حوار مع سماحة الشيخ أكرم بركات

 

حاوره: جومانة عبد الساتر

 

في أجواء شهر شوال المكرَّم والذي يصادف في الرابع منه بداية الغيبة الكبرى للإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) والتي حدثت في 329هـ تخص مجلة بقية الله هذا العدد بحوار ثقافي مفتوح حول جملة من الأسئلة المتعلقة بالحكومة في زمن الغيبة الكبرى وبالتحديد حول ولاية الفقيه فيها وذلك مع رئيس جمعية المعارف الإسلامية سماحة الشيخ أكرم بركات.‏

 

* بما أن المدخل الصحيح في أي بحث هو تحديد المصطلح والمفهوم الذي يشكِّل محور ذلك البحث فالسؤال الأول هو حول معنى «ولاية الفقيه»؟‏

 

ـ مصطلح الولاية كثر استعمال مادته في القرآن الكريم فالأسماء المشتقة من مادة «ولي» وردت في الكتاب العزيز 124 مرة والأفعال المشتقة منها وردت في 112 موضعاً منه.‏

 

وهذه المشتقات لمادة «ولي» وإن كانت مختلفة بحسب استعمالاتها إلا أنها ترجع إلى أصل واحد يتضمَّن معنيين:‏

 

الأول: القرب الخاص بحيث لا يكون هناك فاصل بين الشيئين، لذا حينما نقول: هذا يلي ذاك، فمعناه: أن موقع الثاني هو بعد الأول من غير فصل.‏

 

الثاني: التدبير، وحق التصرف، فحينما نقول: فلان ولي الميت «أي هو القريب منه الذي يقوم بأمر ومن غير وسيط، وفي نفس الوقت له حق التصرف وتدبير أمور الميت، فهو الذي يعيِّن غاسله ومكفنه، ومن يصلِّي عليه، وكذلك حينما نقول: الحاكم وليَّ الناس.‏

 

من هنا عرَّف العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان الولاية بأنها «نحو من القرب يوجب نوعاً من حق التصرَّف ومالكية التدبر».‏

 

هذا بالنسبة إلى معنى الولاية من النافذة اللغوية.‏

 

أما «الفقيه» فمن الواضح اشتقاق هذا الاسم من الفقه الذي يعبِّر بأساسه اللغوي عن نوع خاص من العلم وهو العلم المعمَّق المركَّ.‏

 

وقد كثر استعمال لفظ الفقه في خصوص الشريعة حتى أضحى مصطلح الفقيه دالاً على العالم الذي تعمَّق بمعرفة الشريعة فوصل من خلال اجتهاده إلى نتائج اشتهر التعبير عنها بالفتاوى.‏

 

وعليه فالفقيه هو الذي ينطلق في نتائجه من دراسته للقانون الإسلامي، وولايته على المجتمع تنطلق من هذا القانون وليس من نظرة شخصية محضة، فهي تقع في اطار مرجعية الفقه والقانون الإلهي وليس مرجعية الشخص من هنا تكون ولاية أي قريبة قرباً خاصاً لأنها تنطلق من أمر موجود في إيمان المجتمع الإسلامي، ومن هنا أيضاً يكون له حق التدبير في ذلك بما يتعلق بالربوبية التشريعية التي تعني حاكمية الشريعة الإلهية في هذه الحياة.‏

 

* بناءً على ما تفضلتم به ما هو الفرق بين نتائج الفقيه كمرجع تقليد يرجع إليه المسلمون وبين نتائج الولي الفقيه كحاكم على المجتمع الإسلامي؟‏

 

ـ يمكن التمييز بين دور الفقيه كمرجع للتقليد والفقيه كولي أمر من خلال معرفة الفرق بين الفتوى والحكم، فالفتوى هي عبارة عن النتيجة التي يصل إليها الفقيه معتمداً على الأدلة الشرعية الثابتة لديه من دون أن يكون هناك دخالة للواقع الخارجي الذي يؤثر على المجتمع والأمة، فمثلاً حينما يبحث الفقيه عن حكم الشاك بين الركعة الثالثة والرابعة من الصلاة الرباعية ويثبت عنده من خلال مراجعة الرواية المعتبرة الواردة في ذلك أنه يجب البناء على الرابعة ثم المجيء بركعة احتياط، فهذه النتيجة هي «فتوى»؛ إذ هي غير مرتبطة بواقع خارجي يؤثر على مسار المجتمع وقد تتزاحم فيه المصالح والمفاسد وهذا مغاير لما يُسمى بـ«الحكم» فهو ينطلق من نظرة الفقيه إلى الأدلة الشرعية لكن مع مرجعيته الدليلية هذه هناك إضافة وهي ملاحظة الواقع الخارجي المؤثر والذي قد يكون مرجِّحاً لنتيجة تختلف عن الفتوى، فمثلاً لو سألت فقيهاً بعنوان كونه مرجعاً للتقليد عن حكم بيع الأراضي لليهود فقد يجيب استناداً إلى الأدلة الشرعية أنه لا مانع من ذلك، إذ لا يوجد نهي تحريمي عن بيع الأراضي للكتابيين، ولكن في نفس هذا الوقت قد يحكم هذا الفقيه بعنوان كونه ولياً للأمر بحرمة بيع الأراضي لليهود في فلسطين بسبب دراسة الواقع الميداني الذي وصل من خلالها إلى أن هناك مؤامرة على المسلمين في ذلك البلد لهضم أراضيهم، حينئذٍ يصدر ما سميناه «حكما» لا «فتوى».‏

 

من هنا نعرف أن مرجع التقليد يفتي بناء على الأدلة بحيث لا يحتاج الأمر إلى دراسة خارجية للواقع الزماني والمكاني يؤثر على المجتمع بينما الولي الفقيه يحكم بناء على الأدلة لكن بحيث ينطلق أيضاً معها من دراسة الزمان والمكان بما لهما من أثر على مصالح المسلمين.‏

 

* بناء على هذا العرض يبدو أن حاجة المجتمع إلى مثل أحكام الفقيه واضحة؟‏

 

ـ نعم ومن هنا اعتبر الإمام الخميني(قدس سره) في كتابه القيِّم «الحكومة الإسلامية» أن ولاية الفقيه فكرة علمية واضحة قد لا تحتاج إلى برهان، بمعنى أنَّ من عرف الإسلام أحكاماً وعقائد يرى بداهتها.‏

 

* هل يمكن أن تشرحوا معنى بداهة فكرة ولاية الفقيه التي نقلتموها عن الإمام الخميني(قدس سره)؟‏

 

ـ الواقع أن الإمام(قدس سره) هو الذي تكفل بشرح بداهة ولاية الفقيه وذلك من خلال جملتين وقعتا في مقدمة كتابه:‏

 

الأولى: من عرف الإسلام أحكاماً يرى بداهتها.‏

 

فالإمام الخميني(قدس سره) تساءل في كتابه حول أحكام الإسلام: هل هي أحكام حكومة أم أحكام فردية؟‏

 

وعقَّب أنه من البديهي أن أحكام الإسلام هي أحكام اجتماعية حكومية، وإن كان كثير منها يطال الفرد، لكنّها جاءت لأجل المجتمع، من أجل تكوين حكومة إسلامية.‏

 

فإذا كانت أحكام الإسلام قوانين حكومة، ألا تحتاج الحكومة إلى حاكم؟‏

 

من الواضح أنّ تشريع الحكومة ليس للترف الفكري، بل للتطبيق، فلا بدّ لها من حاكم. وهنا يطرح سؤال:‏

 

ما هي صفات الحاكم؟‏

 

والجواب: بما أنّ الحاكم، يحكم باسم الإسلام، وليس بحسب رأيه وفكره؛ لهذا يرى الإمام(قدس سره) أنّه لا بدّ أن يكون الحاكم عالماً بالقانون الإسلامي؛ أي فقيهاً، إضافة إلى العدالة التي من خلالها يأمن الناس إليه، والكفاءة التي لا بدّ منها في الإدارة.‏

 

وهنا يأتي السؤال الثالث وهو: عند توافر الحاكم، العالم، الكفوء، الفقيه..، هل يجب على الأمة إطاعته إذا حكم في الأمور الاجتماعية، وأعطى حكماً عاماً؛ أي هل له حق الولاية على الأمة بحيث يجب عليها إطاعته؟‏

 

والجواب: إذا لم نسلِّم بهذا، فلا فائدة تجنى من كل ما ذكر، أما إذا سلّمنا بذلك، نصل إلى نتيجة: أنّ له ولاية على الأمة.‏

 

الجملة الثانية هي: من عرف عقائد الإسلام يرى بداهة ولاية الفقيه:‏

 

فالإمام في كلمته هذه ينطلق من مقدمة كلامية واضحة، وهي: إنّ الإسلام دين خالد، وأحكامه تستمر في كل زمان.‏

 

ولتوضيح هذا الأمر نطرح سؤالاً يتعلق بالمرجعية بعد وفاة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، فإلى من يعود الأمر بعد وفاته؟ يدور الأمر بين عنوانين: المرجعية الدينية، والمرجعية السياسية.‏

 

1 ـ المرجعية الدينية: هناك بحث عقدي، يطرح مسألة تبليغ الإسلام بشكل كامل في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله)، حيث لم تسنح الفرصة لذلك. فكان الحل الوحيد إعداد شخص له أهلية أن يكون وعاءً للسنة الشريفة والتشريع المبارك؛ فاختار الله تعالى الإمام علياً (عليه السلام)؛ ليكون مخزن الشريعة، ووعاء السنّة المطهرة.‏

 

وكما هو معلوم، فإنّ المرجعية الدينية تقتضي أن يكون الإمام ـ وهو المرجع الديني بعد النبيّ ـ معصوماً، والدليل على عصمة النبوة هو نفسه الدليل على عصمة من يتكلّف تبليغ الرسالة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله)؛ فالمرجعية الدينية تقتضي العصمة عقلاً.‏

 

2 ـ المرجعية السياسية (أو القيادة الاجتماعية): كثيراً ما نجد في المباحث الكلامية، التي تحتج على مسألة الإمامة، السؤال التالي: هل يُعقل أن يُتوفى الرسول (صلى الله عليه وآله) دون أن يعيِّن للأمة قائداً يهتم بشؤونها؟!‏

 

الإمام الخميني(قدس سره) يطرح في كتابه «الحكومة الإسلامية» سؤالاً مشابهاً:‏

 

هل يعقل أن يغيب الإمام غيبته الكبرى سنة 329هـ دون أن يترك نائباً أو خليفة أو ولياً حاكماً على المسلمين؟!‏

 

فإذا جاز عقلاً أن يترك النبي (صلى الله عليه وآله) أمته دون خليفة، جاز أن يترك الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) أمته دون نائب، فكما كان المجتمع آنذاك محتاجاً لولاية، كذلك هو يحتاجها اليوم، فلا بدّ أن يكون المنهج واحداً، وإذا اعتقدنا بوجوب وجود الولي، لا بدّ من الاعتقاد به دائماً.‏

 

وعليه فإذا كان الدليل على وجوب القيادة السياسية بعد النبي(صلى الله عليه وآله)؟ هو حاجة المجتمع إلى وليّ، من أجل تطبيق القوانين الإلهية فهذا الدليل موجود بعينه بعد غيبة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف). فهل تغيّر المجتمع بعد غيبة الإمام (عجل الله فرجه الشريف)، فلم يعد بحاجة إلى وليّ يطبق الأحكام والقوانين الإلهية؟!‏

 

من المؤكد أنّه لم يتغير، وما زال بحاجة إلى تطبيق القانون الإلهي على يد الوليّ. ومن هذه المقدمات يستدل الإمام الخميني(قدس سره) على ضرورة وجود الوليّ بدليل الإمامة، حيث يقول في كتاب البيع: «إنّ الدليل على ولاية الفقيه هو عين الدليل على الإمامة».‏

 

قد تثير هذه العبارة التعجب من أنّ الإمام يبالغ في هذا، لكن من الواضح، أنّ مقصوده لا يتعلق بالمرجعية الدينية (بالمعنى الخاص)، ولا بالمقامات المعنوية، إنّما مراده القيادة السياسية، وهذا كلام علمي ممنهج.‏

 

بعد هذا التشريح، ألا تكون مسألة ولاية الفقيه، مسألة بديهية كما عبّر عنها الإمام(قدس سره)؟‏

 

هي واضحة وبديهية، لكن لمن عرف عقائد الإسلام وأحكامه؛ لذا فهي بديهية خاصة بمن عرف ذلك، وليست بديهية عامة.‏

 

* إذا كانت ولاية الفقيه بديهية خاصة فما هو السبب في عدم وضوحها وانتشار فكرتها بين عموم الشيعة على الأقل قبل الثورة الإسلامية في إيران؟‏

 

ـ لقد طرح الإمام الخميني(قدس سره) هذه الاشكالية في كتابه الحكومة الإسلامية وبيَّن فيه أن سبب بُعد ولاية الفقيه عن الأذهان يعود لأمرين:‏

 

الأمر الأول: وضع المجتمع الإسلامي:‏

 

وتعرف من خلال مراجعة بعض حقبات تاريخ الشيعة، ولنبدأ من الحوزة العلمية في بغداد، حيث كان للشيخ المفيد دور بارز في بيان الفكر الإمامي ولا سيما مواءمته العقل، ثم جاء بعده تلميذه السيد المرتضى ثم الشيخ الطوسي. حيث حدث هجوم على بغداد، فذهب الشيخ الطوسي ـ وهو رأس الشيعة ـ إلى النجف، لاجئاً إلى حرم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعندها تأسست الحوزة العلمية في النجف الأشرف. فكيف نَصفُ حال الشيعة عندما نعلم أنّ رأسهم ذهب لاجئاً إلى النجف، وبعدها لم يكن الوضع أكثر هدوءاً وسلاماً؛ بل كانت الويلات تلاحق الشيعة في فترات مختلفة. بالتالي كيف يمكن طرح موضوع كولاية الفقيه؟! إذ كان من الصعب الحفاظ على وجود الشيعة وكيانهم، فضلاً عن الحديث عن السلطة السياسية. نعم، نجد روح ولاية الفقيه مزروعة في كثير من الكلام الفقهي لعلمائنا الأعلام.‏

 

كما نجد، في عصر الشاه إسماعيل في إيران، وعندما صار هناك دولة للشيعة، أراد الشاه تأكيد المرجعية السياسية الشرعية فرجع إلى المحقق الكركي وسأله عن رأي الشيعة في الولاية والحكومة، فوضّح له مسألة ولاية الفقيه، وعندها أصدر الشاه إسماعيل بياناً تاريخياً، أعلن فيه أنّ المحقّق الكركي هو الوليّ العام، ونائب الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، وفي فترة أخرى تم التواصل مع الشهيد الأول؛ ليذهب إلى إيران، فأرسل لهم كتابه «اللمعة الدمشقية»، وهو يقول فيه بالولاية العامة. ثم علّق الشهيد الثاني على اللمعة، مبيّناً رأيه أيضاً في ولاية الفقيه العامة.‏

 

لكن ماذا حدث لهؤلاء؟ المحقق الكركي ذهب إلى النجف ونام ولم يستيقظ، لقد كتب التاريخ أنّه مات في ظروف غامضة، والشهيد الأول قُتل ونثرت بقايا جسده بعد احراقه، أما الشهيد الثاني فقد قُتل وقطع رأسه.‏

 

نعم، كتب الفاضل النراقي كتابه القيّم «عوائد الأيام» عندما خيّم على إيران بعض الأجواء المريحة ـ نوعاً ما ـ حيث نظَّر فيه تنظيراً علمياً راقياً لولاية الفقيه العامة.‏

 

وهناك أمر لا بدّ من الالفات إليه، وهو ما حدث في ثورة العشرين (1920م)، فبعد انهيار الدولة العثمانية، وبداية الاحتلال البريطاني، سجّل التاريخ نقطة مشرِّفة للحوزة العلمية، حيث رفضت الاحتلال البريطاني، وحاربته، ثم أخمدت هذه الثورة. وقد أدّى هذا الأمر إلى تداعيات سلبية في الحوزة، نتج عنها انفصال الحوزة عن المجتمع. نعم، هناك استثناءات، لكن هذه الصورة العامة للمجتمع الإسلامي آنذاك.‏

 

بسبب هذه الظروف والحوادث، لم تحظ ولاية الفقيه بالتنظير الواضح في كتب القدماء، وإن كانت مختزنة في كلمات الفقهاء بإشارات واضحة.‏

 

الأمر الثاني: المجامع العلمية:‏

 

فبالإضافة إلى تداعيات ثورة العشرين في الحوزة العلمية، أشير إلى نقطة مهمة ترتبط بالشيخ مرتضى الأنصاري الذي ألّف كتاباً ما زال يدرّس في الحوزات بمنهج علمي وهو كتاب «المكاسب».‏

 

يذكر في كتابه هذا، مسألة ولاية الفقيه، يقول: (إنّ إثبات عموم ولاية الفقيه إلاّ ما خرج بدليل دونه خرط القتاد). والقتاد نبات شوكي، ومعنى كلامه: إنّ خرط النبات الشوكي أسهل من البحث في ولاية الفقيه، فكيف سيكون الجو النفسي لطالب العلم عندما يقرأ هذه العبارة؟ من الطبيعي أنّ هذا الأمر سيجعل حاجزاً نفسياً لديه أمام ولاية الفقيه.‏

 

جرى البحث في هذا الموضوع، فتبيّن أنّ الشيخ الأنصاري تحدّث في كتبه الأخرى غير «المكاسب» بطريقة أخرى، مثلاً: كتاب «القضاء والشهادات» الذي يتحدث فيه عن الولاية العامة بشكل واضح جداً، وأنّ ولاية الفقهاء مستمرة بالولاية العامة في كل زمن وبنص تعبيره: «الفقهاء المنصوبون منه بالتولية العامة».‏

 

هذا رأي الشيخ الأنصاري في ولاية الفقيه، وإن كان طريق الاستدلال الذي سلكه في المكاسب سبّب بُعداً عن ولاية الفقيه. من هنا، نفهم مقصد الإمام الخميني(قدس سره) من قوله: إنّ وضع المجتمع ومجامعنا العلمية على وجه التحديد، أبعدها عن الأذهان.‏

 

وبهذا يتبيّن السبب الثاني الذي ذكره الإمام(قدس سره)، وهو القراءة المجتزأة لموضوع ولاية الفقيه في المجاميع العلمية.‏

 

* هل من كلمة أخيرة؟‏

 

ـ لقد عملَ الإمام الخميني(قدس سره) على تحويل الارتباط بولاية الفقيه إلى تربية اجتماعية، بواسطة بيان الدليل العقلي القطعي الواضح على ولاية الفقيه للجيل الناشئ الواعي الملتفت، حينها سيتعلق المجتمع بولاية الفقيه، بالدليل العقلي القطعي وليس عبر مرجع التقليد، فكما أدّى به العقل إلى التقليد، سيؤدي به العقل أيضاً إلى تولي الفقيه.‏

 

فعندما نقلّد، ما هو دليلنا على التقليد؟ هل يستدل عامة الناس بالآية القرآنية؟ أو بالرواية؟ وهل هم مؤهلون لتفسير الآيات ولمعرفة سند الروايات وكيفية دلالتها؟!‏

 

وفي الوقت نفسه، لا يستطيعون الاستدلال على التقليد بالتقليد، فيأخذون برأي من يقول بوجوب التقليد في وجوب التقليد، فهذا من باب الاستدلال بالشيء على نفسه وهو خطأ علميّ، فما هو الدليل على التقليد؟! الدليل على التقليد دليلٌ عقلي؛ وهو رجوع غير المتخصص إلى المتخصص، رجوع الجاهل إلى العالم.‏

 

على المستوى التربوي عندما يصل أولادنا إلى سن التكليف، أول ما يُسأل المكلف، من تقلِّد؟ لأنّ التقليد أصبح تربية اجتماعية بحيث ينشأ الفتى والفتاة على التقليد، فالمجتمع الإسلامي تربَّى على التقليد، ولم يتربَّ على ولاية الفقيه؛ نتيجة الظروف التي مرّ بها، رغم أنّ كليهما دليله عقلي.‏

 

فإذا استطعنا أن ننشر ولاية الفقيه بهذا الدليل العقلي الواضح، ستصبح تربية اجتماعية. لكن للأسف، إنّ هذا الموضوع ليس حاضراً في المجتمع بهذه الصورة، وما زلنا بحاجة إلى الحديث المسهب عنه، علّنا نحقق ما كان يرنو إليه الإمام الخميني(قدس سره).‏