* برأيكم ما هي النسبة بين العقل والحكومة الإسلامية، وهل يوجد فارق بين مكانة العقل في الحكومات الإسلامية وغير الإسلامية؟

 

ـ في البداية لابد من الإشارة إلى هذه النقطة المهمة وهي: ما المراد من العقل، هل هو العقل العملي أم العقل النظري؟ وما هي الآثار التي يتركها كل منهما؟

 

إنّ العقلانية في المفهوم النظري تتلخص في قسمين: أحدهما في مجال الرؤية نَحْوَ العَالَم والآخر في مجال العلوم.

 

فالعقل النظري يمكن أن يتضمن معاييراً ورؤى مختلفة؛ إذ أن تطبيق العقل النظري شيء، أما منهج تطبيقه فيتحدد حسب المنطق الفكري السائد في المجتمع. فإذا ما استفدنا من منطق البرهان والقياس المنطقي فإن العقل النظري سيقودنا حسب فلسفته الخاصة (الميتافيزيقيا) ويوصلنا إلى الرؤية الخاصة بالعالم؛ أما إذا كان العقل النظري يستفيد من التجربة أو منطق التجربة أو المنطق التجريبي، فإنه سيؤدي بنا إلى التطور والتقدم العلمي.

 

والظاهر أن هذه العقلانية موجودة في الحكومة بكلا مفهوميها الغربي والإسلامي، مع فارق أن الغرب لا يهتم عملياً كثيراً بالمفهوم الأول (العقل النظري الذي يستفيد من منطق البرهان والقياس المنطقي، للوصول إلى الرؤية نَحْوَ العَالَم) بل يهتم أكثر بالعقل النظري بالمفهوم الثاني (التجربي ومنطقه التجربي)، لذا كانت معظم التطورات والاكتشافات التي ظهرت في العالم الغربي تختص بالجانب العلمي أكثر منها في الجانب الفلسفي بمفهومها الميتافيزقي، رغم وجود فلاسفة كبار فيه, أما الإسلام فإنه يؤيد كلا المنطقين الخاصين بالعقلانية المرتبطة بالحكومة، حيث يؤيد القرآن الكريم العقل المجرد(الإدراك المجرد) وكذلك العقل الحسي (التجربة الحسية).

 

إذن، لا يوجد فارق كبير في العقلانية بمعناها النظري سوى أن الإسلام يهتم أكثر بالرؤية نَحْوَ العَالَم، في حين يهتم الغرب بمفهومها التجربي. والآن نتساءل، هل يمكننا من خلال الرؤية الخاصة بالعالم أن نحصل على نتائج عملية، أم لا؟ وهذا ما سنشير إليه في القسم التالي.

 

أما بالنسبة للعقل العملي، فيوجد فارق كبير بين ما يؤمن به الغرب من فكر ومنهج ومنطق عملي، وبين الفكر والمنهج والمنطق الإسلامي؛ لأن العقل العملي يمثل نفس المصلحة المتضمنة فيه، والتي توجد حولها نظريات مختلفة سواء في مفهومها الفردي أو الجمعي، مما يؤدي إلى ظهور الاختلاف بين المنطق الغربي والمنطق الإسلامي.

 

فالإسلام لا يفصل في المصلحة بين الأمور الدنيوية والأمور الأخروية، ويرى في الماهية السعادة التي تبدأ بالولادة وتنتهي بالفناء والموت، وبالتالي تقع المصلحة التي يعتقد بها للفرد والمجتمع ضمن هذا الإطار؛ في حين تكون العقلانية بمفهومها العملي الغربي، هي المصلحة الدنيوية التي تبدأ بالولادة وتنتهي بالموت.

 

وقد أدى الفصل بين المصلحة الدنيوية والمصلحة الأخروية في الفكر الغربي إلى ظهور معنى آخر لأصل المصلحة الدنيوية؛ أي أن هذا التشابه لا يصل إلى المقدار الذي يمكننا من القول أن المصلحة الدنيوية في الإسلام تماثل المصلحة الدنيوية عند الغرب؛ لأن ماهية المصلحة الدنيوية ستختلف تماماً في الحياة بعد الموت؛ أي أن المصلحة الدنيوية في الإسلام تمتزج بالمصلحة الأخروية, وبالتالي فإنها تختلف تماماً عن المصلحة الدنيوية في الرؤية الغربية.

 

المسألة الأخرى ترتبط بالعلاقة بين العقل النظري والعقل العملي، وهو بحث فلسفي لا يختص بالإسلام فقط؛ فهل يمكن أن نصل إلى العقل النظري من خلال العقل العملي؟ إذا كان المقصود من الوصول وإيجاد علاقة العلية والمعلولية بين العقل النظري والعملي، هو استخراج مسألة ترتبط بالقيم والمصلحة عند اثباتنا لكل مسألة في العقل النظري؛ فالجواب على ذلك يكون سلبياً؛ لأننا لا نستطيع استنباط القيم من كثير من الضروريات، لكن إذا نظرنا إلى هذه القضية بصورة عامة, فنجدها دقيقاً بهذا الشكل؛ لأننا عندما اثبتنا في مجال العقل النظري سلسلة من الضروريات والأمور الواقعية كسلسلة؛ الله (المبدأ) والمعاد والوحي؛ فإننا سنفهم تلقائياً منهج العقل العملي أيضاً ويتضح أن (منهج الحياة هو الشريعة).

 

إذن، الجواب يكون إيجابياً على القضية بنحوها العام، لكن يختلف الفلاسفة الغربيون وكذلك الإسلاميون في جزئياتها، وإذا ما أردنا أن نطرح العقلانية كعنصر مشترك بين الحكومة بمفهومها الغربي والحكومة بمفهومها الإسلامي؛ فإننا سنضطر حتماً إلى بحث هذه الجزئيات ومناقشتها.

 

* عند التعارض بين المصالح الدنيوية والأخروية، يرجح الغرب بالطبع المصالح الدنيوية، لكن بالنسبة لنا ما هي وظيفتنا في مثل هذه الموارد؟

 

ـ يمكن مناقشة هذا الأصل الذي بنيتم عليه سؤالكم؛ لوجود بعض المصالح التي تكون دنيوية فقط، والبعض الآخر يكون أخروياً فقط.

 

* بنحو الموجبة الجزئية.

 

ـ يوجد ترديد في كونها موجبة جزئية. فإذا ما اعتبرتم أن الدنيا تمثل بداية الخلود، وأن الخلود بعد الموت يمثل نهاية الدنيا؛ فستكون العلاقة بين الدنيا والآخرة كالعلاقة بين الجسم والروح أو كالعلاقة بين الظاهر والباطن، وبالتالي لا تصدق عليها الموجبة الجزئية. وتطرح هذه المسألة أيضاً في الطب أيضاً؛ إذ لا يمكن أن نجد مرضاً يصيب الجسم فقط ولا يؤثر على الحالة النفسية والروحية؛ كما لا يمكن أن نجد مرضاً نفسياً دون أن يترك آثاراً على الجسم أيضاً.

 

وبالطبع فإن كثيراً من الأطباء يؤيدون هذه المسألة، كما يعترض عليها أطباء آخرون؛ أي أن العلاقة بين الروح والبدن أصبحت متلازمة وعضوية إلى درجة لا يمكن فيها تصور تأثير أو تأثر أحدهما دون الآخر، فالأمراض النفسية والروحية تترك آثاراً جسمية، وكذلك الأمراض الجسمية تترك آثاراً روحية ونفسية. وبالطبع فإني تطرقت إلى هذه المسألة كمثال فقط، وتعتمد صحتها على رأي أهل الاختصاص فيها.

 

* بالطبع إذا ما نظرنا إلى القضية بنوع من المسامحة العرفية.

 

ـ لا يمكن الاستفادة من المسامحة العرفية في هذا الموضوع، فالطبيب لا يمكنه اللجوء إلى المسامحة العرفية في علاجه؛ لأن المريض نفسياً, يصاب ببعض الأضرار الجسمية، والمريض بدنياً, يصاب ببعض الأضرار النفسية أيضاً.

 

إذن نستنتج أن الشريعة تنظر إلى الدنيا والآخرة معاً؛ وبالتالي لن نجد في الإسلام شيئاً ذا مصلحة دنيوية فقط دون أن يكون له دور في الآخرة، أو نجد شيئاً ذا مصلحة أخروية دون أن يكون له تأثير في الدنيا؛ رغم أننا يمكن أن نجد مثل ذلك في الشرائع السابقة. ومن أهم المسائل الأخروية في الإسلام التي تمتلك في ظاهرها على الأقل, صبغة دنيوية، هي العبادات؛ والرواية المعروفة التي تنقل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أخي موسى ينظر إلى الأمور بعين واحدة وأخي عيسى ينظر إليها بعين واحدة، في حين أني أنظر إليها بعينين؛ تدل على التلازم بين الدنيا والآخرة، وعدم إمكان تصور إحداهما دون الأخرى. وإذا ما نظرنا إلى هذا الموضوع بهذا الشكل، حينئذ لن يحصل التعارض حتى نبحث عن حلول لمعالجته، ثم نكتشف أن تشترك مع الغرب أم لا.

 

* نظراً لاختصاص هذا المؤتمر بشخصية الإمام (قدس سره)، فهل أن نظريته حول الحكومة هي مجرد نظرية فقهية، أم أنها تستند إلى الأصول الفلسفية التي يعتقد بها. وهل يمكن استنباط فلسفة سياسية ـ إسلامية من أفكار ونظريات الإمام؟

 

ـ إن عمل الإمام ونظرياته في الفقه, والفكر السياسي والفلسفة، نتج عنه فلسفة سياسية؛ أي في الحقيقة، أن وجود البعدين الأساسيين في فكر الإمام بكونه أستاذاً بارزاً في الفلسفة وأستاذاً كبيراً, صاحب رأي في الفقه، قد أدى إلى ظهور هذه النتائج الواضحة. وقد عبرتم عن ذلك بالحكومة الإسلامية، لكنها في الحقيقة تتضمن بعدين أحدهما في الفلسفة السياسية والآخر فكراً سياسياً؛ ونحن نعتقد أن الفقه السياسي يمثل مجموعة من الفلسفة السياسية والفكر السياسي.

 

فالفقه السياسي هو الذي يتعامل مع المنهج العقلاني؛ أي أن الفلسفة السياسية تتعامل مع كل مما لا نص فيه، في حين يتعامل الفكر السياسي مع كل ما يستند إلى الكتاب والسنة، وبالتالي يكون مجال الفكر السياسي معتمداً بنحو ما على الفلسفة السياسية.

 

والأصل هو إمكانية الاستفادة من الوحي كأساس للفلسفة السياسية وليس أساساً للفكر السياسي لاحتمال وقوع الاختلاف فيه.

 

على كال حال، نتج عن معرفة الإمام ببعديها (الفلسفي والفقهي) عنصرين منفصلين: أحدهما الفلسفة السياسية التي تستمد أصولها من رؤيته نحو العَالَم، وهو الأصل الذي استندت عليه فلسفة الفلاسفة السابقين مثل الفارابي وأبو علي بن سينا والخواجة نصير الدين؛ إذ توصلوا إلى فلسفة وسياسة حديثة عن طريق بحثهم في الرؤية نحو العالم. والآخر هو الفكر السياسي عندما طرح الإمام في الفقه مسألة ولاية الفقيه؛ وعليه كان عمل الإمام وفكره, يظهر في صورتين مستندتين إلى أصلين ومنشأين مختلفين؛ والآن نسأل أيهما أكثر تأثير في تكوين النظام وتأسيسه؟

 

فإذا كنتم تقصدون بالحكومة, المفهوم العام والهيكلي للقضية؛ أي ما هو واقع وموجود فعلاً؛ فإن المؤثر في هذه الحالة حتماً هو الفكر السياسي والفقه السياسي.

 

البعد الآخر الذي لم تتطرقوا إليه في سؤالكم هو البعد العرفاني، حيث كان الإمام يستفيد من العرفان في المجال الفقهي؛ أي في البعد الفلسفي استفاد من رؤيته نحو العاَلَم للوصول إلى نظرية تحتم أن تستند فيها الحكومة إلى الوحي؛ أما في الشريعة فتنقل الحكومة بعد الوحي إلى مرحلة الإمامة ثم إلى ولاية الفقيه في زمان الغيبة، وبالتالي امتزج البعد العرفاني للإمام مع بعده الفقهي.

 

إني اعتقد أن ولي الفقيه الذي جاء ذكره بصورة جافة في الدستور بأنه من الناحية الفقهية هو الفقيه العادل الجامع للشرائط، وتشمل اختياراته ومسؤولياته الأحكام الأولية والأحكام الثانوية والأحكام الحكومتية؛ يتضمن أيضاً معناً جوهرياً في ذاته وهو تلك الجاذبية المعنوية للإمامة في المرحلتين؛ أي إمامة المعصوم وإمامة الفقيه العادل، لكنها بالطبع لم تسنح لها الفرصة للظهور في زمان الإمام (عجل الله فرجه الشريف).

 

وهذا واضح من كلام الإمام في أواخر أيام عمره الشريف، بأنه لم يجد الفرصة الكافية للحديث عن أمور كثيرة؛ وعليه ينفصل الإمام في مرحلة الفكر السياسي عن فلسفته السياسية، لكن العرفان يظهر بصورة ضعيفة في البعد الفقهي للمسألة، وهذا ما يمكن أن نلمسه بوضوح في كلام الإمام ومؤلفاته.

 

* ما هو تأثيرها العملي؟

 

ـ التأثير العملي لهذه الجاذبية المعنوية للإمام: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}[2]. فيما يتعلق بولاية الفقيه، يقول البعض: إن المراد بها هو ولاية القصّر، لأن الإنسان العاقل لا يحتاج للولاية. لكن لو نناقش هذه المسألة في بعدها العرفاني، فإن الإنسان يحتاج دائماً إلى من يأخذ بيده إلى طريق الهداية؛ أي أن المسألة أعمق من هذا التبسيط لأنها ترتبط بإنسان ضال تائه يحتاج إلى من يرشده إلى الطريق الصحيح؛ إذ أن المسألة لا تقتصر على السياسة والاقتصاد والثقافة؛ بل تهتم أيضاً بالأبعاد المعنوية للإنسان.

 

إذن، لابد أن يمتلك الإمام جاذبية خاصة كالمغناطيس تجذب إليه الناس والأفئدة، ويرتبط به تلامذته والآخرون بحيث لا ينظرون إليه كمجرد استاذ، بل يعتبرونه فيلسوفاً فقيهاً وقائداً وزعيماً يستحق الإتباع والإطاعة. فتقليدهم له ليس مجرد تقليد فقهي؛ بل هو إتباع وإطاعة للوصول إلى مراحل الارتقاء المعنوي. وقد أشار الإمام بوضوح إلى هذه النقاط في تفسيره لسورة الحمد.

 

فالإمام يجب أن يتمتع بجاذبية معنوية, بغض النظر عن قدرته السياسية. وطرح هذه المسائل بهذا الشكل سيجيب عن كثير من المسائل السياسية الأخرى. فعندما نجد إنساناً قوياً يجذب خلفه كالمغناطيس إنساناً ضعيفاً، عندها نستطيع أن نطرح عليه ما نريد من مفاهيم كالحرية والمساواة. وهذه المسألة نجدها بوضوح في عالم التجربة بمفهومها الفيزيائي، إذ عندما يسحب المحرك أجزاء السيارة، فلا معنى حينئذ لقولنا أن المحرك فلزي وأجزاء السيارة فلزية أيضاً، فكيف يمكن لهذا المحرك أن يسحب أجزاء السيارة وليس العكس؟ {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} بحث كثيرٌ من المفسرين في أن (أمرنا) هل هو أمر تشريعي أم تكويني؟

 

الأمر هو هذه الجاذبية المعنوية للإمام، وفصل المسائل السياسية عنها يؤدي إلى الكارثة؛ إذ حينها سيقال: لماذا تتولون عنا الأمور فهل أنا قاصر؟ أوليس لي عقل؟ وهل احتاج إلى ولي؟ أنا أيضاً أفهم الأمور جيداً!.

 

لكن إذا ما أضفنا المسائل العرفانية والجاذبية المعنوية لهذه الأمور، عندها سيدرك الجميع في وجدانهم أن الإنسان ينجذب حتماً إلى النور والعلم.

 

توجد بعض المسائل التي ينجذب إليها الإنسان فطرياً وبصورة حقيقية، وهي أهم من المسائل والنظريات السياسية؛ لكن إذا ما أضفنا البعد العرفاني للإمام, إلى فكره السياسي, فإن ذلك سيؤدي إلى حل الكثير من المشاكل. الإمام يقول هذا الأمر، وهو يمثل نموذجاً له ولم يفصل أبداً ذلك البعد المعنوي عن بعده السياسي؛ لكن على كل حال لم يتم تحقيق نظرية الإمام بشكل كامل. فالولي الفقيه لا يمكنه الأخذ بيد الإنسان, لكي تقولوا إنها الحرية! لا أريد أن آتي معك! أناحر! لأن الولي الفقيه عندما يعين طريق الحركة, عندئذ لا تسمح لكم الجاذبية المعنوية بالتوقف، فالجاذبية هي التي تسحبكم معها، ولا دخل للحرية في هذه المسألة.

 

إنّ الكثير من النظريات السياسية هي مشاكل سرت إلينا من الفكر الغربي، وتطرح في المجتمع بدون الفرضيات الموجودة عندنا، في حين أنهم لا يعتقدون بالجاذبية المعنوية عند الإمام، أو أنهم لا يشعرون بوجودها. وإذا ما طرحتم نظرية ولاية الفقيه بدون السلطة المعنوية والسلطة الإلهية، فستظهر حينها الكثير من المشاكل أيضاً؛ لكن السلطة المعنوية هي فرضية مسبقة في نظرية الإمام، وقد ذكر في (تحرير الوسيلة) أن أحد شرائط المرجع هو (أن لا يكون مكباً على الدنيا) وهو أمر يفوق العدالة. لقد كنت في فترة ما, أفكر بمدى اهتمام الإمام بنهج البلاغة، وتأملت في هذا الأمر لفترة, حتى وجدت أن كلام الإمام هو تطبيق لما جاء في نهج البلاغة.

 

ولحسن الحظ كان نهج البلاغة يتضمن الكثير من المسائل الحكومية؛ بل أن السيد الرضي قد جمع من الخطب والكلام ما يبحث 80% منه في المسائل الحكومية، وقد طرحها الإمام بما يتلائم مع لغة العصر حتى تتمكن جميع طبقات المجتمع من فهمها. وعلى هذا الأساس، عندما انفصلت سيرة أمير المؤمنين عن المعنوية، عارضه الخوارج والقاسطين والمارقين ووقفوا بوجهه. ففصل الإمامة عن الجاذبية ستؤدي إلى شهادة أمير المؤمنين، وتولي الإمام الحسن منصب الإمامة لفترة قصيرة، ثم يتنازل عن الخلافة.

 

* ما هي المؤلفات التي تركها الإمام فيما يتعلق بالعرفان العملي؟

 

ـ لعله نتمكن أن نجد أكثر الوصايا التي تطرّق لها الإمام في هذا المجال في حاشيته على فصوص الحكم وهو كتاب مطبوع أيضاً. إنّ الولاية التي يعتقد بها الشيعة أوسع من الولاية السياسية، لكنها في الإمام شيء، وفي الفقيه الجامع للشرائط شيء آخر. وفي المصادر العرفانية للإمام, علينا مراجعة البحوث العرفانية الصرفة، كما هو ظاهر بوضوح في تفسيره لسورة الحمد. كما أشار إلى ذلك أيضاً في بحوثه الفقهية في (كتاب البيع)، إضافة إلى كتاب (أسرار الصلاة) الذي يعتبر من كتب الإمام العرفانية.

 

* هل يمكن في هذه الكتب البحث عن العرفان السياسي؟

 

ـ لا إشكال في هذا الاصطلاح الذي عبرتم عنه بالعرفان السياسي وهو شيء جيد، لكن الظاهر عدم وجود أيّ فرق بين العرفان السياسي والعرفان غير السياسي، سوى أن مجال العرفان واسع فيشمل السياسة أيضاً. وعندما نطرح ولاية الفقيه ببعديها السياسي والعرفاني معاً، فإنه سيؤدي إلى حل الكثير من المشاكل. فالكثير من المشاكل ناشئة عن مسائل, مثل: الحرية والمشاركة السياسية والمساواة، إضافة إلى مشاكل أخرى ترتبط بولاية الفقيه, مثل: انحصار القدرة السياسية بيد النخب وغيرها من المشاكل التي تنشأ من خلال الفرضيات المسبقة والتصورات التي نحملها عن الفكر والنظريات الغربية؛ لكننا إذا ما مزجنا هذه المشاكل بالمسائل العرفانية، فإنها ستتغير تلقائياً إلى شكل آخر.

 

فأنتم تعلمون أن الكثير من المفكرين سعوا أخيراً إلى تطبيق مسألة ولاية الفقيه على بعض الأفكار والنظريات الغربية المرتبطة بزعامة النخب، وهذا حسب الظاهر نوع من التحريف للمسألة؛ لأنها لم تهتم بالجانب المعنوي للفقيه الجامع للشرائط؛ في حين أن الكثير من المسائل تقتضي التجزئة والتحليل بالاستناد إلى بعض الفرضيات المسلّمة.

 

* أي أنكم تعتبرون العرفان أحد شروط الفقيه الجامع للشرائط؟.

 

ـ نعم، هذا هو معنى (أن لا يكون مكبّاً على الدنيا). إنّ لهذه العبارة بعداً واسعاً جداً، لذلك عندما ذكرنا هذه المسألة في الدستور، لم نعنِ بالعدالة, عدالة إمام الجماعة؛ بل قصدنا عدالة خاصة تليق بقائد الثورة الإسلامية. ولهذا أعتقدُ أن كثيراً من المسائل السياسية يمكن أن تُحَمل بوضع بعض الفرضيات الصحيحة؛ فالمجتمع إذا ما قيل بالرؤية الإسلامية نحو العالَم، حينئذ يمكن أن تتحقق فيه الحكومة الإسلامية القائمة على الفكر السياسي لولاية الفقيه؛ لكن لا يمكن تحققها أو طرحها في دولة أخرى كاليابان مثلاً. وهذا الأمر هو ما يقلقنا دائماً في هذا الموضوع، حيث يقول البعض: قد يأتي زمان يفقد الناس فيه رغبتهم في الإسلام؛ وهذا في الواقع هو تحريف للبحث والموضوع؛ لأن مجال الحكومة الإسلامية هو (لولا حضور الحاضر).

 

إذن، يكون البعد العرفاني أحد الفرضيات الصحيحة لمسألة الفكر السياسي للإمام فيما يتعلق بولاية الفقيه. والعبارة المنقولة عن الشهيد الصدر[3]: (ذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب هو في الإسلام) تشير إلى هذا البعد العرفاني للمسألة، فالذوبان أو الإطاعة أو أي شيء آخر، هي في الواقع تعابير مختلفة لحقيقة واحدة.

 

* لقد أشرتم أن البعض يفسر نظرية الإمام باعتمادها على النخب، وهذا أمر طبيعي نظراً لتأثير نظرية أفلاطون على الفلسفة الإسلامية، إذ أن ذلك يجعل البعض يتصور أن الفقيه الحاكم قد يمثل نفس الحاكم الأفلاطوني لكن بتعبير فقهي جديد.

 

ـ وما الإشكال في ذلك. الفيلسوف بالمفهوم الأفلاطوني، هو فيلسوف نظري وفيلسوف عملي أيضاً؛ لأن الحكمة والفلسفة التي يقول بها تتضمن ستة عناصر أحدها (سياسة المدن). لكن علينا أن ندرك أن سياسة المدن هنا تستند إلى الوحي مع فرض أن الفقيه هو الشخص الذي يستمد من الشريعة رؤيته نحو العالَم واجتهاده وحكمته العملية. أما إذا فصلنا نظرية أفلاطون عن هذا الفرض، عندها يصبح الفيلسوف فيلسوفاً يؤمن فقط بالعقل النظري العلماني والحكمة العملية المنكرة لوجود الله؛ وبالتالي تصبح هذه النظرية مخالفة لنظرية الإمام وتقع في النقطة المقابلة لها.

 

* أي يتشابها من الناحية الصورية؟

 

ـ نعم، ولكن بالفرضيات الخاصة بها.

 

* في هذه الصورة توجد فرضيات خاصة لنظريات أفلاطون، إذ يعتقد أن بعض الناس لا يمكنهم ذاتاً أن يصبحوا فلاسفة، لذا فهم مضطرون للتقليد من ولادتهم حتى مماتهم، فنظراً لوجود التفاضل وعدم المساواة بين البعض في الفلسفة الإسلامية، هل يعتقد الإمام بمثيل هذا الرأي، وينظر إلى الناس بصورة غير متساوية؟

 

ـ القرآن يقول ذلك أيضاً: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ...}[4] أو {وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ}[5]، و{بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ}[6].

 

* هذا من الناحية العقائدية، فهل هي كذلك من الناحية الذاتية؟

 

ـ نعم، وهل يوجد من ينكر وجود التفاوت في القابليات والكفاءات بين الناس؟! فإنّ انعقاد نطفة الإنسان وولادته وحياته تحصل في ظروف متفاوتة أيضاً.

 

* أي ظروفهم تتفاوت أم يتفاوتون في ذواتهم؟

 

ـ نحن نعتقد أن {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}[7] أي أن الفطرة الإنسانية فطرة كاملة سوى أنهم (يهودانه أو ينصرانه) لذا ينبغي البحث عن التفاوت بين الناس في فكر الإمام، لكن يمكن أن تستنبط من صريح القرآن الكريم والروايات الإسلامية أن الإمام يعتقد أيضاً بأن الفطرة الإنسانية هي فطرة واحدة طاهرة، لكنها تخلق أناساً مختلفين تبعاً لاختلاف ظروفهم.

 

* مثلاً إذا بدأنا من الأصول والأعراق، هل يكون العرق اليوناني هو الأفضل؟

 

ـ كلا، العرق اليوناني يختلف أيضاً، وإني اعتقد أن أفلاطون كان يقصد ذلك في ظل ظروف مختلفة.

 

* نجد في بعض الكلمات أن البعض يولد وذاته من ذهب.

 

ـ هذا يعود إلى العناصر الجينية وإلاّ لا فرق في ذات الإنسان، أي تنمو النطفة في ظل الظروف التي يعيشها الوالدين من التغذية وغيرها؛ وبالتالي إذا ما أخذنا الآثار الجينية بنظر الاعتبار عندها ستختلف ذات الإنسان تبعاً لاختلاف الظروف الجينية التي يعيشها. وتوجد نظرية, تدعي أن الإنسان إذا ما تمكن من تحسين عرقه، بأن يتخلص من جميع الجينيات السلبية والاستفادة من الجينات الجيدة، عندها من المحتمل أن يصبح جميع الناس بشكل واحد. وبالطبع فإن العصمة لا تتنافى مع هذا الرأي؛ بل لعل الله كان يعرف مسبقاً الظروف التي تساعد الإنسان على تجنب الخطأ في الرأي والعمل. وبغض النظر عن العصمة فإن ذات الإنسان وفطرته في مرتبة واحدة، لكن العوامل الثانوية هي التي تجذب الإنسان إلى هذا الطرف أو ذاك. أي، علينا التأمل قليلاً في نظرية افلاطون، ونرى هل كان يقصد في نظريته الذاتي, وهو ما نطلق عليه اصطلاح (الفطرة)، أم يقصد بالذات الوجود الخارجي له؟ نعم، إن الوجود الخارجي يختلف تبعاً لاختلاف الظروف المحيطة به، لكن من البعيد جداً أنه يرى اختلاف الذات بمعنى الفطرة. وبالطبع فإن المعتقدين بالتمييز العنصري يرون أن الأعراق تختلف ذاتاً عن بعضها فيقولون بالاختلاف الذاتي بين العرق الأسود والأبيض والملون.

 

* إذا ما أردنا فصل الحكومة عن المعايير الفقهية، وبحثنا فيها بحثاً فلسفياً صرفاً، فبرأيكم ما هو المعيار الفلسفي في فكر الإمام الذي استند عليه لتقسيم الحكومات إلى مطلوبة ومنحرفة؟

 

ـ إن المقياس في تعيين اعتدال الحكومات أو مطلوبيتها واستقامتها هو وفاؤها والتزامها بالشريعة من جهة والسعي لتحقيق المصالح العامة من جهة أخرى. وكلما قلّت الفاصلة بين القولين كانت الحكومات أفضل وأسلم، وكلما ازدادت الفاصلة بينهما أصبحت موضع النقاش أكثر.

 

* برأيكم هل يوجد تفاوت بين حكومة ملكية مقتدرة أو حكومة ديمقراطية تطبق الشريعة جيداً، وبين الحكومة التي يديرها الفقيه؟

 

ـ في هذه الأنواع الثلاثة التي ذكرتموها للحكومة، نجد أن الحكومة التي تقوم على النظام الملكي الدستوري الوراثي، تعجز عن تطبيق الشريعة في المجتمع الذي تحكمه.

 

* كيف لا يمكنها ذلك؟

 

ـ لأن المَلِك لا يَملِك حق الحكومة، والملك بمعنى السلطان المطلق الذي يتولى إدارة السلطات الثلاثة معاً، هو طاغوت بمعنى الكلمة.

 

* ماذا لو كان سلطاناً مأذوناً من قبل الفقيه؟

 

ـ في السلطان المؤذون، أدخلتم دور الفقيه. فالنظام الملكي الذي تكون فيه السلطة مطلقة استبدادية بيد الملك ـ وليس ملكية دستورية بحيث يسن الشعب القوانين ويقع تطبيقها على الملك ـ هو نظام لا يتلائم أبداً مع الشريعة، فالشريعة لم تمنح الملك حتى هذه الولاية التنفيذية. وأنتم إذا ما تصورتم نظاماً ملكياً مشروطاً، فإن المعيار في كون الشخص ملكاً أنه يولد من ملك، وهذا يتناقض مع الشريعة الإسلامية.

 

وإذا تتذكرون فإننا في زمن النظام السابق كنا نعترض حتى على أعماله الحسنة، كنا نقول لها حسن فعلي لكن لها قبح فاعلي؛ أي أن هذا العمل حسن لكن لماذا تقوم به أنت؟ وهكذا الحال بالنسبة للحكومة الديمقراطية، فإنها تكون طاغوتية، إذا ما عارضها الفقيه، رغم تأييد غالبية الرأي العام لها؛ لأن حكومة الأقلية العلمانية على الأكثرية الموحدة والمسلمة، لن تصبح حكومة إسلامية استناداً على الأصل الفقهي {وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ على الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}.[8]

 

إذن، على ضوء هذا الفرض يمكن مناقشة الصور الثلاثة التي ذكرتموها.

 

* أي أنكم وبشكل عام تطبقون معيار الشريعة على شكل الحكومة؟

 

ـ بالطبع كذلك؛ أي أن القانون والرأي العام إذا لم يطابقا أصول الشريعة، فإن الحكومة لن تكون إسلامية ـ شئنا أم أبينا. لكن يمكن أن يطرح هذا الموضوع على ضوء نظرية المرحوم النائيني[9] التي تجيز ذلك عند الضرورة لدفع الأفسد بالفاسد، وليس على أساس ولاية الفقيه لأن المسألة تصبح بشكل آخر. لذلك سعى كثير من العلماء إلى إصلاح الحكومة والضغط عليها لإصلاح مسيرتها، بدلاً من الثورة عليها خاصة إذا كان البديل عنها أفسد منها؛ مثلاً يُنقَل عن السيد البروجردي[10] أنه كان يرى أن إزالة هذا النظام سيؤدي إلى سيطرة الشيوعيين على الحكم وهم يؤمنون باجتثاث الدين من المجتمع. والظاهر أنه لا يمكن طرح مسألة دفع الأفسد بالفاسد في مجال الفكر السياسي؛ لأن ذلك يدخل ضمن مسألة الضرورة والاضطرار والتقية.

 

* هل يمكن طرح هذا التقسيم على أساس (ولاية الفقيه)؟

 

ـ الظاهر أن ولاية الفقه, معنى جديد وليس لها أصل معين، إذ توجد في ولاية الفقيه سلسلة من مراتب الولاية تنتهي بشخص معين: {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ..}[11]؛ {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ}[12]؛ (من كنت مولاه فهذا علي مولاه)، لكن كيف يمكن وضع هذه السلسلة من المراتب في ولاية الفقيه؟ إذا عبرتم عن ولاية (القانون الإلهي) و(ولاية الشريعة) باصطلاح ولاية الفقه؛ وفي هذه الحالة لا يمكن نسبة القدرة السياسية إلى القانون؛ أي إذا قلتم أن القانون هو الحاكم فهذا تعبير سياسي خاطئ؛ لأن إرادة الشعب هي الحاكمة, بينما يمثل القانون مظهراً لهذه الإرادة، على كل حال، اصطلاح ولاية الفقيه يحتاج إلى سند ودليل خاص.

 

* هل يمكن القول أن ما يهدف إليه الإسلام، هو تطبيق الأحكام التي تصدر عن المراجع، وهذا ما نطلق عليه باصطلاح ولاية الفقه؟

 

ـ هذا يخالف الأصول العقائدية، لأننا نؤمن بالوحي وبالنبي أيضاً، وكلاهما أي القانون والمنفذ له من الله. وهذا ما يؤيده حديث الثقلين: (كتاب الله وعترتي)؛ لذا يجب التأمل قليلاً, أنه هل يوجد مثل هذا التعبير في الروايات الإسلامية؟ مثلاً الإمام الحسين (عليه السلام) كان مستعداً للشهادة في سبيل إحياء الشريعة، فهل يمكن القول: إذن، إحياء الشريعة أسمى من الإمام، ومن اللائق أن يستشهد الإمام في سبيل إحياء الشريعة؟ ومن هذه القرائن يمكن استنباط بعض الأصول، لكن في الروايات التي تحدثت عن ولاية الإمامة والحكومة، لم نجد فيها ما يشير إلى تعبير الشريعة بدون المنفذ والمطبق لها.

 

* ليس لدينا منفذ معين.

 

ـ النبي والإمام منفذان معينان، أما الفقيه الجامع للشرائط فهو منفذ عام.

 

* لو نحدد الأمر بالمراقبة والإشراف، فالمفهوم هو ولاية الفقه وليس ولاية الفقيه.

 

ـ لماذا نقول فقيه ولا نذكر الاسم؟ بدلاً عن زيد، نقول الولاية الفقهية.

 

* أليس من الأفضل أن نذكر المنهج الذي يمكنه تطبيق الأحكام الإسلامية أفضل من المناهج الأخرى، لا أن نقول حاكمية الفقيه.

 

ـ إذا ما استعملنا كلمة الفقه بدلاً عن الفقيه، فإننا في الواقع سنصل إلى نوع من الشمولية السياسية؛ أي يمكن الاستفادة من نماذج مختلفة في ظل ظروف مختلفة. لكننا لا نجد مثل هذا الأمر في الشريعة الإسلامية؛ إذ لا يمكن أن تتحقق حكومة الوحي من دون النبي والقانون من دون الإمام، حيث أن (مجاري الأمور بيد العلماء) وأمثال ذلك القانون يكون مساوياً لمنفذ القانون.

 

إنَّ نظرية الفصل بين السلطات تستمد أصولها من المفاهيم الإسلامية؛ أي الوحي مع النبي والفقه مع الفقيه.

 

وبالطبع فإن الفقيه يوجد الفقه بمعنى الاستنباط، لكنه لا يوجد الشريعة، كما أن الشريعة لا توجد الفقيه، فكلاهما مستقلان. كذلك الوحي لا يوجد النبي، كما أن النبي لا يوجد الوحي. وأنا لا أنفي هذا الأمر مطلقاً، إذ يمكن أن نجد إشارات له عند مراجعة الروايات الإسلامية، لكن صريح حديث الثقلين وأمثاله يؤيد كونهما متوازيين.

 

* برأيكم ما مدى ملائمة النظريات والأفكار السياسية للإمام مع النظريات الديمقراطية؟

 

ـ كان هذا الموضوع يمثل السؤال الأساسي للثورة الإسلامية والفكر السياسي للإمام. أني اعتقد أن آراء الإمام تعتمد على الشعب, لكن ليس الشعب بصورة مطلقة، بل الشعب الذي تربى على يد الفقيه، والشعب المؤمن بالله، والمتمسك بالشريعة والإسلام (الديمقراطية بإشراف الفقيه). كما نجد أن الإمام قد استفاد كثيراً في كلامه من اصطلاحات: (الله والقرآن، والشعب)، لكن ليس مطلق الشعب؛ بل الشعب الذي تربى على يد الفقيه، فماذا تطلقون على هذه الديمقراطية انها ديمقراطية الإمام؟.

 

إنّ هذا الشعب الملتزم هو المحور الذي يوجد كل شيء، يوجد الثورة والنظام، ويوصل الفقيه إلى حكومة المطلقة؛ لكن ماذا لو لم تتمكن {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}[13] من هداية الناس وتربيتهم؟

 

* هل أنتم تعتقدون أن الإمام قد ربى هذا الشعب؟

 

ـ نعم كان الأمر كذلك، فنحن لازلنا نتذكر أحداث الثورة وما زالت صورها تترى أمام أعيننا. فالإمام هو الذي ربّى هذا الشعب، فقد كنا نرى نساءاً بحجاب سيء يشتركن في المظاهرات ويهتفن نريد حكومة إسلامية؛ بل حتى بعض رجال النظام السابق ندموا على أعمالهم وأصبحوا يؤيدون هذه الثورة.

 

* وهل نمتلك مثل هذا الشعب؟

 

ـ إن هذا بحث مستقل، أن نقول كم في المئة مازلنا نمتلك من هذا الشعب حتى الآن، وكم في المئة فقدنا منه، ولماذا فقدنا ذلك، هل بسبب زوال جاذبية الإمامة أم بسبب المؤامرات المختلفة؟ إن هذا البحث يتطلب تحليلاً مستقلاً، وهو لا يختص بهذا الزمان؛ بل كانت توجد بعض المعارضة حتى في زمان الإمام.

 

* لعل هذا الموج العظيم من المظاهرات والنزول إلى الشوارع كان بسبب إدراك الإمام لمطالب الشعب واحتياجاته وبسبب حب الشعب للإمام. وهذا التحليل يناقض تقريباً تحليلكم.

 

ـ لاشك في أن الشعب كان يحب الإمام، ومتأثر بجاذبية إمامته.

 

* إن إيمان الإمام بقدرة الشعب جعلته يدرك مطالبه واحتياجاته فيطرحها ويطالب بها؛ أي أن الإمام سعى إلى التقرب بنفسه من الشعب والتلائم مع مطالبه، لا أن الشعب هو الذي تلائم مع أهداف الإمام.

 

ـ إن الإمام كان يدعو منذ البداية إلى تطبيق أحكام الإسلام، ولم يعترض على الشاه إلاّ لمخالفته هذه الأحكام.

 

* وهذا ما كان يريده الشعب.

 

ـ هل لديكم دليل على ذلك؟

 

* لأن الشعب كان مسلماً فمن الطبيعي أن يريد ذلك.

 

ـ لقد تمكن الإمام من تركيز الإرادة الإسلامية ـ الإيمانية للشعب وتحويلها إلى قدرة سياسية؛ لكن هذه القدرة السياسية كان يسيطر عليها شخص واحد، وبذلك تحقق معنا إمامته التي تشير إليها الآية: {يهدون بأمرنا}. والآن، لا إشكال في قولكم أن الإمام كان يقول كل ما يريده الشعب، فهذا أسلوب للجذب لكنه لم يخدعهم؛ أي كان يقول أولاً ما يريده الشعب ثم يقول شيئاً آخراً؛ حتى أنكم رأيتم أن بعض الأحزاب والمنظمات قد تأثروا بالإمام، وكان المنافقون يقولون: إننا أول من أطلق لقب الإمام على الإمام ـ الآن نحن نشك في ذلك ـ وكان إطلاق لقب الإمام من قبل المنافقين في مقدمة عناوين صحيفة المجاهد، بل كانوا يطلقون العديد من الشعارات في كل عدد منها. كذلك حزب الشعب (توده) كان يؤيد القيادة السياسية للإمام.

 

النقطة السياسية المهمة جداً والعجيبة أن أحداً  لم يدع طيلة مراحل الثورة قيادته لها، رغم أن مثل ذلك قد حصل حتى في زمان النبي بظهور شخصيات أمثال مسيلمة الكذاب؛ نعم طالب البعض بحصة ومكاسب لكنهم لم يدعوا أبداً قيادة الثورة.

 

إذن، ما افترضته لا يتعارض مع ما قلته أنا سوى أنه يبين أحد الأساليب التي جعلت الشعب يؤيد الإمام ويلتف حوله، وهو أن الإمام كان يعبّر عما في قلوب الناس.

 

* لكن في كثير من الأحيان كان الإمام يسعى للتأقلم مع الشعب؛ فمثلاً في الانتخابات الأولى لاختيار رئيس الجمهورية؛ ورغم أن الإمام لم يصوت في ذلك اليوم لبني صدر لكنه وافق على الأخذ برأي الشعب، وعهد إلى بني صدر منصب القائد العام للقوات المسلحة ورئاسة شورى الثورة.

 

ـ فيما يتعلق ببني صدر، أن الإمام كان لا يزال يأمل في إنقاذه من هذه الجراثيم لكن بني صدر وقع ضحيتها. وبالطبع كان الإمام يرى في تلك المرحلة بضرورة عدم تولي رجل الدين منصب رئاسة الجمهورية؛ وإلا لم يكن بني صدر يستطيع الوصول إلى هذا المنصب مع وجود شخصيات بارزة كالشهيد بهشتي وأمثاله. وفي الواقع، أن الإمام كان لا يرغب في أن يُقال أن رجال الدين قد سيطروا على كل شيء.

 

* وهذا أيضاً يعتبر من الناحية العملية نوعاً من التأقلم والتلائم مع رأي الشعب.

 

ـ نعم كان هذا رأي الشعب، لكن الإمام أيضاً كان يرى أن المصلحة تقتضي ذلك.

 

* هل كان الإمام يرى أن المصلحة تقتضي أن يكون مع الشعب لا أن يكون الشعب معه، وأن الواجب يقتضي في مثل هذه الموارد احترام رأي الشعب؟

 

ـ أشك في ذلك. ليس لدينا الآن إحصائيات عما إذا كان الشعب سيعترض على انتخاب الشهيد بهشتي مثلاً رئيساً للجمهورية.

 

إنّ الإمام كان يرى أن المصلحة تقتضي السير بهذا النهج ويستمر ذلك في المستقبل أيضاً، ولم يكن ذلك لمجرد أن الشعب كان يريد هذا النهج؛ بل أن الشعب انتخب بني صدر وصوت له أحد عشر مليوناً لأجل الإمام تأييداً له، وإلاّ لم تكن شعبية بني صدر بذلك الحجم، إنما كانت جاذبية الإمام هي السبب في تأييد الناس لبني صدر والسبب في تخليهم عنه، فالإمام هو الذي ربى هذا الشعب وأثر عليه بهذا الشكل.

 

بل إن تهمة غسل الأدمغة التي يطلقها المحللون الغربيون هي نفس هذه الجاذبية عند الإمام، سوى أننا سنستعمل اصطلاحاً مناسباً للتعبير عنها فنقول جاذبية الإمامة والجاذبية المعنوية، في حين إنهم يضعون عليها صبغة مادية لعدم اعتقادهم بها فيعبرون عنها بغسل الأدمغة. لكن إذا ما تصورتم هذا العشق للشهادة أو بتعبير من لا يعتقد بالمعاد العشق للموت عند شاب صغير في فترة الدفاع المقدس، فهل يمكن أن يحصل ذلك بدون تربية معنوية؟!

 

ولم يكن ذلك مقتصراً على الشباب في فيالق التعبئة، بل نجد هذه الصبغة والحالة المعنوية حتى عند الأطباء الشباب، الذين كانوا يتحلون بالإيمان والتدين أكثر مني ومنك، رغم أن شريحة الأطباء معروفة بابتعادها عن الدين؛ والسبب في ذلك كان, تربية الإمام وتأثيره عليهم.

 

في الواقع، لم يكن الإمام تابعاً للشعب، بل أنه ربى الشعب بالشكل الذي جعلهم يحبونه إلى أقصى حد، فما كان الإمام حتى ليبدأ بالبكاء ليجهش الجميع بالبكاء.

 

من النقاط الخفية التي كانت تميز الأسلوب الذي اتبعه الإمام في حديثه وكلامه، أنه لم يشتك أبداً من الشعب رغم الإشتباهات التي حصلت منه. حتى أمير المؤمنين (عليه السلام) اشتكى كثيراً من أهل الكوفة؛ بل وكان مستعداً لاستبدال كل عشرة منهم بواحد من أنصاره، لكن الإمام لم يفعل ذلك ولعل الأمر يعود إلى المسائل العرفانية في هذه القضية.

 

فالإمام في وقت الأزمات كان يلغي برامج الزيارات وأحياناً كان يغيب عن الأنظار لعدة أيام، فماذا كان يفعل الإمام؟! نحن لا نعلم! لأنها كانت تعود لارتباطاته المعنوية، ونحن لا نريد هنا أن نقول أنه كان يتصل بالإمام المهدي(عج) ويأخذ التعليمات منه؛ إذ أن الشخص القادر على تغيير الناس يحتاج إلى قدرة أكثر تمكنه من التغيير.

 

كذلك السيد الطالقاني كان يقول: كلما حضرنا عند الإمام كنا نستمد القوة والمعنوية منه. حتى قائد الثورة يحتاج إلى هذه القوة والمعنوية، فكيف تفسرون ذلك؟ هل كان الإمام يغيب للاستراحة مثلاً؟ أم أن المحيطين بالإمام كانوا يخفون عنه ما يحصل من أحداث؟! في حين أن الإمام كان يستمع إلى جميع التقارير التي تصل إليه بشكل مكثف. وهذا يفسر أن الإمام كان يغيب ليستمد القوة والمعنوية ويزيد من قدرته على التأثير. وعلى كل حال، إنّ هذه النقطة مهمة جداً، أن الإمام لم يشتك من الشعب ولو لمرة واحدة، رغم ضعف الشعب وتراجعه في كثير من المناطق كالفاو مثلاً.

 

النقطة الأخرى، أن الإمام كان شديد البصيرة في المسائل المختلفة.

 

أتذكر عندما كنا في النجف الأشرف سنة (1969م)، لم يصدر الإمام لفترة معينة أي بيان أو إعلان، فترك هذا الأمر تأثيراً واسعاً بين الناس حتى أن البعض ممن كان ينظر بسوء نية للأمر، تصور أن الإمام اعتزل الجهاد والتزم بالتقية.

 

وتوالت ردود الأفعال والضغوط الشديدة من إيران وغيرها على الإمام. وعندما طرحت عليه هذه المسألة، أجاب:

 

إنّ إصدار البيان أو الإعلان ليس بالشيء الهيّن حتى يستطيع المرء كتابة أربعة بيانات كل يوم، وهل أن عدم إصدار بيان يعني انتهاء الثورة وأفولها؟

 

وكان الإمام دقيقاً جداً في إدراكه للظروف والأوضاع المحيطة به؛ إذ على السياسي أن يتمتع بهذه الصفة, بغض النظر عن قدرته الفقهية والعرفانية. فمثلاً لم يكن قد مضى على وصول الإمام إلى النجف عدة أيام، حتى استدعاني وطلب مني أن أنقل له كل ما يجري في النجف.

 

في البداية امتعضت من هذا الطلب كأني أتجسس مثلاً! لكن بعدها كنت أحضر عنده كل يوم عصراً في وقت معين، وأدخل غرفته مباشرة، وأنقل له ما جرى في النجف ذلك اليوم، فمثلاً: ماذا قالوا عنكم وعن إيران؛ أي أن الإمام كان على إطلاع بما كان يحصل في النجف، وبالطبع كان يوجد أشخاصاً آخرين غيري.

 

أتذكر أنه سألني ذات يوم، ماذا كانوا يقولون عني؟ قلت: يقولون أشياء كثيرة مثل؛ لماذا عمامة السيد صغيرة، ولحيته قصيرة؟.

 

لقد كان الإمام يريد أن نخبره عن كل شيء، عندها تبسّم الإمام وسأل: وماذا قلتم؟ قلت: كنا نهتم بجميع الأخبار فقط ولم نكن مستعدين للإجابة؛ فقال: قولوا لم يصبح مشركاً حتى الآن. على كل حال، أقصد ما كان يتمتع به الإمام من وقار وسياسة وذكاء.

 

لقد لاحظنا وقوع الكثير من الأحداث حسب ما توقع الإمام بدقة.

 

ففي الليلة التي ذهب فيها السيد الحكيم من النجف إلى بغداد والتي لم يعد بعدها ـ للاعتراض على سياسة حزب البعث في العراق، كان الإمام يتابع الأمر باضطراب شديد، ويصّر على عدم خروج السيد من النجف؛ لأنه كان يتوقع عدم عودته بعدها. وإني أتذكر أن السيد الحكيم عندما سافر إلى بغداد للاعتراض على الحكومة أخبر جميع العشائر بسفره، فاجتمعت العشائر بسلاحها وخرجت في مظاهرات حاشدة وسط بغداد، مما أجبر الحكومة على التراجع في البداية، ثم عادت الحكومة وأغلقت جميع طرق الدخول والخروج من بغداد ونزعت سلاح العشائر، ثم أعدمت شيوخ العشائر واصطحبت السيد الحكيم تحت حراسة مشددة إلى أحد البيوت في بغداد. وبعدها دخلت العناصر الأمنية إلى غرفة السيد لتفتيشها بحجة أن ولده يعمل جاسوساً ضد الدولة، وكان هذا الأمر صعباً جداً على السيد.

 

فالإمام كان قلقاً جداً في تلك الليلة وسعى جاهداً من خلال رسائله إلى العديد من الشخصيات للحيلولة دون سفر السيد الحكيم إلى بغداد.

 

فكانت فراسة الإمام نعمة إلهية نفسرها من الناحية العرفانية، فنقول: (المؤمن ينظر بنور الله)، (مؤيد من عند الله). وسواء فسّرنا ذلك بكونه إمداداً غيبياً أو بتفسير سياسي عادي فنقول: إن من يريد قيادة ثورة أو نهضة عظيمة عليه أن يتسلح بصفات وخصائص معينة).

 

* عندما كان الإمام في طهران، كان يحرص على متابعة أخبار قم.

 

ـ ليس بالأمر البعيد؛ فمثلاً عندما كان في النجف الأشرف، كان يحضر لزيارته باستمرار عدد من الأشخاص الحقيقيين والحقوقيين، لكنه لم يلتق بشكل خاص مع أي مسؤول من الحكومة العراقية. وأتذكر أني ذهبت للقاء الإمام يوم الجمعة في كربلاء، فشاهدت عدد من السيارات الحكومية التي تحمل الأسلحة فوقها، كانت متوقفة أمام بيت الإمام، فعرفت أنهم جاءوا للقاء الإمام، فعندما دخلت البيت لم أرَ الإمام لكني رأيت الحاج الشيخ عبد العلي الأصفهاني، فلما راني قال: تفضل الإمام ينتظرك، فعندما دخلنا خرج الإمام فوراً لاستقبالنا حتى يحضر معه شخص واحد على الأقل, ليشهد على ما يقال في لقائه مع هؤلاء الأشخاص الثلاثة من حزب البعث.

 

كما حضر للقاء الإمام بعض أعضاء منظمة المنافقين ضمن وفد من اتحاد الجامعات في أمريكا وأوروبا، لكن الإمام كان يرفض اللقاءات الخاصة.

 

وعندما دخل الإمام، بدأ الأفراد الثلاثة من حزب البعث بالتملق فقالوا، الحمد لله كانت مراسم العزاء هذه السنة جيدة، وقد قامت الحكومة بتقديم التسهيلات اللازمة لها، وكانوا يتوقعون رد الإمام بأن يقول مثلاً: حسناً فعلتم، لكن الإمام فضل السكوت ولم يرد عليهم. فقالوا: لقد سرت الرطوبة إلى السرداب في مرقد أبي الفضل العباس (عليه السلام)، فقامت الحكومة بصيانته، لكن الإمام بقي ساكتاً أيضاً، فنظر رئيس الوفد إليَّ وقال ترجم له ما نقول، فأجبت: إنه يفهم كلامكم تماماً. فاستمروا بالكلام وقالوا: إن أحمد حسن البكر سمع بمرضكم، فقلق عليكم وأمر بإرسال هيئة طبية لمعالجتكم، فإذا تسمحون نتصل ببغداد الليلة لإرسال هذه الهيئة إليكم.

 

فأراد الإمام قطع كلامهم فقال: (لا ما يحتاج)، ونهض بعدها مباشرة وانصرف بدون أن يودعهم أو حتى ينظر إليهم، رغم أنه كان تحت سلطتهم. وبعد انصرافهم عاد إلينا وجلس معي لفترة يسألني عن أحوالي، ثم ودعني وانصرف.

 

إنّ البعثيين كانوا أشد قسوة حتى من عناصر نظام الشاه، وكان من الممكن أن يؤذوا الإمام لكن الله حفظه من شرهم، ورغم ذلك لم يعبأ الإمام بهم فلم يجبهم ولم ينظر إليهم.

 

لقد كان الإمام يتحلى بصفات مميزة جداً، فمثلاً عندما أقام الإمام مراسم الفاتحة على روح السيد الحكيم في مسجد الهندي في النجف الأشرف، إمتلأ المسجد والسوق والشوارع بالناس، فجاء الخبر بوصول هيئة حكومية للمشاركة في هذه المراسم. فهرع الناس من الخوف وقام جميع من كان في المسجد حتى السيد الخوئي الذي كان جالساً قرب الإمام؛ لكن الإمام لم ينهض وبقي جالساً في مكانه مطئطاً رأسه إلى الأسفل. فدخلت هذه الهيئة التي ضمت عدداً من الوزراء والمسؤولين ووقفت أمام الإمام لتقديم التعازي، لكن الإمام بقي في مكانه ولم يرفع رأسه. فهذا الموقف يحتاج إلى التأمل من الناحية السياسية وحتى العاطفية!!

 

مرّ الوفد أمام الإمام وجلسوا في المسجد، وبعد أن نهضوا لمغادرة المسجد نهض الجميع وفتحوا الطريق لهم، لكن الإمام لم يرفع رأسه أيضاً؛ إذ لم يكن يريد أن يستغل البعثيون معارضته للشاه لتحقيق مآربهم الخاصة لأنهم كانوا على خلاف مع الشاه أيضاً.

 

القضية الأخرى: إنّ الحكومة العراقية سعت إلى التقليل من احترام السيد الحكيم، فأرسلت وفداً للقاء جميع المراجع في النجف ومنهم السيد الخوئي والسيد الشاهرودي والإمام، لكنهم لم يذهبوا للقاء السيد الحكيم. وقد ألتقى بهم الإمام لكنه لم يتحدث معهم شيئاً في اللقاء، وفي اليوم التالي نشرت الصحف أن الحكومة أرسلت وفداً للقاء المراجع في النجف، الذين دعوا لسلامة أحمد حسن البكر، وكان هذا الأمر متعارفاً في جميع الدول، حتى الشاه كان يفعل ذلك في إيران.

 

لكن الإمام ما أن سمع بالخبر حتى امتعض بشدة وأرسل شخصين لمحافظ النجف ليبلغوه باللهجة العراقية أنه إذا لم تكذب جميع الصحف هذا الخبر فإني سأكذب الخبر في الصحف العالمية. فاضطر البعثيون إلى تكذيب الخبر وكتبوا في الصحف، أن اللقاء مع السيد الخميني لم يتطرق إلى الحديث عن أحمد حسن البكر، وأما بقية المراجع فلم يكذبوا الخبر.

 

* ما هي الوسائل التي كان الإمام يمتلكها لنشر مطالبه؟

 

ـ لقد كان كافياً أن يتحدث الإمام أو يرسل بياناً أو إعلاناً إلى سوريا أو إيران؛ إذ لم يكن النظام يعارض ذلك لأنه كان مخالفاً لإيران، لكننا لم نكن نعلم ماذا سيحدث. فالإمام عندما كان في العراق لم يتصدى لمعارضة النظام الحاكم بل كان يقول: إن وظيفتي هنا تختلف عن بقية المراجع، فالمرجع الأعلى هنا هو السيد الحكيم، وأنا طالب ليس لدي أي مسؤولية، ولا يهمني إلاّ: معارضة النظام في إيران، وأظن أنهم يشعروا ببداية المعارضة والنضال ضد الشاه؛ لأن الشرطي في النجف كان يتمتع بسلطة تعادل سلطة الشاه، لكن مع ذلك كان الإمام يقف بوجوههم جميعاً. فالإمام كان يتميز بصفات خاصة جداً.

 

* من هم الأفراد الذين كان الإمام ينقل عنهم أكثر من غيرهم؟

 

ـ لا أتذكر أنه كان ينقل عن شخص معين في كلامه، لكن في درسه كان ينقل كثيراً عن المرحوم النائيني.

 

* هل كان الإمام يشترك في جلسات خاصة مع العلماء الآخرين؟

 

ـ كان الحاج مصطفى صديقاً لأبن السيد البجنوردي الذي كان إمام الجماعة في شارع (گرگان)، وقد كان ذلك سبباً لأن يأتي السيد حسن البجنوردي أحياناً للقاء الإمام؛ وأما في النجف فقد ابتعد الإمام عن المسائل العاطفية والأمور الشخصية.

 

ـــــــــــــــ

 

[1] رئيس جامعة طهران سابقا, وأستاذ الحوزة العلمية وجامعة طهران.

 

[2] سورة لقمان، الآية: 24.

 

[3]  آية الله الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره).

 

[4] سورة الحجرات، الآية: 13.

 

[5] سورة النحل، الآية: 71.

 

[6] سورة النساء، الآية: 34.

 

[7] سورة الروم، الآية: 30.

 

[8] سورة النساء، الآية: 141.

 

[9] محمد حسين بن عبد الرحيم بن محمد سعيد بن عبد الرحيم النائيني النجفي، من أعلام الإمامية، وأحد كبار مراجع التقليد والفتيى (1277- 1355 هـ).

 

[10] حسين بن علي بن أحمد بن علي نقي بن جواد بن مرتضى الطباطبائي الحسني، البروجردي، نزيل قم (1292- 1380 هـ).

 

[11] سورة البقرة، الآية: 257.

 

[12] سورة الأحزاب، الآية: 6.

 

[13] سورة الأنبياء، الآية: 73.