كونوا مستعدين لتستفيد منكم الثورة حسب ما تقتضيه الضرورة دائماً وليس لهذه المرحلة فقط. يجب أن نُبقي أيضاً على هذه التذكرة. فربما تأتي ساعة وتكون أفضل استفادة من إنسان حي وعاقل وذي مشاعر هي أن يصبح سُلّماً ليصعد عليه شخص آخر ويمد يده للقيام بعمل من الأعمال.

 

ولكن المشكلة في ذلك هي أن عليه أن يقوم بهذا العمل طالما اقتضت مصلحة الثورة والبلاد ذلك.

 

إسلامية الثورة

 

إن ثورتنا تتمتع ببعد من أهم أبعادها، وهو البعد العالمي والدولي، فيجب أن لا يغفل لحظة واحدة عن هذا البعد. إن البعد العالمي والدولي ـ أي أقوال الشعب الإيراني وطريقه وأهدافه ـ يحظى بالحب والقبول لدى سائر شعوب العالم، أو على الأقل لدى بعضها.

 

وليس هكذا أن الشعب الإيراني قام بثورة، وأن الشعوب الأخرى تشاهده وتقول: إن هذا شيء يخصه ويتعلق به وبأوضاعه وأحواله ولا صلة لنا به أو فائدة.

 

فمن الممكن أن يرى المرء بعض الأحداث والتطورات التي وقعت في الكثير من البلدان ولكنها ظلت منحصرة بحدودها أو لم تحظ إلا بالقليل من الأصداء. ولكن الثورة الإسلامية في إيران كانت وما زالت وستظل لها أصداء واسعة. والسبب الأساسي في ذلك هو أن ثورتنا كانت من أجل الإسلام. وإنني لا أقول بأن الشعب لم يكن ساخطاً على أوضاع البلاد في زمن الحكم الطاغوتي أو أنه لم يكن يتطلع إلى التغيير، فالشعب كان ناقماً على كل شيء في زمن الطاغوت. ولقد كان الشعب يشعر بالشدة والهوان والضعة ومحو شخصيته عندما كان يفتح عينه ويشاهد الأوضاع في زمن الحكم الطاغوتي، سواء النظام البهلوي أو غالبية الحكومات التي سبقته. ومن الطبيعي أن الشعب كان يتطلع إلى تغيير أوضاعه المعيشية والحياتية والتغلب على هذه الشدائد التي كان مردّها إلى أمر واحد وهو أن أحداً لم يكن يعير أهمية لهذا الشعب ولا لعقيدته أو فكره وإيمانه.

 

لقد كان الشعب توّاقاً إلى الإسلام والتقاليد الإسلامية، ولكن أجهزة السلطة والحكم كانت تبث الدعايات ضد الإسلام. ولقد كانت أيدي السلطات تعمل على نشر الفساد الأخلاقي والسفور والابتعاد عن العادات والتقاليد الإسلامية وتفرضه على الناس. كما كانوا يسيئون إلى كل ما يحبه الناس ويحترمونه ويدوسون عليه أمام أعينهم. وهذا هو السرّ الرئيسي في الموضوع.

 

إن اعتقاد شعبنا بالإسلام، هو أعمق من أي اعتقاد آخر. وإن الذين شاهدوا الشعوب الأخرى من قريب، يشهدون بأن الشعب الإيراني هو من أكثر الشعوب المسلمة التزاماً بالإسلام والعقائد والأحكام الإسلامية. لقد اتضح للناس بأنه يمكن التمتع بالحياة الحرة والنعم المعنوية والمادية في ظل الإسلام. فالإسلام كان حبّ الناس وعقيدتهم. وهكذا قام الشعب بهذه الثورة العظيمة، وأقام بنفسه حكومة على أساس الإسلام.

 

إن كل مسلم في العالم يشعر بالحب تجاه هذا التحرك، لأنه لم يكن منحصراً داخل الأطر الوطنية والقومية الذاتية، بل كان تحركاً من أجل الإسلام الذي يمثل عاملاً وقاسماً مشتركاً بين العديد من الشعوب. إذن.. فالشعوب المسلمة تحب هذه الثورة وهذا النظام.

 

جميع الشعوب التي تعاني من الضغوط تحب ثورتنا:

 

وأمّا من جهة أخرى، فإن هذه الثورة كانت ضد القوى السلطوية في العالم، أي أنها نفت وتنفي كافة القوى نفياً باتّاً، وأن الشعب الإيراني قال كلا? لجميع قوى الاستكبار العالمي، ولهذا فإن كل الشعوب التي عانت وتعاني من ضغط إحدى هذه القوى تحب هذه الثورة لأنها تتحدث باسم هذه الشعوب وعلى لسانها.

 

عالمية الثورة الإسلامية

 

إن ثمة الكثير من الشعوب التي تغلي قلوبها سخطاً وتشعر بالأذى والنقمة جرّاء الحضور الأمريكي والنفوذ الاستكباري وإقامة القواعد العسكرية والتدخل الاقتصادي ونشر الثقافة الأجنبية في بلادها، ولكنها لا تجرؤ على التنفس ولا تقوى على التحرك بسبب افتقارها إلى قائد ينطلق بهذا التحرك وبسبب ما يمارس عليها من تضييق خانق. وإن البلدان الرجعية الموالية لأمريكا هي غالباً من هذا القبيل. فعندما تجد هذه الشعوب أن شعباً حراً وقوياً وشجاعاً يرفع الشعار ويتحرك ويقف بصلابة في مواجهة النفوذ الأمريكي والثقافة الغربية والتدخل الاستكباري والحضور العسكري والاقتصادي والثقافي الأجنبي، فلا مناص من أن تخفق قلوبها بحب هذا الشعب وهذه الثورة.

 

فالبعد العالمي، يعني أن شعبنا وثورتنا يحملان رسالة للشعوب الأخرى تبشر بأنه لو تسلّح شعب بالارادة والتفّ حول قائد ومحور قوي، لكان بإمكانه أن يفعل المستحيل. وثمة رسالة لكافة المسلمين تنبِّئُهم بأنهم لو امتلكوا العزم والارادة، فإنهم سيستطيعون إعادة الإسلام إلى المجتمع وإقرار حكومته، وذلك رغم ما تسعى إليه الأيدي المعادية للإسلام على طول سنوات متمادية من إزالة الإسلام والقضاء عليه. وهذه هي رسالة شعبنا وثورتنا.

 

دعم الشعوب لإيران حال دون ممارسة العدو للضغوط على شعبنا:

 

لا تفكروا بأن الشعوب الأخرى لم تفهم هذه الرسالة أو لم تسمعها؛ فما تشاهدونه في مراسم الحج من الدعم لكم ووقوف الآخرين بجانبكم من أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط والدول العربية وتركيا وبقية الشعوب وإطلاقهم الشعارات معكم ومشاركتكم في المسيرات، لهو جواب في الحقيقة عن رسالتكم. وإن ما تشاهدونه اليوم من أكاذيب الاعلام الاستكباري ضد إيران يعود إلى أنهم يريدون تحويل أنظار هذه الشعوب عنكم. إن كل هذه الدعايات الكاذبة والمناقضة للواقع توضح أنه لو قرأ أحد هذه الأخبار العالمية بدون الاطلاع على أساليب عمل الاعلاميين، فإنه لن يتمالك حقيقةً من التعجب، وسيتساءل مع نفسه: عمّا وعمن وحول أي شعب أو بلد يتحدث هؤلاء؟! لأن الهدف من كل هذه الدعايات ضد إيران وضد الجمهورية الإسلامية وضد شعبنا العظيم والشجاع هو أن يدخلوا اليأس في قلوب الشعوب الأخرى ويصرفوا أنظارها عنّا.

 

إرتباط الثورة الإسلامية مع الشعوب

 

إنكم تعدّون شعباً عظيماً وبطلاً في نظر الشعوب الأخرى، وهذه هي الحقيقة، وذلك بفضل تجربتكم الثورية العظيمة، ومفاخركم الرائعة في الحرب المفروضة، وما أفصحتم عنه من حب عميق لإمامكم العظيم في حياته ومماته، وما أبرزتموه من شجاعة في مواجهة جميع القوى. فهل يفيد كل هذا الاهتمام والحب الشعب الإيراني أو لا؟ بلى، إنه يفيده كثيراً. فدعم الشعوب لكم حال دون ممارسة الأعداء والقوى للضغوط على الشعب الإيراني وقلّل منها. أي أن أيَّ ضغط يمارسه العدو وأي ظلم يتحمله شعبنا، سيجعل الشعوب الأخرى أكثر وأشد إيماناً بحقانية رسالة الشعب الإيراني، وهو ما يمثل خطراً على الاستكبار.

 

إن هذا الكلام وهذه الأفكار وهذا الطريق وهذه الشعارات وحتى العادات والتقاليد الإيرانية تعتبر اليوم نموذجاً للشعوب في الكثير من دول العالم، حيث أصبحوا يرفعون نفس هذه الشعارات ويمارسون نفس هذه التقاليد. لقد شاهدت منذ عدة سنوات في إحدى الدول النائية جداً أن الفتيات اللائي يبدو أنهن من طلبة الجامعات يرتدين أزياءاً شبيهة بأزياء النساء الثوريات في إيران. فما هو السبب في ذلك؟ إننا لم نرسل أحداً إلى هناك ليقول لهم اجعلوا زي النساء على هذا الشكل. فهذا هو الامتداد الطبيعي لرسالة الثورة. إن نفس هذه الأقوال والشعارات والأفكار والأهداف لا يخلو منها اليوم الكثير من بلدان العالم ـ وخصوصاً الدول الإسلامية ـ حتى لقد أخذ الثائرون ـ ولاسيما الشباب ـ ينجذبون إليها ويهتمون بها. وهذا ما يخشاه الاستكبار.

 

الاستكبار يسعى لقطع علاقاتنا المعنوية بالشعوب:

 

ونخلص من هذا الحديث القصير إلى نقطتين: الأولى أن الاستكبار يسعى لقطع علاقاتنا المعنوية بالشعوب الأخرى لأنها تمثل خطراً عليه. وله في ذلك عدة أساليب: أولها أن يمارس ضغوطاً على هذه الشعوب عن طريق الحكومات الموالية له والعميلة، وهو ما لن يأتي بخير، لأنه كلما اشتدت الضغوط على هذه الشعوب اشتد حبّها للثورة والنظام الإسلامي.

 

وهناك أسلوب آخر وهو أن يبثوا وينشروا في وسائل الاعلام العالمية ما يشوب مشاعر الشعوب تجاه إيران. وهو ما زاولوه منذ بداية الثورة وحتى الآن. وإن ما ترونه من وصمنا بالرجعيين والأصوليين ومواصلة نشر إحصائيات حول التعذيب والاعدام عندنا، يهدف كله إلى انفضاض الشعوب الأخرى في الدول المسلمة وغير المسلمة عن إيران والحكومة الإسلامية.

 

فعندما يعاقب مهرب (مواد مخدرة) عدوّ لحياة الشباب والإنسانية، فإنهم يقولون في الدعايات الاستكبارية: إنهم يقتلون المعارضين السياسيين للحكومة! وإن ما يسمى بمنظمة العفو الدولية ـ والتي تنتمي إلى محافل السلطة العالمية ـ تتفنّن بين الفينة والأخرى في إعداد قائمة بحالات الاعدام والتعذيب والذبح والاعتقال المزيفة حول إيران، ونشر ما اصطنعه واختلقه أعداؤنا من إحصائيات. وهذا لجعل الشعوب الأخرى تعزف عن الشعب الإيراني والحكومة الإسلامية عندما تتلقى هذه الدعايات. وهو طريق قد سلكوه أيضاً منذ بداية الثورة وحتى الآن.

 

وثمة طريق ثالث أسوأ وأخطر من كل هذه الطرق وتلكم الأساليب، وهو أن يزيلوا فكرة إقامة علاقات مع الشعوب من أذهاننا نحن الشعب الإيراني، أي قطع العلاقات من ناحيتنا نحن، وإيهام الشعب الإيراني بالتفكير في نفسه ومصلحته فحسب، وماذا تريدون من الشعوب الأخرى والعالم؟ فكّروا في أنفسكم واصنعوا ما تشاؤون واعملوا على حل مشاكلكم. ومن الممكن أن تؤثر مثل هذه الأفكار على بعض السذج، غافلين عن أن مشاكل شعب ثوري لا تحل إلاّ بأمور مختلفة ومتنوعة، ومنها نفس هذا الدعم العالمي.

 

إن الكثير من المشاكل، مشاكل فرضها علينا العدو وأوجدها بيده في بلادنا، ولم تأت هذه المشاكل هكذا جزافاً. إن الأعداء خلف الحدود ـ ?وليس الأعداء الحقراء المتواجدون أحياناً في الداخل ـ هم الذين تسبّبوا في هذه المشاكل عن طريق الحصار الاقتصادي والضغوط وفرض الحرب والكثير من الممارسات الأخرى.

 

فلو أراد الشعب الإيراني أن يتغلب على مشاكله، فلن يكفيه أن يدور حول نفسه داخل الحدود ويفكر في كيفية وضع حلول لهذه المشاكل والعقبات واحدة بواحدة. إن عليه أيضاً أن يفشل مؤامرة العدو في الخارج. كما يجدر به أن يواجه العدو على الجبهات الدولية، وأفضل أسلوب وطريق لذلك هو الرأي العام للشعوب. فلا ينبغي إذن أن نقطع هذه العلاقة من ناحيتنا. وبالطبع فإن جعبة العدو لا تخلو من دعايات في هذا المضمار.

 

يجب على شعبنا أن يحافظ على شخصيته وطبيعته وملامحه الثورية:

 

وأما النقطة الثانية فهي أن على الشعب الإيراني أن يحافظ على شخصيته وطبيعته وملامحه الثورية في الداخل إذا أراد أن يحظى دائماً بالحب والقبول لدى الشعوب الأخرى. فإن الذي عظّمكم في نظر الشعوب هو: أولاً: الوحدة. فحافظوا على وحدتكم لأنها عنصر قيم للغاية. وإن الشعب المتحد يكون أسوة للشعوب الأخرى. وثانياً: الشجاعة وعدم الخوف من الأعداء. وهو ما أثبتّموه في الحرب والثورة وشتى الميادين. فحافظوا أيضاً على هذا العنصر كما حافظتم عليه لحد الآن والحمد لله. وثالثاً: الترابط والتماسك والتآلف التام والشديد بين الشعب والمسؤولين. وهو ما كان أمراً جذاباً للعالم؛ فمن النادر في البلدان الأخرى أن يحظى القادة والمسؤولون بمثل هذا الحب في أوساط الشعب.

 

ففي أي بلد تجدون رئيس الجمهورية يعبر الشارع فيتزاحم عليه الناس ويقبّلون سيارته ويعبّرون عن حبهم واحترامهم له؟ لقد شوهدت هذه المشاهد ومازالت في المدن المختلفة من بلدنا الثوري. إن حب الشعب للمسؤولين، ولاسيما ذلك الرابط العاطفي بين الشعب الإيراني والإمام (ره) لمن الأمور النموذجية التي تجذب شعوب العالم إلى هذا الشعب.

 

وأخيراً، فإن الميزة الرابعة التي جعلت الشعب الإيراني عظيماً ووجهه متألقاً في أعين الشعوب، هي أن شعبنا كان يرجح قضايا البلد والثورة على قضاياه الشخصية طوال مرحلة الحرب والثورة. إن هذه التضحيات وهذا الايثار له أهمية قصوى. وإنني أناشد أفراد شعبنا العزيز اليوم أيضاً أن يرجحوا أمور البلد والثورة على أمورهم وحاجاتهم الشخصية. فاعملوا لصالح الثورة وإيران وعظمة وتقدم وعمران البلاد، مما سيؤدي بدوره إلى تلبية حاجات كافة شرائح وأفراد البلاد. وبالطبع فإن الأمر لم يخل من أقلية كانت تفضل مصالحها الشخصية على مصالح البلد والشعب، ولكن عملهم وأسلوبهم هذا مرفوض.

 

العمق الإسلامي والقرآني للثورة

 

تعتبر ذكريات مرحلة النهضة والثورة دائماً أحداثاً مفعمة بالمعاني والإرشادات التي توضح لنا وللأجيال القادمة اتجاه وخط سير وتحرك النهضة والثورة. وإن السبب في أنكم تجدون بعض هذه الذكريات أشد رسوخاً في الخواطر وبريقاً وجذابية في الأنظار هو أنها أفضل تعبيراً وتكريساً من ناحية عرض الخط العام للنهضة والثورة الإسلامية الظافرة. وذكرى الثالث عشر من آبان هي واحدة من هذه الذكريات.

 

وإنني أود في هذا الصدد أن نكون أكثر اهتماماً بعمق الفكر الإسلامي والقرآني وأن نطبق الشعار على مبناه الفكري حتى نستطيع معرفة قيمة الشعار بشكل أفضل بملاحظة عمق هذا المبنى، وبذلك يتسنى لنا أن نراقب بدقة الاتجاه الحركي في الثورة والذي يمثل اتجاه الثورة وخطها المستقيم. فينبغي الحفاظ على ذلك والاهتمام به بدقة وعناية، فذلك كفيل بالحيلولة دون ما يهددنا ويهدد الثورة من أخطار.