أجرى الحوار: علاء رضائي

 

* الضيوف:

 

* سماحة العلّامة السيد عبد الله فاطمي نيا باحث وأستاذ في الحوزة العلمية.

 

* من القاهرة الباحث والأكاديمي فضيلة الدكتور علاء الدين ماضي أبو العزائم.

 

* من النجف الأشرف سماحة السيد جاسم الجزائري الباحث الإسلامي.

 

المحاور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذا الحوار نسلط فيه الضوء على شخصية الإمام الخميني رحمة الله عليه بمناسبة الرابع من حزيران يونيو يوم رحيله، وموضوع هذا الحوار سيكون حول: العرفان عند الإمام الخميني.

 

لم يكن الإمام الخميني فقيها وقائدا سياسيا فقط، بل شخصية عرفانية تمتد بجذورها إلى تاريخ ممتد عند المسلمين في معرفة الله الذي هو أساس العرفان، في هذا الحوار معي سماحة العلّامة السيد عبد الله فاطمي نيا أستاذ الأخلاق والعرفان، أهلا ومرحبا بك سماحة السيد، ومعنا أيضا من مدينة النجف الأشرف سماحة السيد جاسم الجزائري الباحث الإسلامي، أرحب بك سماحة السيد الجزائري أيضا، ومن القاهرة معنا الباحث والأكاديمي وشيخ الطريقة العزمية الدكتور علاء الدين ماضي أبو العزائم، أهلا ومرحبا بفضيلة الشيخ أبو العزائم.

 

سماحة السيد فاطمي نيا، يعني بداية قبل أن نلج في صلب الموضوع لربما هناك خلط بين العرفان والتصوف، كثيرون ولربما منهم يعني عززوا هذه الفكرة المستشرقين من خلال كتاباتهم في هذا المجال بين التصوف والعرفان، بداية ما هو الفرق بين التصوف والعرفان؟

 

سماحة العلّامة السيد عبد الله فاطمي نيا: يعني جدا إشارة لطيفة أشرتم إليها. بسم الله الرحمن الرحيم، كما أشرتم أن كثيرا من الناس يتوهمون أن التصوف والعرفان كلمتان مترادفتان؛ وهذا خطأ. العرفان هو معرفة الله سبحانه وتعالى وهو بحث كبير وبحث عظيم، والتصوف يعني يبحث فيه عن معرفة الله سبحانه ولكن مع قيود اُخر ومع أبحاث يعني تقريبا تخرج عن موضوع العرفان وهذا يطلب مجالا واسعا.

 

المحاور: يمكن أن نقول أن العرفان مسألة فكرية، نظرية، تتعلق بذات الباري عز وجل، والتصوف بعض الطرق السلوكية التي تتعلق بالمعرفة؟

 

العلّامة السيد عبد الله فاطمي نيا: يعني في جوابكم أقول برخصتكم، العرفان ينقسم إلى قسمين: العرفان النظري، والعرفان العملي، الكثير من الناس يظنون أن بين العرفانين تلازم يعني ملازمة يعني كل من يعرف العرفان النظري يعرف العملي وبالعكس؛ وهذا أيضا خطأ. نحن رأينا اختصاصيا في العرفان النظري وفي نفس الوقت حظه من العرفان العملي قليل، وأيضا رأينا اختصاصيا في العرفان العملي ولم يدرس يعني حتى صفحة واحدة في العرفان النظري، يعني لا تلازم بينهما، يعني بالنتيجة العرفان النظري فيه يبحث عن صفات الله سبحانه وتعالى جلاله وجماله وكل ما إلى ذلك، وفي العرفان العملي يعني الطرق السلوكية، ولكن الصوفية يقولون هذه الطرق عندنا وكل يدعي وصلا بليلى.

 

المحاور: إذن هل الممارسات هي ما تميز التصوف عن العرفان العملي؟

 

العلّامة السيد عبد الله فاطمي نيا: نعم، يعني في العرفان العملي أصل العرفان العملي يعني يبدأ من العبودية والخضوع عند الله سبحانه وتعالى، والتصوف أيضا هكذا ولكن مع قيود اُخر، يعني في التصوف مثلا يبحث عن مسألة الخرقة، عن مسألة البيعة وكثير من المسائل الآن لا أريد أن أطرحها.

 

المحاور: طيب نعود إلى أصل الموضوع الذي عنوناه يعني العرفان عند الإمام الخميني، هل هناك علاقة معينة بين العرفان والسياسة لكي يتحول فقيه عارف إلى رجل سياسي؟

 

العلّامة السيد عبد الله فاطمي نيا: أحسنتم. الإمام الخميني رضوان الله عليه ما كان رجلا سياسيا والصحيح أن نقول انه كان يعرف السياسة، يعني الآن نفسر السياسية بأي تفسير؟ يعني إذا فسرناه بالسياسة المصطلحة وإذا فسرناه بالسياسة التي تنبعث عن الديانة على تعبير الإمام الخميني رضوان الله عليه، إذا فسرنا السياسة بالتي تنبعث عن الديانة نعم فالإمام الخميني كان سياسيا، وإذا فسرنا السياسة بالمصطلح يعني العياذ بالله السياسة المصطلحة المكر والخديعة والحرب وما إلى ذلك الحق أن نقول أن الإمام رضوان الله عليه ما كان سياسيا ولكنه كان يعرف السياسة، يعني إذا فسرنا السياسة بالسياسة الصحيحة نعم يمكن ان نتصور علاقة بينه وبين العرفان، وإذا فسرنا السياسة بالسياسة المصطلحة فلا علاقة بينه وبين العرفان.

 

المحاور: إذن هناك بالأساس تعريفان للسياسة هناك تعريف قديم ما ورد عن الفلاسفة والحكماء المسلمين بأنها تدبير المدن وإدارة شؤون الرعية، وهناك التعريف العصري للسياسة وهي إدارة القوة أو امتلاك القوة في إدارة المجتمع. بالتأكيد إذا عدنا إلى المفهوم القديم في تدبير المدن أو تدبير الدولة أو تدبير شؤون الرعية فنشاهد نوع من الاتصال ما بين العرفان سواء كان النظري أو العملي مع السياسة، لكن حتى في اصطلاحه الجديد يعني الإمام الخميني كان زعيم دولة عصرية دولة حديثة حتى في إدارة القوة ألا يمكن أن نعتبر الإمام الخميني أيضا رجل سياسي؟

 

العلّامة السيد عبد الله فاطمي نيا: يعني يمكن أن نقول أن الإمام رضوان الله عليه كان سياسيا بالمعنى الصحيح الذي الآن ذكرتموه، يعني الآن السياسة تحولت إلى أمور اُخر، أنا أقول أعيد كلمتي إذا فسرنا السياسة بالفكر الصحيح وبالفكر الذي ذكرتموه نعم فالإمام كان سياسيا، وإذا فسرنا السياسة بالسياسة اليوم ما كان سياسيا.

 

المحاور: أعزائي انتقل إلى مصر إلى القاهرة فضيلة الدكتور علاء الدين ماضي أبو العزائم الباحث والأكاديمي وشيخ الطريقة العزمية، فضيلة الدكتور يعني هناك فصل ما بين العرفان وما بين التصوف، هل لك أنت مثل هذه النظرة في هذا المجال وما الفرق ما بين العرفان والتصوف أساسا؟

 

الدكتور علاء الدين ماضي أبو العزائم: في نظري أنا شخصيا إن العرفان هو التصوف، إنما بعض المتصوفة للأسف الشديد يعني هجروا العرفان وهجروا بالتالي التصوف ومازالوا يدّعون أنهم صوفية، إنما الذين مع العرفان هو التصوف هو لا فرق بينهما.

 

المحاور: طيب فضيلة الشيخ عندما نقرأ كتب التصوف نجد فيها بعض المصطلحات التي لا نجدها مثلا عند أهل العرفان، الخلسة والخرقة والسماع والرقص وما شابه ذلك هل هذه نجدها أيضا عند أهل العرفان؟

 

الدكتور علاء الدين ماضي أبو العزائم: لا، إنما هي الاجتهاد ما كان من أئمة التصوف، كان من تلاميذهم ولهم أن يخطئوا ولهم أن يصيبوا.

 

المحاور: إذن هذه قضايا مستجدة على التصوف.

 

الدكتور علاء الدين ماضي أبو العزائم: مستجدة على التصوف، نعم.

 

المحاور: طيب أعود إليك في سياق الحلقة الدكتور علاء الدين أبو العزائم، انتقل إلى النجف الأشرف لسماحة السيد جاسم الجزائري، سماحة السيد هل يمكن أن نتحدث عن عرفان سياسي أو اجتماعي؟

 

السيد جاسم الجزائري: بسم الله الرحمن الرحيم. طبعا بالبدء أحييك وأحيي ضيوفك الكرام وأود في هذه المناسبة أن أتقدم بالتعازي الحارة بمناسبة ذكرى وفاة السيد الإمام الخميني قدس الله روحه الزكية، وقبل أن أدخل في هذا المجال أقول أنه نعم إن هناك فرق بين التصوف وبين العرفان، التصوف عندما يطلق اليوم يراد به كل التركة الماضوية التي تحمل من مصطلحات خاصة وتحمل من ارث معيّن حتى بات عندما يطلق كلمة التصوف تأتي إلى الذهن تلك الحالة التي يمر بها ذلك الإنسان من أذكار خاصة مصحوبة بضرب الدفوف وغير ذلك من الأمور وأعتقد أخذ زاوية ومنحى معيّن حتى أصبح مدرسة بحد ذاتها توجد هنا في شرق الأرض وفي غرب الأرض، ولكن العرفان في حقيقة الأمر في مدرسة أهل البيت تجذّر بشكل أكثر واعتمد في خطواته على نصوص، كم هائل من النصوص الواردة عن أئمة أهل البيت خصوصا في الوصايا التي وردت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام كوصية الإمام الصادق عليه السلام بعنوان البصري مثلا، كخطبة المتقين لأمير المؤمنين عليه السلام، بخطبة معروفة بهمام مثلا، كالصفات أو الخطب أو الوصايا الموروثة عن الإمام الكاظم عليه السلام في حادثة ذلك الشخص بشر الحافي وغير ذلك من الأمور فإذن هو يعتمد العرفان الشيعي بالذات على نصوص، هو غير منقطع الجذور عن النصوص وفهم لروايات أهل البيت عليهم السلام، والميزة المهمة للعرفان هو أن العبادة ترتبط بالمعرفة وأن الإنسان كلما تعرف على جوانب كثيرة من الأبعاد الربانية وتخلّق بالأخلاق الربانية يصل إلى مرحلة عالية جدا من الوعي والإدراك والفهم لمحيطه، وحقيقة الأمر هذا ما تجذّر في شخصية السيد الإمام الخميني إذا ما بدأنا نتسلسل في بدء حياته نجد انه في بدء حياته كان مستغرقا في ذات الله عز وجل متأملا وهذا حاله حال كثير من العارفين في مدرسة أهل البيت عليهم السلام وصولا إلى مرحلة عملية التخلق بأخلاق الله عز وجل ثم النزول إلى الواقع الاجتماعي حتى يكون داعي بعمله وليس داعي بلسانه أو بذكره وقد تجلت ذلك في شخصيته الفذة التي وصل إلى مرحلة أنه استطاع أن يُنزل كثير من المصطلحات التي مازالت عبارة عن طلاسم استطاع أن ينزلها إلى الواقع الاجتماعي حتى استفادت منه أمة بأكملها واستطاع أن يخلق عرفانا نستطيع أن نقول عنه أنه عرفان اجتماعي من خلال دعواته الكثيرة وتأكيده على قراءة الأدعية بشكل جماعي وعلى عملية إبراز الصفات الإلهية وتجذرها في وسط المجتمع وصولا إلى مجتمع إسلامي يستطيع أن يتحدى الصعاب وأن يقف بمواجهة الأعداء وهذا ما تجلى في تلك السنوات العجاف الصعبة التي مرت على الجمهورية في ظل قيادته، واستطاع ذلك الشعب بما يمتلك من تلك القيادة وبما أنزلت من تلك المفاهيم التي كان يؤمن بها وتجلت وتجسدت في إرادة ذلك الشعب حتى استطاع أن ينهض وينتصر في واقعة معروفة للجميع.

 

المحاور: أعود إليك سماحة السيد فاطمي نيا، يعني أشار إشارة حقيقة لربما يتوقف عندها المرء، هل هناك عرفان شيعي وعرفان سني، مثلا نجد الإمام الخميني يتحدث كثيرا عن الشيخ الأكبر ابن عربي، هل كان ابن عربي شيعيا أم سنيا، وما علاقة التشيّع والتسنن في قضية معرفة الباري عز وجل علما أن المتصوفة حتى عند إخواننا أهل السنّة ينسبون أنفسهم بسلاسل متوالية إلى الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام، فهل من مذهبية في مسألة العرفان؟

 

العلّامة السيد عبد الله فاطمي نيا: وأما قضية الشيخ الأكبر يعني اختلاف في أنه شيعي أو سني وهذا الاختلاف يعني لا زال باقيا بين العلماء، ولكن الحق أن نقول في العرفان النظري يعني العرفان النظري هو فن لا شيعة ولا سنّة فيه، يعني حقائق ثابتة، ونحن إذا قرأنا مطالب الشيخ الأكبر أو من يشاكله فنحن يعني نذكر هذه الآية الكريمة { يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } لأن العرفاء أو الفلاسفة ليسوا بمعصومين يعني قد أصابوا وقد أخطأوا، فالشيخ الأكبر له مطالب عالية في العرفان النظري، يعني أنا كثيرا اشتغلت في كتاب الفتوحات المكية وكتبت عن أشياء يعني بعض المطالب عالية وبعض المطالب يعني يجب فيه التأمل صحيح أم غير صحيح، ولكن السيد الإمام رضوان الله عليه قد يذكر من الشيخ ابن العربي مطالب يعني على نمط { يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } لا أنه يستغرق في كلامه.

 

المحاور: لكن يصفه بالشيخ الأكبر يعني أنه نوع من المريد والمراد في هذه القضية قد يوحي هذا الأمر سماحة السيد.

 

العلّامة السيد عبد الله فاطمي نيا: يعني في كتب الإمام رضوان الله عليه أنا قرأت تقريبا كتب الإمام الخميني، يعني الشيخ الأكبر في إطلاقه هو تعظيم مثلا لشخصه أو فكره يعني لا أظن أنه كان مريدا مثلا، هكذا أظن.

 

المحاور: أعود إلى الدكتور أبو العزائم، يعني أشرت ربما إلى أن التصوف هو نفسه العرفان لكن الأمور التي دخلت إلى التصوف من خلال بعض الأتباع حولته إلى طريقة مستقلة أو مجموعة طرق مستقلة عن العرفان، ما علاقة يعني الربط بين أكثر الطرق الصوفية على الأقل لديكم في مصر أو في تركيا، في إيران، في شمال العراق وفي وسط العراق هناك ربط بين قادة هذه الطرق وزعمائها وبين الإمام علي يعني كلهم يوصلون أنفسهم إلى الإمام علي بن أبي طالب، ما قضية هذا الاتصال في حين أننا لا نجد هذه الطرق عند الشيعة.

 

الدكتور علاء الدين ماضي أبو العزائم: بسم الله الرحمن الرحيم. الواقع أن الطرق الصوفية الذي وضع مناهجها هم أئمة آل البيت، فمثلا سيدنا عبد القادر الكيلاني من آل البيت، السيد أحمد البدوي من آل البيت، السيد إبراهيم الدسوقي من آل البيت، السيد أبو الحسن الشاذلي من آل البيت، كل الذين وضعوا أسس التصوف من آل البيت وكلهم ينتسبون نسبا وشرفا للإمام علي عليه سلام الله، فطبعا يبقى ما في فرق بين العرفان وبين التصوف لأنه كله مأخوذ من فكر آل البيت، ما هو خاص بالشيعة فقط ولا لأهل السنّة فقط والدليل على ذلك الإمام الخميني كان يأخذ من ابن العربي، وهذا شيء يعني نحن نعتز به الإمام الخميني كان يقدر هذا الرجل. 

 

المحاور: بالطبع الكثير من علماء مدرسة أهل البيت عليهم السلام ينظرون بأفق واسع إلى هذه المعارف والعلوم كما تفضل سماحة السيد فاطمي نيا في تعاملهم وليست هناك أساسا طائفية، بالعكس يعني دكتور أبو العزائم البعض يتهم الشيعة بأن التصوف هو مدخل الشيعة إلى العالم السني هل يصح مثل هذا القول؟

 

الدكتور علاء الدين ماضي أبو العزائم: والله أنا شخصيا لا أحب أن اسمي العالم السني والعالم الشيعي، نحن مسلمون سواء كنا شيعة أو سنّة، شرط الإسلام أنه نحن نبقى على سنّة رسول الله ومحبة آل بيته، الذي ما يحب آل البيت ما يبقى مسلم، الذي لا يتبع سنّة رسول الله يبقى غير مسلم.

 

المحاور: أحسنت، انتقل إلى النجف الأشرف إلى سماحة السيد جاسم الجزائري، السيد جاسم الجزائري ما هو مدى تأثير الفكر والسلوك العرفاني على تكوين شخصية الإمام الخميني، عادة ما يعني الزاهد والعارف أو مثلا المتصوف يكون منعزلا عن الناس، صحيح في مراحل السير يعني هناك وجود أو تواجد بين الناس، لكن عادة ما يوصف العارف والزاهد والمتصوف بأنه منعزل عن الناس في حين أننا نرى الإمام الخميني يعني عاش مع الأمة ولربما من النوادر الذين وثقوا بقدرات الأمة وقدرات الشارع على اختلاف وتباين درجات تدينه.

 

السيد جاسم الجزائري: مما لا شك فيه أن السيد الإمام طالع كثير من الكتب الفلسفية وكما نعرف أن له شروحات على كتاب الأسفار وهو كتاب مهم حقيقة لربما زاوج فيه المصنف بين المدرسة المشائية والمدرسة الاشراقية، وللسيد الإمام رأي ايجابي جدا في هذه الشخصية الكبيرة وفي هذا الكتاب. الجانب الآخر أن العرفان عند السيد الإمام هو لا يبقى في حيز المفاهيم وفي حيز الألفاظ بل لابد أن يدخل إلى الوجدان والقلب وبالتالي لابد أن تتجسد الشريعة التي يرى فيها أن للشريعة تمتلك روح ولذلك من غير المنطقي إن الله عز وجل يشرّع لهذه الأمة جملة من الأحكام منها أنه ينهى عن عدد من الأفعال ويأمر بعدد من الأفعال ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وغير ذلك من الالزامات الكثيرة في الشريعة الإسلامية دون أن يعطي حيز كبير في الشريعة الإسلامية وفي الفكر الإسلامي وفي القرآن وفي السنّة إلى مجالات تطبيق هذه الشريعة وإنزالها إلى حيز الواقع، والجانب الآخر لابد من مراعاة هذه الشريعة وحفظها والاهتمام بها وتطويرها وتنميتها وتغذيتها في نفوس هذه الأمة، نجد أن الأمة إنما تراجعت عندما بقيت في الحيز الظاهر للشريعة. السيد الإمام من منطلق تأمله من منطلق ذوبانه في ذات الله عز وجل من منطلق المعرفة الكبيرة التي حصّل عليها نتيجة الرياضات التي مارسها والتأملات الكثيرة ومطالعاته وصل إلى هذه النتيجة أن هناك عملية اقتران وحتمية بين الشريعة وبين ضرورة تطبيقها، ويقصد بضرورة تطبيقها هو إقامة نظام وحكومة ودولة تستطيع من خلالها أن تنفذ هذه الالزامات الإلهية التي يرى فيها السيد الإمام أن فيها صلاح الفرد وصلاح المجتمع وهذا ما ينسجم مع طبيعة الشريعة الإسلامية السمحاء التي جاءت بنظام متكامل يخدم الفرد من جهة ويخدم المجتمع من جهة أخرى، فالإنسان في الشريعة الإسلامية ليس منعزلا عن أمته وأن الأمة أيضا في الشريعة الإسلامية لها دور ايجابي في هذه الساحة حتى أنها في بعض الروايات إنها تحاسب، يحاسب الإنسان في يوم القيامة كفرد ويحاسب كأمة، هذا هو الجانب الحقيقة الذي برز في شخصية السيد الإمام إذ اجتمعت فيه جملة من الأمور اجتمعت فيه الفقاهة وكما نعرف أن الفقاهة هي الدراسة الظاهرية...

 

المحاور: لدينا مشاركة من أبو تراب من السودان، تفضل أبو تراب.

 

أبو تراب من السودان: أقدم التعازي بفقدان الإمام الخميني هذا الرجل العظيم الرجل الإلهي الفذ، وفي حقيقة الأمر طالما أن الموضوع عن العرفان عند الإمام لأني سمعتكم أنكم تقولون أن العرفان ينقسم إلى عرفان نظري وعرفان عملي، إلا أني ربما أكون اطلعت على مقال عن الإمام الخميني يعرّف العرفان بأنه هو تطبيق المعرفة النظرية والمعنوية إلى واقع عملي، العرفان الحقيقي هو تحويل العرفان النظري والمعنوي إلى واقع عملي أو تطبيقي فهذا فهمته من إحدى المقالات التي وقفت عليها قديما من فكر الإمام الخميني.

 

المحاور: لدينا مشاركة أخرى من الأخت مها من لندن تفضلي أخت مها.

 

الأخت مها من لندن: طاب مساؤكم ونعم الموضوع ونعم الحديث حديثكم، من اطلاعاتي الخاصة أظن أن كلمة الصوفية كان أصحابها يلبسون الصوف أحيانا فسموا بالصوفيين، ويقال أيضا بأن كلمة صوفية هي محرفة من كلمة الصافي وهي الحكمة عند اليونان، الصوفيا وهي الحكمة من الكلمة اليونانية، والله أعلم، ولكن العرفان هو ما وراء الصوفية، هو مرحلة متقدمة من الصوفية، هو مغناطيس نحو الأعلى، وغالبا لا يستطيع الإنسان أن يبلغ هذه القمة من العرفان إلا بعد تقدم السن والتجارب ويحنكه الزمن والتجربة الدينية نظرية أم عملية. أيضا تناولتم موضوع السياسة والعرفان، أنا في اعتقادي عند الإمام الخميني السياسة كانت وسيلة للدين لا غاية، يعني السياسيين غايتهم السياسة ويستخدمون كل الوسائل للنجاح، ولكن أن اتبع السياسة فهي وسيلة لا غير، أيضا يعني أود أن أنوه بأن يعني حذّرنا عندما اختلطت الفلسفة اليونانية بالفكر الإسلامي والفلسفة الإسلامية من البحث في الذات الإلهية وقيل حينها بأن هذا كفر لأن الله يعني هناك خط أحمر لا يجب أن نعرف من هو الله ونسأل عن أشياء قد تضيعنا وتضللنا، فكيف نوفق بين الأسئلة العرفانية والحذر الشديد من القروب أو التقرب إلى نقطة الخطر تلك؟ وأيضا الله واحد سبحانه وتعالى ولكن العرفان مختلف ومتعدد لأنه يعتمد على عرفان كل شخص بحد ذاته، فكيف يكون ذلك العرفان علما، العلم يجب أن يتطابق في بعض الأحيان لكي يكون الموضوع صحيحا. وأخيرا عل الضيوف الكرام يعطون مثالا من سيرة الإمام الخميني العطرة عن عرفانه النظري وعن عرفانه العملي وشكرا جزيلا.

 

المحاور: شكرا أخت مها من لندن، سماحة السيد استمعت إلى المداخلتين، في المداخلة الأولى تطبيق المعرفة النظرية والعملية على الواقع العملي أو التطبيقي؛ ما أشار إليه الأخ أبو تراب من السودان. والأخت مها طرحت جملة قضايا أرجو أن تعلق عليها.

 

العلّامة السيد عبد الله فاطمي نيا: يعني تحب أن نبحث في علة انتساب العرفانيين إلى الإمام علي عليه الصلاة والسلام، يعني إشارة، يعني الإمام أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام في مدرسته تمام العرفان وكل العرفان النظري وكل العرفان العملي، يعني نذكر نموذج مثلا يقول في العرفان النظري أن هذا قطرة من بحر، يقول في مفتتح بعض خطبه: الحمد لله المتجلي لخلقه بخلقه. يعني هذا هو العرفان النظري في مرتبته العليا، وأيضا قطرة من بحر في العرفان النظري يقول: قد أحيا عقله وأمات نفسه حتى دق جليله ولطف غليظه و برق له لامع كثير البرق فأبان له الطريق وسلك به السبيل.. إلى آخره، يقول ابن أبي الحديد المعتزلي: هذا أجل كلام في السلوك. ويقول ابن أبي الحديد: كلما قال الشيخ الرئيس ابن سينا في النمط التاسع في مقامات العارفين اخذ من هذه الجملة، والقشيري أخذ من هذه الجملة، يعني الإمام الخميني رضوان الله عليه ينتمي عرفانه إلى هذه المدرسة، مدرسة الإمام علي، مدرسة أهل البيت، وأما ما قالت اختنا.

 

المحاور: مها من لندن سألت حول المحذورات لربما الخطوط الحمراء الموجودة في العرفان كيف نوفق إليها والعرفان هو معرفة الله وكيف يمكن لنا أن نصل إلى معرفة الله وحقيقة الذات الإلهية واحدة في حين أن طرق العرفان متعددة، هذه بعض التساؤلات التي طرحتها.

 

العلّامة السيد عبد الله فاطمي نيا: الطرق العرفانية كثيرة في الظاهر ولكن في الباطن طريقة واحدة فقط، يعني الإمام زين العابدين صلوات الله عليه من أئمة أهل البيت يقول: إن للدين ظاهرا وباطنا. يعني نحن معاشر المسلمين يعني يجب أن نعتقد أن ديننا له باطن وظاهر، والطرق العرفانية صعبة ودقيقة يعني حتى قال الإمام زين العابدين صلوات الله عليه في شعره المشهور:

 

إني لأكتم من علمي جواهره كي لا يرى العلم ذو جهل فيفتتنا

 

يعني الطرق السليمة في العرفان لا يتحمله كل إنسان

 

إني لأكتم من علمي جواهره كي لا يرى العلم ذو جهل فيفتتنا

 

يا رب جوهر علم لو أبوح به لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا

 

المحاور: يعني إشارة لطيفة سماحة السيد، هل يمكن لنا أن نعبّر عن طرق العرفان بأنها مدارج، يعني هذه الطريقة في مرحلة أكمل3 من الطريقة الفلانية وهكذا أم أنها لا، أفقيا متساوية؟

 

العلّامة السيد عبد الله فاطمي نيا: إذا اعتبرنا الطرق العرفانية كلها صحيحة يوجد هنا مشكلة، يعني العرفان الطريقة الصحيحة السليمة واحدة في العرفان وبقية الطرق فيها خطر، ويقول الإمام زين العابدين عليه السلام: هلك من ليس له حكيم يرشده. يعني وجود الأستاذ والمرشد واجب في طريق العرفان، يعني طريق العرفان لا يمكن بأن يجلس الشخص في بيته ويطالع الكتب ويصير عارفا كبيرا هذا لا يمكن، كما لا يمكن أن شخصا مثلا لا يذهب إلى الجامعات الطبية ويطالع الكتب الطبية في بيته فيصير طبيبا معالجا.

 

المحاور: حتى في الجانب النظري أيضا سماحة السيد؟

 

العلّامة السيد عبد الله فاطمي نيا: نعم الأستاذ واجب.

 

المحاور: انتقل إلى القاهرة إلى فضيلة الدكتور أبو العزائم، دكتور يعني هناك لربما على مدى تاريخ المسلمين أو لفترات متعددة صراع بين الفيلسوف والفقيه، لربما فيما كتبه الغزالي من تهافت الفلاسفة ورد عليه ابن رشد في تهافت التهافت خير دليل على ذلك، هذا الصراع لربما تجلى أيضا بين أهل العرفان لربما الذين ينتمون بشكل أو بآخر إلى لربما الفلاسفة عن قرب أو بعد مع الفقهاء، لكن هناك قضية وهي أن أغلب الحركات الاجتماعية التي ظهرت في عالمنا الإسلامي سواء كان قضايا مقاومة الاستبداد الداخلي أو مواجهة الاستعمار كانت من قبل عرفاء أو صوفيين أو أصحاب طرائق سمهم ما شئت، كيف يمكن أن يتم الجمع ما بين شخصية تدعو إلى الخلسة والى التأمل والى نبذ الدنيا والى العزلة في بعض الأحيان وهي من مصطلحات الصوفية أيضا وبين التحرك الجماهيري ومواجهة القوى الأخرى وقضية سفك دماء وتحرك وما شابه ذلك، كيف لك أن تحلل هذه الحالة؟

 

الدكتور علاء الدين ماضي أبو العزائم: في الواقع إن العرفان كما قال سماحة السيد أن هناك عرفان نظري وعملي، النظري هذا في مرحلة يحتاج للعزلة، ولما يدخل في المرحلة العملية يندمج مع الناس ويوجه التوجيهات الصحيحة مثل ما فعل الإمام الخميني قدس الله سره. على مدى التاريخ كل العارفين بالله سبحانه وتعالى من صوفية أو من عارفين بالله تعالى آخرين فهم كلهم في بدايتهم توجد عزلة فعلا لكي يحظى بالتأمل ويحظى بالفكر ويبعد في الفكر في ذات الله حتى لا يهلك ويبتدئ يشوف الله سبحانه وتعالى بجوانبه الجميلة التي يجب أن يتخلق الإنسان بها، فإذا تخلّق الإنسان بها فهو بداية التوجيه العملي أو العرفان العملي. الصوفية لديهم مدارس، كل واحد منهم له مدرسة وله تجربة، وكذلك الإمام الخميني له تجربة قدس الله سره وهذه التجربة تجربة خاصة به، الصوفية أباحوها وهو أباحها أيضا وإلا ما قامت الثورة الإسلامية في إيران على نهج، كما قالت الأخت في لندن أن السياسة ما كانت هدف ولكن هو العرفان العملي هو الهدف من خلال الأمة الإسلامية ككل.

 

المحاور: لدينا مشاركة أخرى من الدكتور الخفاجي، تفضل دكتور.

 

الدكتور الخفاجي من العراق: أولا ذكر الأخ الدكتور أبو العزائم هناك مفهوم اعتقد يمارسه كل الصوفيين وكل العرفانيين وهي الخلوة وهي ضرورة لتهذيب الذات وصقل الذات وهو ما يقابل التأمل وحتى أن هناك عالم نفس، واعتقد أبو العزائم يعرف أن هناك عالم نفس اسمه اريك فروم له كتاب اسمه فن الإصغاء أي الإصغاء إلى الذات بعد تهذيب الذات وتهذيب النفس ثم يدخل إلى السلوك العملي، وأنا افهم العرفان هناك نوعين من العرفان عرفان فلسفي وهو هذا الذي عليه مؤاخذات كثيرة، وهناك عرفان عملي، والإمام الخميني قدست نفسه الزكية كان يمارس الدورين العرفان الفلسفي في التنظير والعرفان العملي وقد مارسه في كتابه الجهاد الأكبر، لأن الإمام الخميني كان يواجه مشكلة وهي مشكلة طلبة العلوم الدينية ربما نتيجة بعض الدروس وبعض المعلومات بعض المعارف يحدث انتفاخ أو تورّم في الأنا أو في الذات فأراد من الطلاب أن يهذبوا أنفسهم ويصقلوا ذاتهم وهي العنصر الأساسي في التفكير الإسلامي هو السلوك وتهذيب الذات ولهذا مارس الإمام الخميني في كتابه الجهاد الأكبر أو جهاد النفس وانطلق من حديث للرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأحد المعارك قال: انتهينا من الجهاد الأصغر وبقى عليكم الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس. ولهذا إن الإمام الخميني ديّن السياسة ولم يسيس الدين لأنه نحن نريد عن طريقة العرفان وطريقة التهذيب أن نديّن السياسة أن نجعل السياسة في خدمة الدين، السياسة منضبطة للدين، ليس الدين يوظف في خدمة السياسيين والحكام والإمام الخميني هكذا كان يمارس وهكذا كان عمله وشكرا لكم.

 

المحاور: دكتور الخفاجي شكرا لك على هذه المداخلة، عبد العباس من العراق تفضل.

 

عبد عباس من العراق: الحقيقة قدس الله روح السيد الخميني رحمه الله في ذكرى وفاته كان رجلا علويا محمدي وعالما بارعا في مجال الدين وقد أصّل نظرية الفصل بين الدين والسياسة وقدم ما قدمه في وقت كان الدين في اضمحلال. مسألة العرفان لا نستغرب، نحن نفتقر إلى حجم العرفان، أنا اسأل من السيد الفاطمي الله يحفظه، العرفان هل هي درجة معرفة متقدمة بالله سبحانه وتعالى تقرب المؤمن من الله سبحانه وتعالى، أم هي فراسة كما يقول الإمام علي عليه السلام: اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بعين الله. ثم علمنا أن مرجعاً رحمه الله عندكم في إيران الأستاذ محمد تقي بهجت يقال ممن تحدث عن السيد الخميني أنه أحيانا يطلب منه أن يدعو له في بداية الثورة أيام الشدة، وأسأل أيضا السيد الفاطمي استغل هذه المناسبة ولو سؤال قد يكون خارج عن الحلقة هل هنالك قول للسيد محمد تقي بهجت، والسيد الفاطمي قريب إن شاء الله منه، قول يقول كنا نبشر الشباب بظهور الإمام الحجة ورؤيته والآن نبشر الشيوخ. هل ورد في علمكم مولانا هذا القول عن المرحوم السيد محمد تقي بهجت قدس الله سره، أنا أشكركم جزيل الشكر وعظم الله لكم الأجر بوفاة السيد الإمام الخميني رحمه الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

المحاور: أشكرك جزيل الشكر، عيسى من البحرين تفضل عيسى.

 

عيسى من البحرين: سلامي إلى الجميع وبالأخص سؤالي للسيد، السيد عبد الله إن شاء الله، سيدنا لماذا نحن مصابين بداء قلة العرفانيين في هذا الزمان وشكرا تحياتي للجميع.

 

المحاور: شكرا لك. سماحة السيد أبدأ من السؤال الأخير، هل هناك قلة في أهل العرفان في هذا الزمن؟ عدد أهل العرفان قليلون في هذا العصر لربما ما بين العلماء ما بين الأفاضل.

 

العلّامة السيد عبد الله فاطمي نيا: أهل العرفان الصحيح قليلون، والسيد الإمام الخميني رضوان الله عليه جدا كان وحيد عصره في العرفان النظري والعملي، وفي عصرنا هذا قليلون جدا.

 

المحاور: ما هو السبب؟

 

العلّامة السيد عبد الله فاطمي نيا: هذا السؤال يطلب مجالا وسيعا يا عزيزي، يعني أنا كلما أذكر شخصية الإمام الخميني يعني شخصيته شخصية جامعة، يعني هو فقيه، كلامي، فيلسوف، عارف، شاعر حتى، كلما أذكر شخصيته أذكر هذا البيت للمتنبي للشاعر الإسلامي الكبير يقول:

 

إذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام

 

يعني جدا شخصية جامعة، أو يقول شاعر آخر:

 

ليس على الله مستنكر أن يجمع العالم في واحد

 

والآن ما السبب في أن العرفاء قليلون يطلب مجالا وسيعا.

 

المحاور: إن شاء الله نتركه إلى لقاء آخر لربما نستفيض في هذا المجال. هل العرفان فراسة كما يقول الإمام علي: اتقوا فراسة المؤمن، أم أنها درجة معرفية متقدمة فيما يتعلق بمعرفة الذات الإلهية؟

 

العلّامة السيد عبد الله فاطمي نيا: فراسة من شؤون المؤمن، اتقوا فراسة المؤمن يعني فيه نور من ربه سبحانه وتعالى وبواسطة ذلك النور يتفرس بعض الأمور، يعني لا يطلق عليه العرفان أو هو جزء من العرفان.

 

المحاور: كان هناك سؤال فيما يتعلق بسماحة الشيخ بهجت رحمة الله عليه في أن يعني كنا نؤمل الشباب بظهور الإمام الحجة هل يصح ما نقل عنه أننا اليوم نبشر الشيوخ أيضا بأنهم سيرون أو يشهدون ظهور الإمام الحجة، هل نقل عنه مثل هذا الأمر؟

 

العلّامة السيد عبد الله فاطمي نيا: أنا اشك في صدور هذه الجملة من الشيخ بهجت، يعني سألت أهله عائلته تلامذته وهم يشكون.

 

المحاور: جزاكم الله خير. انتقل إلى النجف الأشرف، سماحة السيد الجزائري يعني مدرسة في العرفان في الفلسفة في الفقه فيما يتعلق بالقضايا العرفانية، كثيرون يرون أن الإمام الخميني أسقط المفاهيم العرفانية على الواقع الاجتماعي وعلى الواقع السياسي بشكل خاص خاصة فيما يتعلق بعلاقة الأمة بالإمام، علاقة الأمة بقائدها، هل في ذلك دقة في هذا التحليل؟

 

السيد جاسم الجزائري: الحقيقة طبيعة الموضوع الذي نتحدث به اليوم عن شخصية السيد الإمام الخميني ومسألة أن المتصوف يكون زاهد ومنعزل وأن العرفان نحن كل ذلك يدل دلالة واضحة على أن شخصية السيد الإمام شخصية متفردة وشخصية فريدة في طريقة عملها وطريقة تأملها وطريقة وصولها إلى النتائج، وفي حقيقة الأمر أن السيد الإمام هو الذي أعطى دفعة جديدة وبدأت الناس تتفاعل مع العرفان بعد ما كان مختلط بمفاهيم وبمغالطات كثيرة، ونحن نعرف حقيقة لربما لفترة زمنية ليست ببعيدة كيف كان هناك حساسية من التعامل مع الفلسفة والمصطلحات الفلسفية، كيف كانت هناك حساسية في التعامل مع بعض الرياضات النفسية التي يؤديها الإنسان من هنا وهناك كل ذلك السيد الإمام أنزله إلى حيز الواقع وتجسد في الواقع الاجتماعي وبرهن على أن ذلك من الأمور الممكنة وليس من الأمور المستحيلة ويمكن للناس عامة الناس أن تصل إلى حالة من حالات التواصل معها ومع الله عز وجل. النقطة الأساسية في حركة السيد الإمام وفي حركة الأمة هو أن السيد الإمام تعامل مع الناس نتيجة معرفته ودرايته بتجربة الأنبياء، إن الأنبياء على درجة عالية مما لا شك فيه من المعرفة والعرفان والزهد في الدنيا والزهد في كثير من الأشياء حتى المباحة بالنسبة إليهم، ولكن الأنبياء لم ينسحبوا عن الناس، لم يضعوا حاجزا بينهم وبين الناس، بل كانوا مع عامة الناس في كل حركاتهم وسكناتهم وآلامهم حتى أن الله عز وجل ذكر في ذلك آيات عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كيف انه كان يتأذى عندما يرى أذية كثير من الناس المساكين والبسطاء. تجربة الأنبياء كلها اختزلها السيد الإمام جسدها السيد الإمام في الواقع الاجتماعي، عاش في وسط الناس، وأنا أذكر هذه القصة المعروفة التي تنقل في بعض الكتب انه في سنة تقريبا في عام (1969 للميلاد) حدث حدث في العراق هنا كان السيد الإمام متواجد في النجف الأشرف هنا وحدث حدث أن بعض الناس بدأت تنسحب نتيجة ضغوطات سياسية مارسها البعث لحظة وصولهم إلى سدة الحكم بعد الـ(68) وكيف أن الناس بدأت تنسحب من المرجعية العليا آنذاك المتمثلة بآية الله العظمى السيد محسن الحكيم قدس الله نفسه، السيد محسن الحكيم تألم لذلك الواقع وعاش في الكوفة فترة من الزمن، السيد الإمام كان واحد من أوائل الناس الذين زاروا المرجع الكبير في ذلك الوقت وقال له تلك الكلمات المعروفة أنه ينبغي لمرجع الأمة لقائد الأمة أن يعيش وسط الناس ويتحسس آلامهم ودعاه إلى الرجوع إلى النجف في سبيل أن يتحسس معاناة الأمة حتى وإن كانت الأمة متجهة اتجاها سلبيا.

 

المحاور: أعطي دقيقتين لفضيلة الدكتور أبو العزائم. كان هناك سؤال لربما تحول المجتمع رهن بوجود نخب، وجود قيادات، وجود أناس مخلصين، هل نفتقد إلى شخصيات عرفانية شخصيات صوفية كما تعبر عنها في مجتمعاتنا اليوم، وما دور هذه الشخصيات هذه الرموز إن كانت موجودة؟

 

الدكتور علاء الدين ماضي أبو العزائم: بسم الله الرحمن الرحيم، اليوم الطرق الصوفية وأئمة التصوف حاليا منهم العارفين ومنهم غير العارفين، إنما التطبيق العملي للعرفان حول التصوف هذا هو المنهج الذي المفروض كل المسلمين انه التجربة التي قادها الإمام فلابد أنها توضع لكل الناس بحيث انه يأخذوا منها ويتعلموا منها وهذه التجربة مثلى في العالم الإسلامي، نسأل الله للجميع أن يتخذ الإمام الخميني وتجربته نبراسا لكل المسلمين عامة شيعة وسنّة.

 

المحاور: الدكتور علاء الدين ماضي أبو العزائم الباحث والأكاديمي وشيخ الطريقة العزمية كنت معنا من القاهرة، شكرا لك على هذه المشاركة. أشكر سماحة السيد جاسم الجزائري الباحث الإسلامي كان معنا من مدينة النجف الأشرف. أشكر أيضا سماحة السيد عبد الله فاطمي نيا أستاذ العرفان والأخلاق، شكرا لك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...