كلمة سماحة الشيخ علي سلمان الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية في مهرجان (البحرين وطن الجميع)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أيّها الأحبّة، أيّها الشرفاء، أيّها الصابرون الصامدون المحتسبون، أيّها المطالبون بالحقوق، أيّها المتحضّرون، أيّها الشعب العظيم المسالم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

"رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي".

 

أؤكّد على التقيّد التام بإرشادات اللجنة المنظّمة لإنجاح الفعالية، وإيصال رسالة تجمّعنا إلى الداخل والخارج بالصورة اللائقة بشعب البحرين المتحضّر.

 

وقفة شكر..

 

تحيّة إجلال وإكبار إلى كل أم عاشت القلق والخوف على أبنائها وبناتها ولم يمنعها ذلك من حثّهم على المطالبة بحقوقهم المشروعة بل شاركت زوجها في أساليب المطالبة السلمية المتحضرة، وأخصّ بالذكر أم الشهيد وزوجته وأخته.

 

تحيّة إكبار إلى كل أبٍ عضّ على الجراح، واحتسب الأذى عند الله، وقدّم أبناءه في طريق الحرّية والكرامة.

 

تحيّة معطّرة بالحبّ لكل شاب وشابة حضروا إلى دوار اللؤلؤة وهم يحلمون بدولة متطوّرة تسود فيها العدالة والمساواة، وتتقدّم على طريق الديمقراطية حيث الفصل الحقيقي بين السلطات واستقلال واضح للقضاء وإرادة شعبية في اختيار الحكومة، وعبّروا عن مطالبهم المشروعة بطريقة سلمية متحضّرة أبهروا العالم بها، فكانت الحركة المطلبية البحرينية أكثر التحرّكات في الربيع العربي سلمية بحسب رأي الكثير من المراقبين.

 

تحيّة تُؤدّى والهامات منحية إلى الشهداء الأبرار الذين قدّموا أرواحهم في سبيل رفعة وطنهم، وفي سبيل كرامة أبناء شعبهم من السنة والشيعة، وفي سبيل مستقبل آمن لأطفال البحرين جميعاً.

 

تحيّة متلئلئة بقطرات العرق لعامل وموظّف في القطاع الخاص والعام وفي ألبا وبابكو وأسري وبتلكو وفي وزارة الصحة والتعليم وغيرها من مواقع العمل.. تحيّة إلى السواعد التي ساهمت في بناء البحرين وكافئها البطش بالفصل والتوقيف..

 

وأرحّب بالإعلان عن النيّة لعودة 571 من الشرفاء المفصولين، ونتطلّع إلى تطبيق هذا الإعلان، وإننا نتطلع ونعمل إلى اليوم التي تعود جميع هذه السواعد إلى مواقع الإنتاج والبناء والتنمية خدمة للبحرين وشعبها وفي نفس مناصبها ووظائفها قبل أن تجتاحنا مكارثية الألفية الثالثة.

 

وأقبّل كل يد مدّت بالمساعدة للمتضرّرين من جرّاء القمع، فقد شكّلت هذه الأيدي البيضاء لوحة راقية وجميلة من التكافل الاجتماعي، وأدعوكم إلى الاستمرار في هذا التكافل حتى تنجلي هذه المرحلة بالكامل.

 

تحيّة إلى من هم خلف القضبان من نساء عفيفات شريفات كريمات، ومن رموز سياسية مناضلة ونشطاء حقوق الإنسان، ومفاخر الأطباء والاستشاريين، ومفاخر الرياضة البحرينية، والأحرار من الكتاب والصحفيين والشعراء وأساتذة الجامعات، والمربّين من المعلّمين والمعلّمات.

 

تحيّة إلى كل فرد ناله التعسّف لأنه طالب بحقّه بطريقة سلمية متحضّرة من رجال أعمال، وسائقين سيارات الأجرة وسيارات الشحن الثقيل، وغيرهم الكثير..

 

وإنا لنتطلّع إلى يوم مصالحة وطنية شاملة وعميقة يتمّ من خلالها تبييض السجون وإنصاف المتضرّرين من السنة والشيعة وإنصاف كل المواطنين والمقيمين وتطييب خواطرهم وجبر ضررهم.

 

ثلاثة أشهر..

 

ثلاثة أشهر سوداء كالحة على جبين الوطن، صنعت جروحاً غائرة في جسد الوطن، وكان من آثارها تردّي سمعة البحرين الحقوقية والإعلامية والسياسية إلى درجة غير مسبوقة، فقد أجمعت المنظمات الحقوقية الدولية وجميع وسائل الإعلام العالمية المحترمة وجميع سياسيّي الدول الحرّة على إدانة حملة القمع في البحرين.. وانتهت إلى رأي عالمي موحّد بحاجة البحرين إلى حوار سياسي جادّ وحقيقي، يستجيب إلى تطلّعات شعب البحرين في الديمقراطية.

 

ثلاثة أشهر نازفة من جراح البحرينيين الطيّبين المسالمين لم تزد الشعب إلا إصراراً على المطالبة بحقوقه المشروعة، ورسّخت قناعاته أكثر فأكثر بالحاجة إلى الإصلاح الحقيقي في البلاد، وأن مطالبه كانت في مكانها، وأن تضحياته وقعت في مكانها وزمانها الصحيح من أجل مستقبل أفضل للبحرين والبحرينيين في حياة حرّة كريمة.

 

مطالبنا إصلاحية مشروعة..

 

نعيد اليوم التأكيد على مطالبنا الديمقراطية والمتمثّلة في المطالبة بدولة مدنية حديثة، عربية اللسان والهوية، وتحقّق ملكية دستورية متطوّرة على غرار الديمقراطيات العريقة كما بشّر ميثاق العمل الوطني، تنطلق وتبنى على ما تم التوافق عليه وطنياً في المبادئ السبعة التي أعلن عنها سمو ولي العهد، وأهمّها:

 

1. مجلس منتخب يتفرّد بالصلاحية التشريعية والرقابية دون تدخّل من السلطة التنفيذية أو مجلس معيّن.

 

2. عدالة ومساواة في التمثيل السياسي بين المواطنين عبر نظام انتخابي عادل وشفّاف يتضمّن دوائر انتخابية عادلة تحقّق المبدأ العالمي صوت لكل مواطن.

 

3. حكومة منتخبة وبتعبير ولي العهد في المبادئ السبعة المتّفق عليها وطنياً (حكومة تمثّل الإرادة الشعبية).

 

4. فصل حقيقي للسلطات يحقّق قضاء مستقلّ.

 

إننا نتطلّع إلى بناء واقع يشعر المواطنون أنهم بحقّ وصدق في دولة مؤسسات وقانون، دولة تحترم الحريات الأساسية وتراعي حقوق الإنسان.

 

إننا نتطلّع إلى دولة يكون فيها الجميع مواطنون لا أكثر من ذلك ولا أقلّ.. ولا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات بسبب الدين أو المذهب أو القبيلة والأسرة أو اللون والعرق.

 

إن هذه المطالب هي مطالب إصلاحية مشروعة ومعتدلة، تتحرّك تحت الشعار الرئيسي الكبير "الشعب يريد إصلاح النظام".

 

إنها مطالب ذات لون ونكهة وطنية، لا علاقة لإيران ولا لغيرها بها، وهي تصبّ في مسيرة تطوير الوطن سياسياً، وستنعكس عند تحقيقها تقدّماً اقتصادياً واستقراراً اجتماعياً وحياة أكثر رفاهية وحرّية وكرامة لكل البحرينيين.

 

إننا مع الاقتصاد الحرّ القائم على الشفافية والتنافسية وتشجيع حركة الاستثمار المحلّي والأجنبي، وندعو لخلق البيئة الصحّية لهذا الاستثمار مع الحفاظ على القيم والأخلاق الإسلامية والإنسانية الحميدة. وإن الدول الديمقراطية لا تنقطع فيها المسيرات والاعتصامات ولم يؤثر ذلك على اقتصادها أبداً، إنما يتأثر الاقتصاد بمناخ القمع وغياب الحرّية والشفافية والتنافسية.

 

إنها مطالب متحضّرة، لا تنتقص من أحد إنما تنتقص من قصور الأداء والفساد المالي والإداري وسرقة المال العام وانتهاك الحقوق الأساسية للإنسان. فهل من محبّ لوطنه ومتطلّع إلى تطوّره من يرفض هذه المطالب؟

 

الوطن للجميع..

 

إن أهل البحرين شيعة وسنة يحبّون وطنهم ولن يغادروا أو يهاجروا من البحرين، والبحرين جميلة بهذا التنوّع، وعلينا تعزيز هذا التنوّع وحمايته، نتطلّع إلى وطن يحترم فيه السنّي والشيعي على حد سواء، فالإنسان أيّ كان دينه ومذهبه فهو مواطن بحريني، يجمعنا معه الإنسانية والدين والعروبة الدين وعروبة البحرين ومحبّة البحرين.

 

إن التسامح والمحبّة هي القيم المنتصرة لا محالة على قيم الانتقام والفرقة. إننا نجدّد إعلان محبّتنا نحن الشيعة لإخواننا السنة في البحرين وفي منطقة الخليج والعالم، محبّة راسخة في قلوبنا تربينا عليها انطلاقاً من ديننا الذي يدعو إلى الوحدة والمحبّة بين أتباعه، ومع سائر أعضاء الأسرة البشرية.

 

يحاول البعض أن يكذب ويضلّل الرأي العام السنّي في البحرين والمنطقة مدّعياً أن الحركة المطلبية ذات مطالب شيعية وأنها تريد أن تنشئ دولة إسلامية شيعية، فهذه كذبة كبرى. فما نريده هو دولة مدنية ديمقراطية. وأقول لكم - أيّها الأحبّة السنّة - إن مطالبنا وطنية، ونعمل من أجل خير البحرين بسنّتها وشيعتها، ونعمل من أجل مستقبل أطفالنا جميعاً.

 

شعار من القلب رددناه في الدوار، ونعيده هنا: "إخوان سنّة وشيعة.. هذا الوطن ما نبيعه".

 

تعالوا - أحبّتي السنّة - نضع يداً بيد من أجل أن نطوّر نظامنا السياسي، ونبني وطننا، ونحفظ مستقبل أبناءنا، في صيغة سياسية متطوّرة تحقّق للجميع الخير ولوطننا التقّدم والازدهار.

 

شكر وعرفان..

 

نتقدّم بالشكر والعرفان لكل من عمل على مساعدة البحرين وشعبها في تجاوز هذه المحنة، ومدّ يد العون للمساعدة الإنسانية أو المساعدة السياسية، ونشكر المنظمات الحقوقية والإنسانية والمجتمع العربي والغسلامي والدولي، الذي يحاول أن يساعد البحرين على إنجاز حلّ سياسي يحقّق التقدّم نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان.

 

التطلّع نحو المستقبل..

 

الاستمرار في العمل السلمي..

 

ونحن نتمسّك بحقّنا في التظاهر والاعتصام السلمي، نؤكّد على حرمة دماء البحرينيين جميعاً مواطنين ومتظاهرين وشرطة، ونؤكّد على حق الآخرين في الحرّية وعدم تعطيل مصالح أحد، ونؤكّد على الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة، ونؤكّد على الاستمرار في العمل السلمي الذي بدأت به الحركة المطلبية واستمرت به وكسبت من خلاله تعاطف العالم ودعمه.

 

إن شعار "سلمية سلمية" أصبح أيقونة يردّدها الثوار في كل مكان في العالم العربي.

 

الترحيب بالحوار..

 

لقد أعربت الوفاق عن ترحيبها بالحوار، وأكّدت على أن هذا الحوار يجب أن يكون جادّاً وشاملاً لكافة القضايا السياسية، وينتج حلاً دائماً للبحرين حتى لا تعود انتكاسة بعد سنة أو عشر سنوات، ويبحث في جذور المشاكل وحلولها.

 

إن المجتمع الدولي يراقبنا كبحرينيين، ويدعمنا كبحرينيين في الوصول إلى حلول سياسية عادلة وديمقراطية، ولن يرضى بمجرّد حوار شكلي، وإن محاولة الهروب والالتفاف على المطالب الشعبية والحلول السياسية الجدّية والدائمة بمسمّى حوار شكلي أو مفرّغ ستؤول إلى فشل، ولن نكون جزءً من حوار بلا مضمون جادّ يوجد حلاً دائماً يستجيب إلى تطلّعات شعب البحرين.

 

وقد أعرب المجتمع الدولي جميعه عن الحاجة الماسّة إلى تهيئة أجواء الحوار الصحّي من وقف التحريض البغيض الذي يتولاّه التلفزيون الرسمي وبعض الصحف الصفراء، إلى عودة المفصولين، وإطلاق سراح معتقلي الرأي والسياسيين، ووقف حملة الترهيب ضد أفراد ومؤسسات الحركة المطلبية، وتوفّر الحرّيات العامة واحترام حقوق الإنسان الأساسية.

 

ونرحّب بوقف الحيف عن عدد من المفصولين وعودتهم إلى أعمالهم وبإطلاق سراح عدد من الموقوفين، ونطالب أن تشمل هذه الإجراءات جميع المتضرّرين من آثار الحملة الأمنية.

 

إننا جادّون في إنجاح الحوار، وإن عقولنا وقلوبنا مفتوحة لجميع المخلصين والذين يريدون للبحرين الإخلاص والتقدّم والمحبّة والألفة بين مواطنيها. إننا نمدّ أيدينا إلى الإصلاحيين في النظام وفي القوى السياسية والمجتمعية من أجل الوصول إلى حلّ سياسي حقيقي يستجيب إلى تطلّعات شعبي البحرين، حلاًّ سياسياً يرتضيه شعب البحرين طواعية ويصدق عليه بطريقة ديمقراطية مباشرة، فالشعب هو مصدر السلطات، وهو صاحب الكلمة الأخيرة، وهذا كلام لا يجادل فيه عاقل.

 

ولأن قبول الشعب يعني نجاح لنتائج الحوار وطريق إلى الاستقرار، أما إذا كان الشعب رافضاً لنتائج الحوار فإن هذا الحوار يكرّس الأزمة ولن يستطيع أن يجلب الاستقرار المنشود للجميع.

 

خاتمة..

 

إن قيمة كل عمل في الدنيا، تقدّر بقدر كون هذا العمل مرضيّاً لله سبحانه وتعالى من عدمه.

 

وقد قادنا اجتهادنا إلى أن المطالبة بالحقوق المشروعة هي قضية عادلة ومحقّة وتستحق العناء والبذل، وقد أوكلنا أمورنا إلى الله، ونحتسب ما يلحق بنا عنده، ونعلّق أملنا بنصرة الله للخير والعدل والحق.

 

اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، وفكّ قيد المعتقلين جميعاً، وأرجع الغائبين.

 

اللهم اجعل هذا البلد آمناً، وارزق أهله من الخيرات والبركات، وآمن أهله من كل خوف.

 

بسم الله الرحمن الرحيم "إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ".