أعلن العبد الصالح الإمام الخامنئي هذا العام (الهجري الشمسي) عام (العمل المضاعف والهمة المضاعفة)، وتصبّ تسمية هذا العام في صميم «ثقافتنا» التي تقوم على أساس «اعملوا»: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾﴿إنّي عامل﴾ ﴿اعملوا صالحًا﴾ وتقوم على أساس همّة النفير ورفض التثاقل: ﴿مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ﴾ ﴿انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ﴾.

 

مفردات ثقافتنا الإسلامية جميعها تقوم على أساس الدفع والحركة والمسارعة إلى الكامل المطلق سبحانه، وكل خطوة على هذا الطريق هي خطوة على طريق كمال الإنسان وكمال المجتمع في جميع مجالاته المادية والمعنوية.

 

وفصل الربيع فصل اهتزاز الأرض وإخصابها وإنباتها من كل زوج بهيج ومن كل الثمرات. وهو فصل الاحتفال بالعظماء الذين قدمتهم إيران للبشرية ضمن إطار دائرة الحضارة الإسلامية:

 

يوم تكريم العطار النيشابوري (14 ابريل) وسعدي الشيرازي (21 أبريل) والفردوسي (15 مايو) وعمر الخيام (18 مايو).

 

كما أنه فصل تكريم الشهيدين السعيدين مرتضى مطهري (2 مايو) ومحمد باقر الصدر (8  أبريل) .. في ذكرى استشهادهما.

 

دعوة الإمام الخامنئي تلتقي مع الربيع المليء بعطاء الطبيعة، ومع ذكريات هؤلاء الرجال الذين غمروا البشرية بعطاء الفن والعلم والأدب والعرفان والسموّ والكمال.

 

و«ثقافتنا» تتطلب أن نقف ولو قليلاً عند المشترك بين الشهيدين السعيدين مطهري والصدر.

 

كتب الشهيد مطهري فيما كتب سلسلة كتب تحت عنوان: «مقدمة في التصور الإسلامي»، وهذه الكتب هي:

 

1ـ الإنسان والإيمان 2- التصور التوحيدي 3- الوحي والنبوة 4- الإنسان في القرآن 5- المجتمع والتاريخ 6- الإمامة والقيادة 7- الحياة الخالدة، أو الحياة الأخرى

 

وخلال هذه الكتب طرح الأستاذ الشهيد نظرة الإسلام العامة إلى الكون والحياة، وتمتاز:

 

1ـ بالوضوح والابتعاد ـ قدر الإمكان ـ عن التعقيدات الفلسفية والكلامية.

 

2- بالواقعية، إذ تعالج مسائل الفلسفة الإسلامية من خلال معالجة تعامل الإنسان مع واقعه.

 

3- بالمنهجية: ولذلك تصلح أن تكون كتبًا دراسية لتبويبها، وتنظيمها المنسق المتدرج.

 

4- بالعمق: فهي ـ وإن كانت بسيطة العبارة ـ تستند إلى أعمق المسائل الفلسفية، والأستاذ الشهيد معروف بإلقاء أعقد المسائل الفلسفية بعبارات واضحة ومن خلال أمثلة حية ملموسة.

 

5- بأنها تربوية، لأنها لا تستهدف تقويم العقل فحسب، بل تتجه إلى النفس الإنسانية فتحاول تهذيبها من خلال كشف الواقع الزائف للاتجاه المادي في التعامل مع الحياة.

 

والأستاذ الشهيد عُرف في هذا المجال أيضًا، فهو قد قرن التربية الفكرية بالتربية الأخلاقية في تعلّمه وتعليمه وجسّد ذلك في حياته عمليًا.

 

ينتقل الذهن وهو يتلو خصائص هذه السلسلة من كتب الأستاذ الشهيد مطهري إلى كتابات عملاق الفكر الإسلامي المعاصر الشهيد السعيد الإمام محمد باقر الصدر.

 

وسبب هذا الانتقال الذهني واضح..

 

كلا «الشهيدين» امتازا:

 

ـ بالعمق في فهم الإسلام وفهم الفكر العالمي المعاصر.

 

ـ بالأصالة الإسلامية، وعدم التأثر بتيار فكري أو اجتماعي غريب على الإسلام.

 

ـ بالاتجاه نحو تغيير الفرد والمجتمع على أساس الفكر الإسلامي.

 

نجد من المناسب هنا أن ننقل فقرة من «فلسفتنا» يوضّح فيها الشهيد الإمام الصدر «رسالة الدين» في تقديمه تفسيرًا للكون والحياة يحل مشكلة الإنسانية المتمثلة في التعارض بين «المصلحة الفردية» (حب الذات) و«المصلحة الاجتماعية»، وهذه الفقرة خير تمهيد لقراءة هذه السلسلة القيمة:

 

«ويقوم الدين هنا برسالته الكبرى التي لا يمكن أن يضطلع بأعبائها غيره، ولا أن تتحقق أهدافها البناءة وأغراضها الرشيدة إلاّ على أسسه وقواعده، فيربط بين المقياس الخلقي الذي يضعه للإنسان وحب الذات المتركز في فطرته.

 

وفي تعبير آخر: إن الدين يوحّد بين المقياس الفطري للعمل والحياة، وهو حبّ الذات، والمقياس الذي ينبغي أن يقام للعمل والحياة، ليضمن السعادة والرفاه والعدالة.

 

إن المقياس الفطري يتطلب من الإنسان أن يقدم مصالحه الذاتية على مصالح المجتمع ومقومات التماسك فيه، والمقياس الذي ينبغي أن يحكم ويسود هو المقياس الذي تتعادل في حسابه المصالح كلها، وتتوازن في مفاهيمه القيم الفردية والاجتماعية.

 

فكيف يتم التوفيق بين المقياسين وتوحيد الميزانين لتعود الطبيعة الإنسانية في الفرد عاملاً من عوامل الخير والسعادة للمجموع، بعد أن كانت مثار المأساة والنـزعة التي تتفنن في الأنانية وأشكالها؟

 

إن التوفيق والتوحيد يحصل بعملية يضمنها الدين للبشرية التائهة، وتتخذ العملية أسلوبين:

 

الأسلوب الأول: هو تركيز التفسير الواقعي للحياة، وإشاعة فهمها في لونها الصحيح، يكسب الإنسان فيها من السعادة على مقدار ما يسعى في حياته المحدودة هذه، في سبيل تحصيل رضا الله...

 

وأما الأسلوب الثاني الذي يتّخذه الدين، للتوفيق بين الدوافع الذاتية والقيم أو المصالح الاجتماعية فهو التعهد بتربية أخلاقية خاصة، تعنى بتغذية الإنسان روحيًا، وتنمية العواطف الإنسانية والمشاعر الخلقية فيه...»

 

الشهيدان السعيدان ـ الصدر ومطهري ـ إضافة إلى التقائهما الفكري والعملي الكبير، يلتقيان في نقاط عديدة من تاريخ حياتهما.

 

كلاهما عاشا يرتقبان طلوع الفجر الإسلامي الجديد.

 

وكلاهما اكتحلت أعينهما ببزوغ هذا الفجر المشرق في إيران، وشهدا ولادة الجمهورية الإسلامية.

 

وكلاهما استشهدا على طريق صيانة هذه الولادة الإسلامية الجديدة والدفاع عنها.

 

لقد عملا بهمّة عالية من أجل عزّة الأمة، فلْنضاعف العمل ولنضاعف الهمّة، ولنحوّل حياتنا كلها إلى ربيع مزدهر مثمر بهيج طافح بالعطاء، والله وليّ التوفيق.

 

ــــــــــــــــــ

 

المصدر: ثقافتنا للدراسات والبحوث المجلد 6 ـ العدد الحادي والعشرون ـ 1431 / 2010