الشهيد القائد: ناصر أحمد العيتاوي (الحاج أبو الفضل)

 

اسم الأم: زينب محمد العيتاوي

 

رقم القيد: 61

 

الوضع العائلي: متأهل وله أربعة أولاد‏

 

محل وتاريخ الولادة: اللبوة 15، 12، 1972‏

 

مكان وتاريخ الاستشهاد: الشويفات، أثناء قيامه بواجبه الجهادي، بتاريخ 11، 5، 2008‏

 

انتظر ناصر بلوغه الرابعة عشرة من عمره على أحرّ من الجمر، ليس لأنَّه سنّ التكليف الشرعي، بل ظناً منه أنه يستطيع الالتحاق بصفوف المقاومة، فهو كان يعيش بين المجاهدين، ويتصرَّف على أساس أنَّه واحد منهم، ولكن طلبه لم يُقبل لصغر سنه، فانتظر حتى السادسة عشرة بصعوبة.‏

 

مع بداية العام الدراسي، تسجَّل ناصر في الصفِّ الأوّل ثانوي، فلم يتحمّل المكوث لأكثر من شهر. بعدها عاد ناصر إلى البيت مسرعاً وهيَّأ حقيبة صغيرة وسط ذهول أمِّه التي لم تعرف سبب عجلته تلك؛ ودّعها سريعاً ثمَّ انطلق إلى الحقل حيث يعمل أبوه، وأخبره أنَّه سيلتحق بدورة عسكرية.‏

 

في تلك الدورة الأولى لناصر كان هو من أصغر المشاركين فيها وأكثرهم حماسة، فلفت نظر المدرّبين بشجاعته ومبادرته، ورأوا فيه صفات المدرّب الناجح، فما كان منهم إلا أن وضعوا له برنامجاً تأهيلياً طويل الأمد ليصبح لاحقاً من أبرز المدرّبين في معسكرات المقاومة الإسلامية. وربما نستطيع القول بأنّ أجمل ما يعود به المجاهد من ذكريات الدورات العسكرية هو رؤيته لـ «الحاج أبو الفضل» وعشرته عن قرب، لما حملت شخصيته من صفات إنسانية قلّ نظيرها، فهو رقيق القلبِ في أكثر الأماكن صلابةً وقسوة، وفي نفس الوقت قاسٍ إلى درجة يخفقُ فيها القلب فزعاً من هيبته.‏

 

الترابيّ المؤمن‏

 

من قرية اللبوة البقاعية، جاء أبو الفضل يحمل طيبة قلّ نظيرها، ولم تبدّل الأيام الفطرة الطاهرة لروحه، بل كان على مدى السنوات الطوال ذلك الإنسان الترابيّ المؤمن الذي لا يخاف من شيء ولا من أحد إلا من الله عزّ وجلّ..‏

 

تآخى «الحاج أبو الفضل» وتراب المعسكرات، صادق السماء والأشجار، كانت جبهته شمساً تشرق على وجوه المتدرِّبين، يقفُ أمامهم صلباً كشجرةٍ لا تهزها الرياح. كان يستقبلُ المجاهدين الجدد بكلمة صغيرة تهزّ قلوبهم، وغالباً ما كان يذكّر في تلك مواعظه المقتضبة بالسيدة الزهراء (عليه السلام)، فكانت العيون تترقرق بالدموع، فيما العزيمة تلوح على جباههم السمراء. لقد أجاد حرثَ نفوسهم، وبذر الروحية العالية فيها لينطلقوا إلى ساحة التدريب بعزيمةٍ إيمانية، وليس بثورة شبابية تنطفئ مع مرور الوقت، وبعد سنواتٍ على عمله تمّ تعيينه مسؤولاً عن ملف في المقاومة؛ مسؤولاً لم تعنِ المسؤولية له سوى همّ فوق همّ، ذلك التصدِّي للمسؤولية في عملٍ جهادي – عقائدي، ترتبطُ فيه الأنفاس بقدوم صاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف) ، أمرٌ ليس بالسهل. وكان مع مرؤوسيه رفيقاً في الجهاد، وكما حفظ تشعّبات المعسكرات والشؤون العسكرية، فإنَّه عَبَر في دهاليز نفوسهم تاركاً في كلِّ زاويةٍ محبَّة واحتراماً شديدين، فإذا ما لمح الانـزعاج على صفحةِ وجه أحدهم، بادر إلى استدراجه ذلك الاستدراج اللطيف اللين الذي لا يكسر الحدود الشخصيَّة، ليساعد في إيجاد حلٍّ له، وإذا كان الأمر متعسِّراً فإنَّه يكتفي بالاستماع الجيد والتخفيف بالكلمة الحسنة، لأنَّه كان على يقين أنّ العمل الجيّد والمتقن يحتاجُ إلى أشخاصٍ مرتاحي البال، وإن كان هذا الشيء مستحيلاً وسط ضغوط الحياة ومصاعبها، فعلى الأقل كان يوفِّر لهم في مركز العمل جواً من الألفة والمحبة والراحة، ولم يحول المكان إلى عبء نفسي على أحد، لذا كان الإخوة يطلقون عليه لقب: «الأم الحنونة».‏

 

خادمكم أبو الفضل‏

 

ومن الأمور الملفتة عند ناصر أنه كان يجلس في بعض الأحيان مع تلامذته عندما يطرحون موضوعاً ما للنقاش، فيوهمهم أنَّه غير مطّلع عليه، فيتفاعل معهم وكأنَّه ينهل من أستاذه ما فاته، أما حين يسأله أحد مسألة، فيرشده إلى أحد المجاهدين ليسمع منه جواباً أفضل!‏

 

عند افتتاح كل دورة، كان الحاج أبو الفضل يقف أمام المتدربين مستقيماً، موجهاً وجهه شطر البيت الحرام مؤدياً التحية لصاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف) قُبيل أن يفتتح الدورة بالفاتحة عن أرواح الشهداء، ثمَّ يعرّف المتدربين إلى نفسه بجملة لم يغير فيها أيّ حرف طوال سنوات: «أخواني.. تاج رأسي، أنا خادمكم أبو الفضل.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..»‏

 

كان أكثر ما يؤذي قلبه، هو عدم استطاعته في بعض المواقف رفع الظلم عن مظلومٍ لحيثيات عديدة، وكان يرى أنَّ الظلم ولو بإشارة له تبعات خطيرة لا تؤدي إلى التهلكة في الآخرة فحسب، بل تسلبُ البركات والتوفيقات الإلهية، فكان يلفتُ نظر من حوله إلى ضرورة الانتباه إلى هذا الأمر، لأنَّ المجاهدين الرساليين مسؤولون أكثر من غيرهم أمام الله عز وجل.‏

 

الآن قيمتي من قيمتكم‏

 

اشتهر كثيراً الحاج أبو الفضل بنظافته وترتيبه وأناقته، فهو لا يستطيع الجلوس إذا كان ثمة تفصيل صغير يحتاجُ إلى ترتيب. وكان الأخوة دائماً عندما ينظرون إلى البزَّات العسكرية المعلَّقة، يعرفون مباشرة بزته الخاصَّة لشدة ما كان يعتني بها، لذا لم يقتصر الأثر الذي تركه أبو الفضل في نفوس كلِّ من عرفه على الروح المعنوية والجهادية فحسب، بل تمثّل به الكثيرون، وصار مضرباً للمثل في ترتيب وتجميل الملفات التي يعدها بإتقان ليكون مصداقاً للحديث الشريف: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه»(1).‏

 

وفي إحدى الدورات العسكرية دخل الحاج أبو الفضل وسلّم على المتدربين من بعيد وأدار لهم ظهره قائلاً: «السلام عليكم»، فسأله أحد المتدربين: «لماذا يا حاج لا تنظر إلينا، هل نحن لسنا من مستواك؟»، فضحك الحاج ضحكته المعروفة والتي كانت تخفف من العبء النفسي على المجاهدين، وقال: «الآن قيمتي ليست من قيمتكم لذلك أنا أدير ظهري لكم». تعجب المجاهدون من هذه العبارة ولم يفهم أحد معنى كلامه، فدخل الحاج أبو الفضل إلى غرفة وبعد وقت قصير خرج ببزته العسكرية الأنيقة، واقترب من المتدربين وصافحهم وقبلهم فرداً فرداً بحرارة قائلاً: «الآن أصبحت قيمتي من قيمتكم».‏

 

كان الحاج أبو الفضل الوالد الحنون لجميع أخوته وصاحب الرأي السديد لكل من عرفه. وقد رزق بأربعة أولاد، وكانت ابنته فاطمة في الشهر الثالث من عمرها عند استشهاده. وقد دأب على أخذ أولاده بشكل مستمرٍ لزيارة السيدة خولة (عليها السلام) بنت الإمام الحسين(عليه السلام) ومرقد السيد عباس الموسوي (رضوان الله عليه)، وكان عندما يجلس معهم يحدثهم عن الشهيد حسين عباس الموسوي.‏

 

استشهد الحاج أبو الفضل أثناء تأديته لواجبه الجهادي في 11-5-2008.‏

 

من وصيَّته: الشهادة حلم كلِّ مجاهد، وهي حلمي أيضاً. كنتُ أدعو الله (جل جلاله) في كل صلاة، وفي كل حين أن يرزقني إياها، (....) والتحقت بالمجاهدين وبدأت رحلة الجهاد (..) وعند الحلم بالشهادة اقترب الأجل وأصبح الحلم حقيقة.‏

 

ـــــــــــــــــ

 

(1) ميزان الحكمة، محمد الري شهري، ج 3، ص2132.‏