زينب الطحان

 

في خضمّ الصراعات السياسية والأزمات الاجتماعية والإنسانية في العالم يظهر نموذج "ولاية الفقيه" في إيران رافعاً راية مغايرة عما سبقها من أشكال الحكم في العالم العربي والإسلامي والغربي عموماً. وبدأت على إثر تجربة تتنامى تطوراً وأداء تبرز دراسات أكاديمية تسلط الضوء بشكل جدي على النظرية وأشكال تطبيقها. وصدر أخيراً بالإنكليزية (دار الساقي) كتاب «الشيعة وعمليّة الديمقراطية في إيران (مع التركيز على ولاية الفقيه)» للدكتور السيد إبراهيم الموسوي. رغم كونه مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» حالياً، فإنّ الكتاب الذي أنجزه كان موضوعياً ومفيداً كمرجع لمختلف الجهات الراغبة في استيضاح مفاهيم وأحداث وتطورات جرت وتجري في الشرق الأوسط منذ الثورة الإسلامية العام 1979، ثم تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية بقيادة الراحل آية الله الخميني (قدس سره).

 

لقد عالج الموسوي مفهوم «ولاية الفقيه» مستنداً إلى مواقف مراجع دينية بارزة، وآراء هذه المراجع المختلفة والمتضاربة إزاء هذا المفهوم. ومع أنّ الكتاب اعتمد على أطروحة الدكتوراه التي قدمها الموسوي إلى جامعة «برمنغهام» البريطانية، إلا أنّ إلمامه التاريخي حول هذه النظرية كان واسعاً مما مكّنه من تقديم أطروحة تغوص في العمق الإسلامي والجذور الدينية لأصالة نظرية "ولاية الفقيه". موقع المنار التقى الدكتور السيد إبراهيم الموسوي وأجرى معه حديثا معمقاً حول ما تعرض له في هذا الكتاب.

 

 

 

في الغرب يهتمون بقضايا إسلامية تثير الإشكاليات

 

موقع المنار: السؤال الأول كيف تمكنت من إقناع إدارة اللجنة المشرفة على جامعة "برمنغهام" البريطانية أن تطرح قضية إسلامية تثير إشكاليات عميقة في العالم الغربي عنوانها "ولاية الفقيه"؟.

 

السيد الموسوي: ليست هناك أية غرابة في قبول اللجنة المشرفة أو جامعة برمنغهام قسم دراسات الإسلام السياسي في جامعة برمنغهام البريطانية أن تقبل بطرح قضية إسلامية تثير إشكالية، بالعكس المعروف بشكل كبير أن هناك اهتمام عميق وحقيقي وجدّي بمتابعة كل العناوين الإشكالية أو كل ما هو مثار للجدل في مواضيع الفكر السياسي أو في المواضيع الإسلامية، وبالتالي لا أنسب إلى نفسي أي شرف أو أي شكر أو جهد إضافي  قمت به لإقناع إدارة اللجنة المشرفة .

 

أعتقد أن الموضوع منذ أن طرحته للمرة الأولى كان موضع ترحيب شديد، وهذا هو واقع الأمور بالنسبة لأيٍ من الأمور أو بالنسبة لأيٍ من القضايا الإشكالية التي يريدون معرفتها وتشريحها أكاديمياً.

 

 

 

شرعية نظام "ولاية الفقيه" يستند إلى شرعية لا يحوز عليه أي نظام أخر في الدنيا

 

موقع المنار:تؤكد ارتباط الإرادة الإلهية بالإرادة السياسية في نظرية «ولاية الفقيه» وهو طرح لا يتفق عليه جميع العلماء، فكيف استطعت أن تبرهن على ذلك من خلال تجربة الإمام الخميني (قده) التي استعرضتها نموذجاً فريدا تطبيقا لهذه النطرية؟.

 

السيد الموسوي: لم أؤكد ارتباط الإرادة الإلهية بالإرادة السياسية في نظرية ولاية الفقيه، كل ما قمت به هو أني بحثت في الكتب والنظريات الإسلامية، وفي المتون الإسلامية الصحيحة، وفي الأدلة وفي السـُنة، وفي القرآن والحديث الشريف، وهو ما تبانى عليه العلماء، وجدت أن الحكم يجب أن يُبنى على شرعيات وقلت أن الولي الفقيه أو نظام الحكم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو يقوم على شرعيتين، وبالتالي هو يفوق بشرعيته أي نظام آخر موجود في هذه الدنيا.

 

الشرعية الأولى هي الشرعية الإلهية التي توجب وجود نائب للمعصوم وللإمام. والأمر الآخر هو المشروعية الشعبية، وبالتالي فإن الإمام الخميني من خلال طرحه موضوع الجمهورية الإسلامية وموضوع ولاية الفقيه على الاستفتاء الشعبي يكون قد ثبّت بشكل ليس له نظير من قبل، مشروعيتين للنظام الإسلامي ، مشروعية يستقيها من نظرية اللطف الإلهي التي تفترض عدم وجود الأمة من دون قائد ومن دون راع ٍ بحسب الأدلة وبحسب الأحاديث الشرعية، وأيضاً من خلال الشرعية الشعبية المتمثلة بالانتخاب أو الاستفتاء.

 

 

 

تجربة الحكم في إيران تنطوي على معايير ديمقراطية قد لا نجدها في أعرق الديمقراطيات

 

موقع المنار: تُتهم نظرية "ولاية الفقيه" بأنها تجنّب الولي الفقيه المحاسبة على أعماله، وبالتالي تهمّش تطلعات الشعوب. وأنها تتعارض مع مفهوم الديمقراطية في العالم، كيف عالجت هذه النظرية تجربة الديمقراطية من خلال التجربة الحية المتجسدة حاليا في بلد مثل إيران؟.

 

السيد الموسوي: بالنسبة لنظرية ولاية الفقيه وما تُتهم به من أنها تجنب الولي الفقيه المحاسبة على أعماله، كل من يقرأ الكتاب سوف يجد بكل بساطة أن هناك في الدستور الإيراني الذي ينص على أن نظام ولاية الفقيه هو الذي يحكم الجمهورية الإسلامية في إيران، هناك العديد من الأحكام وهناك العديد من البنود في نص الدستور التي تقول أن الولي الفقيه يُطالب بأعماله ويُحاسب عليها من  مجلس الخبراء ومن مجموع العلماء ، وأيضاً هناك بالنسبة لصلاحيات الولي الفقه، وهذا شيء مثبت في الكتاب فإن صلاحياته هي أقل بكثير من صلاحيات رؤساء جمهورية أو رؤساء حكومات موجودين في بعض من أنحاء العالم. على سبيل المثال فإن صلاحيات الولي الفقيه ليست أكبر من صلاحيات الرئيس الفرنسي أو الرئيس الأميركي، سيما في القضايا الحساسة والكبرى التي يستطيع فيها مثلاً رئيس الولايات المتحدة الأميركية أن يعلن الحرب على دولة أخرى، في حين أن هناك قيود عديدة وكبيرة للولي الفقيه فضلاً عن أن إصابته بالعجز أو بالمرض أو غير ذلك  يقعده عن أداء مهامه مما ينزع عنه هذه الصفة.  

 

طبعاً، هناك إشكالية مثارة في وجه ولاية الفقيه تقول أنها تتعارض مع مفهوم الديمقراطية، ولكن مفهوم الديمقراطية أضحى مفهوماً ملتبساً وفضفاضاً، أعتقد أنه يجب علينا هنا أن نحدد ما هي المعايير وما هي الشروط التي يجب أن تكون في نظام ما حتى يقال عنه أنه نظام ديمقراطي أم غير ديمقراطي، نحن لا نملك نسخة واحدة مفردة من الديمقراطية يمكن لنا أن نستخدمها كأنموذج تقاس عليه الديمقراطيات الأخرى، وعليه فإن الدول تبني ديمقراطيتها من خلال تجربتها الاجتماعية والسياسية والثقافية والداخلية، ولذلك فإننا لا نجد ديمقراطيتان متشابهتان مائة في المائة، هناك خطوط عامة، وهناك مواصفات عامة يجب أن تتوفر، فإذا تحدثنا عن موضوع الانتخابات المنتظمة، وعلى موضوع تداول السلطة، وعلى حرية الرأي، وعلى موضوع حرية التعبير، وعلى موضوع حرية التظاهر، وعلى موضوع حقوق المرأة، و حقوق الأقليات، وحقوق الأطفال، وحقوق العبادة، كل هذه من العلامات الأساسية للديمقراطية، ليس فقط موضوع الانتخاب والنظام الانتخابي، وبالتالي إذا عدنا إلى إيران ونظرنا في تجربتها، تجربة الحكم الموجودة، لوجدنا أنها تنطوي على الكثير من المعايير الديمقراطية التي قد لا نجدها في أعرق الديمقراطيات. لذلك لم يكن هناك أي صعوبة في إثبات هذا الموضوع والتأكيد أن نظام ولاية الفقيه المبني على الشرعيتين: الشرعية الإلهية والشرعية الشعبية إنما يتضمن فيه كل ما تريد الديمقراطية أن تقدمه من أمور جيدة للناس.

 

 

 

موقع المنار: في الفصل الأخير من الكتاب «انتخابات 2009 في إيران وآثارها» كيف أظهرت أشكال الديمقراطية خلال هذه الحقبة رغم ما أشاعه الإعلام الغربي عن انقسام حاد في الشارع الإيراني بين المرشحين انذاك أحمدي نجاد ومير حسين موسوي؟.

 

السيد الموسوي: بالنسبة لفصل الكتاب الأخير عن انتخابات إيران في العام  2009 وآثارها، من الواضح تماماً أن تلك الفترة من الزمن قد شهدت هجمة غربية أميركية، كانت تريد أن تسقط النظام الإسلامي في إيران، وتبين ذلك من خلال حجم الإشاعات وحجم وسائل الإعلام الموجهة التي تبث باللغة الفارسية، وحجم الهجمة الأنترنتية، والهجمة الأثيرية التي كانت تتم عبر عشرات وسائل الإعلام، الإذاعات والتلفزيونات ومواقع الكترونية ضد الجمهورية الإسلامية، وهنا أقول أن كل الذي جرى في تلك الفترة كان يجري تحت عباءة ولاية الفقيه ،ولم يكن هناك انقلاب على النظام الإسلامي رغم كل ما حاولت أن تصوره وسائل الإعلام الغربية، وهذا يعيدنا أيضاً إلى الكثير من الشائعات، حرب الشائعات والأعصاب والدعاية المضللة التي كانت تقوم بها الولايات المتحدة الأميركية في غير مكان من العالم، ولعل النموذج الذي حصل قبل إيران 2009 ، في العام 2003 في فنزويلا هو خير مثال على محاولات الولايات المتحدة الأميركية والغرب استخدام الإعلام بقوة ، والقيام بحملات إعلامية من إحداث انقسامات حادة وإذاعة أخبار كاذبة ومضللة. من المعروف مثلاً، أنهم قالوا أن هناك قتلى وغير ذلك، لم تسـجل هذه المرحلة وجود أي قتلى خلال الانتخابات الإيرانية على ما ذكروا، إذا كان هناك من أحد قد سقط فليس له علاقة مباشرة بالانتخابات.

 

 

 

القيم الأخلاقية الإسلامية التي تقوم عليها ولاية الفقيه هي أهم تنظير للنظرية

 

السيد الموسوي: أعتقد أن الجمهورية الإسلامية بحيوياتها المتقدمة، المتفوقة، بقدرتها على لعب هذا الدور السياسي الهام جداً، الحيوي المؤثر في كل أنحاء العالم على أكثر من مستوى، رغم كل الضغوطات، ورغم كل التهويل والتهديد بالحرب، ورغم كل أعمال الحصار، ورغم كل العقوبات، أعتقد أنها تقدم تجسيداً حياً لمنظومة القيم الأخلاقية الإسلامية التي تقوم على ولاية الفقيه.

 

أعتقد أن هذا بحد ذاته يقدم أنموذجاً رائعاً، ومشيراً بالتقدير والاحترام العميق في كل أنحاء العالم، أما على مستوى ولاية الفقيه والتنظير لها، الموضوع ليس موضوع تنظير لأن هذا الموضوع هو موضوع شرعي عميق، وأعتقد أن ما تقوم به إيران على المستوى السياسي وعلى المستوى الاجتماعي، وعلى المستوى الاقتصادي في ظل نظام ولاية الفقيه هو بحد ذاته دعاية كافية، ولكن المشكلة الأكبر تنطلق من الحرب والدعاية المضللة التي يجب أن تواجهها إيران بمزيد الانفتاح على الدوائر الأكاديمية، واستقطاب الأصدقاء، ونشر المعلومات الحقيقية حول نظام ولاية الفقيه، وحول النظام الإسلامي، وحسناته التي يمكن لها أن تنفتح على كل العالم وأن تنشر الكثير من الإيجابيات خدمةً للأمن والسلام العالميين، وللرخاء وللرفاه في كل أنحاء العالم.

 

المصدر: موقع المنار