بفخر واعتزاز يتحدث أهالي مخيم جنين عن صور المقاومة الأسطورية التي جسدها محمود طوالبة خلال معركة مخيمهم التي استمرت لعشرة أيام، ورغم واقعهم المأساوي ونكبتهم الجديدة فإن الأهالي يعتبرون هذه الصور الدواء الشافي لجراحهم النازفة التي تؤكد أن حملة شارون فشلت وأن مقاومة تمتلك قادة كطوالبة قادرة على الاستمرار والعطاء والانطلاق من جديد بقوة وتحدي وعنفوان فجميعها تقول أم فارس طوالبة الذي لقنهم دروسا لن ينسوها أبدا، فقد شاهدناه يتحدى القصف والحصار ويهاجم دباباتهم وجنودهم ويوقع الضحية تلو الأخرى، أما ام بسام فقالت طوالبة لم يكن مقاتلا فقط بل خاطر بنفسه لإنقاذ حياة أطفالي. وتضيف لن أنسى هذا البطل المجاهد؛ فعندما اشتد القصف واندلعت النيران في منزلي حوصر أبنائي داخله ولم يتمكن أحد من الاقتراب وإنقاذهم، وشاهدت طوالبة يخاطر بحياته ويقفز بين النار ويخرجهم أحياء واحدا تلو الآخر.

 

القائد العسكري

 

محمود موسى طوالبة القائد العسكري لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في مخيم جنين اسم يحفظه أطفال مخيم جنين كشيوخه ونساءه وشبابه عن ظهر قلب، وعندما يتردد على الألسن لا تسمع سوى أحاديث المحبة والتقدير والاحترام وحكايات المقاومة والبطولة والفداء التي جسدها عبر سنوات عمره وخلال الانتفاضة الراهنة بشكل خاص وفي معركة المخيم الأخيرة تحديدا، حيث يعتبر أبرز رموز المقاومة الذي قاد ملحمة الدفاع عن المخيم الذي ثار غضبا قبل شهور عدة لدى اعتقاله من الأجهزة الفلسطينية، وبقدر ما يتمتع به طوالبة من شعبية ومحبة وتقدير في أوساط الجماهير الفلسطينية وفصائل المقاومة المختلفة فإن أجهزة الأمن الصهيونية تعتبره ألد أعداء الكيان العبري حيث تصنفه بقائد والأب الروحي للاستشهاديين، وتنسب له تهم التخطيط للعمليات الاستشهادية وتجنيد استشهاديين نفذوا عمليات جرئية داخل العمق الصهيوني، بل ان قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال قال إن أهم أهداف الحملة العسكرية في مخيم جنين تصفية طوالبة الذي عمل ليل نهار على تجنيد المنتحرين وقتل الصهاينة ومهاجمة تجمعاتهم. وأضاف في حديث للإذاعة العبرية: فقد ارسل حتى شقيقه لتنفيذ عملية ضد الكيان العبري. واعترف قائد الحملة الصهيونية في المخيم أن طوالبة شكل هاجسا أثار الرعب لدى قوات جيش الدفاع؛ فمعلوماتنا تقول إنه مسؤول تصنيع العبوات التي عرقلت مهمة الجيش في المخيم، فطوالبة لم يكتف بإرسال المنتحرين للأراضي المحتلة بل ورغم حصار المخيم وقصفه وعمليات الجيش استمر في تصنيع القنابل وقيادة المعركة التي قتل فيها عدد كبير من الصهاينة، لذلك كله وضعت أجهزة الأمن الصهيوني على رأس قائمة المطلوبين للتصفية وليس الاعتقال، إلا أن طوالبة الذي أدرك حقيقة الملاحقة الأمنية الصهيونية له اتخذ كافة وسائل الحيطة والحذر وأحاط تحركاته بالسرية التامة رغم التصاقه بشعبه وحرصه على التواجد والتلاحم معه في السراء والضراء ومواصلة دوره وواجبه الوطني والجهادي، محبطا كافة محاولات اغتياله، مؤكدا في آخر حديث أجري معه قبل احتلال المخيم "أنه لن يستسلم أو يرفع الراية البيضاء بل سيقاتل ويجاهد في كل لحظة من حياته حتى يحقق الحلم الذي عاش معه منذ الصغر التحرير والانتصار وطرد المحتل الغاصب أو الشهادة". وأضاف: "خيارنا الجهاد والمقاومة طريق النصر أو الشهادة، سأقاتل حتى الرمق الأخير، ومعركتهم معي ستكون قاسية، وأمنيتي أن استشهد في مقاومتهم".

 

قلق وخوف على مصيره

 

ووسط الصور الجهادية العظيمة التي يرويها سكان المخيم عن ابنهم القائد طوالبة الذي سطر أروع صور المواجهة والتحدي في معركة المخيم الأخيرة، فان حالة من الخوف والقلق تنتاب الجميع على مصيره بعد انقطاع أخباره والاتصال به والعثور على رفاقه شهداء في المنزل الذي تحصن به بعد محاصرة قوات الاحتلال له وقصفه بالطائرات والدبابات، ويقول شقيقه علاء: "بعد انسحاب قوات الاحتلال من المخيم بدأنا بالبحث عن محمود الذي انقطع الاتصال به بشكل كامل، ولكن لم نجد له أثرا في قوائم المعتقلين أو الجرحى أو الأحياء، ولم نعثر على جثته مما زاد من قلقنا وخوفنا على مصيره. ولكن قبل أيام أبلغنا شهود عيان أن محمود استشهد بعد قصف المنزل الذي تحصن به بعشرين صاروخ بعد محاصرته بالدبابات. علاء الذي قادنا إلى ذلك المنزل الواقع في ساحة جورة الذهب والذي دمر بشكل كامل، قال: "شاهد عيان يقطن قبالة هذا المنزل أكد لنا أن محمود مع مجموعة من المقاتلين خاضوا معركة شرسة ودامية مع قوات الاحتلال لعدة ساعات منعوهم خلالها من اقتحام المنطقة، لذلك حشد القوات الصهيونية عدد كبير من الدبابات والبلدوزرات التي قامت تحت غطاء قصف الطائرات بهدم المنازل المجاورة لمحاصرة محمود ورفاقه، مما دفعهم للتحصن بأحد المنازل مواصلين المقاومة رغم القصف الشديد من الطائرات والدبابات". وأضاف الشاهد: أن الطائرة ألقت أكثر من عشرين صاروخ على المنزل وحاصرت محمود ورفاقه وهدمته عليهم، مؤكدا أنه تابع الحركة داخل المنزل للاطمئنان على مصير المقاتلين فيه. وعندما غادر الجيش المنطقة توجه إليه مع عدد من السكان فوجدوا جثامين محترقة وأخرى تحت الأنقاض. وبحسب علاء والأهالي فإنهم عثروا على جثة المقاتل اشرف محمود أبو الهيجاء ــ رفيق محمود ــ محترقة ومتفحمة، فيما لم يتمكن الأهالي من انتشال باقي الجثت التي غمرها وطمرها الركام. ولم ينتظر علاء وأسرته والأهالي حضور فرق وطواقم الاغاثة والإنقاذ وبأيديهم حفروا الصخر ورفعوا الأنقاض لساعات طويلة حتى وصلوا للجثت بعد أيام. ويقول علاء الذي وقف مع والدته وزوجة طوالبة يساعدون ويراقبون إخراج الجثت للتعرف عليها "كانت أصعب لحظات حياتي، فالجميع يؤكد أن جثة محمود تتواجد تحت هذا الركام، وأعتقد أنني مت في كل دقيقة ألف مرة قبل إخراج الجثت". أما والدته فجسدت مثالا للأم الفلسطينية المناضلة الصابرة المتامسكة؛ فلم تبرح المنطقة ولم تغادر الابتسامة محياها، وهي تقول ردا على سؤال مراسلنا: "إنها ليست حزينة حتى لو عثر على جثة ابنها، لأنه بطل ناضل وجاهد في سبيل الشهادة وتمناها". وبينما كانت الألسن والقلوب والعيون تتضرع لله العلي القدير أن يطمئنهم على مصير القائد البطل بدأ المجتعون بإخراج أجزاء الجثت من تحت الركام، وقال علاء: "صدمنا جميعا لأننا عثرنا على جثت ممزقة أشلاء وعظام دون أية معالم مما زاد من حيرتنا أو قلقنا، فلا يوجد أي إشارة أو معالم نشخص من خلالها هوية أصحاب الجثت، فتوجهنا لشاهد العيان، إلا أنه أكد لنا أن إحداها لمحمود، والثانية للمقاوم عبد الرحيم احمد حسين فرج، والثالثة للمقاوم أشرف أبو الهيجاء، وجميعهم كانوا مع محمود في لحظاته الأخيرة". ونقلت الأشلاء للمقبرة الجماعية في مستشفى جنين الحكومي وسط حالة من الحيرة والقلق، ورافقت الجموع والدته وزوجته للتأكد من هوية الجثة. وتقول والدته حقيقة لم نعثر على أية علامة فارقة ترشدنا للحقيقة، ولكن بعد ثلاثة أسابيع من اختفاءه وانقطاع أخباره لم يكن أمامنا إلا التسليم برواية شهود العيان، فالواضح أن محمود استشهد داخل تلك العمارة وحقق أمنيته.

 

المصير المجهول

 

ولملمت والدة طوالبة أشلاءه ملبية وصيته بالتماسك والصبر وعدم النواح والبكاء والعويل بل حافظت على ابتسامتها ورباطة جأشها وانبرت تشد أزر عائلات الشهداء اللواتي تجمعن في ساحة المستشفى داعية الجميع للصبر والدعاء لله أن يتقبل شهادة أبنائهم والاعتزاز بهم لأنهم كما قالت لقّنوا العدو دروسا لا تنسى وقاتلوا وقاوموا في ساحة المخيم ببسالة وكبدوا جيش العدو الصهيوني من القتلى والجرحى ما لم يخسره في حروبه المجتمعة مع الدول العربية، ومنعت أم محمد بناتها ونساء الحي اللواتي توافدن لشد أزرها من البكاء وقالت محمود بطل ولا يستحق البكاء بل إنني أرفع رأسي به عاليا، وهكذا سارت مع المئات في مواكب الشهداء الــ 35 نحو مقبرة الشهداء الجماعية في المخيم لإيوائهم الثرى وهي تقول في لحظات الوداع الأخيرة: "نم قرير العين يا محمود، لأن عبد الله سيحمل رايتك ويمضي على دربك ويحقق حلمك. محمود حي لن يموت". وكانت قوات الاحتلال أعلنت على لسان الإرهابي موفاز أن محمود طوالبة قتل خلال الهجوم الصهيوني على مخيم جنين، وذكر أن عملية قتل طوالبة استغرقت وقتا طويلا وكبدت الجيش خسائر فادحة، إلا أن شقيقه الأكبر محمد لا زال يشكك في كل الروايات ويقول: "لدي شعور أن محمود حي، صحيح أن اسمه أدرج ضمن قوائم الشهداء ولكن لا زلت أعتقد أنه ضمن المفقودين، فعدد المفقودين كبيرا والأيام القادمة ستكشف لنا الحقيقة".

 

صفحات مشرقة

 

في مخيم جنين ولد محمود الطوالبة لأسرة فلسطينية مجاهدة لجأت إليه بعد نكبة عام 1948 بعدما دمر الاحتلال منازلهم وشردهم من قريتهم نورس القريبة من حيفا، وهو الابن الثاني في أسرته المكونة من 8 أنفار. وتقول والدته: منذ صغره بدت عليه علامات التأثر بما تعرض له شعبنا من مآسي ونكبات، فتأثر بواقع معاناة اللجوء والحياة القاسية في مخيم جنين، فكبرت معه روح الانتماء للوطن والاستعداد للمقاومة وكراهية المحتل الغاصب الذي حرمه من حقه وأرضه والحياة كباقي البشر، وعندما يستمع لروايات والده عن مجازر الاحتلال وإرهابه كان يتمنى أن يكبر بسرعة لينتقم ويثأر، فحديثه الدائم منذ الصغر عن فلسطين وحق العودة وحلمه الشهادة، لذلك لم يتأخر في تحقيق حلمه فانخرط في صفوف المقاومة وحركة الجهاد الإسلامي في ريعان الشباب، وبدأ يقضي أوقاته في المسجد ودور العبادة وساحات المقاومة ودعوة الشباب للعودة للدين والإسلام وحمل لواء الجهاد. وفور اندلاع انتفاضة الأقصى لم يكتف طوالبة بالمشاركة في المواجهات والمسيرات بل شرع في تشكيل المجموعات السرية التابعة لحركة الجهاد الإسلامي والتي اتجهت نحو العمل لتطوير وتائر الفعل الجهادي المقاوم ورفد انتفاضة الحجر بالسلاح وعمليات المقاومة التي سرعان ما طورها لعمليات استشهادية.

 

جهاد ومقاومة وتضحية

 

وكرس طوالبة كل لحظات حياته للمقاومة والتخطيط للعمليات الاستشهادية التي أثارت الهلع والرعب في صفوف الصهاينة الذين وضعوه في قائمة المطلوبين الخطيرين التي سلمت للسي أي أيه الأمريكية التي طالبت السلطة الفلسطينية بكبح جماحه واعتقاله بعد إخفاق جهاز الشين بيت في اعتقاله وتصفيته، وقد شهد مخيم جنين مسيرات غاضبة على مدار أكثر من أسبوع بعد اعتقاله من الأجهزة الأمنية التي واصلت احتجازه لأكثر من شهرين، وتمكن من الهرب من سجن نابلس بعد قصف الصهاينة له، فعاد لمخيم جنين الذي استقبله بمسيرات حاشدة عبرت عن تقدير الجماهير الفلسطينية له واعتزازها الشديد به، وقد حظي باستقبال شعبي حاشد هتف المشاركون به بحياته وأشادوا ببطولاته التي جسدها بكل لحظة في حياته.

 

ويروي أهالي مخيم جنين أن أهم عوامل صمود المقاومة في معركة المخيم الأخيرة المواقف البطولية لطوالبة مع قادة فصائل المقاومة الأخرى، فقد شوهد في ميدان المعركة يقود الهجمات ويتصدى ببسالة لجنود الاحتلال. وقال الناجين من الموت في المخيم أن طوالبة كان يرفض النوم ويحرس مجموعات المقاتلين ويزور الأهالي في بيوتهم ويطمأن عليهم، وقد نصب عدة كمائن لجنود العدو وفجر منازل وأحياء بهم وتمكن لمرات كثيرة من محاصرة الجنود في الأزقة وقتالهم وتكبيدهم خسائر فادحة. وينقل الأهالي عن محمود إصراره على المقاومة ورفض دعوات الاحتلال للاستسلام. وفي حي الحواشين نجح طوالبة في محاصرة دورية من الجنود داخل منزل واشتبكوا معهم لعدة ساعات، وأكد الأهالي أنهم سمعوا صرخات وعويل الجنود الذين لم تتمكن الطائرات من إنقاذهم رغم قصفها للموقع بعشرات الصواريخ، وقد قتل عدد من الجنود.

 

زوجة الشهيد

 

أما أم عبد الله زوجة طوالبة، فعانقت فلذة كبدها الذي لم يبلغ الشهرين بعد وقالت لا يسعنا إلا أن نترحم عليه وندعو الله أن يطمأن قلوبنا عليه، محمود بطل ومنذ زواجنا وحديثه المفضل عن الجهاد والشهادة والاستشهاد، وإذا حقق الله له أمنيته فإننا نباركها له وندعوه أن يثبتنا على عهده ودربه وقسمه، وقد شاهدته عدة مرات خلال الهجوم فكان يقبل ولده عبد الله ويقول لي: ادعي لي بالشهادة، وازرعي هذه الروح لدى عبدالله ودعاء.

 

أما والدته فضمت حفيدتها دعاء البالغة من العمر 4 سنوات، فقالت الله يرضى عليه، مش كل واحد يحصل على هذه الشهادة، لن أزعل أو أبكي لأنه اختارها هو اختار الشهادة وهذه الطريقة، وأنا فخورة بمحمود طوالبة وأرفع رأسي به عاليا، وأدعو كل أم فلسطينية لتربية ابنها على درب ونهج محمود. ورسالتي لشارون أن محمود حي لن يموت، وجرائمك لن تمر دون عقاب، وشعبنا سيتمسك بعهد وراية محمود، ولن نركع ما دام فينا طفل يرضع.

 

تعسف وتنكيل

 

ولم تكتف قوات الاحتلال بتدمير منزل طوالبة خلال العدوان الأخير كما تقول والدته، بل اعتقل كل من والده وشقيقه رائد وكلاهما نقلا للتحقيق في المراكز الصهيونية ولا زال مصيرهما مجهولا، أما ابني مراد فيقبع في سجن عسقلان منذ عدة شهور بعدما اعتقل خلال محاولته تنفيذ عملية استشهادية في حيفا.

 

فجميع أسرتي، تضيف، سيواصلون درب النضال حتى نحقق حلمنا الكبير.

 

ورغم ذلك فإن أسئلة كثيرة لازالت مطروحة حول مصير محمود طوالبة هذا الاسم الذي لازالت تردده الألسنة وتخفق له القلوب وترفض العقول كل الحكايات المتداولة وتدعو له بالعمر المديد ليواصل درب الشهادة والجهاد نحو فلسطين.

 

 هذا وقد رثت حركة الجهاد الإسلامي شهيدها الحي الشهيد القائد محمود الطوالبة في بيان رسمي فيما يلي نصه:

 

الجنرال محمود طوالبة... قائد معركة جنين البطلة

 

كم هو فخر هذه الأمة جمعاء بمعركة جنين التي حشرت جيش العدو في زاوية حجمه الطبيعي، الذي حاول أن يضخمه بالأسطورة والتي لا تقهر وأنه صاحب الذراع الطويلة، فمعركة جنين كسرت هذا الذراع، وأذلت كبرياء هذا الجيش وهي تشكل عنوان المرحلة المقبلة من المواجهة مع هذا العدو الذي بات مقتنعًا أن المعارك القادمة مع هذا الشعب وهذه الأمة لن تكون إلا على هذه الشاكلة من البسالة والتضحية والصمود..

 

معركة جنين كشفت عن طبيعة المعدن الذي يشكل هذا الشعب بإيمانه وصلابته، والذي يتفوق على كل المعادن، حتى معدن اليورانيوم لا يمتلك من الطاقة ما يمتلكه هذا الشعب الأبي وخصوصا إذا ما تفاعل مع إسلامه تفاعل الجنرال محمود طوالبة، الذي شكل أسطورة المقاومة وعنوان التحدي، ومثال الإرادة والفداء في الشعب الفلسطيني.

 

هذا كله يستشف من معركة جنين البطلة، حيث حول بيته إلى كمين متفجر يصطاد به جنود العدو، ثم يفجره فوق رؤوسهم ويوقع بهم العديد من القتلى والجرحى، هذا الجنرال "على حد وصف الصحف الأوروبية له" الذي قاد عملية نصب الكمائن لجنود العدو الإرهابي فيجندلهم ما بين قتلى ومصابين ليرتفع صراخهم من الذعر والرعب والألم ليعلو على هدير طائراتهم وضجيج دباباتهم، هذا النموذج الاستشهادي الذي أفرغ من جلادته وصبره على كل المخيم ألوانا من الصبر والتحدي، والذي أفشل كل محاولات العدو الهادفة.. إلى تفريغ المخيم من قاطنيه ليسهل عليهم فيما بعد تدميره فوق رؤوس المقاومين، فإذا بالمخيم كله، حجارته.. مجاهديه.. منازله وساكنيه من الشيوخ والنساء والأطفال يتحولون إلى جنود مرابطين مقاومين يأتمرون بتوجيهات الجنرال محمود طوالبة ليسطر أروع المعارك، ويكتب أجمل صفحات تاريخ هذا الشعب، ملحمة البطولة والانتصار، التي دفعت قادة جيش العدو ومحلليه السياسيين للاعتراف بأن ملحمة جنين كانت ملحمة حركة الجهاد الإسلامي، ملحمة الجنرال محمود طوالبة.

 

أيها الجنرال "صدقت الله فصدقك الله ونحن على ذلك من الشاهدين" ألم تقل ذلك لأمينك العام يا محمود؟ حينما خاطبك بأن الحرب كر وفر، فقلت له "إن الملتقى في الجنة بإذن الله". وها أنت ترتقي إلى الجنان شهيدا فذا، لا تعرف للانكسار طريقا وتضع كل ألوية الجيوش العربية تحت ثقل أرطال النحاس والنياشين التي يصغرون تحتها وينوء بهم حملها، تضعهم في حجمهم القميء فيما أنت تتطاول فوق الرؤوس والتيجان لترتقي مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

 

يا محمود، كسرت قيدك منذ أقل من شهرين، ووضعت سجانيك في خندق العمالة من الذين سلموا أشقائك وإخوانك لجنود العدو، وهم يختبئون كما الجرذان في دهاليز العتمة والعار.

 

يا محمود، نحن لا نرثيك، ولكن نبكيك كبكاء النبي صلى الله عليه وسلم لحمزة رضي الله عنه في معركة أحد، ونقول: على مثل محمود فلتبكي البواكي.. ولكن يا محمود، إن أمهاتنا لا زلن قادرات على إنجاب القادة والجنرالات أمثالك.

 

يا محمود، إن دمك يتوزع على دماء الآباء والأمهات لينجبن من أمثالك وأمثال إخوانك المجاهدين.

 

فسلام عليك يا محمود في الخالدين.. سلام على المجاهدين في جنين ومخيمها وفي نابلس وقلعتها وفي بيت لحم وكنيستها وفي الخليل وحرمها..

 

سلام على هذا الشعب الذي كشف هشاشة هذا العدو وأكد حقيقة هذه الدولة العبرية السائرة نحو الزوال.

 

يا شعبنا الأبي.. هذا هو أنت.. هذا هو محمود.. هذه هي معركة جنين.. هذه هي حركة الجهاد الإسلامي وحماس وكتائب شهداء الأقصى وكل المقاومين الأبطال.. هذا هو طريق الانتصار وطريق كسر قيود الذل والعار.

 

حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين

 

27/محرم/1423هــ

 

الموافق 10/4/2002م