المولد والنشأة في عام 1386هــ وفي قرية الربيعية على ضفاف مياه الخليج الدافئة وعلى بعد عدة أميال من أكبر خزان نفطي في العالم. أبصر الشهيد أزهر الحجاج النور وكان الابن البكر لعلي الحجاج وزوجته وترعرع في كنف والدته وأبناء عمومته الذين اعتنوا به ليصبح شريكهم في درب الجهاد وليماثلهم في العاقبة الحسنة والموت العزيز. ظهرت عليه ومنذ نعومة أظفاره علامات الفتى الفطن مما جعل والده يرسله للمدرسة ولما يبلغ عمره السن القانوني لدخول المدارس، فكان الطالب المجد والمثابر والنموذج في مدرسة الربيعية الابتدائية إضافة إلى تمتعه بالصفات النبيلة والخلق الكريم. وشاءت الأقدار أن تنتفض بلدته مع جاراتها في مطلع العام 1400هــ ليجد أزهر نفسه وهو لم يبلغ الحلم بعد وسط التظاهرات وأحد الرافضين للظلم والقهر المهيمن على المنطقة. وقد بدأ منذ ذلك الحين بالإطلاع على القضايا السياسية والدينية، فكان ملازماً لاستماع نشرات الأخبار الاقليمية والعالمية، كما كان مواظباً على حضور مجالس العلماء وخاصة في شهر رمضان المبارك. ومع أن سنه في ذلك الوقت لم يتجاوز الخامسة عشرة إلا أن فكره النير وتفكيره السليم أديا به إلى مجالسة الشباب المؤمنين الذين يكبرونه بعدة سنوات. في العام 1402هــ وبينما كان الشهيد يواصل دراسته في الأول الثانوي تاقت نفسه للاطلاع أكثر على أحوال المسلمين خارج بلده، ولكي يقف إلى جنب من يخوضون المعارك ضد الامبريالية العالمية التي جيشت الجيوش وأعدت العدة والعدد من أجل القضاء على الفكر الإسلامي الذي انبعث من جديد على يد الإمام الخميني (قدس سره)، قرر الشهيد قطع دراسته والسفر إلى خارج البلاد، وهو موقف قل نظيره في بلد عمل الاستعمار فيها سنوات على إلغاء الشخصية الإسلامية والإنسانية من خلال الترغيب بزخارف الدنيا والترهيب بالسجن والفقر بل والموت. بقي أزهر الحجاج ثلاثة أشهر في الخارج وقف خلالها على الحقائق التي حاولوا تزييفها وإخفاءها عنه سنوات وسنوات، فعاد إلى البلاد بروح صلبة ملؤها الإيمان بالله {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} يحدوها الأمل بالوعد الصادق {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}.. لم تكن شخصية أزهر الحجاج الفتى الذي لم يبلغ الثامنة عشرة من العمر ترى غير الكفاح بشتى صوره طريقاً للخلاص من الليل المظلم الذي طال أمده، فكانت له جولات وصولات فكرية مع الكثيرين حتى أصبح رمزاً في صفوف الشاب يُنظَر إليه بأنه يمثل الفكر الخميني الناهض وخاصة بعد سفر ابني عمه الشهيدين نزيه وجلال الحجاج. كان في المدرسة وفي المسجد وفي المجالس وفي الأفراح يروح ويغدو لإقناع أصدقائه بدرب ذات الشوكة وليزيح الكثير من الشوائب التي اعترت المفاهيم الإسلامية الأصيلة؛ فكان يرى أن الفكر الإسلامي فكر تحرري يرفض أي مهادنة مع كافر أو استسلام لعميل فالحرية هبة إلهية للبشر ليس من حق أحد مهما كان أن يصادرها أو يقيدها. كما أنه كان يرى أن هذه الحرية قد صودرت فعلاً ولا سبيل إلى استرجاعها سوى القوة (ما أخذ بالقوة لا يسترد إلى بالقوة). لقد خلقت مطالعات ومتابعات الشهيد أزهر لأفكار الإمام الخميني (قدس سره) هذه الأمور عنده فاقتنع بها إلى درجة اليقين، وهذا ما كان واضحاً بيّناً لكل من عاشر الشهيد أزهر ولو لعدة أيام. لقد تمتع هذا الشهيد بروح جذابة يحفها التواضع والإيمان بحيث استطاع بهذه الروح كسب الكثير من الشباب وجذبهم نحو الأفكار التي كان يحملها ومنهم الشهيدان الحاج محمد القروص وخالد العلق اللذين استشهدا معه في نفس اليوم. ولم تجد أحداً بينه وبين الشهيد أزهر عداوة شخصية، فهو لم يدع لنفسه مجالاً لكي تكون الأمور الشخصية مقياساً للتعامل مع الآخرين، كما أنه لم يوجد أي مبرر لكي يعاديه الآخرون. في العام 1402 توجه لأداء مناسك الحج وزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وآله واشترك مع المسلمين الآخرين في تظاهرة التنديد بالشيطان الأكبر أمريكا و(اسرائيل) مما أدى إلى اعتقاله وإدخاله السجن، إلا أن ذلك لم يفت في عزيمته ولم يضعف تلك الروح العالية التي كانت تطمح إلى تحقيق الأهداف الكبيرة. فخرج من السجن عالي الهمّة عائداً إلى نشاطه السابق. وفي العام 1407 أي بعد حصوله على شهادة الثانوية القسم العلمي بعدة أشهر قرر مرة أخرى السفر إلى خارج البلاد فزار قبور الأئمة عليهم السلام ورابط في عدة مواقع جهادية واكتسب خلالها بعض فنون العمل العسكري والأمني، بعد ذلك كرّ راجعاً إلى البلاد وعيناه ترقبان المصير الذي يمكن أن تؤدي له الأحداث الساخنة في المنطقة.. نعم، كان الشهيد أزهر يراقب الأحداث ولكن لا ليخلق من نفسه محللاً سياسياً بقدر ما كان يطمح إلى أن يربي نفسه من خلال تلك التحليلات، ليكون له دور فاعل في اللحظات المصيرية وليترك بصماته المؤثرة في توجيه الأحداث بل وفي صنعها. بعد تزايد قدوم البارجات الأمريكية للخليج تحت ذريعة حماية ناقلات النفط الكويتية، كان رأي الشهيد أزهر رحمه الله أن هذه القوات لا تعدو كونها قوات احتلال عسكري ظاهر ومعلن للبلاد، ومعنى ذلك أن السلب والنهب والتدخل في شؤون العباد والبلاد سيتضاعف وستكون المنطقة بأكملها محمية أمريكية، وهذا ما أثبتته الأحداث فيما بعد. كل ذلك وضع الشهيد أمام الأمر الواقع فتحليله للأحداث هو أن بلاده أمست مستعمرة عسكرياً محتلة بالقوات الكافرة مسلوبة منهوبة لكل منحط وسارق.. وثقافته الدينية مبنية على أن الركون للكافر المحتل حرام وأن الجهل والظلم إذا اجتمعا في حاكم فلا يصححهما إلا السيف، أضف إلى ذلك اعتقاده الجازم بأن الإنسان الحر هو من يهيئ الظروف ويصنع الأحداث لا العكس. فهل يستسلم هذا المجاهد ويبدل قناعاته تحت مبررات وذرائع تهواها النفوس المتثاقلة إلى الأرض فتقدمها على الأحكام الواضحة! ومن يتهيب صعود الجبال                   يعش أبد الدهر بين الحفر أم أن "الموت أولى من ركوب العار والعار أولى من دخول النار"! فلا يمكن له أن ينسى همسات الشهيد نزيه عن فضل الجهاد وأن أفضله "كلمة حق أمام سلطان جائر". نعم لا يمكنه أن يتناسى الشهيد جلال ابن عمه وابن خالته ورفيق دربه وهو يوصي في آخر كلمات له قبل استشهاده "نحن نعلم أن هذا الطريق طويل وصعب، ولكننا على أمل الوصول في نهايته إلى مجتمع ودولة إسلامية كاملة، أو يأذن الله لنا بالشهادة على خط الحسين (عليه السلام)". نعم، تحمل الشهيد كل هذه المسؤولية التي كلفته بها عقائده وقناعاته وثقافته وهو يعلم أنها ستكلفه حياته وشبابه. فراح يصول ويجول ويمارس شتى أنواع الجهاد في سبيل الله متجاوزاً كل الصعوبات الاجتماعية والظروف القاهرة التي ابتلي بها المجتمع. وفي شهر شعبان، وبينما كان الشهيد أزهر يتهيأ للدخول في ضيافة الله التي طالما تعودها سنوات وسنوات، فاجأته دوريات قوى الأمن التي جاءت لاعتقاله فحاصرت منزله، إلا أنه استطاع أن يخرج من دائرة المحاصرة ويختفي عن الأنظار، فقامت السلطات باعتقال أبيه من أجل الضغط عليه لتسليم نفسه، إلا أنه رفض ذلك وظل مطارداً ما يقارب أربعة أشهر.. لم تترك السلطات الأمنية في البلاد اسلوباً خبيثاً للقبض عليه إلا مارسته؛ فمن محاصرة منزله ومراقبته، إلى وضع الحواجز على الطرقات العامة، إلى التفتيش الدقيق للرجال والنساء... ومع ذلك بقي الشهيد أزهر ورفيقاه علي خاتم وخالد العلق يمارسون الكثير من أعمالهم اليومية بشجاعة نادرة. وفي 18/ذي الحجة 1408 حاصرتهم مجموعة كبيرة من قوات الأمن في احدى بنايات القطيف وطلبوا منهم الاستسلام، إلا أنهم قاوموا ما يقارب 16 ساعة وتحدّوا نيران الأسلحة الموجهة نحوهم، إلى أن أطلق عليهم الغاز المسيل للدموع والغاز الخانق، مما جعل بقاءهم في تلك البناية مستحيلاً، فتمّ اعتقالهم واقتيادهم إلى السجن. بقي الشهيد في السجن مدة شهرين كاملين بين سجن الحاير في الرياض وسجن المباحث العامة بالدمام، لاقى خلالها أشد أنواع التعذيب النفسي والجسدي، إلا أنهم لم يحصلوا منه على أي اعتراف حول أعماله ونشاطاته، وظلّ صامداً متذكراً ما عاهد اخوانه عليه بقوله: "لو قطّعوا جسدي فإنني لن أعترف لهم بما يفيدهم". بتاريخ 19 صفر 1409هــ استشهد الحاج أزهر علي الحجاج بضربة سيف من أحد أعداء الله بعد أن صدر بحقه واخوانه حكم تعسّف بالإعدام... فعرجت روحه الشفافة التي لم تركع لغير الله إلى السماء راضية مرضية مطمئنة إلى رضوان الله مستبشرة بلقاء الأرواح التي سبقته من المجاهدين الأبرار. فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً. وباستشهاده فقدت قريته أحد أفضل الناشطين في المجال الإسلامي، حيث كان له دور فاعل وبصمه واضحة في أغلب الأعمال التي أنجزت في تلك الفترة.