يوم القدس .. عالمية الفكرة وحتمية الانتصار

بسم الله الرحمن الرحيم

"... وأدعو جميع المسلمين في العالم، أن يعلنوا آخر جمعة من شهر رمضان المبارك ــ وهو من أيام القدر ويمكن أن يقرر قدر الشعب الفلسطيني ــ يوماً للقدس، وأن يعلنوا خلاله عبر المراسيم الخاصة، عن تلاحم الأمة الإسلامية في الدفاع عن الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني المسلم. أسأل الله تعالى النصر للمسلمين على القوم الكافرين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

روح الله الموسوي الخميني

9 رمضان 1399هــ"

بهذه الكلمات وجّه إمام الأمة وقائد مسيرتها آية الله العظمى السيد روح الله الموسوي الخميني (رض) نداءه إلى الأمة الإسلامية من موقع ولايته المطلقة ليدعوهم إلى جعل آخر جمعة من شهر رمضان المبارك يوماً عالمياً للقدس.

وبهذا الإعلان الهام أكد للأمة على تبنيه لأرض الإسراء والمعراج، لأرض الأنبياء، أرض البيت المقدس، التي قدّمها البريطانيون لقمة سهلة لليهود، ودخلوها عنوة وعاثوا فيها الفساد ونكلوا بأبناء الوطن الأصليين وجعلوا أعزة أهلها أذلة.

كان الإمام يريد أن يقول للاستكبار العالمي كما قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): "إن بيت المقدس بنته الأنبياء، وعمّرته الأنبياء، وما فيه موضع شبر إلا وقد صلى في نبي وقام عليه ملك"..

وكان يريد أن يقول للأمة الغافلة، انهضوا أمام العدو الحاقد عليكم قبل أن يوزع أراضيكم ويسلط عليكم من لا يرحمكم كما فعل في فلسطين وكما نشهده اليوم في أرض الآلام أفغانستان من الفجائع والمصائب، وكما يحدث بأساليب مختلفة من الاستعمار ومواجهة الفكر الإسلامي والأرض الإسلامية والفرد المسلم بالنار والحديد..

لقد أعلن الإمام الراحل يوم القدس ليعبّئ الأمة في صف الأرض المغتصبة والشعب المضطهد، ويكون يوماً يهز فيه عروش الاستكبار الحاقد..

واختار آخر جمعة من شهر رمضان لتكون هي اليوم العالمي للقدس، يوماً يحتفل فيه جميع العالم بذكرى القدس..

يوم القدس وآخر جمعة من شهر رمضان

إذا تمكنا من فهم شخصية الإمام الخميني (قده) فهماً عميقاً وولجنا إلى أعماق ذلك الرجل الإلهي، فسنكتشف أن اختيار الإمام آخر جمعة من شهر رمضان يوماً عالمياً للقدس لم يكن اختياراً عشوائياً، بل ينبغ عن تكامل اللقاءات بين البعدين الفكري والروحي في شخصية هذا القائد العظيم..

فربط القضية الفكرية بالجانب الروحي يحتاج إلى تمازج بين هذين الجانبين في روح واحدة كي ينبع الموقف الكامل الذي يعبر عن التجلي الإلهي والمظهر الحق..

وارتباط الممتزج من الفكر والمعنويات بالزمان أيضاً يحتاج إلى حكيم عارف، فمن المسلم أن للزمن معنى في الفكر..

ولما كان شهر رمضان "الزمن" له خصوصية عن باقي الأزمان كما هو في التصور الإسلامي، فكان من الإمام أن دعى إلى إحياء يوم القدس في شهر رمضان، حيث المؤمن يمارس تدريباً روحياً على الصبر والمواساة، وهنا يعيش واقع المواساة لشعب يباد بكامله..

واختيار آخر جمعة من الشهر المبارك أيضاً يدخل ضمن هذا المستوى من الوعي، وذلك لأن آخر جمعة من شهر رمضان تعتبر من ليالي القدر المباركة التي يتحرر فيها المسلم بالإحياء والمناجاة والصلاة من عبودية شياطين الجن والإنس، وينعطف المؤمن الباري جل وعلا مخلصاً له بالعبادة قائلاً "لا شريك له"..

وقد جاء في كلمة الإمام (قده) التي ألقاها في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك عام (1400هــ) ما نصه:

"إن آخر جمعة من شهر رمضان المبارك هو يوم القدس، وفي الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان تقع ليله القدر على أقوى احتمال، هذه الليلة التي يعتبر إحياؤها سنة إلهية، وإن كرامة هذا اليوم هي خير من ألف شهر للمنافقين، وهي الليلة التي ترسى فيها الأسس لمقدرات الناس.

وعليه فينبغي إحياء يوم القدس بين المسلمين، اليوم الذي يتوافق دائماً مع ليلة القدر، ليكون منطلقاً لهم على طريق الوعي واليقظة، للخروج من الغفوة التي تواصلت على امتداد التاريخ وبخاصة خلال الحقب الأخيرة. ولكي يكون هذا اليوم يوم اليقظة خيراً من عشر سنوات للقوى الكبرى ومنافقي العالم، يتولى فيه مسلمو العالم إرساء قدراتهم بأنفسهم وبأيديهم".

ولقد فعل إعلان هذا اليوم يوماً عالمياً للقدس فعلته وأثر تأثيراً بالغاً على مستوى الشعوب وعلى صعيد العدو الصهيوني وغيره..

فأما على صعيد الشعوب:

فقد تفاعلت الشعوب تفاعلاً واسعاً وذلك بإحيائهم لهذا اليوم، والتبرع فيه للقضية الفلسطينية بالمال والدم والروح.. كما حرك الأجواء الداخلية وصعد من روح الدفاع عن القضية حينما أحس الشعب الفلسطيني أن العالم مع قضيته ومع جهاده ومع تضحياته..

وأما على صعيد العدو:

فقد دبّ الرعب الكامل في الكيان الصهيوني وأعوانهم من خدم الدول الأخرى، كما تستنفر حكومة "تل أبيب" في كل آخر جمعة من شهر رمضان كامل أجهزتها الأمنية والبوليسية والمخابراتية، ومضاعفة الدوريات والجيش وبشكل غير طبيعي للتصدي للفلسطينيين.. وكذا في عدد من البلدان الأخرى حيث تحاصر حكومات بعض البلدان الجماهير المجتمعة في مساجد المدينة وتلقي عليهم الغاز الخانق كي ترديه على هذا العمل، إحياء يوم القدس.. وهذا العمل يكشف تمام الكشف عن واقع خيانة تلك الأنظمة للقضية الفلسطينية ومن الذي مع القضية ومن الذي ليس معها..

مظاهر في يوم القدس العالمي

مسيرات مليونية عملاقة تجول شوارع عدد من الدول السائرة على نهج الإمام الخميني (قده)، نهج الإسلام المحمدي الأصيل، تهز مشاعر العالم وترعب أذناب الاستكبار الحاقد. قد لا نشعر بصدق هذه الكلمات لأنها لا تظهر للعيان، ولكن من خلال ما يدور خلف الكواليس ومن خلال القنوات الدبلوماسية تتضح حقيقة هذا الأمر وأبعاده، فالصرخة التي تخرج من أعماق الغضب المقدس للجماهير الساخطة على استبداد الغرب بالشعوب الإسلامية، وتجديد العهد بالقيادة الإسلامية والتأكيد على الاستعداد للتضحية في سبيل نصرة القضايا المصيرية للأمة المستضعفة، والصرخات المدوية في أرجاء المعمورة "الموت لأمريكا..." "الموت لإسرائيل..." "خيبر خيبر يا صهيون.. جيش محمد قادمون" "الله أكبر...".. وحرق العلمين الأمريكي والإسرائيلي، وتفاعل الشعوب المختلفة مع النداء الخميني.. كل ذلك ما يهز الصروح العالية للمستكبرين وأذنابهم..

ولكنه الصمود الخميني الذي لا يعرف إلا كلمة واحدة هي المحور في انطلاقته الثورية، فقد كان يقول رضوان الله تعالى عليه: "نحن قادرون ــ حين نريد ويريد شعبنا ــ أن نلقي بجميع هؤلاء خلال ساعات في مزابل التاريخ".. ونداؤه الدائم والمتكرر عبر الأيام (يا مسلمي ومستضعفي العالم، انهضوا وكونوا سادة أنفسكم، فإلى متى تستمر واشنطن وموسكو تقرران مصائركم؟ إلى متى تطأ حثالات أمريكا وإسرائيل الغاصبة قيمكم؟ وإلى متى تخضع أرض القدس وفلسطين ولبنان والمسلمون في هذه الديار، لسلطة الجناة وأنتم تتفرجون؟!).

الإعلان عن يوم القدس خطوة جريئة والإعلان عن يوم عالمي للقدس في حد ذاته يعد خطوة جريئة وشجاعة من الإمام الراحل (قده)، فليس من السهل أن يلج أحد في موضوع يرتبط بالصهيونية العالمية، حيث يمثل الحديث والكتابة في مثل هذه المواضيع خطر عظيم يؤدي بصاحبه إلى التهلكة، ويجعله في معرض الاغتيال والقتل.

وقد جاء في كتاب (ملف إسرائيل والصهيونية والسياسة) للكاتب والمفكر والمحقق الغربي المعروف السيد روجيه غارودي: "إننا نتجاوز موضوع ممنوع اجتيازه، ألا هو (الصهيونية ودولة إسرائيل).."، ثم يقول: "أما إذا حاولنا طرح مسألة تحليل الصهيونية فعندها سننتقل من دائرة الآداب إلى الدوائر القضائية والمحاكم، وأي نقد أساس لدولة إسرائيل (وأؤكد أن الانتقاد الأساس والأصولي يعني تحليل عمق المنطق لدولة قائمة أساساً على أسس الصهيونية السياسية وتشريحه) يجعل الناقد من النازيين فوراً، وعند ذلك تنهال عليه تهديدات الموت".

ولقد تعرض عدد من الكتاب والمؤلفين والمحققين ممن تناولوا مثل هذا الموضوع، بل امتد الأمر في المجتمعات الغربية إلى اغتيال عدد من المواطنين نتيجة حديثهم عن الصهيونية أو إسرائيل.

والإمام (قده) لم يتوان في الحديث عن الصهيونية وبكل جرأة، بل وعبر عن إسرائيل بــ (الغدة السرطانية) و(الجرثومة الخبيثة) و(بؤرة الفساد).

ولم يكن ذلك في ظلّ الدولة الإسلامية التي تدافع عنه وتحميه، بل كان ذلك منذ أكثر من عشرين عاماً قبل انتصار الثورة الإسلامية، كما قال سماحته في بيانه بمناسبة الذكرى الثالثة لانتصار الثورة الإسلامية في إيران (1359هــ ش): "قرابة عشرين عاماً وأنا أذكر بخطر الصهيونية العالمية"، وكان قال أيضاً: "إنني كما كنت في السابق، قبل انتصار الثورة الإسلامية وبعدها حذّرت وأحذّر مجدداً من خطر استفحال الغدة السرطانية الصهيونية المتعفنة في جسد الأمة الإسلامية".

وكذلك واجه الإمام (قده) الصهيونية في أحلك ظرف من الظروف، حيث كانت الصهيونية هي الحاكمة في أرض إيران، وكانت مديرية السافاك التي هي أكثر التشكيلات البوليسية الخفية رهبة في أيدي الخبراء الصهاينة وبإشرافهم، لم يأب الإمام في أن يتحدث وبكل جرأة وصراحة حول الصهيونية وجرائمها..

وحينما نفي الإمام إلى العراق، وحيث حكومة البعث الصهيوني، ألقى العديد من الخطابات وتحدث فيها عن الصهاينة فاضحاً لمخططاتهم ومنبّهاً الناس لمؤامراتهم.

وبذلك يكون الإمام (قده) أبرز من تحدث عن الصهيونية وناضل ضد مشروعاتها الخبيثة، وفي وقت كان يرى حجم الجرائم التي يرتكبها الصهاينة في حق من يتحدث أو يكتب عنهم.

لماذا يوماً للقدس فقط؟

قد يطرح سؤال: لماذا أعلن الإمام يوماً للقدس فقط ولم يعلن لباقي القضايا الإسلامية رغم إنها تمثل أزمة ومشكلة، فأفغانستان وباكستان وتركيا ومصر والعراق ولبنان والجزائر والحجاز والبحرين والشيشان والبوسنة والهرسك و.. و.. كلها قضايا إسلامية وتمر بأزمة كما تمر بها القضية الفلسطينية، فلماذا يوماً للقدس دون القضايا الإسلامية الأخرى؟

الجواب:

إن الإمام الراحل (رض) يدرك جيداً "إن مشكلة المسلمين ليست مشكلة القدس وحدها، وإنما هي واحدة من مشاكل المسلمين" كما جاء في كلمته التي تحدث بها في لقائه مع وفود مختلف البلدان التي شاركت في مؤتمر دراسة القضية الفلسطينية الذي عقد في طهران عام 1399هــ.

ولكن هذه القضية تعد من أقدم القضايا الإسلامية التي جاهد أهلها من أجلها ثم حاول العرب (الذين اعتبروها قضيتهم فقط وليس لأحد الحق في التدخل فيها) أن يبيعوها على إسرائيل كما تشهد بذلك الأيام.

ومن جهة أخرى عمل العدو الصهيوني على تحجيم جهاد الشعب، والانطلاق من فلسطين إلى العالم الإسلامي ليكون الجميع دولة لإسرائيل كما هو واضح من قرارات حكام صهيون، والانتصار على فلسطين يعني فسح المجال لاحتلال باقي الأراضي الإسلامية..

لقد سُمع من أبرز القادة الصهاينة من هوركرل إلى ابن غوريون وغوالدا مائير، وبيغن وشامير ورابين صيحات تنادي بالحلم الصهيوني وهي دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، أي اجتياح كل البلاد العربية الإسلامية.

وقد جاء في كلام الإمام (رض) حينما تحدث مع ممثلي اليهود وحينما عيّن أسحق شامير رئيساً لوزراء إسرائيل ما نصه: "هذا البيرق الثاني والواصل تواً ــ أسحق شامير ــ الذي جاء الآن ويريد أن يصبح رئيساً للوزراء وقد أفصح عن برامجه من البداية، وقد صرح منذ البداية بأن إسرائيل الكبرى هي من النيل إلى الفرات، أي كل المنطقة التي يقطنها العرب، والحجاز جزء من هذه المنطقة أيضاً، وكذلك مصر، ولكن الدول العربية تقف موقف المتفرج، والكثير منهم يقدم العون والمساعدة لإسرائيل، ويريدون الاعتراف بإسرائيل أيضاً"..

هذا وتخلف الحكام العرب وجيوشهم عن مواجهة الصهيونية، وبعد أن كانوا يقولون إن فلسطين عربية والقدس عربية ونحن المسؤولون عن تحرير الأرض العربية..

وبذلك أعطوا الجرأة للصهاينة في التمادي في الجرائم المرتكبة ضد الإسلامية والأمة الإسلامية والبيت المقدس...

والدليل على ذلك إنه بعد استسلام العرب وتخلّيهم عن مواجهة الصهيونية بعد عام (1973م) التزموا الصمت جراء جرائم الصهاينة في دير ياسين التي ارتكبوا فيها المذبحة المعروفة، وكذلك في (كفر قاسم) و(صبرا وشاتيلا)، ودخولهم إلى لبنان وتقتيل الآلاف..

ومع كل ذلك يقف اللعين أنور السادات المصري الذي كانت بلاده مسرحاً للغارات الوحشية التي أمطرتها طائرات بريطانيا وفرنسا وإسرائيل في حرب قناة السويس عام (1956م)، يقف أمام العالم المناضل ليسجل هزيمته بتوقيع اتفاقية "كامب ديفيد" الخيانية مع مناحيم بيغن رئيس وزراء الكيان الصهيوني القاضي بإحلال الصلح بين مصر وإسرائيل وصفقت البلدان العربية والإسلامية لعودة السلام إلى العالم واعتبرته انتصاراً!!!

في هذا الحدث الخطير الذي استهانت به حكومات العالم أعلن الإمام الراحل (قده) موقفه وبكل صلابة، ففي مقابلة مع مراسل إحدى الصحف اللبنانية أجاب سماحته: "معاهدة كامب ديفيد أو أي إجراء من شأنه تعزيز مكانة إسرائيل، في الواقع لا يعود بالضرر على الفلسطينيين والعرب وحدهم، بل يتعدى ذلك إلى كل دول المنطقة، وفي النهاية تقوى شوكة القوى الرجعية في المنطقة".

وخاطب الحكومة الإسلامية في إيران: "نظراً للاتفاقية الخيالية بين مصر وإسرائيل وطاعة الحكومة المصرية العمياء لأمريكا والصهيونية، على الحكومة المؤقتة للجمهورية الإسلامية الإيرانية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع حكومة مصر".

وبينما يمتد الغزو الصهيوني ليشمل الضفة الغربية من نهر الأردن وقطاع غزة ومرتفعات الجولان، وصحراء سيناء، يقدم العميل الصهيوني فهد المتسلط على رقاب الناس في الحجاز يقدم مشروع تأييد لجرائم النظام الإسرائيلي في مؤتمر الرؤساء العرب في مدينة "فاس" المغربية، ويثني عليه الملك الحسن الثاني عاهل المغرب، وقد قدم المشروع بصياغة ذكية لا يمكن فهمها للوهلة الأولى على أنها استسلام لإسرائيل، ولكن الإمام الراحل (قده) الحامي لهذه الأمة الإسلامية تنبه إلى كلام مؤتمر (فاس) وقالها علناً وجهاراً: "إن مشروع كامب ديفيد ومشروع فهد يعدان اليوم من أخطر الأمور، إذ إنهما يؤيدان إسرائيل وجرائمها"..

وقال سماحته: "إنني أعلن خطورة الموقف بالنسبة للقضية الفلسطينية والإسلام من هذا المخطط، والذين قدّموا هذا  المشروع إما أن يكونوا من الجهال وإما من الواقعين تحت تأثير أمريكا والصهيونية وكذا أولئك الذين يعتقدون بوجود نقطة إيجابية في هذا المخطط.

فإذا كانت كل النقاط إيجابية، فهناك نقطة ضمن البنود تشير إلى الاعتراف الرسمي بإسرائيل وضمان أمنها، فستكون تلك النقاط الإيجابية عارية عن الدعم والقبول، لأن ضمان أمن إسرائيل يعني تأمين الراحة والطمأنينة لغاصبي أراضي المسلمين، والذين شنوا حملات الإبادة الجماعية على سكان فلسطين ولبنان والمناطق الأخرى وشردوا المسلمين من ديارهم، وهتكوا أعراضهم، وأباحوا حرماتهم وأرواحهم، حتى وصلوا إلى غايتهم الشريرة، والآن يريدون من المسلمين ضمان الأمن لهم، وبعبارة أخرى: إذا أراد شخص ما الاعتراض على هذا الغاصب الجائر والوقوف في وجهه، فعلى جميع مسلمي المنطقة وحكوماتها معارضته وردعه، لحفظ سلامة إسرائيل".

أنور السادات، وفهد، وعاهل المغرب ومن على شاكلتهم من حكام العرب يقدمون التنازلات تلو التنازلات، ومجلس الأمن والهيئات الدولية التي على شاكلتهم يعترفون بإسرائيل ويضمنون لها الأراضي التي احتلتها بعد حرب 1967م، فمن لجهاد الشعب المناضل طيلة هذه الأعوام وتقديم التضحيات والدم من أجل القضية؟!

الواقع يعلمنا إنه ليس لهم إلا أسد الله الغالب إمام الأمة الراحل (رض) الذي فضح كل مؤامراتهم وجرائمهم ومؤامرات الخونة من حكام العرب ومن لفّ لفّهم، واستنهاض شعوب العالم لمواجهة الصهيونية، والإطاحة بالنظام الشاهنشاهي الصهيوني كان خطوة ليمر جيش المليون مسلم من الأراضي الإيرانية المحتلة لتحرير الأرض المقدسة، وإغلاق السفارة الإسرائيلية في إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية وإهداء بناء السفارة إلى الفلسطينيين، وإعلان يوم القدس لتعبئة الأمة مرة أخرى لضرب الصهيونية العالمية، كل ذلك يكشف عن واقعية الإخلاص في حركة الإمام للدفاع عن القضايا الإسلامية..

قضية فلسطين.. الأرض أم ماذا؟

ليست قضية فلسطين ومشكلتها الأساسية احتلال الأرض كما يفهم ذلك البعض، وإنما المشكلة الأساسية تكمن في سيطرة القوى الكبرى على الأمة الإسلامية وإخضاع المسلمين لسيطرتهم.

وتلك الحكومات المسيطرة في العالم الإسلامي هي التي تخلق المشاكل، والتجربة في فلسطين أثبتت كل ذلك حيث أنه لم يسمحوا للشعب وأبناء الوطن الأصليين أن يمارسوا حريتهم الكاملة على أرضهم..

صحيح أن للأرض قيمة في وجدان المنتمي للأرض، ولكنها لا يمكن أن تتحول إلى رسالة بما رسمه الإسلام للرسالة من مفهوم، ولا يمكن أن تتحول إلى ثورة مقدسة، إذ الأرض ليست شيئاً يقام ويقعد له، فأرض الله واسعة، في أيها يمكن للإنسان أن يعيش ويعيش الإحساس بالمواطنة..

ولكن، من يحكم الإنسان ومن يحكم الشعب؟! قانون الاستعباد أم قانون الله؟ قانون القهر والحروب أم قانون الحرية والكرامة؟ هذه المشكلة الإسلامية التي يتحرك في إطارها الإنسان المؤمن والملتزم..

والقدس ثورة ضد كل مظاهر سيطرة الاستكبار العالمي على كرامة الشعوب المسلمة، والدفاع عن أرض القدس إنما هو دفاع عن البلد المسلم كي لا يتحول إلى أرض اليهود، وإذا قبلنا أن نعطي أرض فلسطين لليهود اليوم بحجة إنها كانت لهم بالأمس فهذا يعني أن نعطي أمريكا غداً كل أراضينا لأنها لهم بالأمس.. 

والدليل عند أمريكا وقوى الاستكبار سهل للغاية وأسهله إلقاء قنبلة على الأرض والشعب وإفناؤه بالكامل وليست خسارة، فربع البترول الغربي كفيل بصنع هيروشيما ثانية وثالثة حتى الألف..

ومن هنا تجد اهتمام الإمام الراحل (روحي لخليفته الفداء) بقضية المسلمين الأولى (فلسطين والقدس) القضية والرسالة وليست الأرض فقط، وهي بذلك تكون شعاراً وإشعاراً لكل القضايا الإسلامية..

أهداف يوم القدس

ويمكن أن نلخص الأهداف الرئيسية ليوم القدس العالمي فيما يلي:

1ــ يوم انتفاض المستضعفين بوجه المستكبرين واستعدادهم لمواجهة الاستكبار وتمريغ وجهه في الوحل..

2ــ يوم يميز فيه بين المنافق والملتزم، اذ ان الملتزم بالقيم والمبادئ الأصيلة يعمل على تكريم هذا اليوم وتعظيمه إذ يعتبره من أيام الله، والمنافق بالعكس يعمل على تهميش ذلك اليوم وتجاهله، بل يسعى إلى تثبيط عزائم الناس عن المشاركة فيه، ولذلك يمكن أن نوسم المنافق والملتزم من خلال رؤيته في يوم القدس العالمي..

3ــ يوم إنذار القوى العظمى وإعلامهم بأن العزة لله ولرسول ولدولتهم، وكذلك إنذار المرتبطين خفية بالدول الاستكبارية وتحذيرهم بالكفّ عن أحابيلهم، وإعلامهم بأنهم في الطريق إلى الانهيار ما دام الإسلام موجوداً في وجدان الأمة..

4ــ يوم الإسلام، ويوم تعبئة الطاقات لمواجهة الاستكبار ورفع المعنويات في طريق نصرة الحق..

وسائل تحرير القدس

في كلمات الإمام جاءت الإشارة واضحة إلى الأساليب والوسائل التي إذا سلكها الناس يمكنهم تحرير الأرض المقدسة، ومن أبرزها ما يلي:

1ــ أسلمه القضية:

ويعني الإمام بذلك إعطاء القضية سمة إسلامية، واعتبارها من القضايا الإسلامية وكما يقول الإمام (رض): "إن أسلمة القضية الفلسطينية تعني إذكاء روح الجهاد الإسلامي في الأمة من أجل الدفاع عن مقدساتها، وتعني خروج المقاومة من الإطار الوطني والقومي إلى إطار رسالي واسع، قادر على حسم الجهاد بما هو صالح الإسلام والمسلمين".

وذلك لأننا إذا اعتبرنا أن القضية الفلسطينية هي قضية إسلامية فستعمل أكيداً على تحريرها من أيدي المعتدين بشتى الوسائل والسبل المشروعة، ولو اضطر الأمر إلى تقديم الدماء من خلال إعلان الجهاد..

أما ما دامت القضية وظيفة وطنية أو قومية كما ينادي البعض (فلسطين عربية والقدس عربية) فإن العرب هم الذين خذلوا قضيتهم وجلسوا مع اليهود على طاولة الاستسلام في مدريد وقدموا التنازلات تلو التنازلات حتى أضحى عرفات حامي القضية هو الأداة الصهيونية لمنع المجاهدين من فصائل الدفاع عن الأرض والقدس المغتصبة..

إن القومية ليست مبدأ يحمي القضايا المهمة، وإنما الإسلام والمنهج الإسلامي هو الذي يحمي القضايا الإسلامية، إذ في الإسلام تسمى الشهادة والتضحية من أجل الحق والدفاع عن حرمات الحق، أما الاتجاهات الأخرى فإنها لا تملك ما تملكه الحالة الإسلامية من مقومات الدفاع ومبررات استرداد الحق المغتصب

2ــ الاعتماد على السلاح:

نعم، الكلمة التي لا تدعمها البندقية تعتبر كلمة ضعيفة، والمؤمن إذا حمل بندقيته ورشاشه ليدافع عن قضيته فإنه يحقق النصر لا محالة، لأنه من يواجهك بمدفع لا يمكن أن تواجهه بحجارة بل بمدفع مثله وإن لم يمكن فالبندقية، والقدس قضية لا يمكن أن تحرر إلا بالدخول مع إسرائيل في حرب عسكرية تعتمد على الإيمان المطلق بنصر الله لا كما خاض العرب الحرب مع إسرائيل حيث ظنوا أنه من أول صاروخ سيطلقونه سيتحقق النصر..

وفي ذلك يقول الإمام (روحي لخليفته الفداء): "من أجل تحرير القدس، يجب الاستفادة من الأسلحة الرشاشة التي تعتمد على الإيمان وقدرة الإسلام، والتخلي عن الألاعيب السياسية التي تشم منها رائحة التساوم وإرضاء القوى الكبرى".

3ــ التضحية في سبيل الحق:

والاستمرار في الكفاح ضد أمريكا، وترديد شعار الموت لأمريكا، لأن ترديد هذا الشعار هو في الحقيقة تصدير لنداء الثورة الإسلامية (لا شرقية لا غربية) وتعبئة الجماهير المليونية في المنطقة ضد الاستكبار العالمي..

4ــ ضغط الشعوب:

أن تضغط الشعوب على حكوماتها في الاجتماعات والتظاهرات بأن تتصدى لإسرائيل بكامل إمكانياتها وبالخصوص سلاح النفط، ويقول الإمام في ذلك: "أما واجب الشعوب اليوم هو أن يطالبوا حكوماتهم بصورة جدية في اجتماعاتهم وتظاهراتهم بأن تتصدى لأمريكا وإسرائيل بكامل إمكاناتها العسكرية، وسلاح النفط. وإذا لم يعطوا آذاناً صاغية لذلك وحاولوا تأييد إسرائيل المجرمة التي تهدد المنطقة بأكملها بما فيها الحرمين الشريفين، والتي أصبحت أهدافها وأبعاد أطماعها واضحة الآن، فعليهم (أي الشعوب) أن يهددوا حكوماتهم ويضغطوا عليها بمختلف وسائل الضغط وأن يقوموا بالإضرابات ليجبروها علي التصدي لإسرائيل".

5ــ الاعتماد على الشعوب:

الشعوب هي رصيد القضية الفلسطينية لتحرير القدس، والحكومات لا تمثل أي شيء في معادلة التحرير..

6ــ الوحدة:

أن تتحد الأمة الإسلامية في موقف واحد لمواجهة المستكبرين، وأما إذا اختلفت كلمة المسلمين فإنه لن يمكنهم تحرير الأرض والدفاع عن قضية القدس.

7ــ رفض مشاريع الاستسلام:

والمماطلات السياسية في أروقة عصبة الأمم والمحادثات الجانبية.