يوم الخلاص:

 

تشتدّ أزمة العالم يوماً بعد يوم، وتزيد الأوضاع في الأرض سوءً، ويضيق الناس في حياتهم ذرعاً، ويضيق بهم الخناق بما عمّ وتعمّق من ظلم وما تعملق من سوء في ظلّ الهروب عن الدين و الإدبار عن الله ونسيان القيم.

 

وهناك يوم إنقاذٍ للأرض من ويلاتها، وللإنسان من مأساته، ويوم خلاص، هذا الإنقاذ لا يمكن أن يكون على يد أنظمة قائمة أو مستجدّة، وحكومات شاخصة أو بديلة، وشعوب خامدة أو مزمجرة إذا كان الكل من المتخلّين عن الدين، الهاربين عن الله، المكبّين على الأرض.

 

هذا الإنقاذ هيّئ الله سبحانه له رجلاً لا يتّخذ من دونه إلهاً في شيء، ولا يستبدل عن دينه في كبيرة ولا صغيرة، ولا يتخلّف عما أمر، ولا يُقدم عما نهاه، ولا يأتي حركة إلا بإذنه، ولا يعدل به عما كُلّف به ديناً إعصار ولا زلزال، ويعدّ له جيلاً لا رأي لهم إلاّ الإسلام، ولا إيمان عندهم إلاّ بقيادته المعصومة، وأكبر همّهم إعزاز الدين وإظهار كلمة الله في الأرض، وأن تكون في حياة الناس هي العليا على المكشوف كما هي في الباطن.

 

الأرض غارقة في الظلام، مملوؤة ظلماً وجوراً، ولا تخرجها من ظلامها وظلماتها ديمقراطية ولا شيوعية، ولا رأسمالية ولا اشتراكية، ولا علمانية ولا قومية، ولا عصبيات وطنية، ولا حكومات استكبارية، ولا حكومات تابعة ليلية، ولا شعوب تختار لنفسها على خلاف ما اختار الله لها وتعطي لرأيها حق السيادة والتشريع في قبال سيادته وتشريعه.

 

ما ينقذ الأرض، ما يخلّصها، ما يخرج الناس من الظلمات إلى النور، ما ينهي مأساة الظلم والتمزّق والاقتتال في حياة الناس هو ما يأخذهم في اتجاه الله (عزّ وجلّ) وعلى طريقه، ويخرجهم إلى عبادته من عبادة الطاغوت، ويخرس صوت الشيطان في حياة المجتمعات، وهو الإسلام عقيدة وشريعة، وأخلاقاً وقيماً، ومنهجاً وقيادةً تجسّد الإسلام علماً وعملاً، لا تضيع منه شيئاً، ولا يفوتها منه شيء، ولا تخالفه في شيء، ولا تخذله في أمر، وهي قيادة الإمام القائم عجّل الله فرجه الشريف، وجعلنا من أنصاره وأعوانه في غيبته وظهوره.

 

من لي غيرك؟[1]

 

عنوان اختاره المجلس الإسلامي العلمائي لموسم التوبة لهذا العام. والجواب على مستوى البداهة العقلية والوجدانية، وعلى مستوى النظر الغوّاص العميق، وما يعطيه واقع كل الكائنات ألاّ أحد لي غيرك على الإطلاق، أسأله النظر في أمري، وكشف ضرّي، وكفايتي وحمايتي، وما فيه خيري وسعادتي، إذ لا شيء من دونك يملك وجوده وحياته وأيّ شيء من أمره، وكل شيء مفتقر إليك وفي قبضتك ومحكوم لقهرك وأسير إرادتك، فبمن ألوذ وبمن أعوذ منك إلاّ بك، وكيف لا أتوب إليك وليس لي من منقذ سواك، وكيف لا أروب إلى طاعتك وهلاكي في معصيتك، وكيف أنساك وليس لي ذاكر غيرك، وكيف آمن من سخطك وكلّي مملوك لك مقهور لقدرتك، وكيف أيأس من رحمتك ورحمتك تغمرني وأنا في معصيتك، وكيف آمل سواك وكل شيء خلق لك وعيال عليك ولا عيش لأحد إلاّ بنعمتك، وكيف أطمئنّ إلى من عداك وكل من عداك شريكي في الفقر إليك، وكيف أصرّ على الذنب ونفسي بيدك وأمر رحيلي بقدرك، هذا كله وقد أضلّ، وقد أنسى، وقد يغرّر بي، وقد أعمى، وقد أتيه، وقد أتمادى في غيّي، فارحمني وأنقذني وتب علي واقبلني، ولا تكلني إلى نفسي ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين، يا كريم يا رحيم.

 

الحوار لماذا؟

 

الحوار الذي أقامته الحكومة، لماذا؟ إن كان للإصلاح فهو على خلاف ذلك حيث الاتجاه فيه إلى إبقاء ما كان على ما كان، إذا لم يكن التقهقهر به إلى سالف الزمان، ولم يأتِ تصميمه إلاّ ليرسّخ هذا الاتجاه ويؤكّده ويجعل كلمته هي العليا ورأيه هو القاطع.

 

أهم مسألة تتسبّب في صداع دائم لهذا الوطن، وينبعث منها الفساد والتصدّعات هي المسألة السياسية، وقد اختير المحاورون ليقولوا بأن كل شيء في المسألة السياسية على ما يرام، ولا يكون أحسن مما كان. وإذا كان الوضع السياسي بهذا القدر من التقدّم والسبق والامتياز، فما موقع الإصلاح؟![2]

 

لا يتمشّى أن يكون هدف الحوار الإصلاح مع فرض أن الوضع السياسي القائم هو أفضل وضع أو أكثر الأوضاع تقدّماً في هذا العالم.

 

في ظلّ سيادة هذا الفهم والتخطيط من أجل أن يكون هو الحاكم لجوّ الحوار، يكون الهدف الصحيح للحوار هو التأكيد على ما كان وإبقاؤه وتثبيته وترسيخه، لأن أيّ تغيير - بعد فرض أن وضعنا السياسي هو الأفضل أو الأنسب أو الأولى - سيكون من التراجع والخسارة والإفساد لا الإصلاح.

 

أقول للمتحاورين لا تتحاوروا، لأنه وبعد فرضكم أن الوضع السياسي القائم هو الأفضل أو الأولى يكون حواركم سبباً للتخلّي عن هذا الوضع السياسي الأفضل، وفي ذلك فساد لا صلاح.

 

وإن كان الحوار لإقناع الخارج، فالخارج الذي يمكن طلب إقناعه إما داعم أو محايد، والداعم للحكومة أساساً ومسبّقاً لا يحتاج إلى إقناع[3]، والمحايد لا يمكن أن يغرّر بمثل هذا الحوار أو يخدع به.

 

وإن كان الحوار لإقناع الموالاة في الداخل، فالمـوالاة لا تحتاج إلى إقنـاع كذلك، ومنها من يـرى أن تشدّد الحكومة في موقفـها من الشعب تسـاهلاً[4]، ويطالب بالمزيد من عنف الدولة وإرهابها والتنكيل بالشعب.

 

وإن كان لإقناع المعارضة، فكيف يرجى له إقناعها وهو يواجه كل مطالبها المهمّة بالرفض والإدانة وقد خطّط من أجل إفشالها.

 

هناك مطالب إصلاحية واضحة أعلنتها المعارضة، هي من أقلّ المطالب الإصلاحية في حركة الشعوب العربية هذه الأيام، ودون مستوى الزمان، والشعب يكبرها ولا تكبره، وقد طال صبره عنها، وصارت الضرورة حاكمة بها، فالحلّ فيها لا في غيرها.

 

ــــــــــــــــ

 

[1] المخاطب الله (عزّ وجلّ).

 

[2] أنت - كما يقول المحاورون - أمام وضع سياسي نموذجي أعلى، فالحوار حين يكون هدفه الإصلاح.. أيعقل هذا؟!.

 

[3] الأنظمة الداعمة للوضعية السياسية القائمة في البحرين - لكل ما فيها - هذه لا تحتاج إلى إقناع، هي على قناعة تامة، ولأن هذا هو الوضع الأفضل، وهي داعمة لهذا الوضع على الإطلاق. فما الحاجة إلى إقناعها؟!.

 

[4] هذا التشدّد يراه تساهلاً، فتقنعه بماذا أنت؟ هو الآن غير مقتنع بدرجة تشدّدك تجاه الشعب، ويريد منك درجة تشدّد أكبر. فأنت تريد أن تقنعه بماذا؟ بأنك غير ظالم، وبأنك غير مؤذٍ للآخرين؟!.