قائد فرقة 14 الإمام الحسين (ع)

 

ولد الشهيد حسين خرازي عام 1957م في محلة "كلم" من المحلات المستضعفة بأصفهان وسط عائلة شأنها الوعي والتقوى والإيمان، ومنذ صغره كان ذكياً مؤدباً، ونظراً لصوته الرخيم الجهوري تصدى للأذان والمناداة للصلاة في مسجد "سيد" بأصفهان.

 

في عام 1976م وبعد حصوله على شهادة الدبلوم في الطبيعيات سيق إلى الخدمة العسكرية الإلزامية وزُج قسراً مع مجموعة أخرى في عمليات القمع التي جرت بإقليم ظفار في عمان، فكان ناقماً على هذا الإجراء أشد النقمة، وبسبب ما يتحلى به من وعي وشعور رفيع كان يؤدي صلاته تامّة، ويقول: "هذا سفر معصية ويجب إتمام الصلاة فيه"! وتلبية لفتوى الإمام الخميني في عام 1357 ترك ثكنته العسكرية، ثم نشط في صفوف لجان الثورة الإسلامية بعد انتصارها وخاض الصراع ضد أعداء الثورة في الداخل والمعارك التي جرت في كردستان، ولم يقر له قرار أبداً، فدخل ساحة المعركة قائداً لفوج الصولة الذي كان يعد أقوى الأفواج في ذلك الوقت، وكان له دور مؤثر في تحرير مدن (ديوان درّه، سقز، بانه، مريوان، سردشت) منزلاً أفدح الضربات بأعداء الثورة من خلال خططه العسكرية.

 

باندلاع الحرب المفروضة توجه نحو الجبهة الجنوبية وجرى تعيينه آمراً لأول خط دفاعي بوجه القوات العراقية الغازية على امتداد الطريق بين آبادان والأهواز في منطقة دار خوئين، وهو ما أشتهر بـ (خط الأسد). وأثناء عمليات فك الحصار عن مدينة آبادان تولى قيادة الجبهة في دار خوئين واستولى على جسري (الحفّار والمارد) اللذين كان الغزاة العراقيون قد نصبوهما على نهر الكارون فما صروا آبادان. وأثناء تحرير بستان نفّذ الشهيد خرازي أمهر مناورة عسكرية بالتفافه على العدو من منطقة جذابة والتلول الرملية ومحاصرته عند منطقة بستان. وكان لواء الإمام الحسين (ع) من أصفهان قد نال صفته الرسمية بعد عمليات طريق القدس الظافرة.

 

في عمليات الفتح المبين باغت العدو بحنكته العسكرية بالتفافه حوله على امتداد طريق عين خوش ولمسافة خمسة عشر كيلومتراً، فيما كانت وحدته من أوائل الفرق التي عبرت نهر الكارون ووصلت إلى الطريق الواصل بين الأهواز وخرمشهر وساهمت بدور فعال في تحرير خرمشهر أثناء عمليات بيت المقدس.

 

قم إنه أبدى بسالة فائقة في مختلف العمليات من قبيل عمليات: (رمضان، والفجر التمهيدية، والفجر الرابعة، وخيبر) كقائد لفرقة الإمام الحسين (ع) إلى جانب البواسل من مقاتلي هذه الفرقة؛ ففي عمليات خيبر التي رافقها خسائر ومصاعب جمّة شن العدو هجومه على المنطقة بشتى أنواع المعدات الحربية، ومن بينها الأسلحة الكيماوية، بيد أن الشهيد خرازي أبى مغادرة خندقه حتى أصابت شظية إحدى يديه فقطعتها أثناء العمليات فأُخلي بدنه المضمخ بالجراح إلى خلف الجبهة.

 

وكانت فرقة الإمام الحسين (ع) من أفضل الوحدات الفاعلة أثناء عمليات (والفجر الثامنة)، حيث أرغمت فرقة الحرس الجمهوري العراقي على الاستسلام محققة انتصارات باهرة في منطقة الفاو ومصنع الملح التي كانت تعد من أكثر المناطق الحربية تعقيداً، واستطاعت فرقته خلال عمليات كربلاء الخامسة من اختراق السواتر الهلالية الممتدة خلف نهر جاسم بمحاذاة شط العرب وحتى جنوب بحيرة الأسماك، وأنزلت بالقوات العراقية الغازية هزيمة منكرة، وكان عبور هذا النهر مهماً بالنسبة للقوات الإسلامية لأنه كان السبب في انهيار أحد الحصون التي كانت متراصفة إلى جانب بعضها بالإضافة إلى تعزيز السواتر التي تمّ فتحها.

 

لقد أصيب الحاج حسين خرازي بالكثير من العمليات لكنه كان يرفض الإخلاء إلى خلف الجبهات تفادياً لإضعاف معنويات رفاق دربه، وفي ذروة القصف المدفعي المعادي أثناء عمليات كربلاء الخامسة تعذّر إيصال الطعام للمقاتلين، فتكفّل هو متابعة الأمر بجدية، وفي تلك الأثناء انفجرت قنبلة بالقرب منه عرجت على أثرها روحه العاشورائية إلى الملكوت الأعلى، وانتقل هذا القائد الفذّ إلى جوار الله في 26/2/1986م. 

 

خصال بارزة عن الشهيد

 

لقد كان يستأنس بالقرآن ويتلوه بصوت رائع للغاية؛ وبالإضافة لحنكته العسكرية كان يتميز بشجاعة قلَّ نظيرها وحزم وصلابة تمثل أنموذجاً لقادة الأفواج والمحاور، وتزينه هيبة قيادية متميزة.

 

كان ذا حساسية فائقة إزاء التصرف بيت المال، وكان يوصي المقاتلين بالاحتراز عن الإسراف ويقول: "إياكم وإهدار ما يوفره المستضعفون في هذا الظرف القاسي في فترة الحرب من إمكانيات ومستلزمات ويرسلونها إلى الجبهة"، وكان يؤمن بالنظم والتنظيم والالتزام بالانضباط العسكري، غير غافل لأهمية التدريب العسكري وتخريج الطاقات الكفوءة.

 

كان الشهيد خرازي عارفاً، دائم الوضوء، يقرن صلاته بالبكاء والخشوع والتوجه، لم يترك صلاة الليل، يرتدي الزي التعبوي على الدوام، متواضعاً ترابياً أمام التعبويين؛ ومن خصاله الصفاء والصدق والبساطة والابتعاد عن البهرجة.

 

فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً..