إذا كان هذا الاستفزاز ليخرج الشعب عن سلميته فإن الشعب باقٍ على التمسك بخطه السلمي وهو الأقرب لأخلاقيته وطبيعة تحركه.

 

بلغ السيل الزبى:

 

والزبى جمع زبية، وهي الربوة لا يبلغها الماء، والسيل هنا سيل الشر، سيل البغي، سيل العدوان والفضاضة والانحدار الخلقي، وضياع القيم، والاستخاف بالمقدسات والحرمات، وتجاوز الشرع والعرف والذوق الإنساني والدساتير والقوانين، وكل ما هو أخلاقي وحياءٌ حميد.

 

والروابي التي لا ينبغي أن يطالها عدوان، ولا يمس شرفها وحريتها وكرامتها في أي مجتمع مسلم ومن حكومة مسلمة، قرآن مجيد هو فوق كل كتاب، مسجد لعبادة الله عز وجل، وحسينية تحمل رسالة الحسين (عليه السلام)، وحرائر مؤمنات صالحات، ودماء زكية.

 

وليس شيء من هذه المقدسات والحرمات، ومن الدماء والأموال في هذا الوطن إلا وتعدت عليه السياسة، وناله بغي عظيم منها، وجرأة على الله ورسوله والدين الكريم.

 

الصورة المعروضة عما ارتكبته حماقة السياسة وجاهليتها وطيشها وغرورها في حق الحرائر الكريمات، من بنات هذا الوطن في (سيتي سنتر) جارحة جرحاً لا ينسى، مقرحة قرحاً لا يداوى، صارخة بأن وراءها جاهلية سوداء، وسقوطاً خلقياً ذريعا، وسخرية ممعنة بهذا الشعب وهزءاً به، وحقدا على بناته وأبنائه[1].

 

نعم إن كانوا يريدون إذلالنا فهيهات منا الذلة[2].

 

حرائر مؤمنات في بلد الإيمان، على مشهد من المتفرجين مرميات ركاماً بعضهن على بعضن في الأرض، مكبلات الأيدي إلى الخلف، صارخات مستغيثات بلا مغيث، دون هذا المنظر بشاعة وقسوة منظر الإماء في يدٍ غير رحيمة، ومنظر الأغنام ساعة ذبحها، ففي أي بلدٍ مسلمٍ يكون هذا؟ وفي ظل أي ضمير إنساني يكون هذا؟ وعلى يد كل من هذا؟

 

الجواب تنطق به الصورة، ويعلمه كل الشعب.

 

وإذا كان هذا هو حال المكشوف، وما تشهده الأعين من غلظة وفضاضة وعنف ضد النساء، وسحق لكرامة المواطن في الأسواق، فما حال ما يجري من كل ذلك في السجون؟

 

كان الله في عون هذا الشعب، وفرج الله عنه،،

 

إذا كانت هذه السياسية الإرهابية الممعنة في القسوة والإذلال من اجل أن تتراجع المطالب الشعبية خطوة للوراء، فإن المطالب في نفسها غير قابلة للتراجع، ومثل هذه الأساليب إنما تزيد من الإيمان بالتمسك بها، وتجعلها ضرورة ملحة لا تقبل التأجيل[3].

 

لم يعد الإصلاح الحقيقي المضمون أمنية من أماني الشعب، وإنما قد تأكد له أنه ضرورة من ضرورات وجوده، والضرورة لا يمكن التخلي عنها بحال.

 

لقد بذل الناس الكثير وأعطوا اثماناً غالية من اجل الإصلاح الذي يمثل حلاً واضحاً كافيا، فلم يعطوا كل ذلك من اجل الحوارات المستغفلة لقتل الوقت، ولا من اجل تحسين لقمة العيش على أهميته، وإطلاق سراح السجناء على ضرورته فحسب[4]، وإلا لما عرض الناس أنفسهم للسجن ابتداءً، ولا شحو بها على ضيق معاناتهم من أول الأمر، ولم يعطوا كل ما أعطوا من اجل إصلاح شكلي سطحي يبقي عمق المشكلة والمأساة على ما هو عليه، تأسيسا لجولات أخرى من المتاعب والخسائر والآلام[5].

 

أعطوا ويعطون من اجل أن يروا أنفسهم في وطنهم أحرارا، يشاركون بغير منٍ في رسم مستقبل بلدهم ومسار سياسته، ويتمتعون بخيراته في قسمة عادلة لا ضيرا، ويقتسمون المواقع الإيجابية فيه على حدٍ سواء، لا تمييز بينهم إلا على أساس الأمانة والكفاءة، وكل ذلك يحتاج إلى دستور صالح رشيد جديد.

 

وإذا كان العنف والانتهاك الصارخ لحرمة الحرائر بالصورة الفضة المخزية، لزرع روح الرعب في نفوس الرجال والنساء، فقد كفاكم ما جربتم من القسوة البالغة ضد أبناء الشعب طوال سنين، مما لم يثلم في عزيمتهم، وإنما كان دائماً يزيدهم إصرارا على المضي إلى الأمام.

 

وإذا كان هذا الاستفزاز من اجل أن يخرج الشعب عن سلميته، لتجدوا مبرراًً لتصفياتٍ داميةٍ واسعةٍ لأبنائه وبناته، فإن الشعب باقٍ على التمسك بخطه السلمي إيماناً منه بوجاهة هذا الخط، وحرصاً منه على مكتسبات الوطن، وإبقاءً منه على ما يعيد لأبناء هذا الوطن اللحمة القوية المتينة بينهم، ولا يسمح بزيادة الشروخ وبعثرة المجتمع المسلم وتمزقه إلى شراذم[5].

 

والأسلوب السلمي هو الأقرب لأخلاقية الشعب وطبيعة تحركه الذي لا يستهدف خراباً ولا فسادا، وإنما كل هدفه الإصلاح[6].

 

الجريمة في حق الحرائر ثبت عارها، وعارها باقٍ لا يقبل أن يمحى، فلا تضيفوا لها جريمة أخرى، ولا لعارها عارا آخر بإبقاء حرة واحدة منهن أو ممن قبلهن وراء القضبان، ولا تحاكمهن وهن البريئات المجني عليهن وأنتم المعتدون[7]، واتقوا الله في الدماء والأعراض والأموال والحرمات.

 

ألستم بكل هذه التعديات، وبتحويل البلد إلى بلد محاكمات يومية، وأحكام انتقامية، وسجون مظلمة، وساحة رعب عام، لا تظهرون إلا أنكم لا تريدون إلى هذا البلد إلا شر مصير وأسوء عاقبة؟.

 

أما ما عرضته الصورة المسربة من فضيحة أخلاقية ووصمة عار، لعملية انتهاك موغلة في الاستخفاف بكرامة المرآة وحرمة الإسلام، فقد سجل إحراجا لكل من له شيءٌ من الحياء ممن جند نفسه لنصرة البطش ضد هذا الشعب.

 

ثم انه من متابعة سلسلة الأحكام الانتقامية المتلاحقة التي لا توقف لها، صارت طائفة من الشعب تفهم أنها محكومٌ عليها كلها بالأجرام والسجن والسجن المؤبد والإعدام، هذه هي القاعدة وإن كان لكل قاعدة استثناء، لكن الاستثناء هنا في نظر الحكم ليس للبراءة وإنما من باب إما مناً وإما فداءا[8].

 

وهذا الاستهداف الذي لا مثيل له، لابد أن يقض مضجع العالم إذا كان للعالم حياة من ضمير.

 

 

 

ما أكثر التهم الجاهزة التي يساق الناس بها إلى المحاكمات، والمحاكمات المتشددة والمتمسكة بالعدالة حيث لا يفلت من تجريمها وإداناتها وعقوباتها الثقيلة إلا الشاذ النادر الذي لا يذكر[9]. ومن بين التهم التي تلاحق طائفةً واسعةً من المواطنين رجالاً ونساء، ومن كل الأعمار والمستويات، هي تهمة التحريض على كراهة النظام، وما أسهلها من تهمة!.

 

ومن اشتكى من سوء الأوضاع والتمييز والتهميش وفقدان الأمن والكثير من الأوضاع والمفاسد السائدة، فهو محرض على كراهة النظام{10}، ومن هو الذي لا يشتكي حتى يستثنى مستثنى ويخرج من دائرة الاتهام خارج؟ ومن انتقد بكلمة فهو محرض على كراهة النظام، ومن أبدى رأيا مخالفاً لإعلام السلطة فهو محرض على كراهة النظام، هذا فضلاً عن المشاركة في اعتصام أو مسيرة، إذن كلنا محرضون على كراهة النظام بهذا المعنى، ولا استثناء لأحدنا إلا من شذ وندر كما سبق رحمة وتخصيصاً كما يقولون لا تخصصاً من أهل الجريمة.

 

ولك أن تقول، إن السياسة في بلدنا جادة في الإصلاح، وأنها تخطوا خطوات واسعة على طريقه، وتسلك أقرب الطرق إليه، وإلى تهدأ الشارع وكسب رضاه، وذلك من خلال أحكام الإعدام والمؤبد ومدد السجن الطويلة لجماعات جماعات من المواطنين في صورة متسارعة، تشهد تكثيفاً كبيراً لهذه الأحكام، وتزف الشعب زرافات زرافات من الشرفاء الأحرار نساءً ورجالاً إلى غياهب السجون ألم يكن إلى أعواد المشانق، هذا هو طريق الإصلاح.

 

ــــــــــــــ

 

 [1] هتاف جموع المصلين : هيهات منا الذلة.

 

[2] هتاف جموع المصلين : هيهات منا الذلة ولن نركع إلا لله.

 

[3] هتاف جموع المصلين : هيهات منا الذلة.

 

[4] حتى إطلاق السجناء الذي هو مطلب ملح لم يكن التحرك من اجله، وإلا لما كان التحرك أساساً، لو كان إطلاق السجناء هو مطلبهم لما عرض الناس أنفسهم أساساً وابتداءً للسجن.

 

[5] كل ستة أشهر، كل سنة تكون مطالبة وتحرك ومسيرات، وجولة جديدة من المتاعب والآلام لمطلب بسيط؟! هذا ليس عقلاً.

 

[5] هتاف جموع المصلين : معكم معكم يا علماء.

 

[6] هتاف جموع المصلين : سلمية سلمية.

 

[7] هتاف جموع المصلين : أخرجوا النساء.

 

[8] هتاف جموع المصلين : هيهات منا الذلة.

 

[9] راجعوا قوائم المقدمين إلى المحاكمة، وانظروا عدد المبرأين في كل مرة من هذه القوائم، عدالة صارمة جداً، عدالة صحيحة صادقة لا تخطئ التشخيص في أن هذا الشعب مجرم بكل أبناءه إلا من شذ.

 

{10} ألا اشتكي من سوء معاملة؟ ألا اشتكي من تهميش؟ ألا اشتكي من تمييز؟ إذن أنا محرض على كراهة النظام!.