ظاهرة طافحة:

 

تكونت في الساحة العربية في البعد السياسي والأمني في العلاقة بين أنظمة الحكم والشعوب ظاهرة واضحة طافحة، تتكرر بمشاهدها الثابتة، والتي قد تختلف في بعض التفاصيل التي لا تضر بوحدتها النوعية في كل مواطن التحرك الحقوقي والثوري من البلاد عربية.

 

تبدأ هذه الظاهرة تحت ظروف الابتزاز الرسمي للشعوب، وسلب حقوقها، وقهر إرادتها، والتلاعب بمصيرها، باحتجاجات وتجمعات ومسيرات واعتصامات للمطالبة الحقوقية وتحسين الأوضاع، تقابل هذه البداية بالاستهزاء والتزوير، والعنف المفرط، والاتهامات الظالمة، والتلفيقات الكاذبة العارية.

 

وتأتي الضحايا أبناء وبنات الشعوب الأبرياء متوالية، ويتعاظم عدد الشهداء، ليكون الصاعق المفجر للأوضاع بصورة مرعبة، وليدخل الساحة في صراع مصيري لا هوادة فيه.

 

القليل من الأنظمة من يتغلب على غرور السلطة، ويستجيب جزئياً لإرادة الإصلاح قبل تفجر الأوضاع وصعوبة أو استحالة تداركها، لكسر حدة التوتر الشديد وتراجع حالة الغليان، ليستريح الوطن بعض وقت في ظل هدوء نسبي للأوضاع.

 

والكثير من الأنظمة لا يملك نفسه أمام غرور السلطة، ولا يسمع لنصح عقل، ولا يصغي لتقدير مصلحة، وإنما يلجأ للإفراط في استعمال القوة لينتصر للمعارضة على نفسه، ويرفع من مستوى رصيدها الشعبي، ويزيد من أعذارها، ويجرأ عليه قوىً جديدة واسعة كان يأمل أن تحيدها فاعلية السلاح ألم تكن طوع يده في ضرب المعارضة.

 

في ظل هذا النوع من رد الفعل الرسمي، ينتقل الوضع إلى حالة المفاصلة العملية التامة والثورة الشاملة، التي منها ما لا يغادر حالة الأسلوب السلمي وهو قليل، ومنها ما يقابل العدوان بعدوان مثله ما وجد إلى ذلك سبيلا.

 

ولحد الآن بالنسبة للساحات التي بدأت تحركاً جدياً في المواجهة مع ظلم الأنظمة، لم نجد شعباً قد تراجع، وقد وجد تراجع بدرجة وأخرى في أكثر من نظام، وإن كان ذلك في عدد من التجارب بعد فوات الأوان، حتى كانت أخس نهاية يحاذر منها النظام، وأسوء ما كان يفر منه وهو السقوط والهروب بالجلد والظهور في قفص الاتهام.

 

والعقل والمصلحة، وراحة الأوطان، وما يتمناه أهل الحكمة والإخلاص هو خيار الإصلاح الشامل لا السلاح الفتاك، والمبادرة بالإصلاح المرضي للشعوب لا الاستمرار في إلهاب مشاعر الناس، بزيادة القتل والفتك، حتى تفلت كل الأمور، ويقضى على جميع فرص التفاهم، وتغلق كل أبواب العودة، وتسد الطرق أمام أي حل يجمع بين إرادة الطرفين.

 

وأوضح ما تجمع عليه تجارب الساحة العربية منذ بداية الربيع العربي، هو أن تراجع الشعوب إلى الوراء صار شيءً ميئوساً منه على الإطلاق، وذلك لعدد من الظروف والمتغيرات في مستوى الشعوب وما ذاقه على يد الأنظمة الحاكمة من ويلات وكوارث ومذلة.

 

والتركيز على الإصلاح الجدي لا المازح، والشامل لا الجزئي، والجذري لا السطحي إنما هو لكونه حقاً أولا، ولأن من يريد لأي وطن أن يستريح طويلا، ويجعل أجواءه قابلة للتفاهم عند الخلاف، لا يجد من هذا النوع من الإصلاح بدا، ولا عثور على بديل له يحل محله.

 

المعالجة الحقوقية:

 

المعالجة لأي مشكل من مشاكل الشعوب التي أوقعتها فيها السياسات الخاطئة، ورفع أي ظلم عنها مما يلحق بوجودها من هذه السياسات أمر مطلوب، وحقٌ لابد منه، وهو الصحيح الذي يجب ألا يتأخر.

 

ومن أوضح ما يطلب في باب الحقوق ألا يبقى أبناء الشعب الذين طالبوا بحقوقهم وحريتهم وراء القضبان وفي غياهب السجون، ومن بينهم الشباب الأخيار، والناشئة الطاهرة، والأساتذة والمربون المحترمون، والأطباء المخلصون، وذوي الاختصاصات المختلفة، ونساء آبيات كريمات.

 

وكل توجيه حقوقي قائم، وأي خطوة في الاتجاه الصحيح على مستوى التوجيه، إنما تأخذ قيمتها من تحققها العملي وتجسيدها في أرض الواقع، وهذا أمر عارٍ من الغموض.

 

أما العلاج الحقيقي لسوء الأوضاع ودرء الخطر عن البلاد، ففي الحل السياسي الجدي الجذري العادل الذي ينال موافقة الشارع، ويضمن حالة الاستقرار، وإنما تتركز دعوتنا عليه ويتكثف نداءنا به، لأنه ما لا دونه الحل، وليس في غيره حلٌ على الإطلاق، نقول ذلك إخلاصا للبلاد والعباد.

 

فوق اللون البرتقالي:

 

وصلت درجة الإنذار لسماحة الشيخ علي سلمان من خلال التعدي المباشر على منزله وسيارته المحفوظة في مكانها منه، إلى ما فوق اللون البرتقالي لشخصه الكريم، وفي ذلك ابلغ خطورة والسوء الذي يتربص بهذا البلد من مثل هذه التهورات واللعب بالنار.

 

وإذا كان استهداف سماحة الشيخ على ما عرف به من إصرار شديد على الأسلوب السلمي في المعارضة، ودرجة كبيرة من التعقل، واستعداد للحوار، قد وصل إلى هذه الدرجة، فمن سيكون مستثنى من مثل هذا الاستهداف؟ ومن سيكون خارج دائرة التهديد الجدي من غير حق، ولا تقيد بدين أو عرف أو قانون؟!

 

إنها لغة لا أمن لمن لم يسكت، لا أمن لمن نطق بكلمة حق، ولكنها لغة أفشلتها الشعوب فلا تعد قادرة على إسكاتها.

 

وهذه اللغة لا يؤخذ بها إلا من أراد بأوطان المسلمين أن تحترق، وبالمجتمعات المسلمة أن يأتي عليها الهلاك.

 

وتطبيقاً لهذه اللغة المدمرة، يأتي سقوط الشهيد الفتى السعيد يوم العيد، ليكون شاهد إرهاب رسمي تكررت حوادثه وشواهده في أقبية السجون، وفي الميادين العامة والساحات المكشوفة، وفي وضح النهار.

 

إرهابٌ من مفرداته القتل العمد، وإتلاف الممتلكات الخاصة، والتعدي على الأموال، وتسميم البيئة، وتعمد خنق الناس في بيوتهم وغرف نومهم بالغازات السامة، وعليك أن تسمي كل هذا أمناً وسلامة، وحرصاً على مصلحة الوطن والمواطن، وتقديراً لسلامته وكرامته، وإلا كنت العدو اللدود، والخائن والمارق، الذي ليس له إلا العقاب[1].

 

ـــــــــــــــــــ

 

 [1] رجل نموذجٌ في التعقل، نموذجٌ في الأخذ بالأسلوب السلمي، إذا نال التهديد مثل هذا الشخص على ما هو عليه من هذه الصفات، فكيف لا ينال كل الساحة؟!