الحاج مجيد بعد الإفراج عنه (أ ف ب)

 لا ترى تظاهرة، صغيرة كانت أو كبيرة، إلا وكان مشاركاً فيها، بل وفي الصفوف الأولى. ليس بالإمكان ألا تلتفت إليه، فحضوره الوقور ولحيته البيضاء، حاملاً في يده علم البحرين، يجعلانك دائماً تتساءل، ما الذي يدفع هذا الشيخ ليكون بين الشباب وبعنفوان كعنفوانهم واندفاعهم وشجاعتهم؟

إنه الحاج مجيد محسن، أو كما يُطلَق عليه لقب الحاج «صمود»، البالغ من العمر 63 عاماً الذي عادة ما يرفع علامة النصر ويبتسم مردداً «صمود»، الكلمة التي تعوّد البحرينيون على رفع معنويات بعضهم البعض بها.

يرفع صوته بالهتاف كما الشباب، اعتقل مرات عدة أثناء مشاركته في تظاهرات هنا وهناك، أو من نقطة تفتيش، وفي المرة الأخيرة، عندما كان يراجع إدارة الهجرة والجوازات والجنسية لتجديد جواز سفر ابنته الصغيرة.

عادة ما تنسب إليه تهمة المشاركة في تظاهرة غير قانونية، فيبقى أياما عدة ويخرج. لكن وزارة الداخلية البحرينية قررت اتهامه في شهر آذار الماضي بتهمة حيازة الزجاجات الحارقة وحكم عليه بالسجن أربعة أشهر، وهي المدة الأطول التي يبتعد فيها عن عائلته. وعند إطلاق سراحه احتفل فيه أهالي منطقته بزفة كالعريس والمنتصر، رفعوا خلالها هتافات ضد الحكومة والملك.

يقول ابنه محسن: «نحن فخورون بأن والدنا أصبح رمزاً للصمود، ورمزاً للثورة في البحرين، فهو رجل مسالم رفع مطالبه بلا عنف، وهو يزعج النظام بهذه السلمية، لذلك يستهدفونه دائماً».

ويضيف: «هو صديقنا قبل أن يكون والدنا، يشيع في البيت أجواء المزاح والفرح، ويستمع إلى آرائنا ويناقشنا فيها، هو أب ديموقراطي ولا نخاف أن نطرح أمامه أياً من أفكارنا أو آرائنا، ونشتاق له كثيراً وهو في المعتقل».

محسن، وهو الابن الخامس في الترتيب، والأصغر بين الأولاد، يروي تفاصيل عن والده قائلا: «أرافق والدي في بعض التظاهرات خوفاً عليه من الاعتقال أو من الإصابة عندما تهاجم الشرطة التظاهرات، حتى انني اعتقلت في إحدى المرات لمدة 45 يوماً».

أصبح الحاج مجيد أو «صمود» رمزاً لاستمرارية التظاهرات، لثبات الناس على مطالبها، بالاصرار على التغيير والمضي نحو مستقبل أفضل.

وتشير زوجته «أم علي» في حديث إلى «السفير»، «كان يردد دائماً أنه شيخ، ولم يتبق له في الدنيا الكثير، فلن يخسر شيئاً إذا اعتقل أو استشهد، ولكنه يناضل من أجل مستقبل أفضل لأبنائه وأحفاده، ولن يتنازل، إما النصر أو الشهادة».

للحاج «صمود» من الأبناء والبنات ثمانية، ومن الأحفاد تسعة، يعيشون في حزن وهو في المعتقل الذي يزوره بين الفينة والأخرى. واليوم هو موقوف على ذمة التحقيق لمدة 15 يوماً. وتقول زوجته: «هو روح المنزل، وغيابه يسبب لنا الضيق، على الرغم من أن الناس تزورنا وتخفف عنا، فهو محبوب من الجميع وليس لديه أعداء أبداً».

الحاج مجيد، متقاعد بعدما كان يعمل في أحد المصانع لسنوات طويلة، وهو متعلم ويحب القراءة والإطلاع. ساهمت مشاركته في تمثيل عمل فني أعدته «جمعية الوفاق الوطني» المعارضة، بعنوان «موطني»، في شهرته أكثر، فقد كان بطلاً لفيديو كليب، من أداء المنشد البحريني حسين الأكرف، وكلمات الأديب الفلسطيني إبراهيم طوقان.

وعن ذلك، يقول ابنه محسن: «لم يخبرنا بأنه مشارك في العمل، حتى أنه في أحد الأيام كان خارجاً بثياب غير مكوية، فأوقفته وحاولت إقناعه بتبديلها، إلا أنه رفض وغادر، واستغربت تصرفه، وعندما تم تدشين العمل، اكتشفت سبب خروجه بهذه الهيئة، فقد ظهر بملابسه هذه في أحد المشاهد».

لم يتمكن الحاج «صمود» من مشاهدة العمل لأنه كان معتقلاً، فقد نشرته «الوفاق» على موقع «يوتيوب» وحصد أكثر من 200 ألف مشاهدة خلال أسبوع واحد فقط.

تقول عنه زوجته إنه: «لم يكن يوماً سياسياً، أو حتى مهتماً بالسياسة، شارك الناس في فترة الاحتجاجات في التسعينيات، ولكنه أصبح مداوماً على المشاركة في التظاهرات والمسيرات والاعتصامات منذ انطلاق الاحتجاجات في شباط العام 2011، فكنا نذهب مع بعض بشكل يومي إلى دوار اللؤلؤة».

وتوضح «أم علي» أنه «تقاعد قبل انطلاق الاحتجاجات بفترة بسيطة، وكرس وقته وحياته لنصرة هذه القضية، ونصرة شعبه، وأكثر ما يؤثر فيه هو سقوط شهداء جدد ليرووا هذه الأرض بالدماء من أجل الحرية والكرامة».

عائلة الحاج مجيد تنتظر الإفراج عنه بفارغ الصبر، فهو بالنسبة إليهم وللكثيرين من أهل البحرين الرجل الذي لا يعرف الخوف، «صمود» بنظرة كلها كبرياء وشموخ.

المصدر: جريدة السفير اللبنانية