المناجاة الشعبانية

 في الأحاديث الشريفة أمر بقراءة هذه المناجاة في كل يوم من هذا الشهر، فهل ناجَيتم الله بها؟ وهل استفدتم من معانيها الإيمانية الراقية؟([1]).

نجد في الروايات أيضاً حول هذه المناجاة أن الإمام أمير المؤمنين(ع) وكذلك الأئمة من بعده كانوا يناجون الله بها، ولا شك أن لهذه المناجاة أهميتها الخاصة، وكذلك كانوا سلام الله عليهم يهتمون بقراءتها ومناجاة الله بها، خصوصاً وأن الأدعية التي وردت عنهم (ع) أنهم كانوا يدأبون على قراءتها قليلة.

إن هذه المناجاة في الحقيقة تعد الإنسان وتهيئه للقيام بأعمال شهر رمضان المبارك... ولعل السبب في التركيز عليها هو هذا. لكي يصبح الإنسان على استعداد وإلتفات ليجني الفوائد العظيمة من الصوم.

لقد كان الأئمة (ع) يوضحون كثيراً من المسائل بواسطة الأدعية، أسلوب الدعاء يختلف كثيراً عن الأساليب الأخرى التي كانوا يستعملونها لبيان الأحكام. والمسائل الإيمانية والعقيدية، وكل المسائل الدقيقة المرتبطة بمعرفة الله سبحانه. كانوا يبينونها في الأدعية وبأسلوبها. من المؤسف أن نقرأ هذه الأدعية ونمر عليها دون أن نتأمل فيما تحمله من معانٍ دقيقة، ودون أن نعرف ماذا يريد الأئمة (ع) أن يقولوا.

تواجهنا في هذه المناجاة التالية: >إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعزِّ قدسك. لعل جملة إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك تبين هذه الحقيقة:

إن المؤمن الواعي يجب أن يكون قبل حلول شهر رمضان المبارك مجتنباً لكل لذائذ الدنيا.. (وهذا الاجتناب في قمته هو الانقطاع إلى الله سبحانه).. مهيِّئاً نفسه ومستعداً تمام الاستعداد للتزود من أجواء الإيمان في شهر الصيام.

إن كمال الانقطاع لا يحصل ببساطة، إنه يحتاج إلى ترويض للنفس غير اعتيادي، ويحتاج إلى بذل الجهد والاستقامة والممارسة. وبدون ذلك فلا يكون بوسع الإنسان أن ينقطع عن كل ما سوى الله سبحانه وتعالى.

إن كل الصفات الإيمانية الجليلة، وكل المستويات التقوائية الراقية تكمن في الانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى. ومن يتمكن من الوصول إلى هذه المرحلة فقد بلغ قمة السعادة. ولكن من المستحيل أن يستطيع إنسان بلوغ هذه الذرى ما دام في قلبه مثقال ذرة من حب الدنيا، والذي يريد أن يقوم بأعمال شهر رمضان كما هو المطلوب منه؛ عليه أن يحقق في نفسه هذا الانقطاع إلى الله، وإلا فإنه لن يستطيع مراعاة آداب الضيافة، ولن يستطيع إدراك عظمة المضيف، لن يمكنه أن يدرك في رحاب من هو، وعلى مائدة من ؟.

ـــــــــــ

([1]) مناجاة مولانا أمير المؤمنين (ع) وهي مناجاة الأئمة من ولده (ع) وكانوا يدعون بها في شهر شعبان (رواية ابن خالويه).

اللهم صل على محمد وآل محمد وأسمع دعائي إذا دعوتك وأسمع ندائي إذا ناديتك، إلهي أنا عبدك الضعيف المذنب ومملوكك المنيب (المعيب) فلا تجعلني ممن صرفت عنه وجهك وحجبه سهوه عن عفوك إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك.

إلهي واجعلني ممن ناديته فأجابك ولاحظته فصعق لجلالك، فناجيته سراً وعمل لك جهراً. إلهي لم أسلط على حسن ظني قنوط اليأس ولا انقطع رجائي من جميل كرمك. إلهي أن كانت الخطايا قد أسقطتني لديك فاصفح عني بحسن توكلي عليك، إلهي إن حطتني الذنوب من مكارم لطفك فقد نبهني اليقين إلى كرم عفوك، إلهي إن أنامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك فقد نبهتني المعرفة بكرم آلائك. إلهي إن دعائي إلى النار عظيم عقابك فقد دعاني إلى الجنة جزيل ثوابك. إلهي فلك أسأل، وإليك ابتهل وأرغب فأسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تجعلني ممن يديم ذكرك ولا ينقض عهدك ولا يغفل عن شكرك ولا يستخف بأمرك. إلهي وألحقني بنور عزك الابهج فأكون لك عارفاً وعن سواك منحرفاً ومنك خائفاً مراقباً يا ذا الجلال والإكرام وصلى الله على محمد رسوله وآله الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً. (بحار الأنوار ـ الأدعية والمناجاة).