ذهب سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم إلى أن الحل الأمني سيبرهن على فشله وأن الحل في الإصلاح الشامل، وشدّد، سماحته: لن نزرع في هذه الأرض أي نبتة لحقد طائفي، قد أخذنا على أنفسنا هذا، ونحن ملتزمون به دائماً. إيماننا بالإسلام، ووعينا لأهدافه، واحترامنا للحكم الشرعي، الذي لا يسمح بالدعوة والتأسيس لفرقة الأمة، ويدعونا ويلزمنا بالعمل على تثبيت وحدتها.

 

بعد قمع انتفاضة الشعب البحريني واستقدام القوات السعودية تحت ما يسمى بقوات درع الجزيرة، وانتشاء سلطة آل خليفة بنتائج الخيار الأمني الذي تدحرجت إليه بعدما سدت الطريق أمام الخيار السياسي بالاستجابة لمطالب الشعب البحريني، جاء كلام آية الله الشيخ عيسى قاسم في خطبة الجمعة من مسجد الإمام الصادق(ع) بالدراز كاشفا عن بؤس هذا الخيار الذي يمكن أن يقوّض أشياء كثيرة إلا المطالب المشروعة.

 

يقول سماحته: هناك ما يسمى بالحل الأمني والأولى به أن يسمى بالإسكات الأمني.. ويعني الحل الأمني في بعض صوره وتطبيقاته العملية عزل كل شيءٍ آخر جانبا، وتحكيم أسلوب القوة الباطشة بكل مفرداته. ويتناول عزل القيم الدينية والإنسانية، والأعراف الاجتماعية، وكل المواثيق والدساتير والقوانين، والشرائع السماوية، وخلق الفطرة، وضوابط السلوك، ومقدرات الإنسان.

 

ويستطرد الشيخ قاسم مبينا نتائج هذا الخيار: هذا المنطق لا يمكن أن تقوم عليه حياة، أو يُبنى معه مجتمع، أو تستقر وفقه أوضاع، أو أن يؤوب بالناس إلى رشد.

 

هذا المنطق يمكن له أن يهدم حياة، أن يحطم أجساد، أن يرهق أعصاب، أن يهدم مجتمع، أن يبعثر بناء، وأن يقلق نفوس، أن يخيف ويرعب ويفزع، أن يزرع بغضاء، أن يولد أحقاد.. ويستحيل عليه أن يبني ائتلاف، أن يجمع شتات، أن ينعش اقتصاد، أن يكسب مودة، أن يؤسس لحياةٍ مريحة وأمنٍ مقيم وشرعيةٍ على الحقيقة.

 

ويضيف: هذا المنطق يمكن له أن يخفض الصوت الآخر أو يسكته إلى وقتٍ قصيرٍ أو طويل، ولكنه يعمّق المشكل، ويوسّع الفجوة، ويكثف من أسباب الانفجار، ويؤلب على صاحبه بفعل حكومة الضمير.

 

هذا المنطق لا يمكن أن يسقط قيمة الحقوق، ولا يملك أن ينسيها أو يلغيها، أو يعالج مخاطر التنكر لها وإهمالها، أو يُقبر إلى الأخير الصوت المجاهر بها.

 

وبعد هذا البيان يخلص سماحته إلى أن: الحاجة إلى الإصلاح ومقتضيات الإصلاح تبقى على ما هي عليه، والمطالبة بها لا تسقط، والمزيد في التدهور والفساد لابد أن ينتهي إلى نتيجته الحتمية من السحق والدمار للجميع، كما في كل الدنيا وكل التاريخ، إذ يستحيل أن تستوي نتائج الفساد والصلاح، والخطأ والصحيح، والاستقامة والانحراف، والأخذ بما هو حق وما هو باطل، فكلما افترق الطريق والاتجاه من دون لقاء لابد أن تفترق النهاية.

 

ويؤكد آية الله الشيخ قاسم أن هناك أمران لا يفوت عاقلاً إدراكهما: أولهما أن سياسة العنف والإرهاب من أي حكومةٍ مع شعبها تخلق حالة عداءٍ بين الطرفين. وثانيهما أن هذه العلاقة العدائية لا يستقيم معها أمر شعب ولا حكومة، ولا تبقى راحة لأيٍ من الطرفين، وتنزع الأمن من كل ربوع الوطن.

 

والحكومة التي تختار الدخول في علاقة عدائية سافرة مع شعبها، تجد نفسها مضطرة للاحتماء بقوةٍ من الخارج، ومن كان اعتمادك عليه في استمداد القوة ملكته أمر قوتك وإرادتك وقرارك، وجعلت نفسك مرتهناً لرغبته وهواه، واستعبدتها له. وحتى تظل مرتهناً لإرادة الأجنبي الذي يمدك بالقوة ضد طرفٍ آخر، فإنه يكون له حرصٌ على أن تبقى علاقتك بهذا الطرف متوترة، ويثيرك ضده، ولا يتيح لك فرصةً تصحيح العلاقة بينك وبينه.

 

ولم ينسى سماحته أن يشير إلى أن ذلك شأن أي معارضة أيضا، كما هو واقع المعارضة الليبية، يقول: فالمعارضة التي تعتمد على الخارج وتستمد قوتها منه، ويكون قوامها بيده، إرادتها مرتهنةٌ بإرادة الخارج ومصيرها في حكمه، وتتحول إلى رأس مال بيده، وورقة يساوم بها لحساب نفسه.

 

وأعان الله المعارضة والثورة في ليبيا، التي وجدت نفسها محكومةً في قوتها لقرار الخارج الذي لا يرحم، ولا يتورع أن ينتزع منها كل ما يمكن انتزاعه، وأن يساوم بها الطرف الآخر، ويمكن أن يبيعها عليه ويهددها بإسلامها لبطشه وتنكيله، وهو لا ينظر إلا مصلحته ووضع يده على كنوز ليبيا، والتحكم في سياستها ومصيرها كيفما يريد.

 

وعن أسباب الصراع في أي وطنٍ يرى آية الله الشيخ قاسم: هذا الصراع يكون من وراءه ظلم، وهو مكلفٌ لكل أطرافه، ولكن تزيد محنة الصراع وكلفة الصراع وخسائر الصراع، عندما يكون صراعاً بالوكالة عن طرفٍ أو أكثر من خارجٍ لا تهمه مصلحة الوطن على الإطلاق.

 

وبالعودة إلى ما تشهده البحرين بعد التدخل العسكري لما يسمى بقوات درع الجزيرة يقول الشيخ قاسم: الوضع الأمني من أعلى درجات حالات الطوارئ، وفيها انفلات في المقاييس، وتمثل زيادةُ في تعقيد الوضع، وتباعداً عن طريق الحل.

 

وفي ختام خطبته شدّد سماحته على جملة أمور، فعن المخرج يرى آية الله الشيخ قاسم: الحل في الإصلاح الشامل، وفيه الدواء وراحة الجميع وربح الوطن، وسيبرهن الحل الأمني على أنه ليس الحل، وأنه لا يصح التعويل عليه، وأن الحل له مخرجٌ آخر.

 

وعن تهمة الطائفية التي ألصقتها قوى مغرضة ووسائل إعلام مأجورة بانتفاضة الشعب البحريني قال سماحته: فلن نزرع في هذه الأرض أي نبتة لحقد طائفي، قد أخذنا على أنفسنا هذا، ونحن ملتزمون به دائماً. وأهم ما يجعلنا كذلك، وأن نعمل في صالح وحدة المجتمع والأمة، هو إيماننا بالإسلام، ووعينا لأهدافه، واحترامنا للحكم الشرعي، الذي لا يسمح بالدعوة والتأسيس لفرقة الأمة، ويدعونا ويلزمنا بالعمل على تثبيت وحدتها، وهذا حقٌ ثابتٌ على كل مسلم، والمتخلي عنه إنما هو مفرطٌ بالإسلام.

 

وعن المطالبة بالحقوق المشروعة للشعب البحريني فأكد سماحته أن هذه المطالبة وبالأسلوب السلمي فهي أمرٌ آخر لا مساس له بالوحدة الإسلامية، وإنما ينسجم معها، وهذا لا يعترض عليه مسلمٌ ولا عاقل.