله، ومن أهانَه أهانَه الله."[43]. أي الحاكم هو ظل الله في الأرض، فمن يعظمه فقد عظّم الله، ومن يهينه فقد أهان الله. فنتيجة هذا المنطق بحسب هذه النصوص الموضوعة، يصبح لزامًا على الناس أن يصبروا على ظلم الحكام، وأن يقبلوا استبدادهم، وأن يروا في ذلك قربةً إلى الله! وجاء في بعض الأحاديث الموضوعة: "... وإن جار أو خان أو ظلم كان عليه الوزر، وعلى الرعية الصبر"[44]. أي حتى لو ظلم الحاكم أو خان أو جار، فالإثم عليه، وعلى الرعية الصبر والسكوت.

بل وصل الأمر إلى أن يصبح ردّ الفعل على الظلم نفسه ممنوعًا ومحرّمًا، فلا يجوز الاعتراض أو المقاومة؛ لأنه لا يرضي الحاكم. وهكذا يُراد للمظلوم أن يكون خانعًا حتى لو سُلب ماله وجُلد ظهره، فقد جاء في حديث آخر: "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع"[45].

لقد حرص الوضّاعون والخونة على أن يُغلقوا أي باب للتحرك ضد الظلم، فاختلقوا أحاديث تدعو إلى السكون والركون، وتحرم أي محاولة للإصلاح أو الثورة. ومن ذلك ما رواه مسلم بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي (صلى الله عليه وآله): «ستقوم فتن يكون فيها النوم خير من الجلوس، والجلوس خير من القيام، والقيام خير من المشي، والمشي خير من السعي »

فقال أحدهم: ماذا تأمر؟ فأجاب النبيّ (صلى الله عليه وآله): «من كان له إبل أو غنم فليعتن برعي إبله وغنمه، ومن كانت له أرض لازم زراعتها.»

فقال أحدهم: ومن ليس له إبل ولا غنم ولا أرض، ماذا يفعل؟ فقال: «ليكسر سيفه على حجر، فلا يقاتل الطغاة والظالمين»[46].

بهذه الأحاديث الموضوعة أرادوا شلّ إرادة الأمة، وتخدير وعي المظلومين، حتى يتحول الدين إلى أداة بيد الظالمين، ويصبح الظلم قدرًا محتومًا، والطاعة العمياء واجبًا شرعيًا، بينما يُحرّم أي سعي لإقامة العدل أو إزالة الجور.

وهنا يُوجَّه هذا التسامح والتحمّل تجاه الظالم، بحيث لا تُزعج راحتهم نوم الظالمين على حساب المضطهدين، وتُعتبر كل حركة أو مقاومة أو قيام ضد الظلم محرّمة شرعًا.

وببيان الأستاذ محمد جواد مغنية: «لا شك أن هذه الأحاديث وهذه الأقوال صادرة عن المتظاهرين بالعلم قديماً وحديثاً كانوا أدوات بيد الحكام، فتمّ تأليفها وفق إرادتهم ورغبتهم، كما يفسّرون القرآن أيضًا لحفظ مصالح سلاطينهم المستبدين الظالمين»[47].

بعضهم، نفوا أساسًا أي حركة أو ثورة، وشرعوا الخضوع للظلم مستندين في ذلك إلى أن الخروج على الحكام الظالمين ومقاومة القادة المفسدين لدين الله يؤدي إلى اختلاف المسلمين ويقود الجماعة إلى التفرقة. والبعض الآخر، حرموا المقاومة والثورة اعتقادًا منهم بأن رفض الظلم ومواجهة الظالم سيفقد الأمة الأمن، وسيحول الطمأنينة إلى خوف، والحياة المستقرة إلى زلزال واضطراب.

ويكتب الشيخ محمد أبو زهرة أن ثلاثة من أئمة أهل السنة: مالك، والشافعي، وأحمد يقولون إنّه يجب الصبر أمام ظلم الحكام. كما ذكر أن الإمام أحمد بن حنبل صرّح بأن الصبر على الظلم واجب، وأن السكوت أمام الجور فرض، ونهى عن الخروج على الظالمين ومساعدة من خرج عليهم، وقال إنّ القتال بالسيف ضد الأمراء غير جائز، حتى لو كانوا ظالمين[48].

ويضيف أن شرح الموطأ جاء ليبيّن أن رأي الإمام مالك وجمهور أهل السنة هو إذا كان الحاكم ظالمًا، فطاعته أفضل من الخروج عليه أو القيام ضده[49]. والنسفي أيضًا في شرح العقائد نسب هذا الاعتقاد إلى أبي حنيفة، بخصوص الصبر على أعمال الظالمين وعدم الخروج عليهم. والباجورّي في حاشيته على شرح الغزي، وأحمد دهلوي في كتابه حجة الله البالغة، وابن نجيم في الأشباه والنظائر، والتفتازاني في شرح جامع المقاصد، وغيرهم كثيرون أكدوا على عدم الخروج على الظالمين ووجوب الصبر على جورهم وظلمهم.

حتى أن الدهلوي صرّح بأن الخليفة لا يُعزل إلا بالكفر وإنكار الضروري من الدين، وأن فسقه وظلمه وتعديه على حدود الشريعة لا يضر بخلافته[50]. واستمر هذا الفكر إلى حد أن بعض علماء أهل السنة أقرّوا بـ «إمارة الغلبة» أو «إمارة الاستيلاء»، كارثة مدمرة تهدف إلى تدمير الدين والهوية الإنسانية، وهي أسلوب علمي لتبرير الخضوع واستبداد الحكام الظالمين.

ويكتب القاضي عبد الجبار المعتزلي، المتكلم الكبير عند أهل السنة: «وقد يقولون بإمامة الفاسق المفضول إذا غلب، ويجعلونه إمامًا للغلبة لا للرضا»[51]. أي أنّ أهل السنة يعتبرون أنّ الفاسق المفضول إذا سيطر وغلب، يُعدّ إمامًا بسبب الغلبة نفسها، لا لرضا الناس.

وبعضهم استند لتبرير «إمارة الغلبة» وقبول الظلم إلى قول عبد الله بن عمر بعد واقعة الحرة وكل تلك الجرائم في المدينة: «نحن مع من غَلَب»[52]، وهذا في الحقيقة تكرار للقول الجاهلي: «الحق لمن غلب»[53]، أي أنّ معيار الحق والباطل أصبح الغلبة والقوة والسلطة، وكل ذلك مخالف صريح لمنطق القرآن والسنة والسيرة.

لماذا تجاهل مروّجو مثل هذه الأحاديث والأفكار كل تلك الآيات والأحاديث الصريحة في عدم قبول الظلم وعدم الطاعة في المعصية، وأصدروا مثل هذه الأحكام؟ لماذا لم يكن عمل الرسول حجة لهم؟ لماذا، مع وجود الأدلة العقلية الواضحة والمعارف القلبية الثابتة، لجأوا إلى مثل هذه التبريرات؟ أليس من الواضح أن طاحونة الظلم تدور بهذه الطريقة، وأنه ما لم يُستَخدم الناس تحت الظلم، فلن تتوفر الراحة اللازمة للمستبدين؟ أليس من الواضح أنه باسم مصلحة الجماعة، قد فُتح الطريق للخيانة تجاه الأمة، وأصبح الدين خاضعًا للمصالح؟

لقد كانوا يعلمون جيدًا أن: «لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوق فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ»[54].

وكانوا قد فهموا جيدًا أن: « إنّما الطّاعةُ في المَعْروفِ »[55].

ومع ذلك، لجأوا إلى تبرير الاستبداد وانتهاك الحرمات ودوس كرامة البشر.

من أي آية قرآنية استدلوا على وجوب طاعة الظالمين، وأن مخالفة الحكام مخالفة لله ورسوله؟ بعضهم تمسّك بالآية: «أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ»[56]

واستنتجوا منها أنه يجب طاعة الأمراء والحكام بشكل مطلق[57]. لا شك أن مثل هذا التفسير لا يتوافق مع هذه الآية نفسها، ولا مع سائر الآيات وروح تعاليم الإسلام. ويكتب العلامة الطباطبائي في هذا الصدد:

«لا شك أن الطاعة المذكورة في الآية: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول" هي طاعة مطلقة، بلا قيد أو شرط، وهذا بحد ذاته دليل على أن الرسول لا يأمر بشيء ويَنهى عن شيء يخالف حكم الله، وإلا كانت طاعته تتعارض مع طاعة الله. وهذا لا يتم إلا إذا كان الرسول معصومًا. وهذا الكلام ينطبق على أولي الأمر أيضًا... وبما أن الآية جمعت بين الرسول وأولي الأمر وذكرت لهما طاعة واحدة، ولأن أمر المعصية أو الخطأ مستحيل بالنسبة للرسول، ولو لم يكن مستحيلًا بالنسبة لأولي الأمر، لكان لا بد من ذكر القيد، وبما أنه لم يُذكر القيد، فالآية مطلقة، ويدل على وجوب عصمتهم، كما هو الحال بالنسبة للرسول صلى الله عليه وآله: بلا أي فرق»[58].

ويضيف الإمام الفخر الرازي تحت هذه الآية:

«ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بد وأن يكون معصوما عن الخطأ، إذ لو لم يكن معصوما عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته، فيكون ذلك أمرا بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأ منهي عنه، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد، وإنه محال، فثبت أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم، وثبت أن كل من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوما عن الخطأ»[59].

الخروج على الحكام المستبدين، والوقوف ضد الظلم

 

وبالتالي، في منطق القرآن الكريم، لا معنى للطاعة المطلقة وغير المشروطة لغير المعصوم، بل على عكس الذين حاولوا إيجاد سبيل لتبرير الاستبداد والسكوت أمام الظلم، منطق الدين هو عدم الرضا بالظلم والخروج على الحكام المستبدين والقيام ضد الظلم[60].

قال العلامة الطباطبائي: «في الدر المنثور في ذيل الآية: (فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ)[61]. يقول: ابن جرير، وابن قانع، وطرابلسي، عن علقمة بن وائل الحضري، عن سلمة بن يزيد الجهني، أنه قال: (يا رسول الله أرأيت إن كان علينا أمراء من بعدك يأخذون حقنا ويمنعون حقنا الذي جعله الله لنا نقاتلهم ونبغضهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم)».

ثم يضيف العلامة الطباطبائي: «في هذا المعنى نقلت روايات أخرى، لكن لا شك أن الإسلام بروح إحياء الحق وإماتة الباطل لا يسمح أبداً للظالمين المتجاهرين بالظلم بالسيطرة على الناس، ولا يجعل السكوت وتحمل ظلم المعتدين والفجار جائزاً، ولا يسمح للناس الذين لديهم القدرة على رفع الظلم وإصلاح الأمور بذلك. اليوم في النقاشات الاجتماعية تبين أن استبداد آراء الحكام واستبدادهم بالقوة أكبر خطر وأقذر أثر في المجتمع، وأحد هذه الآثار هو نشوء الفتن والشغب والحروب، لأن الناس في النهاية يصلون إلى مرحلة يجبرون فيها الظالمين على الحق والعدل، وهذا بحد ذاته سبب نشوء الفتن والحروب»[62].

فإن استبداد الحكام هو أساس بؤس الشعوب، وقد حذر الأئمة العادلون من طاعتهم: «ألا فالحذر من طاعة ساداتكم وكبرائكم! الذين تكبروا عن حسبهم، وارتفعوا فوق نسبهم، وألقوا الهجينة على ربهم، وجحدوا الله على ما صنع بهم، مكابرة لقضائه، ومغالبة لآلائه، فإنهم قواعد أساس العصبية ودعائم أركان الفتنة، وسيوف اعتزاء الجاهلية»[63].

ويقول سليم بن قيس الهلالي: سمعت أمير المؤمنين علي (ع) يقول:

«اِحْذَرُوا عَلَى دِينِكُمْ ثَلاَثَةً: ... وَرَجُلاً آتَاهُ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ سُلْطَاناً فَزَعَمَ أَنَّ طَاعَتَهُ طَاعَةُ اَللَّهِ وَمَعْصِيَتَهُ مَعْصِيَةُ اَللَّهِ وَكَذَبَ لِأَنَّهُ لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اَلْخَالِقِ لاَ يَنْبَغِي لِلْمَخْلُوقِ أَنْ يَكُونَ حُبُّهُ لِمَعْصِيَةِ اَللَّهِ فَلاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَتِهِ وَلاَ طَاعَةَ لِمَنْ عَصَى اَللَّهَ إِنَّمَا اَلطَّاعَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِوُلاَةِ اَلْأَمْرِ وَإِنَّمَا أَمَرَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِطَاعَةِ اَلرَّسُولِ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ مُطَهَّرٌ لاَ يَأْمُرُ بِمَعْصِيَتِهِ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِطَاعَةِ أُولِي اَلْأَمْرِ لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مُطَهَّرُونَ لاَ يَأْمُرُونَ بِمَعْصِيَتِهِ »[64].

ويقول أمير المؤمنين علي (ع) في خصائص الحاكم الإسلامي ودور الناس وكيفية التعامل مع من يدعي ما ليس له ويمنع الحق:

«إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهذَا الْأَمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَيْهِ، وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللّهِ (فِيهِ). فَإِنْ شَغَبَ شَاغِبٌ اسْتُعْتِبَ ، فَإِنْ أَبَى قُوتِلَ. وَلَعَمْرِي، لَئِنْ كَانَتِ الإمَامَةُ لاَ تَنْعَقِدُ حَتَّى يَحْضُرَهَا عَامَّةُ النَّاسِ، فَمَا إِلَى ذلِكَ سَبِيلٌ، وَلكِنْ أَهْلُهَا يَحْكُمُونَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا، ثُمَّ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَنْ يَخْتَارَ. أَلاَ وَإِنَّي أُقَاتِلُ رَجُلَيْنِ: رَجُلاً ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ، وَآخَرَ مَنَعَ الَّذِي عَلَيْهِ»[65].

وبهذا الترتيب يُلاحظ أنه في السيرة النبوية لا مكان لقبول الظلم، وفي التعامل مع الحكام المستبدين والقادة الظالمين، حيثما يكون إمكان للنهوض والوقوف، يُوصى بالوقوف، وحيثما تكون الأوضاع غير مناسبة، يجب السعي لتغيير الأحوال؛ وبشكل عام لا يُسقط واجب القتال أو الهجرة أو الجهاد أبداً. وقد نقل ابن مسعود عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله:

«... سيكونُ عليكم أُمراءُ، يَقضونَ لأنفُسِهِمْ ما لا يَقضونَ لكم، فإذا عصَيْتُموهُم قتلوكم، وإنْ أَطعْتُموهُم أضلُّوكم.

قالوا: يا رسولَ اللهِ، كيف نصنعُ؟

قال: كما صَنَعَ أصحابُ عيسى ابنِ مريمَ، نُشِروا بالمناشيرِ، وحُمِلوا على الخُشُبِ، موتٌ في طاعةٍ، خيرٌ من حياةٍ في معصيةِ اللهِ»[66].

ونفس المعنى جاء في كلام أمير المؤمنين (ع). فقد نقل أبو عطاء عن الإمام (ع) قوله:

«كيفَ أنتم وزمانٌ قد أظلَّكم، تعطَّلَ فيه الحدودُ، واتخذَ المالُ فيه دولًا، ويُعادى أولياءُ اللهِ ويُوالي فيه أعداءُ اللهِ.

قلنا: فإنْ أدركنا ذلك الزمانَ، فماذا نصنعُ؟

قال: كونوا كأصحابِ عيسى عليهِ السلام نُشِروا بالمَناشيرِ وصلبوا على الخُشُبِ. الموتُ في طاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ خيرٌ من الحياةِ في معصيةِ اللهِ»[67].

وبناءً على هذا التوجه ضد الظلم، فإن أفضل الجهاد في سبيل الله هو القتال ضد القادة الظالمين: «أَفْضَلَ اَلْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ إِمَامٍ جَائِرٍ»[68].

ومن يُقتل في هذا الطريق يُعتبر شهيداً؛ كما نقل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أَئِمَّةٌ يَمْلِكُونَ أَرْزَاقَكُمْ يُحَدِّثُونَكُمْ فَيَكْذِبُونَكُمْ، وَيَعْمَلُونَ فَيُسِيئُونَ الْعَمَلَ لَا يَرْضَوْنَ مِنْكُمْ حَتَّى تُحْسِنُوا قَبِيحَهُمْ وَتُصَدِّقُوا كَذِبَهُمْ فَأَعْطُوهُمْ الْحَقَّ مَا رَضُوا بِهِ، فَإِذَا تَجَاوَزُوا فَمَنْ قُتِلَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ شَهِيدٌ»[69].

وبالتالي، إذا لم يُقابل الظالمون، فإنهم يدوسون كل كرامة إنسانية وإيمانية للناس. ولن يرضوا إلا أن يُعترف بقبحهم ويُصدق كذبهم ويُعتبر فسادهم إصلاحاً. وأما الذين يرغبون في الحفاظ على هويتهم الإنسانية والإيمانية، فلا ينبغي لهم الرضا بالظلم أو وضع راية المواجهة ضد الظلم أرضاً، بل يجب عليهم المجابهة بأي وسيلة ممكنة. فقد قال أمير المؤمنين (ع):

«أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، إِنَّهُ مَنْ رَأَى عُدْوَاناً يُعْمَلُ بِهِ وَ مُنْكَراً يُدْعَى إِلَيْهِ، فَأَنْكَرَهُ بِقَلْبِهِ، فَقَدْ سَلِمَ وَ بَرِئَ، وَ مَنْ أَنْكَرَهُ بِلِسَانِهِ فَقَدْ أُجِرَ وَ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ صَاحِبِهِ، وَ مَنْ أَنْكَرَهُ بِالسَّيْفِ، لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَ كَلِمَةُ الظَّالِمِينَ هِيَ السُّفْلَى، فَذَلِكَ الَّذِي أَصَابَ سَبِيلَ الْهُدَى وَ قَامَ عَلَى الطَّرِيقِ وَ نَوَّرَ فِي قَلْبِهِ الْيَقِينُ»[70].

وقال الحسين بن علي (ع) الذي صبغ التاريخ بلون دمه الحماسي:

«أيُّها النَّاسُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: مَن رَأَى سُلْطَانًا جَائِرًا مُسْتَحِلًّا لِحَرَامِ اللَّهِ، نَاكِثًا عَهْدَهُ، مُخَالِفًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)، يَعْمَلُ فِي عِبَادِ اللَّهِ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، فَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَيْهِ بِفِعْلٍ وَلَا قَوْلٍ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مَدْخَلَهُ»[71].

وبشكل أساسي، فإنَّ الله سيُؤاخِذُ الذين لا يقاتلون في سبيله وفي سبيل إنقاذ المظلومين. كيف يمكن لإنسان يمتلك ذرة من عاطفة ويغض النظر عن أولئك الذين يُسحقون تحت سوط الظلم؟ وقد دعا الله المسلمين على نحو صريح للجهاد وقتال الظالمين وتحريك عواطفهم الإنسانية، قائلاً: «وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا»[72].

وفي منطق الدين، يؤمر بمقاتلة أهل البغي والظلم الذين لا يقبلون إصلاح أعمالهم بالوسائل السلمية، كما يؤمر بمواجهة الظالمين لإجبارهم على الحق[73]. وفي خبر محمد بن عمر بن علي (ع) عن والده عن جده عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال لعلي (ع):

«يَا عَلِيُّ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ كَتَبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْجِهَادَ فِي الْفِتْنَةِ مِنْ بَعْدِي كَمَا كَتَبَ عَلَيْهِمْ الْجِهَادَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ مَعِي. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْفِتْنَةُ الَّتِي كُتِبَ عَلَيْنَا فِيهَا الْجِهَادُ؟ قَالَ: فِتْنَةُ قَوْمٍ يَشْهَدُونَ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّنِي رَسُولُ اللَّهِ وَهُمْ مُخَالِفُونَ لِسُنَّتِي وَطَاعِنُونَ فِي دِينِي. فَقُلْتُ: فَعَلَّامَ نُقَاتِلُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ يَشْهَدُونَ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ: عَلَى احْدَاثِهِمْ فِي دِينِهِمْ، وَفِرَاقِهِمْ لِأَمْرِي، وَاسْتِحْلَالِهِمْ دِمَاءَ عَتْرَتِيِ»[74].

وبنفس التوجّهات، فقد كان القادة الحقيقيون لا يضعون راية المقاومة ضد الظالمين علی الأرض في أيّ حال. فالشيعة ومعظم المعتزلة يرون أنه إذا أُغلقت طرق الإصلاح ولم يكن بالإمكان تصحيح الأمور بالوسائل السلمية، فيجب مواجهة الحكام الظالمين والولاة المستبدين. فالصمت أمام الظلم والجور غير جائز، والمواجهة ضدّهم تُعدّ من أشكال الجهاد المهمة في سبيل الله[75].

وقد ذكر الأستاذ هاشم معروف الحسني في كتابه «الانتفاضات الشيعية عبر التاريخ» بعد ذكر نماذج من الروايات الكثيرة التي تدعم الخروج على الظالمين والنهوض لإقامة الحقّ ودفع الباطل عن الأئمة (ع): >أن الأئمة (ع) كانوا يساندون هؤلاء الثائرين ويدعون الناس لنصرهم في مواجهة الظلم والجور والطغيان، وفي نفس الوقت كانوا يتمنّون لهم أن يعملوا بدقة، ويؤدّوا أعمالهم بهدوء (وفي نهاية الأمر سرّاً) ليصبح نشاطهم أكثر تأثيرًا وانتشارًا، كما أن من يراجع المواقف التي اتخذها الأئمة (ع) تجاه هذه الانتفاضات والمقاومات على مر العصور، والتي كانت تُربك الحكام المستبدين وتهزّ عروشهم وتُعزّز الحقّ، يكتشف هذه الحقيقة»[76].

وقد ذكر محمد بن إدريس الحلّي أنه في محضر الإمام الصادق (ع) دار الحديث عن خروج العلويين على الحكام الظالمين وقيام أبناء آل محمد الحقيقيون، فقال الإمام: «لَوَدِدْتُ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ خَرَجَ وَعَلَيَّ نَفَقَةُ عِيَالِهِ»[77].

وبالطبع، في بعض الحالات، تحدث قادة الحقّ عن انتفاضات الشيعة الحقّة لأسباب تتعلق بالتقية أو منع إفشاء الأسرار، أو تشتيت ذهن الظالمين عن المقاومين، أو إخفاء الروابط والدعم، أو أمور مشابهة، وهذا لا يعني نفي أصل المقاومة ضد الظلم والقيام بالانتفاضات الحقّة. فهذه الانتفاضات كانت في سياق النهي عن أكبر منكر وهو حكومة الجور، لا بدافع الاستبداد الشخصي أو طلب الدنيا.

إن الاعتقاد بالخروج على القادة الظالمين ومواجهة جورهم لم يقتصر على الشيعة، وكما ذُكر، فإن معظم المعتزلة أيضًا كانوا على هذا الاعتقاد. وفي هذا الصدد، ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي، شارح نهج البلاغة، في موضع يوضح فيه أمير المؤمنين (ع) عمق فساد القاسطين، حيث قال: «فبعدي لا تقتلوا الخوارج (ولا تحاربوا)، لأن من طلب الحقّ وأخطأ ليس كمَن طلب الباطل وبلغ إليه»[78]. وقد أورد رأي المعتزلة في مواجهة القادة الظالمين: «عند أصحابنا، لا شك أن الخروج على القادة الظالمين واجب؛ وكذلك عندهم، إذا استولى شخص فاسق ومعتدٍ على السلطة عن علم ودون وقوعه في شك، فلا يجوز أن يُساعد لمقاتلة من هم منسوبون للدين ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، بل يجب مساعدة الذين خرجوا عليه، حتى وإن وقعوا في الشبهة الدينية وضَلُّوا في عقيدتهم، لأنهم أعدل وأقرب إلى الحق من ذلك القائد»[79].

ورشيد رضا نقل عن شيخ محمد عبده أن أبو حنيفة سرًّا أجاز الخروج على المنصور العباسي وكان يرى أن الخلافة من حقّ العلويين، وأن الثورة على حكم الظلم مباح، واعتبر المنصور غاصبًا ورفض قبول منصب القضاء في حكومة الخلفاء العباسيين. وأضاف رشيد رضا أن الأئمة الأربعة من أهل السنة كانوا جميعًا معارضين للحكومات في زمانهم ولا يرونها أهلًا لقيادة المسلمين، لأنها كانت حكومات ظالمة ومستبدة[80].

وهذا القول بأنّه لا ينبغي قبول الظلم، وإذا أُغلقت الطرق السلمية للإصلاح يجب القيام على القادة الظالمين وإيجاد الشكل الصحيح والمناسب للمقاومة ضدهم، هو قول يتوافق مع الفطرة البشرية. فالبشر بالفطرة السليمة يحبون الكمال المطلق، وبطبيعة الحال يكرهون كل نقص وظلم، ومن يرجع إلى فطرته يدرك أنه لا ينبغي له الرضا بالظلم. يجب أن يعلم الناس أن جور الظالمين لا حدود له، وإن رضوا بالظلم على أمل انفراج، فإنهم بهذا قد شدّدوا قيود العبودية أكثر.

جذور قبول الظلم

 

السؤال المهم الذي يثار حول القبول بالظلم هو: لماذا يرضخ الناس لكل هذا الظلم؟ أليس القبول بالظلم مرفوضًا ومكروهًا بالفطرة والعقل والشريعة؟ فلماذا يقبله الناس إذًا؟ بالنظر إلى تاريخ البشر، نرى بوضوح أن الكثيرين قبلوا الظلم، ومارسوا طريق الاستبداد، وأداروا طاحونة الظلم والطغيان. فما هو سبب كل هذا القبول بالظلم؟

وبالدقة في تاريخ قبول البشر بالظلم، ندرك أن تعلق الإنسان بالدنيا هو الذي يدفعه لقبول الظلم. حب الدنيا لدى الإنسان هو السبب الأساس لكل قبول بالظلم والرضوخ له. فالإنسان الذي عينه على الدنيا، متعلق بها، يريدها ويعتبرها كل شيء. إذا تعارض الظلم مع دنياه، فإنه يقبل الظلم ليحمي دنياه من الضرر. الإنسان الذي يريد البقاء ويعتبر «البقاء» هو الأصل، حين يواجه خيار البقاء وقبول الظلم أو الفناء والمغادرة، فمن الواضح ما الذي سيختاره؛ فخوفه من الخسارة ورغبته في البقاء يجعله أسيرًا. فمن تعلق بنفسه، يقدم بقاء هذا الجسد المادي على كل شيء، وسيبقى حارسًا له بأي ثمن. ومن تعلق بالمال والأولاد، يحميهما مهما كان الذل. ومن تعلق بالجاه والمكانة، ومن ملأ حب السلطة وامتلاكها وجوده، لماذا لا يقبل الظلم لتحقيق هذه الآمال؟ فإن سبب كل قبول بالظلم هو في حب الدنيا، وفي الاعتماد عليها، كما أُشير إلي هذا في أحاديث الأئمة المعصومين ع. فقد قال الإمام السجاد (ع): «ولا تركنوا إلى الدنيا فإن الله عز وجل قال لمحمد صلى الله عليه وآله: (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)[81].

فالاعتماد على الدنيا يعني الركون إلى الظالم، وسبب كل الظلم والرضوخ له هو في الدنيا؛ لأن الإنسان يرضخ لكل إذلال، ولأجل متاع الدنيا فقط يصبح الناس راغبين في بقاء الظلم والظالم.

وقد قال الإمام الصادق (ع) في تفسير آية (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ): «هُوَ اَلرَّجُلُ يَأْتِي اَلسُّلْطَانَ فَيُحِبُّ بَقَاءَهُ إِلَى أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ كِيسَهُ فَيُعْطِيَهُ»[82]. أي أن الإنسان من أجل تحصيل متاع الدنيا الفاني يرغب في بقاء الظالمين ويقبل أي شيء. وأما من تجاوز تعلقاته وارتفع فوق الدنيا، فإنه لا يقبل الظلم ويمكنه المواجهة. فما دام الإنسان متعلقًا بغير الله، فإنه يقبل الظلم، قليلًا أو كثيرًا.

فإذا لم يقبل الأنبياء العظام وأولياء الله الظلم، فذلك لأن نظرهم لم يكن متوجهاً إلا إلى الله، ولم يخشَوا غير الله، ولم يتعلق قلبهم بالدنيا، لا خوفاً من الفقد ولا تعلقاً بالبقاء. لا كانت المملوكات تغريهم ولا المرغوبات تأسرهم. لذلك حيثما كان موضع الهجرة، تخلوا وذهبوا، وحيثما كان موضع الجهاد، ثبتوا وقاتلوا. لو كان قلب لوط (عليه السلام) متعلقاً بأحد، لما استطاع الرحيل، لكنه ذهب، وبالمقابل بقي الآخرون. ولو كان نوح (عليه السلام) متعلقاً بابنه، لما تقدم عندما رفض ابنه السير، لكنه رحل ولم يستسلم للظلم والخطيئة. ولو كان هدف موسى (عليه السلام) الراحة، لما ألقى بنفسه في معركة الأحداث ولم يصمد. هكذا كانوا جميعًا: متحررين من الدنيا، وبذلك أصبحوا أحرارًا من قبول الظلم.

وبالتدقيق في أسباب قبول الظلم، يمكن رؤية علامات حب الدنيا وآثار التعلق بوضوح. الدنيا تصبح حجابًا، و«الجهل» يمهّد لقبول الظلم. الدنيا تتجلى، و«المصلحة» تدفع الناس لقبول الظلم. يتمسكون بالدنيا، ومن «خوف» فقدانها يرضخون لكل شيء.

وقد حذّر الحسين بن علي (ع) الناس والعلماء من الذين يرون الفساد والظلم، لكنهم يسكتون خوفًا من الدنيا، ويرافقون الظالمين ويقبلون الظلم:

«اعْتَبِرُوا أَيُّهَا النَّاسُ بِمَا وَعَظَ اللَّهُ بِهِ أَوْلِيَاءَهُ مِنْ سُوءِ ثَنَائِهِ عَلَى الْأَحْبَارِ إِذْ يَقُولُ‏: «لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ، وَقَالَ: ‏«لُعِنَ الَّذينَ کَفَرُوا مِنْ بَنی‏ إِسْرائيلَ، إلى قوله: لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ، وَإِنَّمَا عَابَ اللَّهُ ذَلِکَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ کَانُوا يَرَوْنَ مِنَ الظَّلَمَةِ الَّذِينَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمُ الْمُنْکَرَ وَالْفَسَادَ فَلَا يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ ذَلِکَ رَغْبَهً فِيمَا کَانُوا يَنَالُونَ مِنْهُمْ وَرَهْبَهً مِمَّا يَحْذَرُونَ وَاللَّهُ يَقُولُ: «فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ...<.

>وَلَوْ صَبَرْتُمْ عَلَى الأَذَى، وَتَحَمَّلْتُمُ الْمَؤُونَةَ فِي ذَاتِ اللَّهِ، كَانَتْ أُمُورُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ تَرِدُ، وَعَنْكُمْ تَصْدُرُ، وَإِلَيْكُمْ تَرْجِعُ، وَلَكِنَّكُمْ مَكَّنْتُمُ الظَّلَمَةَ مِنْ مَكَانَتِكُمْ، وَاسْتَسْلَمْتُمْ أُمُورَ اللَّهِ فِي أَيْدِيهِمْ، يَعْمَلُونَ بِالشُّبُهَاتِ، وَيَسِيرُونَ فِي الشَّهَوَاتِ، سَلَّطَهُمُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ فِرَارُكُمْ مِنَ الْمَوْتِ، وَإِعْجَابُكُمْ بِالْحَيَاةِ الَّتِي هِيَ مُفَارِقَتُكُمْ...<.

فطالما يوجد «خوف»، يوجد «قبول للظلم». فإذا غُرِسَت صفة «الجبن» في القلوب، حصد الإنسان «الاستسلام». وأعظم أنواع الخوف هو الخوف من الموت، وهو خوف شامل وعام، ومع شموليته يعدّ أقوى أنواع الخوف تأثيرًا. وينبع هذا الخوف من جهل الإنسان بطبيعة الموت، أو من عدم معرفته إلى أين يذهب بعد الموت، أو من اعتقاده بأن نفسه وكيانه ستفنى مع فناء جسده.[83]

الإنسان يفرّ من الفناء، يعشق الكمال المطلق، ولأنه يحب الكمال المطلق، يريد أن لا يفنى. يستنكر كل نقص وفناء، ولا يريد الهلاك. بالفطرة يفرّ من الفناء، ومن هنا يخاف من الموت، حيث يراه فناءاً، وهذا أكبر خطأ يقع فيه. فإذا خرج الإنسان من هذا الخطأ، فلن يقبل الظلم بعد ذلك، وتختفي كل المخاوف التي تنبع من الخوف من الموت.

وقد تناول السيد جمال الدين الأسد آبادي هذه المسألة في مقال بعنوان «الجبن» وأوضح بدقة وجمال هذه الحقيقة، بأن جذور كل قبول بالظلم هو الخوف، وبالخصوص خوف الموت. وقد ابتدأ مقاله بهذه الآيات الكريمة التي قال الله فيها:

«أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ»[84].

«قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ»[85].

ثم تابع مقدماته بالقول: ما سبب رضوخ الإنسان للمهانة والتخلي عن العظمة والحرية؟ تلك العظمة والحرية التي فتح الله تعالى طريق الوصول إليها ولم يحرم أحداً من السعي نحوها؟ ما الذي يمنع الناس من السعي نحو الكمال، مع أن الفطرة الإنسانية تميل إليه، لا سيما إذا كان هؤلاء المجاهدون والمجتهدون مؤمنين بعدل الله ووعده وعذابه، ومعترفين بالجزاء في الآخرة، حيث يُجازى كل من عمل ذرة خير ويُعاقب من عمل ذرة شر؟ كيف يرضخ هؤلاء لليأس والظلم ويتوقفون عن الكفاح ويقعون في المزالق؟

عندما نبحث عن أسباب هذه الأمور ونتتبع العلاقة بين العلل والمعلولات، نرى أنها جميعاً تعود إلى سبب أو عدة أسباب، منشأها الجبن.

"الجبن هو الذي أوهى الممالك فهدم بناءها، هو الذي قطع روابط الأمم فحل نظامها، هو الذي وهن عزائم الملوك فانقلبت عروشهم، وأضعف قلوب العالمين فسقطت صروحهم، هو الذي يغلق أبواب الخير في وجوه الطالبين, ويطمس معالم الهداية عن أنظار السائرين، يسهل على النفوس احتمال الذلة, ويخفف عليها مضض المسكنة، ويهون عليها حمل نير العبودية الثقيل, ويوطن النفس على تلقي الإهانة بالصبر والتذليل بالجلد، ويوطن الظهور الجاسية لأحمال من المصاعب أثقل مما كان يتوهم عروضه عند التحلي بالشجاعة والإقدام، والجبن يلبس النفس عارًا دون القرب منه موت أحمر عند كل روح زكية, وهمة علية، ويرى الجبان وعر المذلات سهلًا، وشظف العيش في المسكنات رفهًا ونعيمًا".

. الجبن هو الذي يكسو الإنسان رداء العار والفضيحة، بينما الأرواح الطاهرة والعزائم العالية تفضل الموت والشهادة على الاقتراب من تلك المهانة. نعم، الإنسان الجبان والخائف يخفف من ثقل المذلة، ويحسب العيش في البؤس والشقاء رفاهية وأمانا. من يجعل نفسه ذليلا وخفيفا، يصبح قبول الإهانة والمذلة له سهلاً، كالميت الذي لا يشعر بالألم عند تلقي الجراح. والأسوأ من ذلك أن الجبان في كل لحظة من حياته يشرب من سم الموت جرعة، ومع ذلك يرضى بهذا الوضع ويستمتع به…

ما هو الخوف؟ هو حالة واستعداد في النفس الإنسانية تمنعها من المقاومة أمام أي أمر يتعارض مع ميول الإنسان. الخوف مرض روحي لا يزول إلا بقوة الغريزة الطبيعية للبقاء التي جعلها الله من أركان حياة الإنسان، حيث يتغلب الإنسان الجبان على خوفه، عندما يرى نفسه معرضاً للخطر الحتمي.

لهذا المرض النفسي عوامل عدة، وإذا دققنا في ماهيتها وجذورها، نجد أن مصدرها ومرجعها الأساسي هو الخوف من الموت. والموت هو قدر كل حي ونهاية كل ذي روح. والموت ليس له وقت محدد؛ فمن لحظة الولادة إلى مرحلة الشيخوخة، يمكن أن يحل الموت في أي لحظة، ولا يعلم بزمانه ومكانه إلا الله الذي قدر الأجل.

قال تعالى: « وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ»[86].

مع ذلك، يشتد الخوف من الموت إلی أن يصبح مرضاً قاتلاً، وذلك لأن الإنسان ينسى مصيره الحتمي، ويغفل عن الوسائل التي أعطاها الله له لنيل خير الدنيا والآخرة، ولا يستفيد من القوى والطاقة التي وهبها الله له .

نعم، يغفل الإنسان عن ذاته إلى درجة يظن فيها أن ما جعله الله سبباً لبقاء حياته (أي الشجاعة والمبادرة للمواجهة) سبب هلاكه. الإنسان الجاهل يظن أن كل خطوة يخطوها فيها خطر، وأن الموت كامن في كل مكان. ومع ذلك، إذا نظر الشخص الجبان إلى آثار البشر وغايات العظماء الذين حققوها، ورأى أنهم وصلوا إلى أهدافهم بمواجهة المخاطر، يدرك أن هذه المخاوف ليست إلا أوهاماً وأصواتاً مغرية. إنها وساوس الشيطان التي استولت على روحه وأثارت رعبه، ومنعته من طريق الله ومن بلوغ أي خير.

الخوف فخ يمتد مع مرور الزمن وظروف الحياة السيئة ليصطاد البشر، ويوقع الأمم والشعوب في الأسر. إنه فخ الشيطان الذي يصطاد به عباد الله ويمنعهم عن سبيل الله. الخوف سبب كل وضاعة ومنشأ كل الصفات القبيحة. كل الشقاوات تنشأ من الخوف، ولا فساد يوجد إلا وكان الخوف سبباً له. ولا كفر إلا وكان منشأه الخوف.

الخوف يفرّق المجتمعات ويمزق العلاقات والصداقات، ويهزم الجيوش ويقلب الرايات. الخوف هو الذي يسحب الملوك من علو عظمتهم إلى حضيض الذل والهوان. ما الذي يدفع الخائنين في الحروب الوطنية ليخونوا بلدهم ومجتمعهم؟ أليس هو الخوف؟ وما الذي يجعل الأشرار يمدون أيديهم للرشوة؟ أليس الخوف؟ قد يظن بعض الناس أن الرشوة لا علاقة لها بالخوف، لكن إذا دققنا نجد أن الخوف من الفقر هو السبب، وهذا الخوف في الحقيقة ينبع من الخوف من الموت.

يمكن بسهولة ملاحظة نفس الحقيقة بالنسبة للصفات الأخرى، فالخوف من الموت هو الذي يدفع الإنسان إلى الكذب والنفاق، ويقوده إلى الصفات القبيحة والفساد. فالإنسان بسبب الخوف يرضخ لأي فساد أو وضاعة من أجل معاشه. نعم، الخوف عار وذل لأي إنسان ذي فطرة سليمة هو، لا سيما لأولئك المؤمنين بالله ورسوله واليوم الآخر، الذين يأملون في الثواب الأبدي والمقام العالي.

لذلك، من الواجب على أبناء الأمة الإسلامية أن يكونوا بحسب مبادئ دينهم أبعد الناس عن هذه الصفة (الخوف)، لأن الخوف أعظم عائق أمام الأعمال التي ترضي الله، والمسلم لا يريد إلا رضا الله. ومن يقرأ القرآن يعلم أن الله جعل حب الموت علامة على الإيمان، وامتحن به المعارضين والمخالفين، وقال في ذم الذين لم يؤمنوا:

«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ...»[87].

نعم أن المبادرة في سبيل الحق، وبذل المال والنفس في سبيل رفعة دين الله، علامة فخر للمؤمنين. لم يكتفِ الكتاب الإلهي بأن يقيم الناس الصلاة ويؤدوا الزكاة ويجتنبوا بعض الأمور، بل اعتبر هذه أعمالاً يشارك فيها المؤمن والمنافق، بل اعتبر الدليل الوحيد على الإيمان هو بذل النفس لرفع كلمة الحق وفي سبيل إقامة العدالة، واعتبره الركن الوحيد الذي إذا غاب لا تُعتد ببقية الأركان. فلا ينبغي لأحد أن يظن أنه يمكن جمع الإسلام والخوف في قلب واحد. كيف يمكن ذلك مع أن كل جزء من هذا الدين يمثل الشجاعة والمبادرة في سبيل الله والمواجهة؟ عمود وقاعدة الإسلام هي الإخلاص لله، وللحصول على رضاه يتطلب خلو القلب من كل شيء سواه. المؤمن هو من يتيقن أن الأجل بيد الله، وأن الله يقدر أجل كل إنسان كما يشاء. لذلك، البطء في أداء الواجبات لا يزيد العمر، والمبادرة في سبيل الحق والمواجهة لا تنقص من عمر الإنسان لحظة واحدة. المؤمن يعيش في انتظار" إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ"[88]؛ إما أن يعيش حياة ذات سؤدد وعزة، أو أن يموت مقرّباً إلى الله وسعيداً، وترتفع روحه إلى عليين، وتنضم إلى الكروبيين والملائكة المقربين.

من يظن أنه يمكن جمع الخوف مع الإيمان بما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله) فقد خدع نفسه وأفسد عقله، وأصبح لعبة لهواه وشهواته، ولا ينال شيئاً من الإيمان. كل آية من آيات القرآن تشهد أن الإنسان الجبان المدعي للإيمان يكذب…[89].

الدين والخوف والذل لا يجتمعان، وبلا شك الإنسان الحقير الذليل في أسر الخوف لا يمكنه أن يمنع الظلم والطغيان: «لا يمنع الضيم الذليل»[90].

أعظم هذه الملاحم، هي ملحمة الحسين بن علي (عليهما السلام)، والتي وصفها أبو العلاء المعري بأن الأفق أصبح أحمر من دمه ودم أبيه:

وعلى الدهر من دماء الشهيد     ين علي ونجله شاهدان

فهما في أواخر الليل فجرا       ن وفي أولياته شفقان[91]

ويشهد يوم الزمان بدم الشهيدين - علي وولده البار (الحسين) – بأن نهايات الليل تبدو كالفجر، وبداياته كالشفق الأحمر.

ملحمة الحسن (عليه السلام) شهادة صريحة على أن الإيمان والخضوع للظلم لا يتوافقان، وأن المسلم لا يكون عبداً لغير الله، ولا يركع أمام أي فرعون، ولا يقبل الذلّ. هذا هو سرّ القرآن، والحسين (عليه السلام) هو معلم هذا السرّ.

ذلك القدوة الحسنة في عدم قبول الظلم، الذي كان تجلٍّ للحق وامتثالاً للقرآن، وصف الموت كأنه عقد يعلّق على رقاب الفتيات الصغيرات، وعرّف نفسه بالشائق للقاء الأسلاف ولقاء الله: «خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وخير لي مصرع أنا لاقيه»[92].

الحسين (عليه السلام) نموذج بارز للإنسان الرسالي؛ الذي يرى في الموت علامة الإيمان، وكان قدوته يحبون الموت والشهادة، وفي نظرهم كان الموت ألذّ من شرب الماء للعطشان. أبو الأئمة، علي (عليه السلام)، تربي على يد النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «والله لابن أبى طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه»[93].

ذلك البطل في جميع ميادين الإنسانية كان شديد الشوق ومحبا للموت والشهادة: «إنَّ أحَبَّ ما أنا لاقٍ إلَيَّ المَوتُ»[94]. « فَوَ اللّهِ إِنّي لَعَلَى الْحَقِّ. وَاِنّي لِلشَّهادَةِ لَمُحِبٌّ»[95].

نصر بن مزاحم المنقري نقل أنه عندما كان الإمام متوجهاً إلى الشام لمواجهة القاسطين، توقف في طريقه في مكان يسمى بليخ على ضفاف الفرات، فجاء راهب من ديره إلى علي (عليه السلام) وقال: عندنا كتاب ورثناه عن آبائنا وقد كتبه أصحاب عيسى بن مريم (عليه السلام)، هل أعرضه عليكم؟ فقال علي (عليه السلام) نعم، ما هو؟ فبدأ الراهب يقرأ الكتاب الذي تحدث عن ظهور النبي الأمي وسيرته وأخلاقه، وكذلك عن أحداث ما بعد رحيل النبي وبعض خصائص الإمام علي (عليه السلام)، ومن ذلك:

«الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنَ الرَّمَادِ فِي يَوْمٍ عَصَفَتْ بِهِ الرِّيحُ، وَالْمَوْتُ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ عَلَى الظَّمَاءِ. يَخَافُ اللهَ فِي السِّرِّ، وَيَنْصَحُ لَهُ فِي الْعَلَانِيَةِ، وَلَا يَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ»[96].

 إن منطق القرآن الكريم والسيرة النبوية ينسجم مع هذا التصور؛ والنظر إلى الدنيا، والعيش، والمواجهة، وكيفية الرحيل، ومن يبلغ هذه المرتبة، فلا يظلم ولا يقبل الظلم؛ يتحرر من جميع العوامل المفسدة للإنسانية والإنسان، فقد استجار رسول الله (صلى الله عليه وآله) في دعائه بالله طالباً النجاة من كل أسباب الفساد والظلم والذل: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الفَقْرِ، وَالقِلَّةِ، وَالذِّلَّةِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ»[97].



[1] - البقرة: 279

[2] - ورد في الطبقات الكبرى، ج 1، ص 128؛ غير أنّ اليعقوبي يذكر في تاريخه، ج 2، ص 17، أنّ سنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)كان قد تجاوز العشرين سنة حين شارك في حلف الفضول.

[3] - محمد بن حبيب البغدادي، المنمَّق في أخبار قريش، صححه وعلّق عليه خورشيد أحمد فارق، الطبعة الأولى، عالم الكتب، 1405هـ، ص 187؛التنبيه والإشراف، ص 179؛ وانظر أيضاً: تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 17؛ أبو الحسن المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، دار الأندلس، بيروت، ج 2، ص 270؛ برهان الدين الحلبي الشافعي، إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون (السيرة الحلبية)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج 1، ص 132؛ شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، ج 2، ص 158 – 163.

[4] - انظر: مروج الذهب، ج 2، ص 270 – 271؛ تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 18؛ سيرة ابن هشام، ج 1، ص 145؛ التنبيه والإشراف، ص 179؛ المنمَّق، ص 186 – 189؛ البداية والنهاية، ج 2، ص 355 – 356؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص 41؛ السيرة الحلبية، ج 1، ص 132؛ سيرة ابن كثير، ج 1، ص 130؛ عيون الأثر، ج 1، ص 68؛ شرح ابن أبي الحديد، ج 14، ص 129؛ أعيان الشيعة، ج 1، ص 220؛ الوفاء بأحوال المصطفى، ج 1، ص 136؛ أنساب الأشراف، ج 2، ص 12؛ شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، ج 2، ص 158 – 159.

[5] - مروج الذهب، ج 2، ص 270؛ عيون الأثر، ج 1، ص 67؛ أعيان الشيعة، ج 1، ص 220؛ أنساب الأشراف، ج 2، حققه وعلّق عليه محمد باقر المحمودي، الطبعة الأولى، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1394هـ، ص 11.

[6] - التنبيه والإشراف، ص 179؛ مروج الذهب، ج 2، ص 271؛ البداية والنهاية، ج 2، ص 356؛ وانظر أيضاً: أنساب الأشراف، ج 2، ص 13؛ شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، ج 2، ص 161 و164.

[7] - التنبيه والإشراف، ص 180؛ نقل ابن إسحاق: «لقد شهدتُ في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دُعيتُ به في الإسلام لأجبتُ». سيرة ابن هشام، ج 1، ص 145؛ وانظر أيضاً: تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 17؛ الطبقات الكبرى، ج 1، ص 129؛ السيرة الحلبية، ج 1، ص 131؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص 41؛ البداية والنهاية، ج 2، ص 357؛ سيرة ابن كثير، ج 1، ص 130؛ الوفاء بأحوال المصطفى، ج 1، ص 136؛ أنساب الأشراف، ج 2، ص 12 و15؛ شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، ج 2، ص 159 و161.

[8] - سيرة ابن هشام، ج 1، ص 145 – 146؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص 41 – 42؛ سيرة ابن كثير، ج 1، ص 130؛ البداية والنهاية، ج 2، ص 357 – 358؛ السيرة الحلبية، ج 1، ص 132؛ وانظر أيضاً: أنساب الأشراف، ج 2، ص 14.

[9] - تفسير الأمثل، ج2، ص279.

[10] - مسند الشهاب، ج 1، ص 336-337؛ الفردوس بمأثور الخطاب، ج 3، ص 305؛ كنز العمال، ج 6، ص 89؛ عبد القادر الجيلاني، الفتح الرباني والفيض الرحماني، دار الكتاب العربي، بيروت، 1400ق، ص 46 و81.

[11] - النحل: 41.

[12] - النساء: 97 – 100.

[13] - راجع: جعفر مرتضى العاملي، الصحيح من سيرة النبي الأعظم، قم، 1400 ق. ج 2، صص 221 - 224.

[14] - محمد خاتم پيامبران، ج 1، ص 246.

[15] - الحجّ: 39 و 40

[16] - راجع: محمد حسين فضل الله، الإسلام ومنطق القوة، الطبعة الثانية، الدار الإسلامية، بيروت، ۱4۰۱ ق. صص 4۹ – ۵6.

[17] - سورة الغافر: الآية 31

[18] - سورة الأعراف: الآية 28

[19] - سورة النحل: الآية 90

[20] - سورة النساء: الآية 135

[21] - سورة يونس: الآية 44

[22] - قال الإمام الكاظم (عليه السلام) لهشام بن الحكم: «إِنَّ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حُجَّتَيْنِ: حُجَّةً ظَاهِرَةً وَحُجَّةً بَاطِنَةً؛ فَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالْأَئِمَّةُ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)، وَأَمَّا الْبَاطِنَةُ فَالْعُقُولُ.» الكافي، ج ١، ص ١٦.

[23] - سورة سبأ: الآيات 31 ـ 33.

[24] - سورة الأحزاب: الآيات 64 – 66.

[25] - سورة الأحزاب: الآيات 67 – 68.

[26] - سورة الأعراف: الآية 38.

[27] - سورة الأعراف: الآية 39.

[28] - سورة البقرة: الآیة 78

[29] - راجع: السيّد محمود طالقاني، پرتوی از قرآن، الطبعة الثالثة، شركة سهامي انتشار، ج 1، ص 207 – 208؛ ده گفتار، ص 91 – 93.

[30] - الاحتجاج، ج 2، ص 457 – 458؛ وسائل الشيعة، ج 18، ص 94 – 95؛ بحار الأنوار، ج 2، ص 87 – 88؛ الفيض الكاشاني، الكتاب الصافي في تفسير القرآن، المكتبة الإسلامية، طهران، 1356 ش، ج 1، ص 105 – 106.

[31] - كان طبيعة ما حدث بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) رجوعًا إلى الماضي وإتّباعًا لنهج الجاهلية، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «حَتَّى إِذَا قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، رَجَعَ قَوْمٌ عَلَى الْأَعْقَابِ…» نهج البلاغة، الخطبة 150.

[32] - راجع: القرآن الكريم، البقرة/170؛ لقمان/21؛ الأحزاب/67؛ الأنعام/116.

[33] - كان من المشاركين في بيعة العقبة الثانية ومن بين المهاجرين في بدر، ورافق النبيّ (صلى الله عليه وآله) في جميع المعارك. كان كاتبًا وحافظًا وأستاذًا في قراءة القرآن. أما سنة وفاته فثمة خلاف كبير حولها، لكن يبدو أنّه قد توفّي في عهد خلافة عمر أو قُتل فيها. راجع: الطبقات الكبرى، ج 3، ص 498 – 502؛ صفة الصفوة، ج 1، ص 474 – 477؛ مختصر تاريخ دمشق، ج 4، ص 197؛ 204؛ أسد الغابة، ج 1، ص 49 – 50؛ تذكرة الحفاظ، ج 1، ص 16 – 17؛ الوافي بالوفيات، ج 6، ص 190 – 191؛ تهذيب التهذيب، ج 1، ص 164؛ قرطبي مالك، الاستيعاب في أسماء الصحابة، دار الكتاب العربي، بهامش الإصابة، بيروت، ج 1، ص 30 – 31؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، دار الكتاب العربي، بيروت، ج 1، ص 31 – 32؛ المستدرک على الصحيحين، الحاكم، ج 3، ص 304 – 305؛ حلية الأولياء، ج 1، ص 250 – 256؛ شمس الدين الذهب، العبر في خبر من غبر، دار الكتب العلمية، بيروت، ج 1، ص 17؛ تهذيب الكمال، ج 2، ص 262 – 272.

[34] - راجع: محمد باقر بهبودی، سيره علوی، 1368 ش، ص 33 – 34؛ شرح ابن أبی الحديد، ج 20، ص 24؛ مسند أحمد بن حنبل، ج 5، ص 140؛ المستدرک على الصحيحين، الحاكم، ج 2، ص 226 – 227؛ ج 3، ص 304 – 305؛ تهذيب الكمال، ج 2، ص 270؛ مختصر تاريخ دمشق، ج 4، ص 202 – 203.

[35] - راجع: محمد محمدي الريّ شهري، ميزان الحكمة، مكتب التبليغ الإسلامي، قم، 1362 ش، ج 1، ص 181 – 183، ج 4، ص 512 – 513؛ البابان: «الأحاديث الموضوعـة في وجوب طاعة السلطان» و«الأحاديث الموضوعـة لتثبيت إمامة أئمة الجور».

[36] - راجع: صحيح مسلم، تحقيق وتعليق الدكتور موسى شاهين لايش، والدكتور أحمد عمر هاشم، الطبعة الأولى، مؤسسة عزّ الدين، بيروت، 1407 ق، ج 4، ص 122 – 123.

[37] - صحیح مسلم بشرح النووی، ج ۱۲، ص ۲۳۳؛ کنز العمال، ج ۶، صص ۵۲ و ۶۴.

[38] - صحيح مسلم، ج ۱۲، ص ۲۲۴؛ کنز العمال، ج ۶، صص ۵۰، ۶۲ و ۶۳.

[39] - صحيح مسلم، ج ۱۲، ص ۲۳۵.

[40] - صحيح مسلم، ج ۱۲، ص ۲۲۶؛ کنز العمال، ج ۶، ص ۴۹.

[41] - صحيح مسلم، ج ۱۲، ص ۲۳۸؛ کنز العمال، ج ۶، ص ۵۲.

[42] - کنزل العمال، ج ۶، ص ۵۴.

[43] - کنزل العمال، ج ۶، ص ۴.

[44] - کنزل العمال، ج ۶، ص ۴.

[45] - صحيح مسلم، ج ۱۲، ص ۲۳۸.

[46] - مسلم بن أبي بكرة عن أبيه، عن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، سنن أبي داود، الطبعة الأولى، مطبعة الحلبي، مصر، 1371 ق، ج 2، ص 415؛ وأمثال هذا الحديث كثيرة، بل وقد وردت توصية بأنه إذا دخل أحد بيتك ومد يده لقتلك، فاسمح له بذلك ولا تبادر بردّ فعل، وتصرف كابن آدم (هابيل)! راجع: المصدر نفسه، وكذلك كنز العمال، ج 11، ص 108 – 113؛ صحيح البخاري، ج 9، ص 681.

[47] - الشيعة والحاكمون، الطبعة الخامسة، دار ومكتبة الهلال، دار الجواد، بيروت، 1981 م، ص 25.

[48]- تاريخ المذاهب الإسلامية، دار الفكر العربي، القاهرة، ج 1، ص 110 – 111؛ وكذلك راجع: مسائل الإمام أحمد بن حنبل، رواية ابنه عبد الله بن أحمد، تحقيق زهير الشاويش، الطبعة الثالثة، المكتب الإسلامي، 1408 ق، ص 257.

[49] - تاريخ المذاهب الإسلامية، دار الفكر العربي، القاهرة، ج 1، ص 110 – 111؛ وكذلك راجع: مسائل الإمام أحمد بن حنبل، رواية ابنه عبد الله بن أحمد، تحقيق زهير الشاويش، الطبعة الثالثة، المكتب الإسلامي، 1408 ق، ص 257.

[50] - راجع: هاشم معروف الحسني، الانتفاضات الشيعية عبر التاريخ، دار الكتب الشعبيّة، بيروت، ص 98.

[51] - المغني في أبواب التوحيد والعدل، تحقيق الدكتور عبد الحليم محمود والدكتور سليمان دنيا، بمراجعة الدكتور إبراهيم مدكور، بإشراف الدكتور طه حسين، الدار المصرية للتأليف والترجمة، الجزء العشرون المتمم، القسم الأول، ص 259.

[52] - القاضي أبي يعلي محمد بن الحسين الفراء، الأحكام السلطانية، ص 23.

[53] - وورد في كتاب الله على لسان فرعونيين: «وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنْ اسْتَعْلَى.» القرآن الكريم، طه/64.

[54] - تنبيه الخواطر، ج 1، ص 51؛ نهج البلاغة، حکمة 165؛ النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 3، ص 142؛ كنز العمال، ج 6، ص 67؛ محمد رشيد رضا، تفسير المنار، الطبعة الثانية، دار المعرفـة، بيروت، ج 5، ص 181؛ الخصال، ج 1، ص 139؛ بحار الأنوار، ج 75، ص 337؛ مسند أحمد بن حنبل، ج 1، ص 31 (لا طاعة لمخلوق في معصية الله)؛ تاريخ المذاهب الإسلامية، ج 1، ص 112.

[55] - صحیح مسلم، ج ۱۲، ص ۲۲۷؛ کنز العمال، ج ۶، ص ۵۰؛ تفسیر المنار، ج ۵، ص ۱۸۱؛ مسند احمد حنبل، ج ۱، ص ۹۴.

[56] - سورة النساء: الآية 59

[57] - راجع: تفسير المنار، ج ۵، ص ۱۸۱.

[58] - الميزان في تفسیر القرآن، ج ۵، صص ۳۸۹ و ۳۹۱.

[59] - التفسير الکبير، ج ۱۰، ص ۱۴۴.

[60] - راجع: ميزان الحكمة، ج 1، ص 185 – 186: «وجوب الخروج على أئمة الجور».

[61] - «قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ» القرآن الكريم، سورة النور/54.

[62] - الميزان في تفسير القرآن، ج ۱۵، ص ۱۵۸.

[63] - نهج البلاغة، الخطبة 192.

[64] - الخصال، ج ۱، ص ۱۳۹؛ بحار الأنوار، ج ۷۵، صص ۳۳۷ – ۳۳۸.

[65] - نهج البلاغة، الخطبة ۱۷۳.

[66] - کنز العمال، ج ۱، ص ۲۱۶.

[67] - القاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة القطاعي، دستور معالم الحكم ومأثور مكارم الشيم من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، مطبعة السعادة، مصر، 1332 ق (أفست)، ص 113 – 114؛ نهج السعادة، ج 2، ص 639.

[68] - كنز العمال، ج 3، ص 78؛ نهج البلاغة، الحکمة 374؛ المستدرک على الوسائل، ج 12، ص 188؛ تنبيه الخواطر، ج 2، ص 12؛ مسند الشهاب، ج 2، ص 247؛ كنز العمال، ج 3، ص 64؛ الفردوس بمأثور الخطاب، ج 1، ص 358؛ دليل الفالحين، ج 2، ص 288 – 289؛ الجامع الصغير، ج 1، ص 187؛ فيض القدير، ج 2، ص 30؛ تاريخ المذاهب الإسلامية، ج 1، ص 72؛ كنز العمال، ج 6، ص 67.

[69] - تاريخ الطبري، ج 6، ص 357؛ نهج البلاغة، الحکمة 373؛ وكذلك راجع: البيان والتعريف، ج 2، ص 215.

[70] - تاريخ الطبري، ج 5، ص 403؛ أنساب الأشراف، ج 3، ص 171؛ الكامل في التاريخ، ج 4، ص 48؛ فتوح ابن أعثم، ج 5، ص 144؛ مقتل الخوارزمي، ج 1، ص 234 – 235.

[71] - راجع: تفسیر الأمثل، ج ۴، صص ۹ – ۱۰.

[72] - سورة النساء: الآیة 75

[73] - مجالس ابن الشيخ، ص 40؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 61؛ جواهر الكلام، ج 21، ص 326.

[74] - راجع: الانتفاضات الشيعية عبر التاريخ، ص 100.

[75] - راجع: الانتفاضات الشيعية عبر التاريخ، ص 100.

[76] - الانتفاضات الشيعية عبر التاريخ، ص 43.

[77] - راجع: الكافي، ج 2، ص 217 – 226؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 459 – 498؛ التبيان في تفسير القرآن، ج 2، ص 435؛ مجمع البيان، ج 1، ص 430.

[78] - نهج البلاغة، الخطبة 6۱.

[79] - شرح ابن أبي الحديد، ج 5، صص ۷۸ – ۷۹.

[80] - تفسير المنار، ج ۱، صص 45۷ – 45۸.

[81] - تفسير نور الثقلين، ج ۲، ص 4۰۰.

[82] - تحف العقول، صص ۱6۸ – ۱6۹.

[83] - أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا، رسائل، منشورات بيدار، قم، ص 339 – 340.

[84] - سورة النساء: الآية 78.

[85] - سورة الجمعة: الآية 8.

[86] - سورة لقمان: الآية 34.

[87] - سورة النساء: الآیة 77.

[88] - سورة التوبة: الآية 52. (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ)

[89] - سيد جمال‌الدين الأفغاني، الشيخ محمد عبده، العروة الوثقی، الطبعة الأولى، دار الکتاب العربي، بيروت، ۱۳۸۹ ق، صص ۱۸۲ – ۱۸۶.

[90] - نهج البلاغة، الخطبة ۲۹.

[91] - شروح سقط الزند لأبي زکريا يحيى بن علي التبريزي وأبي محمد عبد الله بن محمد البطليموسي وأبی الفضل قاسم بن حسين الخوارزمي، ج ۱، ص 44۱.

[92] - اللهوف، صص 60– 61.

[93] - نهج البلاغة، الخطبة 5.

[94] - نهج البلاغة، الخطبة 180.

[95] - شرح ابن أبي الحديد، ج 6، ص ۱۰۰.

[96] - وقعة صفين، صص 147-148؛ شرح ابن أبي الحديد، ج 3، صص 205-206؛ قريب به همين: فتوح ابن أعثم، ج 2، صص 471-472.

[97] - الأدب المفرد، ص 236؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 354.

احدث الاخبار

الاكثر قراءة