يوم القدس ورايتها الذي تبهت فيه رايات الضلالة

بقلم عبد الرحيم التهامي

كما هو العهد مع القدس الذي يتجدد في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، خرجت الجموع في إيران وفي أكثر من منطقة حيث يتمكن الأحرار من رفع الراية ومعها الصوت الهادر بأن القدس التزام ومسؤولية، وأن فلسطين ستظل رغم أنف المدلسين هي القضية الأساس للأمة؛ هي عنوان وحدتها وهي جرح الكرامة الدامي ومسؤولية التاريخ، ونداءات الواجب الديني والأخلاقي والإنساني.

عندما أعلن الإمام الخميني(رض) عن يوم القدس العالمي كان ذلك ضمن سياق من الالتزامات تجاه قضية فلسطين عبّر عنها الإمام الخميني في جملة مواقف سياسية و فقهية سنوات قبل انتصار الثورة الإسلامية المباركة، الانتصار الذي على عظمته وتاريخيته اعتبره الإمام انتصارا منقوصا ما لم تتحرر القدس ويعود الشعب الفلسطيني من شتاته إلى أرضه وموطنه التاريخي.

لقد أدرك الإمام الخميني أن هناك بعدا لا يقل جوهرية في هذا الصراع الذي فرضه الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، وهو النسيان، حيث جرت مراهنة متواصلة من قبل الساسة الصهاينة على أن ينسى الشعب الفلسطيني قضيته وأرضه، وتنصرف الأجيال القادمة من الشعب الفلسطيني عن حق العودة وتقرير المصير، والقبول بالتوطين كبديل عن التحرير.

كما كان يدرك – قدس الله نفسه الزكية- أن العابثون من الحكام الخونة لا يترددون في بذل المساعي والجهود لتحويل الاهتمام عن القدس، وافتعال صراعات باطلة تشغل الأمة وتستنزف طاقاتها، حتى يتم البيع؛ بيع فلسطين في مسارات التسوية المخزية فأراد أن تظل القدس هي عنوان المعركة بل بوابة الكرامة للأمة وعزتها والمدخل إلى نهضتها المأمولة.

ليس يوم القدس العالمي كرنفالا سياسيا تتردد فيه الشعارات الحماسية ويتمسرح فيه الحلم؛ حلم التحرير والعودة، بل هو يوم الالتزام والمسؤولية، هو يوم بنفسه معركة ضد رهانات النسيان ومؤامرات التحوير، هو يوم الاصطفاف واختيار الموقع والهوية..بين من هم مع فلسطين وقضيتها وبين الخونة وسماسرة التسويات المذلة وأصحاب رايات الضلال ورايات الفتنة السوداء.

واليوم ؛ في يوم القدس العالمي يمكن أن نقرأ المشهد السياسي والثقافي، لنرى كم صرنا كأمة بعيدين عن القدس وقضيتها، فقد اجتهدت طبقة من العلماء تنسب نفسها زورا إلى الإسلام؛ في انجاز أكبر تحوير لبوصلة الصراع واتجاهه منذ تاريخ قضية فيما يسمى في الأدبيات الفلسطينية بالنكبة، وهكذا أصبحنا نسمع ومن فوق منابر مساجد الضرار أن قضية المسلمين الأولى هي القضية السورية! أي إسقاط النظام السوري الممانع والداعم للقضية الفلسطينية، وتابعنا بمرارة الكم الهائل من الفاعليات والمؤتمرات والمبادرات التي لا حصر لها وكلها تحت عنوان دعم "قضية الشعب السوري"، بل رأينا وقبل أيام قليلة مشهدا سورياليا في غزة، حيث نعت شرطة حركة "حماس" وبشكل رسمي أحد (مجاهديها) الذي لبى نداء الواجب و(استشهد) على الأراضي السورية!

نعم نعترف أن الأمة انخدعت بكل هذه الأصوات وبهذا الضخ الإعلامي الهائل الذي يمكن أن نصفه بأكبر وأوسع عملية غسل دماغ جماعي في التاريخ، وانخرطت كنتيجة لذلك تحت رايات ضالة ومضللة، بل وأبانت -للأسف- عن كثير من مواقف العداء والكراهية تجاه محور المقاومة ممثلا في إيران وحزب الله. وفي نفس الوقت نسجل بإعزاز أن الكثيرين في هذه الأمة لم يشربوا من ماء الدجل ولم تنطلي عليهم الخدعة الكبرى فظلوا على بصيرة من أمرهم على قاعدة أن ما يسر (إسرائيل) وما يرضيها هو الشر، فمبدأ فتش وافحص موقف (إسرائيل) كان طريقها الأقصر لتكتشف أن الحق في طرفه النقيض.

لقد انقلبت المعايير وتميعت المواقف، فيوم وقف المعزول مرسي في مهرجانه الأخير ليعلن قطع العلاقات مع سورية ليس بعيدا عن سفارة (إسرائيل) في القاهرة، ويعلن من هناك أن باب الجهاد في سوريا مشرع أمام المصريين، وأن الجيش المصري سيقوم بواجبه في نصرة الشعب السوري في معركته! أمام هذا الموقف الذي صفق له السفهاء، لم نجد كبير استهجان تمليه مفارقة الموقف المصري وحساسية موقعها في الصراعات، ويدفع إليه الوجدان البسيط.

وها هو مرسي المعزول شعبيا وثوريا؛ صاحب رسالة الخزي إلى صديقه العظيم بيريز، والمتهم بالخيانة العظمى وغيرها من التهم، يحظى بحملة دعم واسعة وكأنه بطل قومي، فيما تتواصل الحملات المغرضة والسخيفة على السيد حسن نصر الله صانع أول نصر على (إسرائيل) في تاريخ الهزائم العربية.

ومن هنا فيوم القدس العالمي لهذا العام يمكن اعتباره أيضا يوم فضح المتآمرين المتلبسين بالعمائم والمتجاسرين على الله والتاريخ قبل تجاسرهم على المابر، هو يوم لفضح دجالة العصر الذي سعى سعيه لينسي الأمة في فلسطين، هو يوم العار للذين استبذلوا راية المستضعفين الفلسطينيين براية الضلالة السوداء افتئاتا على الله ورسوله. وهو أيضا وبالسبة للأحرار والصادقين يوم الملحمة، يوم من أيام الله يتجدد فيه العهد للقدس على التحرير، وتتمجد فيه المقاومة باعتبارها أنبل وأصدق خيار تسلكه الشعوب الحرة لافتكاك الحقوق وتحرير الأرض من العدو.

ها هو يوم القدس العالمي في أشرف يوم وفي أشرف شهر يقيم حجته على الأمة، فالقضية هي فلسطين، والمسؤولية دينية وأخلاقية تلزم الجميع، وكل راية تبعِد عن القدس هي راية ضلالة، وكل مشروع يفكك الأمة ويشتتها ويضعفها أمام معركة فلسطين هو مشروع باطل ومتصهين.

اليوم وأمام مشهد رايات فلسطين خفاقة في التظاهرات، وأمام صور القدس تحملها أيادي الصادقين، تبهت كل الرايات وتخسآ كلّ أصوات الخيانة.

سجل يا تاريخ أننا في يوم القدس العالمي نرفع الصوت عاليا ونقول لمن ضل السبيل أو تاه في دروب النفط.. فلسطين هي الوجهة والقدس هي البوصلة.

المصدر: وکالة رسا للانباء