في أول حوار شامل للرئيس الإيراني مع صحافي عربي بعد الانتخابات قال أحمدي نجاد إن (إسرائيل) لن تهزم إلا بالتعاون بين مصر وإيران، وشدد على أن الضغوط الغربية التي حرصت على إثارة الفتنة بين إيران وجيرانها في الخليج، مورست أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة. لكي تنتقل الفتنة إلى الداخل. واستخدمت في ذلك أساليب أعلن عن بعضها، وسيتم الكشف عن البعض الآخر في وقت لاحق.

 

التقيته في مكتبه الذي يبدأ العمل به في السادسة من صباح كل يوم. ولاحظت أمرين، أولهما أنه كان يرتدي ذات الحلة الرمادية التي كان يرتديها حين قابلته منذ ستة أشهر، وثانيهما أن الشعرات البيضاء تضاعفت في لحيته عما كانت عليه في اللقاء السابق. نقلت إليه الملاحظة الثانية فكان رده أن ذلك حال الدنيا. وحين سألته عما إذا كان لذلك علاقة بتجربة الانتخابات الأخيرة، قال إنه رغم الضجيج الكبير الذي حدث في تلك الفترة، فإن الشغل حينها لم يكن أكثر ولا أثقل منه في الأيام العادية. سألت: كيف خرج من الانتخابات؟ فرد بسرعة قائلا: إنه يشعر الآن أنه أصبح أقوى من ذي قبل، ليس فقط لأنه حاز 29 مليون صوت، ولكن أيضا لأن الإيرانيين حسموا اختيارهم الحقيقي، وكان انحيازهم واضحاً إلى خط الثورة ومبادئها.

 

* قلت: هل توافق على أنك حين خرجت قوياً ومنتصراً فإن الجمهورية الإسلامية خرجت وقد جرحت صفحتها وانشقت صفوفها؟

 

- قال: هذا كلام غير دقيق: لأن كل ما حدث في المرة الأخيرة وقع من قبل. فالخلافات بين الأشخاص والمواقف وحتى حول قضية فلسطين ودعم المقاومة، كان لها نظيرها في كل انتخابات رئاسية سابقة. ولكن أساليب المتنافسين اختلفت هذه المرة، بحيث أراد بعضهم أن يضغط من خلال النـزول إلى الشارع. وفي الوقت ذاته فإن الإعلام ووسائل الاتصال الأخرى مارست دوراً شريراً في تعبئة وتحريض الناس في الداخل وتضليل المتابعين في الخارج.

 

التدخلات الأجنبية

 

* قلت: تحدثت عن تدخلات أجنبية في ما حدث بعد إعلان النتائج، ما طبيعة تلك التدخلات؟ ثم إنها إذا كانت قد حدثت وحققت بعض أهدافها. ألا يعنى ذلك أن الوضع الداخلي قابل للاختراق والناس مستعدة للتجاوب مع الاختراق؟

 

- قال: التدخلات الأجنبية أمر مقطوع به. فبعض الدول الغربية مثل إنجلترا وفرنسا، استنفرت لدفع الأمور إلى ما هو أبعد من خلال التصريحات الرسمية وتكثيف الحملات الإعلامية. وما فعلته الـ (بي . بي . سي) يشهد بذلك. ثم إن بعض السفارات في طهران أعلنت عن استعدادها لاستقبال جرحى الاشتباكات «إيطاليا مثلا» وكان ذلك أمراً غريباً، والواقع أنها لم تكن وحيدة. ولكن هناك سفارتين أخريين لم يعلن عنهما انحازتا إلى الموقف نفسه. في الوقت الذي ضبطنا فيه موظفي بعض السفارات وهم يحاولون تأجيج المظاهرات وسجلنا اتصالاتهم مع بعض العناصر. وهذا ملف لم يكشف النقاب عنه تماماً، على الرغم من إعلان بعض معلوماته، لكن الوقت لم يكن مناسباً لكشف النقاب عن حقيقة وطبيعة التدخلات التي تمت، وهو ما سيتم الإعلان عنه في وقت لاحق. ولست أوافق على قابلية الوضع الداخلي للاختراق، لأننا بصدد بلد يزيد سكانه على سبعين مليوناً ويضم كل الأطياف . وإذا كانت هناك قلة مستعدة للاختراق، فإن أضعافهم صمدوا وظلوا على ولائهم لمبادئ وقيم الثورة الإسلامية.

 

* سألته: بماذا تفسر أن الفقراء صوتوا لصالحك، في حين أن النخب والمثقفين صوتوا لمنافسك «مير موسوي»؟

 

- قال: هذا التصور ليس دقيقا، لأن الذين صوّتوا لي كانوا من مختلف الشرائح الاجتماعية، فقد حصلت على 29 مليون صوت، في حين أن المحرومين في البلد ليس لديهم أكثر من 12 مليون صوت فقط. وإذا افترضنا جدلاً أنهم جميعا صوتوا لي، فمعنى ذلك أن هناك 17 مليون شخص من الفئات الأخرى صوّتوا لصالحي.

 

* قلت إن الـ12 مليون صوت هي الفرق بينك وبين المنافس الأول «مير موسوي»، وهذا ما يؤيد ما قلته في السؤال.

 

- قال: لا أنكر أن المحرومين والفقراء في البلد الذين كانوا محل اهتمامي طوال السنوات الأربع الماضية صوّتوا لي، لكن ما أردت قوله إن النخب والمثقفين والشرائح الاجتماعية الأخرى صوتوا لي أيضا.

 

أضاف: لقد راهن البعض على طلاب الجامعات الذين يشكلون عنصر ضغط وقوة مؤثرة في الحياة السياسية (عددهم 5 .3 مليون). وتصور هؤلاء أنه ما إن يبدأ العام الدراسي حتى تتجدد المظاهرات ويخرج الطلاب إلى الشوارع ليجددوا الاضطرابات والفوضى. ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث، الأمر الذي يعني أن هناك أوهاماً كثيرة يجري تسويقها عبر وسائل الإعلام، لكنها لا أصل لها.

 

* سألته: ما الذي تعلمته من تجربة الانتخابات؟

 

- قال: تعلمت أننا يجب أن نعمل أكثر لخدمة الناس، الذين تتجدد احتياجاتهم ولا نهاية لمتطلباتهم. وتعلمت أننا يجب أن نفتح أعيننا جيداً على ممارسات أعدائنا، لأنهم يملكون من حيل وأساليب التأثير، ما لا يخطر على بالنا. كما تعلمت أن الناس لا يمكن خداعهم بسهولة، وأن بعضهم قد يتأثرون بالحملات والضغوط لكن سرعان ما يستردون وعيهم وينحازون إلى الاختيار الصحيح في نهاية المطاف.

 

لا فرق بين الرجال والنساء

 

* قلت: هل هناك رسالة أردت أن تبعث بها حين رشحت ثلاث سيدات للاشتراك في الحكومة؟

 

- قال: لقد حاولت أن أضع معياراً مجرداً لاختيار أعضاء الحكومة. وكنت وما زلت مقتنعاً بأن السيدات الثلاث من الكوادر المناسبة تماما للوزارات التي رشحن لها. ولم أكن منشغلا بكونهن من الإناث، لأن عنصر الكفاءة كان الحاسم عندي. ولكن مجلس الشورى كان له رأي آخر. فلم يقتنع باثنتين وأجاز الوزيرة الثالثة (الدكتورة وحيدة دستجردي وزيرة الصحة متخصصة في أمراض النساء).

 

* قلت: بعد تعيين وزيرات لأول مرة، على الرغم من اعتراض بعض المراجع في (قم)، سمعت أن هناك اتجاهاً لتعيين نساء في منصب محافظ الإقليم.

 

- قال: لم لا، فمادامت الكفاءة هي المعيار، فينبغي ألا نفرق بين الرجال والنساء في مختلف مناصب الدولة.

 

* قلت: هل فكرت في ضم بعض عناصر الإصلاحيين إلى الحكومة؟

 

- قال: أولا هم خسروا ولم يفوزوا فلماذا نشركهم في الوزارة؟ وهم ممثلون في مجلس الشورى ويشاركون من خلاله، وثانياً يجب أن تعلم أننا جميعاً إصلاحيون بالمفهوم الحقيقي للكلمة. وسجلنا خلال السنوات الأربع الماضية يشهد بذلك. والفرق بيننا وبينهم أننا نعمل طول الوقت وهم يتكلمون طول الوقت.

 

ملف الانتخابات انتهى

 

* هل تعتبر أن ملف الانتخابات أغلق؟

 

- بالنسبة لي هذا الموضوع انتهى وصفحته طويت. وعندي من مشاغل المستقبل ما لا يسمح لي بالنظر إلى الوراء.

 

* كم عدد المعتقلين الذين قدموا إلى المحاكمة؟

 

- لست متابعاً لهذا الموضوع، لأنه برمته بين أيدي القضاء.

 

* سمعت شكاوى كثيرة من الغلاء الذي أرهق الطبقات الفقيرة.

 

- أدري أن الأسعار زادت حقا لكن دخول الناس تضاعفت أيضا.

 

* نشرت الصحف أنكم قدمتم مشروعاً لإعادة النظر في دعم السلع؟

 

- مجلس الشورى وافق على سياسية الإصلاح الاقتصادي التي قدمناها، حيث أيدها 188عضواً وعارضها 45 فقط. وبمقتضى هذه السياسة التي تتحرى العدل قدر الإمكان فإننا نتجه إلى إلغاء دعم السلع الأساسية بالنسبة للجميع، وتقديم الدعم نقداً إلى الفقراء، في الوقت الذي نوسع من دائرة التأمينات ونرفع من قيمة المعاشات، بحيث يظل الدعم موجهاً إلى من يستحقه، في الوقت ذاته فإننا نتجه إلى تقليل الاعتماد على النفط، بالحد من استهلاكه وتشجيع الصناعات الأخرى.

 

* إلى أي مدى تأثرت إيران بالأزمة الاقتصادية العالمية؟

 

- التأثر ضعيف لسبب أساسي هو أن اعتمادنا على الخارج محدود نتيجة الحصار المفروض، واهتمامنا شديد بالتنمية الذاتية، ولا تنس أن إيران تحتل المرتبة الـ17 من حيث النمو الاقتصادي على مستوى العالم. فمصانع السيارات في العالم تواجه تراجعاً في مبيعاتها، في حين أنها لم تتأثر عندنا، كما أن إنتاجنا من الفولاذ والألمنيوم والنحاس في تزايد.

 

* هل توافق على أن الإيرانيين شعب مستهلك أكثر من كونه منتجاً؟

 

- هذا صحيح، وكون إيران بلداً منتجاً للنفط فالطاقة فيه رخيصة، والمجتمع يدرك أن النفط يغطيه دائماً، ولذلك فإنه يتخلى عن الحذر في الاستهلاك، في الوقت ذاته فإن مجتمعنا تضغط عليه التطلعات الاقتصادية الحياتية بشدة، وللعلم فإن 75% من الإيرانيين يعيشون في بيوت يمتلكونها، بينما 25% فقط مستأجرون.

 

سألته عن رأيه في تهديدات رئيس وزراء فرنسا الذي لوح مؤخراً بتشديد العقوبات على إيران، فقال إن الحكومة الفرنسية تتخبط ولا تدري ماذا تريد أن تفعل، ولغة التهديدات هذه عفا عليها الزمن ولم تعد تجدي، ونحن ملاحقون بالمقاطعة تارة وبالتهديدات تارة أخرى منذ ثلاثين عاماً، وفي ظل هذه الضغوط فإن إيران كبرت وأصبحت قوة إقليمية يعمل الجميع لها حساباً.

 

قلت إن ثمة لغطاً حول تخصيب إيران لليورانيوم، وكلاماً عن شرائه مخصباً من الخارج. فقال إن اليورانيوم أنواع ودرجات. وتقنيات التخصيب متوافرة لدى العلماء الإيرانيين، وفي الوقت الراهن فقد أصبح بمقدورنا التخصيب بنسبة 5 .3% لاستخدامات الطاقة، لكن التخصيب الذي نحتاجه لإنتاج الأدوية تصل نسبته إلى 20%، وهو ما نستطيع أن نحصل عليه بقدرات علمائنا. لكننا قبلنا أن نتعاون مع أي دولة أخرى لإنتاجه، حتى نطمئن المجتمع الدولي، ولدينا عروض من دول عدة للتعاون المشترك في ذلك . وهذا أمر سنقرره خلال الأسبوع المقبل.

 

المخابرات الأمريكية وراء الاختطاف

 

سألته عن صحة اختفاء 4 علماء إيرانيين، أحدثهم شهرام أميري الذي لم يظهر منذ أدى العمرة في السعودية، وعن صلته بالمفاعل الذي أعلن عنه مؤخرا بالقرب من مدينة قم. في رده قال إن الذين اختفوا خطفتهم المخابرات الأمريكية، ولدى إيران معلومات محددة في هذا الصدد، وليس لشهرام أميري أية علاقة بمنشأة قم.

 

سألته عن مضمون اقتراحه المطالبة بإشراك إيران في إدارة العالم، فقال إن هذه الفكرة وردت ضمن حزمة الاقتراحات التي قدمتها إيران مؤخراً إلى اجتماعات دول 5 + واحد. وهي تنطلق من مبدأ رفض تحكم عدد محدود من الدول في مصير العالم والمؤسسات الدولية منذ الحرب العالمية الثانية في منتصف القرن الماضي، في حين أن العالم تغير تماماً خلال تلك الفترة. وقد آن الأوان أن تكون المنظمات الدولية تعبيراً أميناً وصادقاً عن حقائق الجغرافيا السياسية في العالم. ولذلك تطالب إيران بأن يكون لها حضور في تلك المنظمات، بحجم حضورها في الواقع السياسي.

 

* قلت: ما دام لدى إيران هذا الطموح الذي يراود تركيا أيضا، فلماذا لا تحذو حذو أنقرة وتتجه إلى مصالحة جيرانها أولا، وهو الإنجاز الكبير الذي نجحت فيه تركيا، حتى تصالحت مع أرمينيا على الرغم مما بين البلدين من ثارات ومرارات تاريخية.

 

- سألني: ماذا تعني؟

 

* قلت: إن دول الخليج تستشعر خوفاً وقلقاً من أنشطة إيران العسكرية وبرنامجها النووي.

 

- قال: أولا: لا تقارنا بعلاقات تركيا وأرمينيا، لأن بين الطرفين خلافات تاريخية دموية وهذا ليس موجوداً في تاريخ علاقاتنا بدول الخليج. ثانيا: لأن أعداءنا في الغرب حريصون على التباعد والوقيعة بيننا، وبعض المسؤولين الذين يزوروننا من دول الخليج ينقلون إلينا هذا الكلام . ثالثاً: لأن أيدينا ممدودة لدول الخليج، ونتبادل الزيارات مع بعضها. ولدى البعض الآخر دعوات لزيارتنا. فقد زرت السعودية وقطر 4 مرات، وزارنا نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وسلطان عمان. وهؤلاء يعرفون جيداً أن مقولة (الخطر) لا أصل لها وأنها دسيسة غربية.

 

قلت أخيراً: في طهران لغط كثير حول تربع أولاد الأكابر، واسمح لي أن أسأل: أين يعمل أبناؤك. قال لدي ثلاثة أولاد؛ الأول مهندس معماري، والثاني مهندس ميكانيكي، وهما موظفان وليس لأي منهما نشاط، والثالث يوشك على التخرج ليكون مهندساً متخصصاً في الاتصالات. ولعلمك فأمهم مهندسة أيضا، ولذلك لك أن تقول إننا أسرة مهندسين بالكامل.

 

قبل أن أغادر ألقى عليّ سؤالين؛ الأول عن أوضاع العالم العربي والإسلامي، والثاني عما يحدث في فلسطين. وبعد أن سمع إجابتي قال إن أشياء كثيرة يمكن أن تتحقق للعرب والمسلمين إذا تعاونت في ذلك مصر وإيران، وبوجه أخص فإن التوافق بين البلدين من شأنه أن يلحق الهزيمة بـ (إسرائيل)، بما يضع المنطقة كلها على أبواب عصر جديد يسوده الاستقرار وتتحقق في ظله أحلام التقدم. ثم أزاح سترته ووضع يده على قميصه وقال: هذا الكلام أقوله من قلبي. وأرجو أن تنقله على لساني.