من كنت مولاه1

نظرة موجزة حول كتاب «الولاية»

تمهيد:

قلّ مَن لا يعرف منّا محمد بن جرير بن يزيد بن كثير من غالب الطبريّ الآمليّ (224 ـ 28 شوال 310 هـ) المحدّث والمفسّر والفقيه والمؤرّخ المشهور، من أهل السنّة الذي وُلِد في القرن الثالث وتوفي في أوائل القرن الرابع الهجري. وقد تمّ تأليف الكثير من كتب التحقيق والدراسات حول هذه الشخصية العلمية البارزة، وعلى هذا فلا حاجة بنا هنا إلى تكرار ذلك أو التذكير به(1). وعند مقارنتنا بين مؤلفات الطبريّ وبين ما أفرزته قريحة علماء آخرين من بغداد في القرن نفسه لا نشك بتقدّم منزلته عليهم في كثير من العلوم كالفقه(2) والحديث والتفسير، وخصوصاً في مجال التاريخ الذي تناول فيه معظم معاصريه في تلك الفترة. ويمكن اعتبار الطبري في عِداد كبار المؤرخين من أهل السنّة من أمثال الخطيب البغداديّ وابن الجوزي وشمس الدين الذهبي وابن حَجَر، وذلك لِما خلّفه من آثار قيّمة في تاريخ الفكر السنّي ومن تآليف جيّدة وخالدة ـ خصوصاً كتابيه المشهورين في التاريخ والتفسير ـ ويعرّف شخصيّته الفريدة، ما ولّدته تلك الكتب من تأثير كبير على التأليفات التي كتبها كلّ من جاء بعده.

وقد تطرّقنا إلى معتقدات الطبري الدينية في مكان آخر وذكرنا الظروف العقائدية الغريبة التي كانت سائدة في بغداد في تلك الحقبة من التاريخ والتي قادت الطبري يومئذ إلى مواجهة مباشرة مع الحنابلة والمتطرّفين(3). ويمكننا القول: إنّه ليس بمقدورنا الوقوف على الحافز الرئيس الذي دفع الطبري إلى تأليف كتاب (الولاية) والذي جمع فيه كلّ طرق الحديث الخاصة بحادثة الغدير، دون مطالعة تلك الكتابات ودراسة أبعادها. فقد كان حنابلة بغداد الذين ورثوا العداوة للإمام علي عليه السلام عن الأمويين ينكرون فضائله عليه السلام جهراً وعلانية، حتى بلغت تلك العداوة مبلغاً أثارت معها حفيظة ابن قُتيبة (العالم والمحدّث وهو من أهل السنّة) وأشعلت نار الغضب والسّخط في أعماقه(4). أضعف إلى ذلك نظرة العثمانيين إلى الحديث والأخبار وانقيادهم الأعمى وراء بعض الأحاديث المختلفة والمنسوبة إلى الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم ممّا تسبّبت في عدم إجازتهم علماء الإسلام، ولو للحظة واحدة، التخطّي عن ظهور تلك الأحاديث. وفي خضم تلك الأحداث انبرى الطبريّ الذي كان يرى في نفسه أنّه أعلى مرتبة من الجميع بما فيهم أحمد بن حنبل، انبرى للتصديق لتلك المجموعة وفي مختلف الصُّعُد كاسراً بذلك طوق الحصار الذي فرضته تلك العناصر.

وسنعالج لاحقاً السبب وراء تأليف الطبريّ كتاب (الولاية). وأمّا ما نودّ التنويه إليه هنا هو أنّ مؤلف الكتاب المذكور ـ والذي فُقِدَت نُسخته الأصلية حسب ما لدينا من المعلومات ـ لا محالة هو محمد بن جرير الطبريّ المؤرّخ المشهور الذي ذاع صيته في بغداد. ولحسن الحظ توجد لدينا في هذا المجال مصادر قديمة يبدو أنّها دوّنت في الجيل الذي تلا الطبريّ وحتى القرن العاشر الهجري، وهي عبارة عن نصوص قيّمة تشير إلى ما نحن بصدده، وسنحاول التّعريف بها بعد حين.

صحيح أنّ هناك واحداً أو اثنين من الشّخصيات سميت كذلك باسم (الطبريّ) وأنّ أحدهم هو الطبريّ الشيعيّ صاحب كتاب (المسترشد)(5) والآخر هو الطبريّ مؤلّف كتاب (دلائل الإمامة)(6)، إلاّ نّ نسبة ذلك الكتاب (وأعني كتاب الولاية) وهو كتاب بُيّنت فيه طُرُق حديث (الغدير) إلى ذلك العالِم الشيعيّ لا يمكن أن يدلّ إلاّ على جهل تامّ بالمعلومات الواردة في النصوص التأريخية المتقنة؛ وباختصار ليس ذلك إلاّ رَجماً بالغيب والظنون التي لا تستند إلى أيّ أساس تأريخيّ على الإطلاق(7).

عنوان الكتاب:

قد أُطِلقت أسماء مختلفة على كتاب الطبريّ، كما جرت العادة على ذلك وكما هو الحال مع الكثير من الرسائل والكتب القديمة، ويمكننا تعليل ذلك في كون أنّ الأوائل كانوا يطلقون على بعض الكتب تسميات متعددة وذلك حسب ميولهم وحسب ما يقتضيه الموضوع العام للكتاب نفسه معتقدين بتناسب تلك التسميات مع ما تتضمّنه تلك الكتب من محتويات. إضافة إلى ذلك يبدو أنّ بعضاً من تلك التسميات يشير إلى مجموعة من الموضوعات المتنوعة والمكتوبة جنباً إلى جنب، وقد تشير تسميات أخرى إلى بعض أقسام أو فصول الكتاب نفسه والتي قد تُكتَب أحياناً بصورة مستقلة. فعلى سبيل المثال العنوان الذي ذكره ابن طاووس على أنّه عنوان الكتاب الذي ألّفه الطبري هو عنوان يمكن أن يشمل كذلك موضوع حديث الولاية وهو الموضوع الذي غدا بعد ذلك كتاباً مستقلاً بحدّ ذاته، إضافة إلى استخدام عنوان كتاب (الولاية) وتكرار ذكره من قِبَل الدّارسين والمطالعين لهذا الكتاب، فقد ذكره كذلك ابن شهراشوب في كتاب ببليوغرافيّ معروف وأشار إليه بالحرف الواحد(8).

وورد عنوان آخر للكتاب نفسه في الرجال للنجاشيّ، وهو: (الردّ على الحرقوصية) مؤكداً على أنّه كتاب للطبريّ (المؤرّخ السنيّ المعروف) مشيراً إلى أنّه قد تناول في الكتاب المذكور مسألة (حديث الغدير) حيث قال: «له كتاب الردّ على الحرقوصية، ذكر (فيه) طرق خبر يوم الغدير»(9).

وصرح ابن طاووس كذلك أنّ الطبري سمّى كتابه (الردّ على الحرقوصية)(10)، ويعتقد ابن طاووس أنّ السبب الذي دعا الطبريّ إلى تسمية كتابه بهذا الاسم هو كون أحمد بن حنبل ينحدر نسبه من حرقوص بن زهير زعيم الخوارج(11). وأما (روزنثال) فقد احتمل أن تكون تسمية الكتاب قد جاءت بسبب احتقار الطبريّ أبا بكر بن أبي داود السجستانيّ وازدرائه وهو الأمر الذي دعاه إلى تأليف كتاب (الولاية) كردّ على السجستانيّ هذا، مشيراً إلى أنّ كلمة (حرقوص) في اللغة تعني (ذبابة) أو (دويبة نحو البرغوث)(12). وربما أمكننا إضافة الاحتمال التالي إلى ما سبق وهو أنّ الطبريّ في استخدامه لهذا الاسم أراد الإشارة إلى فلسفته في تصنيف هذا الكتاب للردّ على شخص ناصبيّ إذا ما علمنا أنّ الخوارج كانوا أعداءً لعليّ عليه السلام وأنّ زعيمهم كان حرقوص بن زهير، ومن هنا استلهم الطبريّ اسم كتابه يريد بذلك إظهار الحنابلة المتطرفين بمظهر الخوارج والناصبين، وبذلك ينتفي الزّعم القائل بكون الاسم مستوحىً من نسب أحمد بن حنبل.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ العنوان (رسالة في طرق حديث الغدير) يتلاءم تماماً مع مضمون الكتاب الذي أطلقت عليه هذه التسمية ودون أيّ التباس أو إبهام(13). وموازاةً مع ما ذُكِر، فقد أورد (كالبرگ) عنوان كتاب (الولاية) وكتاب (المناقب) في موضعين، في حين يشير هو شخصياً إلى إمكانية كون كتاب (الولاية جزءاً من كتاب أشمل يدعى كتاب (الفضائل) أو كتاباً آخر بعنوان (المناقب)(14).

وأما كلّ من استند إلى هذا الكتاب أو تدارسه أو اقتبس منه فقد أشار إليه تارةً على أنّه كتاب (فضائل عليّ عليه السلام) أو (المناقب) تارةً أخرى، لكنهم جميعاً قاموا بنقل حديث الغدير من هذا الكتاب تماماً، كما فعل البعض من أمثال ابن شهراشوب حين أورد اسم كتاب (الولاية) في مُصنّفه الموسوم بـ(المناقب) وقاموا بنقل الفضائل عنه. ومن هنا يتّضح لنا عدم مراعاة الدقة في هذه المسألة بالشكل الكافي.

من الذي كان يملك كتاب (الغدير) أو (المناقب)؟:

كلّ ما نعلمه هو أنّ كتاب (الغدير) أو (المناقب) كان بحيازة عدد قليل من المؤلفين والمؤرخين والمحدثين المسلمين والكبار منهم على الأخصّ وذلك حتى القرن التاسع(15). وإليك أسماء بعض ممّن تداولوا الكتاب المذكور:

1 ـ القاضي نعمان الإسماعيليّ (ت: 363) وهو أكثر من نقل عن هذا الكتاب.

2 ـ النجاشيّ (372 ـ 450)؛ ذكر اسم الكتاب وأشار إلى أنّه اعتمد عليه في تثبيت طرق اسناده.

3 ـ الشيخ الطوسي (ت: 460) أيضاً.

4 ـ ياقوت الحمويّ (ت: 626) الذي نوّه بالتفصيل إلى كيفية تصنيف هذا الكتاب.

5 ـ ابن بطريق (ت: 600) الذي أشار إلى عدد الطرق في نقل حديث الغدير الوارد في هذا الكتاب.

6 ـ ابن شهراشوب (ت: 588) والذي أورد اسم الكتاب خلال ترجمته للمصنّف، وأشار كذلك إلى عدد الطرق في نقل حديث الغدير الوارد في هذا الكتاب، وذكر أيضاً اسم هذا الكتاب في مواضع عديدة من كتابه (المناقب).

7 ـ ابن طاووس (ت: 664)؛ فقد أورد اسم الكتاب وقام بالنّقل عنه.

8 ـ شمس الدين الذهبيّ (ت: 748) الذي قيل إنّه رأى الكتاب المذكور بأمّ عينه وقام كذلك بنقل أحاديث كثيرة عنه.

9 ـ ابن كثير (ت: 774) وهو كذلك ممّن رأى الكتاب وقام بنَقل عدة روايات عنه.

10 ـ ابن حَجَر (ت: 852) وهو أيضاً كان قد شاهد الكتاب بنفسه.

والواقع أنّ هذا الأمر على قدر من الوضوح والجلاء بحيث لا يحتاج إلى مزيد إثبات من أحد. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ أحداً لم يتطرّق إلى التعريف بهذا الكتاب النفيس مثلما فعل الأستاذ العلامة المرحوم السيّد عبد العزيز الطباطبائيّ الذي أوقف جلّ عمره في التّحقيق فيما يخصّ الإمام أمير المؤمنين وأهل البيت (عليهم السلام) عموماً(16).

والآن دعونا نطالع ما قيل في حقّ الكتاب الذي نحن بصدده:

إنّ القاضي نعمان ـ أبو حنيفة نعمان بن محمّد التميميّ المغربيّ الكاتب العالِم والإسماعيليّ المذهب في عهد الدولة الفاطمية (ت: 363) ـ أكثر من نقل عن الكتاب المذكور (كتاب الولاية) وذلك في المجلد الأول من كتاب (شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار)، وسنتحدّث عن ذلك بالتفصيل في السطور التالية.

كتب أبو العباس أحمد بن علي النّجاشيّ عن الطبريّ وكتابه (الغدير) يقول: «أبو جعفر الطّبري عاميّ، له كتاب الردّ على الحرقوصية، ذكر طرق خبر يوم الغدير، أخبرنا القاضي أبو إسحاق، إبراهيم بن مخلّد، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا محمد بن جرير بكتابه (الردُّ على الحرقوصية)»(17).

وقال الشيخ الطوسيّ كذلك مشيراً إلى الكتاب المذكور:

«محمد بن جرير الطبري، أبو جعفر، صاحب التاريخ، عاميّ المذهب. له كتاب خبر غدير خمّ، تصنيفه وشرح أمره. أخبرنا أحمد بن عبدون، عن أبي بكر الدوري، عن ابن كامل، عنه»(18).

وعلّق يحيى بن الحسن المعروف بابن البطريق (523 ـ 600) بقوله:

«وقد ذكر محمد بن جرير الطبري، صاحب التاريخ خبر يوم الغدير وطرقه من خمسة وسبعين طريقاً، وأفرد له كتاباً سمّاه كتاب (الولاية)»(19).

وأشار ابن شهراشوب إلى كتاب (الولاية) للطبريّ أيضاً حيث قال:

«أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري صاحب التاريخ، عاميّ، له كتاب غدير خمّ وشرح أمره، وسماّه كتاب (الولاية)»(20).

وسنرى كيف أنّه (أي ابن شهراشوب) قام بنقل بعض الروايات عن هذا الكتاب في مصنّفه الموسوم بـ(مناقب آل أبي طالب).

وخلال إثباته لتواتر حديث الغدير، أشار الشيخ سديد الدين محمود الحمصيّ الرازيّ (من علماء القرن السابع الهجريّ) إلى مؤلفات أصحاب الحديث، ومن جملة ما قال معلّقاً على ذلك:

«لأن أصحاب الحديث أوردوه من طرق كثيرة، كمحمد بن جرير الطبري فإنّه أورده من نيّف وسبعين طريقاً في كتابه»(21).

وكتب أحمد بن موسى بن طاووس (أحد العلماء الذين اشتهروا في منتصف القرن السابع الهجريّ) بهذا الصدد قائلاً:

«وساقة (أي حديث الغدير) أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (صاحب التفسير والتاريخ الكبير) من خمسة وسبعين طريقاً»(22).

ونقل رضيّ الدين عليّ بن طاووس (589 ـ 664) بعض النصوص من كتاب (مناقب أهل البيت) للطبريّ(23) وفي مكان آخر أشار كذلك إلى كتاب (الولاية) أيضاً والذي سنأتي على تفصيله فيما بعد. وأما ما قاله ابن طاووس تعليقاً على كتاب (الولاية) للطبريّ فهو كالآتي:

«ومن ذلك ما رواه محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ الكبير صنّفه وسمّاه كتاب (الردّ على الحرقوصية)، روى فيه حديث يوم الغدير وما نصّ النبي على عليّ عليه السلام بالولاية والمقام الكبير، وروى ذلك من خمس وسبعين طريقاً(24).

وقال في مكان آخر:

«وأما الذي ذكره محمد بن جرير صاحب التاريخ فإنّه في مجلّد»(25).

وكتب في موضع غيره:

«وقد روى الحديث في ذلك محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ من خمس وسبعين طريقاً وأفرد له كتاباً سمّاه (حديث الولاية)»(26).

وكتب شمس الدين الذهبيّ (673 ـ 748) يقول:

«ولمّا بلغه أنّ ابن أبي داود تكلّم في حديث غدير خم، عمل كتاب (الفضائل) وتكلّم على تصحيح الحديث. قلت: رأيت مجلداً من طرق الحديث لابن جرير فاندهشْتُ له لكثرة الطرق»(27).

وسنرى أنّ الذهبيّ الذي نظنّه لم يرَ من الكتاب إلاّ جزؤه الثاني، كيف ينقل بعض الروايات من هذا الكتاب في كتابه (طرق حديث ـ من كنتُ مولاه ـ). وقال الذهبيّ في موضع غير هذا:

«قال محمد بن جرير الطبري في المجلّد الثاني من كتاب (غدير خم) له، وأظنه بمثل جمع هذا الكتاب نسب إلى التشيّع، فقال:...»(28).

وذكر ابن كثير(ت: 774) في ترجمته للطبريّ في ذيل حوادث سنة (310) ما يليّ:

«وقد رأيتُ له كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خمّ في مجلدين ضخمين»(29).

وكتب ابن حَجَر العسقلاني (773 ـ 852) معلّقاً على ما أورده المزيّ في (تهذيب الكمال) بقوله:

«لم يزد على ما أتى به ابن عبد ربّه في الاستيعاب سوى نقله لحديث الموالاة(30) وقد جمعه ابن جرير الطبريّ في مؤلّف فيه أضعاف من ذكر(31) وصحّحه واعتنى بجمع طرقه أبو العبّاس بن عقدة فأخرجه من حديث سبعين صحابيّاً أو أكثر»(32).

هدف الطبريّ من تأليف كتاب (الولاية):

أشار بعض المصادر إلى الهدف الذي توخّاه الطبري وراء تأليفه لكتاب (الولاية). وخلاصة الأمر أنّ عالماً من سجستان (هو ابن السجستانيّ المعروف) صاحب السنّن) قام بتفنيد حديث الغدير ممّا حدا بالطبريّ إلى تأليف الكتاب المذكور (كردّ على تلك الصيحة). دعونا نتابع التقارير المدوّنة في المصادر القديمة فيما يخصّ هذا الأمر.

يعدّ القاضي نعمان أوّل من بيّن العلّة في تأليف كتاب (الولاية)، فهو القائل:

«فمن ذلك أنّ كتابه الذي ذكرناه وهو كتاب لطيف بسيط ذكر فيه فضائل عليّ عليه السلام وذكر أنّ سبب بسطه إيّاه، إنّما كان لأنّ سائلاً سأله عن ذلك لأمر بلغه عن قائل زعم أنّ عليّاً عليه السلام لم يكن شهد مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم حجّة الوداع الّتي قيل إنّه قام فيها بولاية علي بغدير خمّ ليدفع بذلك ـ بزعمه ـ عنه حديث رسول الله صلّى الله عليه وآله: «من كنتُ مولاه فهذا عليّ مولاه». فأكثر الطّبريّ التّعجب من جهل هذا القائل واحتجّ على ذلك بالروايات الثابتة على قدوم عليّ من اليمن على رسول الله صلّى الله عليه وآله»(33).

وأمّا ياقوت الحمويّ فقد أخذ جلّ معلوماته من أبي بكر بن كامل بخصوص الطبريّ. فمن جملة ما قال (عند إحصائه لعدد من مؤلفات الطبريّ):

«وكتاب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه تكلّم في أولّه بصحّة الأخبار الواردة في غدير خمّ، ثم تلاه بالفضائل ولم يتمّ»(34).

وفي إشارة له على كون الطبريّ كان قد غفر لكلّ مِن أساء إليه إلاّ أولئك الذين اتّهموه بالبدعة، مدح ياقوت الحمويّ الطبريّ على سجيّته هذه، ثم ينقل ما قاله أبو بكر بن كامل:

«وكان إذا عرف من إنسان بدعة أبعده وأطرحه. وكان قد قال بعض الشيوخ ببغداد بتكذيب حديث غدير خمّ، وقال: إنّ عليّ بن أبي طالب كان باليمن في الوقت الذي كان رسول الله صلّى الله عليه واله بغدير خمّ. وقال هذا الإنسان في قصيدة مزدوجةٍ يصف فيه بلداً بلداً ومنزلاً منزلاً يُلَوِّح فيها إلى معنى حديث غدير خمّ فقال:

ثمّ مَرَرنا بغــدير خمّ            كم قائل فيه بزور جَمّ

على عليًّ والنبيّ الأميّ

وبلغ أبا جعفر ذلك، فابتدأ بالكلام في فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام وذكر طريق حديث غدير خُمّ، فكَثُر الناس لاستماع ذلك واستمع (اجتمع) قوم من الرّوافض من بسط لسانه بما لا يَصْلُحُ في الصّحابة فابتدأ بفضائل أبي بكر وعمر»(35).

ويُلاحظ في النصّ السابق عدم ذِكر اسم الشخص الذي طرح هذا الإشكال، لكنّ شمس الدين الذهبيّ يعطي صورة أوضح لهذه المسألة مقتبساً قوله من أبي محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر الفَزَغانيّ (الذي اعتبره الذهبيّ صديقاً للطبريّ(36) وأنّه هو الذي قام بنقل أغلب ما نعلمه عن الطبريّ، وهو الذي وشّح كتاب التاريخ للطبريّ بحاشيته)(37). يقول الذهبيّ:

«ولمّا بلغه (الطبريّ) أنّ ابن أبي داود تكلّم في حديث غدير خمّ، عمل كتاب الفضائل وتكلّم على تصحيح الحديث»(38).

وفي مكان آخر حينما عدّ ما ألّفه الطبري من الكتب يقول الذهبيّ:

«ولمّا بلغه أنّ أبا بكر بن أبي داود تكلّم في حديث غدير خمّ، حمل كتاب الفضائل، فبدأ بفضل الخلفاء الراشدين، وتكلّم على تصحيح حديث غدير خمّ، واحتجّ لتصحيحه»(39).

والفرغانيّ هو القائل لهذه الكلمات وابن عساكر هو الذي نقلها بأكملها، فقد كتب يقول بعد أن عدّ مؤلفات الطبريّ بالتّفصيل:

«ولمّا بلغه أن أبا بكر بن أبي داود السجستانيّ (ت 316) تكلّم في حديث غدير خمّ عمل كتاب الفضائل، فبدأ بفضل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رحمة الله عليهم، وتكلّم على تصحيح حديث غدير خمّ واحتجّ لتصحيحه وأتى من فضائل أمير المؤمنين عليّ بما انتهى إليه ولم يتم الكتاب، وكان ممّن لا يأخذه في دين الله لومة لائم...»(40).

وهناك إشارات واضحة كذلك إلى الإشكال الذي صدر عن أبي بكر عبد الله ابن أبي داود سليمان السّجستانيّ في مؤلفات الشيعة في مجال علم الكلام عند بحث مسألة حديث الغدير، وأُشير أيضاً إلى تصدّي الطبريّ للسجستانيّ هذا. فمن جملة تلك الإشارات ما ورد عن السيد الشريف المرتضى في (الذخيرة) حيث أبطل كلام السجستانيّ مشيراً إلى مواجهة الطبريّ له(41).

وعبّر المرتضى كذلك في (الشافي) عمّا صدر عن السجستاني بأنّه مجرد إشكال محض مشيراً إلى أنّ جميع الرواة من سُنة وشيعة قاموا بنقل حديث الغدير المتنازَع عليه. وإلى جانب ما ذكره من أنّ وجهة نظر السجستاني ليست إلاّ وجهة نظر شاذّة وفريدة من نوعها، ونقل الشريف المرتضى كلام السجستانيّ الذي ينكر فيه حديث الغدير وذلك في خضم مواجهته للطبريّ ومنازعته في المسألة إيّاها(42).

وقد ورد في هذه المصادر أيضاً أنّ السجستانيّ فنّد هذه النسبة مصرّحاً بأنّه لا ينكر أصل الحديث وحسب، بل وينكر كذلك وجود مسجد باسم مسجد غدير خمّ حتى ذلك التاريخ.

وكتب أبو الصلاح الحلبيّ في (تقريب المعارف) مشيراً إلى تواتر حديث الغدير يقول:

«ولا يقدح في هذا ما حكاه الطبريّ عن ابن أبي داود السجستاني من انكار خبر الغدير... على أنّ المضاف إلى السجستاني من ذلك موقوف على حكاية الطبري، مع ما بينهما من الملاحاة والشنآن، وقد أُكذب الطّبري في حكايته عنه، وصرّح بأنه لم ينكر الخبر وإنما أنكر أن يكون المسجد بغدير خم متقدّماً وصنّف كتاباً معروفاً يتعذّر مما قرفه به الطبري ويتبرّأ منه»(43).

كتاب (الولاية) وتهمة (التّشيّع):

ذكر الذّهبيّ أنّ السبب وراء اتّهام الطبريّ بالتشيّع هو تأليفه كتاب (الولاية)؛(44) وذلك لأنّ أصحاب الحديث لا يؤيّدون حديث (الغدير)، وحتى الذين يقبلون هذا الحديث (من أصحاب الحديث) لم يُجيزوا لأحد على الإطلاق تأليف كتب في طرق الحديث المذكور حتّى للطبريّ الذي كان يومها إماماً وعَلَماً مرهوب الجانب، ذلك أنّ من شأن كتاب كهذا أن يكون حجّة في يد الشيعة. بل ولم يجرؤ حتى البخاري على ذكر حديث الغدير واكتفى بنقل الأحاديث الموجودة في حوزة أهل الحديث مع أنّ للحديث المذكور طرقاً كثيرة ومتعدّدة.

وإذا سلّطنا الضوء على الكتاب الآخر الذي ألّفه الطبري والمعروف بكتاب (حديث الطير) الذي بيّن فيه بالتّفصيل أفضلية الإمام علي عليه السلام على باقي الصحابة، ستتّضح لنا الأسباب التي حدت بالكثيرين إلى اتهامه بالتشيّع.

وقد قال ابن كثير واصفاً الكتاب المشار إليه: «ورأيت فيه مجلّداً في جمع طرقه وألفاظه لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري المفسّر صاحب التاريخ». ثم يستطرد قائلاً بأنّ أبا بكر الباقلاني ألّف كتاباً في تضعيف طرق ودلالات هذه الرواية وذلك في معرض ردّه على كتاب الطبريّ(45).

وبعد كلّ ما ذكرنا، تبدو المسألة واضحة المعالم تماماً؛ فلم يكن أمام أعداء الطبريّ خيار آخر إلاّ اللّجوء إلى اتهامه بالتشيع وخصوصاً في ظروف مثل تلك التي كانت سائدة في بغداد آنذاك حيث تتمركز قوّة الحنابلة وثِقلها الأكبر فيخرج عليهم الطبريّ بتأليفاته في (حديث الغدير) تارةً، وفي كتاباته التي يبيّن فيها فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام صراحة تارةً أخرى، على ذلك فلا بدّ وان يتّهم بالتشيّع.

وطريف هنا أن نذكر أنّ ابن خزيمة (المحدّث السنّي المعروف وأحد رجال الحديث المشهورين وهو من المشبّهة) نزيل نيسابور كتب يقول: «ما أعلمُ على أديم الأرض أعلمَ من محمّد بن جرير، ولقد ظلمته الحنابلة»(46).

وتجدر الإشارة إلى أنّ حقد الحنابلة على ابن جرير الطبريّ(47) له أسباب أخرى غير التي ذُكرت(48)، لكن هذه الواحدة تعتبر الأكبر بين أخواتها. والحقّ أنّه لم تكن بيد الحنابلة وسيلة أنجع من هذه ولا في جعبتهم حيلة أخرى غير تلك لاتّهام الطبريّ بالتشيع.

وكتب ابن مسكويه بهذا الخصوص يقول:

«وفيها (سنة 310) تُوُفّي محمّد بن جرير الطبريّ، وله نحو تسعين سنة، ودفن ليلاً، لأنّ العامة اجْتمعت ومَنَعَتْ من دفْنَه نهاراً. وادّعت عليه الرّفض، ثم ادّعت عليه الإلحاد»(49).

وقد نقل ياقوت الحمويّ كلاماً للخطيب البغداديّ حول الطّبري، منه:

«قال غير الخطيب: ودُفِنَ ليلاً خوفاً من العامّة لأنَّه كان يُتَّهم بالتشيع»(50).

ونقل ابن الجوزيّ كذلك ما قاله ثابت بن سنان عن الطبريّ جاء فيه:

«وذكر ثابت بن سنان في تأريخه: أنه إنّما أُخفيت حاله؛ لأنّ العامّة اجتمعوا ومنعوا من دفنه بالنّهار وادّعوا عليه الرّفض، ثم ادّعوا عليه الإلحاد»(51).

ويضيف ابن الجوزيّ أنّ السبب الآخر في اتّهام الحنابلة الطبري بالرّفض هو الفتوى التي أصدرها الطبريّ في جواز مسح القدم في الوضوء واعتباره الغسل والشطف أمراً غير ذي ضرورة، بقوله «فلهذا نُسب إلى الرّفض»(52).

وكتب ابن الأثير، مقتبساً ذلك من كلام لابن مسكويه، يقول:

«وفي هذه السنة [310] تُوُفِّيَ ممحمدُ بن جرير الطبري، صاحب التاريخ ببغداد، ومولده سنة أربع وعشرين ومئتين ودفن ليلاً بداره، لأن العامّة اجتمعت، ومنعت من دفنه نهاراً، وادّعوا عليه الرّفض، ثم ادعوا عليه الإلحاد»(53).

وتجدر الإشارة إلى أنّ ابن الأثير لا يوافق على استخدام لفظة (العامّة) كتعبير عن أهل السّنة، وبعد تأكيده على عدم اتيان المخالفة من قِبَل العامّة (أي أهل السّنة) يلقي باللّوم والتقصير على الحنابلة فيقول: «وإنّما بعض الحنابلة تعصّبُوا عليه ووقعوا فيه، فتَبِعهم غيرهم»(54).

وكتب ابن كثير أيضاً حول المواجهة التي كانت بين الحنابلة والطبريّ حيث قال:

«ودُفِنَ في داره; لأنّ بعض عوام الحنابلة ورعاعهم منعوا دفنه نهاراً ونسبوه إلى الرفض... وإنّما تقلّدوا ذلك عن أبي بكر داود الفقيه الظاهري، حيث تكلّم فيه ويرميه بالعظائم وبالرّفض»(55).

وإذا أمعنا النّظر في عبارات ابن كثير السابقة نجده قد خلط «إن عمداً أو سهواً) بين أبي بكر عبد الله بن أبي داود السجستانيّ (ت: 316) والمتهم بكونه ناصبيّاً وبين أبي بكر محمّد بن علي بن داود الفقيه الظاهريّ(56). فالشخص الذي كان يتّهم الطبريّ بالتشيّع هو السجستانيّ ـ ابن السجستانيّ صاحب السّنن ـ والذي هو نفسه كان متّهماً بأنّه ناصبيّ، ولهذا فعندما وصل الخبر إلى الطبريّ بأنّ السجستانيّ يروي فضائل علي عليه السلام علّق على ذلك بقوله: تَكبيرةٌ من حارس(57). ثم يُشير الذّهبي بعد ذلك إلى العداء القائم بينهما، وعن السجستانيّ بأنّه ناصبيّ، حيث ينكر هو ذلك بالطّبع(58). وخلال شرحه لحال السجستانيّ يُشير ابن النّديم إلى قيامه بتصنيف كتاب في التّفسير وكان الطّبري قد سَبقه بتأليف مُشابه(59)، وهذا شاهد آخر على شدّة المنافسة بين هذين الرجلَين.

وأمّا ناصبية السجستاني فقد أدّت إلى قيام ابن فرات إلى نفيه إلى واسط وإبعاده عن بغداد إلى أن قيل عنه بأنّه بدأ يُشيع فضائل الإمام علي عليه السلام ويحنئذ سمح له علي بن عيسى بالرجوع إلى بغداد حتى أصبح شيخاً للحنابلة «ثم تَحَنْبَلَ، فصار شيخاً فيهم وهو مقبول عند أهل الحديث. وقد وصل الأمر بالسجستاني حدّاً مزرياً حتى قال فيه أبوه: ابني عبد الله كذّاب!»(60).

ونقل الذّهبيّ في كتابه (ميزان الاعتدال) عند ترجمته للطبريّ كلام أحد المحدثين من أهل السّنة حوله قائلاً: «أقذع أحمد بن علي السّليماني الحافظ فقال: كان يضع للروافض»(61)، ثم قام بالردّ عليه مادحاً الطبريّ بقوله: «ثقةٌ صادقٌ فيه تشيّعٌ يَسير وموالاة لا تَضُرّ»(62)، واحتمل أن يكون السّليماني قاصداً الردّ على ابن جرير الشيعي الذي قام بتأليف كتاب (الرواة عن أهل البيت).

وبعد الأخذ بنظر الاعتبار النّصوص الموجودة لدينا والخاصة باتّهام الطبريّ بالتشيّع، يتأكد لنا من أنّ الشخص الذي قصده السليماني في كتابه هو الطبريّ لا غير، علاوةً على ذلك فإنّ ابن جرير الشيعيّ لم يكن معروفاً في الأوساط السنيّة.

وفي كتابه (لسان الميزان) قام ابن حجر بنقل كلام الذّهبيّ مؤيّداً إيّاه ومدافعاً عن السّليماني الذي اعتبره إماماً متقناً، ثم أكّد أنّه إنّما عنى بكلامه ابن جرير الثاني (أي الإماميّ المذهب)! لكنّه مع ذلك يُشير إلى نقطة مهمّة تتعلّق بالطبريّ بقوله: «وإنّما نُبِزَ بالتّشيّع لأنّه صحّح حديثَ غدير خُمّ»(63).

تشيّع الطبريّ(64)

قبل الشروع بالبحث في روايات الغدير في كتاب الطبري، لا بأس من طرح سؤال هنا على سبيل الاستدراك وهو: هل كان هذا هو السبب الوحيد الذي بواسطته اتُّهَمِ الطبريّ بالتّشيع، أم كانت هناك أسباب أخرى؟ ثم لِمَ لم يذكر بل لَم يُشير الطبريّ إلى حدّيثي (الغدير) و(الطير) المشهورَين في كتابيه (التاريخ) و(التّفسير) ولكنّه قام في سنيّ عمره الأخيرة بتأليف كتاب يتناول الحديثَين المذكورين بشكل مفصّل وهو يعلم علم اليقين العواقب الخطيرة التي يمكن أن تترتّب على تأليفه مثل ذلك الكتاب؟

هل يمكن أن نقول: إنّ تحوّلاً جذريّاً قد طرأ على عقيدة الطبريّ الدينيّة؟ إنّ احتمالاً كهذا يبدو غير صحيح; وذلك إذا ما أخذنا شخصية الطبريّ وتآليفه المعروفة بنظر الاعتبار. الحقّ أنّ هذه المسألة تكمن وراءها أمور عديدة تعمل كلّها على تشويه الصورة الأصلية لها.

كلّ ما في الأمر أنّ أبا بكر محمّد بن عباس الخوارزميّ (316 ـ 383)(65) الأديب المعروف والشاعر الذائع الصيت في العصر البويهيّ والمعروف بتشيّعه(66) كان ابن أخت الطبريّ، وهو نفسه يُشير إلى ذلك في أبيات شعريّة ذاكراً أنّه أخذ تشيّعه عن أخواله (أي عائلة ابن جرير الطبري هذا).

هذا وقد ثبتت نسبة الخوارزميّ إلى الطبريّ بكون الأخير خاله وذلك في نصوص المصادر القديمة من جملتها ما كتبه السّمعانيّ (ت: 562) في ذيل مدخل الخوارزميّ حيث قال: «... والشاعر المعروف أبو بكر محمد بن العبّاس الخوارزمي الأديب، وقيل له: الطبريّ لأنّه ابن أخت محمد بن جرير بن يزيد الطبريّ»(67). وذكر هذا المسألة كذلك كلّ من ابن خلكان(68)، شمس الدين الذهبيّ(69)، الصفديّ(70)، ابن عماد الحنبليّ(71)، اليافعيّ(72) وغيرهم.

وربما اقتبس هؤلاء هذه النكتة من بعضهم البعض، لكنّ النصّ الأهمّ والأقدم من كلّ ما سبق، حتى من نصّ السمعانيّ نفسه، هو النصّ الذي كتبه الحاكم النيسابوريّ (ربيع الأول من عام 321 ـ صفر عام 405) في كتابه المفقود (تاريخ نيسابور) والذي ذكر فيه كلّ تلك الأمور(73).

وكتب ابن فندق البيهقيّ في شرحه للتأليفات التأريخية يقول: ثم صنّف بعده محمد بن جرير الطبريّ (وهو خال أبو بكر الخوارزميّ الأديب) (التاريخ الكبير)، وقد قادني ذلك إلى معرفة نسب محمّد بن جرير المؤرّخ كما ذكر هذا الحاكم أبو عبدالله الحافظ في (تاريخ نيسابور)»(74). وكتب في مكان آخر أيضاً: «وكان الخواجة أبو القاسم الحسين بن أبي الحسن البيهقي رجلاً شجاعاً شهماً وكانت ملوك عصره تعزّه وتقدّره. والدته هي بنت أبي الفضل بن الأستاذ العالم أبي بكر الخوارزميّ. والأستاذ العالم الفاضل أبو بكر الخوارزميّ هو ابن أخت محمّد بن جرير الطبريّ والذي إليه يُنسبون كتابي (التاريخ) و(التفسير) وقد ذكر هذا الحاكم أبو عبد الله الحافظ في كتابه (تاريخ نيسابور)»(75).

إذاً، ومع كلّ تلك التّصاريح لا يبقى بوسع أحد تفنيدها بأيّ شكل من الأشكال، إلاّ ياقوت وحده حيث شكّك في هذا الأمر حين قال: «وكان يزعم أن أبا جعفر الطبري خاله»(76).

هذا وقد قام الأقا محمّد علي الكرمانشاهي(77)، مؤلّف (روضات الجنّات)(78) وصاحب (أعيان الشيعة)(79) بمساعدة القاضي نور الله الشوشتريّ(80) بالردّ على ياقوت مبرهناً على كون الخوارزميّ هو ابن أخت الطبريّ الشيعيّ وهو لا ريب يناقض ما ورد في النّصوص التأريخيّة(81).

وأما محمد حسين الأعرجيّ فقد أورد إشكالاً في مقدمة كتاب (الأمثال) للخوارزميّ(82) حول تاريخ ولادة الخوارزميّ وتزامن ذلك مع فترة حياة الطبريّ المؤرخ، يريد بذلك دَحض مسألة كون الخوارزميّ ابن أخت الطبريّ. وتجدر الإشارة إلى أنه لو ثبتت معاصرة محمد بن جرير الشيعيّ للطبريّ المؤرّخ فإنّ الإشكال عينه أيضاً سيبرز إلى السطح. إضافةً إلى ذلك فإنّ الفترة من وفاة الطبريّ المؤرّخ (ت: 310) إلى الفترة التي عاش خلالها الخوارزمي والتي تبلغ (73) سنة تبدو نادرة بعض الشيء، لكنّها قد تصدق في نفس الوقت.

ثم ليس بالضرورة أن يكون الخوارزميّ ابن أخت الطبريّ مباشرةً، فقد يكون مثلاً حفيد أخت الطبريّ. على أيّة حال، المهمّ لدينا هنا هو النّصوص التأريخيّة وخصوصاً تلك المدوّنة في كتاب (تأريخ نيسابور)، فمؤلّف هذا الكتاب أعلم مِن أن يكون قد جهل شخصية الطبريّ المؤرّخ أو أن يكون قد خلط بينه وبين غيره. ونتيجة لهذا لا يعقل أن يذكر الحاكم النيسابوريّ أمراً كهذا بالصدفة، ثم من ناحية أخرى يقوم أبو بكر الخوارزميّ بالإشارة إلى نفس الموضوع صراحةً في شعره. ومهما يكن من أمر، فبالرغم من كون مؤلفات الطبريّ المؤرّخ لا تمتّ إلى الإمامية ولا التّشيّع بصلة، وبالرغم كذلك من عدم وجود نصّ تأريخيّ يثبت ولو بقَدر ضئيل كون أبي بكر الخوارزميّ كان إماميّ المذهب(83) ـ برغم تشيّعه الشديد كما هو الحال مع الصاحب بن عباد ـ فإنّ هذا الإشكال قائم وباقٍ.

وبعد تجاوز مسألة النسبة بين الخوارزميّ والطبريّ، نواجه أمراً آخر لا يقلّ أهميّة عن سابقه، وهو نسبة أبي بكر الخوارزميّ نفسه إلى التّشيع والرّفض من خلال بِيتين للشعر ثم يُرجع ذلك إلى كون أخواله هم من الشيعة أيضاً.

كتب ياقوت الحمويّ (ت: 626) في مادة (آمل)(84) ما نصّه:

«ولذلك قال أبو بكر محمّد بن العباس الخوارزميّ، وأصله من آمل أيضاً، وكان يزعم أن أبا جعفر الطبريّ خاله:

بآمُل مولدي وبنو جـريرٍ              فأخوالي، ويحكي المرءُ خالَهْ

فمن يك رافضيّاً عن تراثٍ             وغيري رافضيّ عن كَلاله

 

وكذب، لم يكن أبو جعفر، رحمه الله، رافضياً، وإنّما حَسدته الحنابلة فرموه بذلك، فاغتنمها الخوارزميّ، وكان سبّاباً رافضياً مُجاهراً بذلك متبجّحاً».

وكتب عبد الجليل القزوينيّ(85) ذلك يقول:

«وأبو بكر الخوارزميّ معروف بتشيّعه ولا ينكر أحد من الفضلاء قَدره ومنزلته وفضله. والبيتان التاليان يدلاّن على حقيقة ذلك وإن كان المصنّف (ويعني بذلك الشخص الذي ألّف عبد الجليل كتابه ـ النّقض ـ للردّ عليه) يعتقد بعدم تسمية الشيعيّ نفسه بـ(أبي بكر):

بآمُل مولدي وبنو جريرٍ فأخوالي، ويحكي المرءُ خالَهْ

فمن يك رافضيّاً عن تُراث          فإنّى رافضـيّ عن كلالِهْ».

 والمصرع الأول للبيت الثاني هنا وإن كان يشبه مثيله الذي ذكره ياقوت الحمويّ إلاّ أنّه يبدو صحيحاً أكثر من سابقه. وأورد ابن فندق البيهقي كذلك البيت الأوّل دون الثاني(86).

إضافةًً إلى ذلك، فإنّ ما ذكره الطبريّ من نصوص في كتابه (مناقب أهل البيت عليهم السلام) رغم قوة شوكة الحنابلة في بغداد وقتئذ وتسلّطهم عليها يمكن أن تكون خير شاهد على أنّ الطبريّ كان شيعيّاً وليس رافضياً. بل وهناك روايات تدلّ صراحةً ودون أيّ التباس على كونه شيعيّاً إماميّاً إثني عشريّاً. من جملة تلك الروايات، تلك التي ذكرها ابن طاووس في كتاب (اليقين) وفيها دلالة واضعه على أنّ سلمان [الفارسيّ] نقل عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قوله: «إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام وصيّي ووارثي وقاضي ديني وعدتي وهو الفاروق بين الحقّ والباطل، وهو يعسوب المسلمين وإمام المتّقين وقائد الغرّ المحجلين والحامل غداً لواء ربّ العالمين. هو وولده من بعده. ثمّ من الحسين ابني، أئمة تسعة هداة مهديّون إلى يوم القيامة. أشكو إلى الله جحود أُمّتى لأخي وتظاهرهم عليه وظلمهم له وأخذهم حقّه».

ولأهميّة النصّ المذكور لديه ونقله على لسان الطبريّ، كتب ابن طاووس يقول: «إذا لم يكن في الإسلام حديث معتمد قد نُقِل إلاّ هذا (الذي ينقله لنا الطبريّ الذي ما علمناه إلاّ ممدوحاً موثوقاً) لكان ذلك حَسب عليّ بن أبي طالب، والنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم الذي صرّح باستقرار الإمامة في وُلد عليّ»(87).

القاضي نُعمان وكتاب الولاية:

يُعتَبر كتاب (شَرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار عليهم السلام) الذي صنّفه القاضي نُعمان بن محمّد التميميّ المغربيّ الإسماعيليّ المذهب (ت: 363) من أقدم المصادر التي تفرّدت بحصة الأسد في الاقتباس عن كتابي (الولاية) و(مناقب أهل البيت) للطبريّ. ولكن، وممّا يُؤسَف له أنّ الكتاب المذكور مع تصريحه بنقل معظم رواياته عن كتاب الطبري إلاّ أنّ مؤلفه أسقط اسناد الكثير من الروايات المنقولة سوى النّزر اليسير منها، الأمر الذي أفقد الكتابَ اعتباره وأهميّته. فعلى سبيل المثال كتب القاضي نعمان تعليقاً بعد نقله لخبر «أنتَ أخي ووصيّى وخليفتي من بعدي» يقول فيه:

«وممّن رواه وأدخله في كتاب ذكر فيه فضائل علي عليه السلام ـ غير من تقدّم ذكره ـ محمد بن جرير الطبري وهو أحد أهل بغداد من العامة عن قرب عهد في العلم والحديث والفقه عندهم»(88)، ثم يذكر الطرق المختلفة التي نقل الطبري عنها ذلك الحديث(89). ثم بعد نقله لعدد من الروايات عن كتاب الطبريّ، أشار في نهاية ذكره للكثير من الأحاديث بهذه العبارة: «وهو كتاب لطيف بسيط ذكر فيه فضائل علي عليه السلام». ويبيّن بعد ذلك القسم الخاصّ برواية الغدير في كتاب الطبريّ والغرض الذي توخّاه في تصنيفه الكتاب المذكور والذي تقدّم شرحه(90).

ربما كان يقصد بكتاب (فضائل علي عليه السلام) كتاب (الولاية) أو كتاباً آخر في فضائل علي، والذي ربما كان قسم منه يتناول طرق حديث الغدير. وفي آخر نقله للأحاديث في باب الوصاية للإمام علي (عن الطبري) يشير مرة أخرى إلى البساط التي استخدمها الطبريّ في كتابه في نقل فضائل الإمام علي عليه السلام حيث يقول: «وما رواه وبسطه من فضائل علي عليه السلام...»(91).

وعلى أيّ حال يمكن القول: إنّ القاضي نعمان هو الأكثر من بين الناقلين عن كتاب الطبريّ في مصنّفه (شرح الأخبار) قياساً بغيره. لكنّه كما ذكرنا أسقط اسناد الأحاديث التي أوردها الطبري في نقله لها، ونتيجة لذلك فهو لم يأتِ بتفصيل الروايات التي جاءت عند نقل الطبري لحديث الغدير; وذلك أنّ أسناد تلك الروايات وحدها كانت مختلفة. لكنّه صرّح مع ذلك بأنّ الطبريّ كان قد أفرد باباً خاصاً لرواية الغدير ردّاً على أبي بكر السجستاني.

وكان السجتانيّ قد ذكر بأنّ علياً عليه السلام لم يرافق النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع وعلى هذا تكون رواية الغدير باطلة من أساسها. هذا الأمر هو الذي أثار حفيظة الطبري فقام بتأليف كتاب (الولاية). وكتب القاضي نعمان يقول: «واحتجّ [الطبريّ] على ذلك بالروايات الثابتة على قدوم عليّ ـ صلوات الله عليه ـ من اليمن على رسول الله صلّى الله عليه وآله عند وصوله إلى مكة و...»(92). ويستطرد القاضي كذلك في بحثه عن كتاب (الولاية) الذي تناول جزءاً منه فضائل عليّ ثم عُرِفَ فيما بعد بشكله المستقلّ، بقوله: «ثم جاء أيضاً في هذا الكتاب بباب أفرد فيه الروايات الثابتة التي جاءت من رسول الله صلّى الله عليه وآله بأنّه قال قبل حجّة الوداع وبعده «مَن كنتُ مولاه فعليّ مولاه، اللّهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله». وقوله: «عليّ أمير المؤمنين وعلي أخي، وعليّ وزيري، وعلىّ وصيّي، وعليّ خليفتي على أمّتي من بعدي، وعليّ أولى الناس بالناس من بعدي».

وغير ذلك ممّا يوجب له مقامه من بعده، وتسليم الأمّة له ذلك، وأن لا يتقدّم عليه أحد منها، ولا يتأمّر عليه، في كلام طويل ذكر ذلك فيه، واحتجاج أكيد أطاله على قائل حكى قوله ولا نعلم أحداً قال بمثله، وما حكاه عنه من دفع ما اجتمعت عليه الأمّة عليه ونفيه أن يكون علي عليه السلام مع سول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع. وعامة أهل العلم، وأصحاب الحديث مجمعون على أنّه كان معه... فأشغل الطبري أكثر كتابه بالاحتجاج على هذا القائل الجاحد الشاذّ قوله الذي لم يثبت عند أحد من أهل العلم»(93).

وقد تعجّب القاضي نعمان من أنّ الطبريّ رغم نقله لتلك الأحاديث، لماذا عمل طبق مذهب العامّة؟ حيث يقول: «وأغفل الطبري أو تجاهل خلافه، لما أثبته ورواه وصحّحه ممّا قدمنا ذكره. وحكايته عنه في عليّ عليه السلام وذهب فيه إلى ما ذهب أصحابه من العامة إليه من تقديم أبي بكر وعمر وعثمان عليه»(94).

وبعد نقله لروايات الغدير قام القاضي نعمان بنقل روايات أُخَر في فضائل الإمام علي عليه السلام من كتاب الطبري، وأوّلها حديث (الطيّر)، قائلاً: «ونحن بعد هذا نحكي ممّا رواه الطبري هذا من مناقب علي صلوات الله عليه وفضائله الموجبة لما خالفه هو لنؤكّد بذلك ما ذكرناه عنه»(95). ثم قال (بعد نقله لحديث (الطير): «وجاء الطبري بهذا الحديث بروايات كثيرة وطُرُق شتّى»(96). ثم بعد أن يأتي بحديث (الراية) يقول: «فجاء الطبري بهذا الخبر وما قبله من الأخبار من طرق كثيرة»(97). وعَقب نقله للخبر الذي ذُكِر فيه أنّ الإمام عليّاً عليه السلام قال مخاطباً أصحابه: (ستُجبَرون على سَبّي مِن بَعدي) قال: «وهذا ممّا أثبتناه في هذا الكتاب مما آثره الطبريّ الذي قدّمنا ذكره»(98)، وجاء ببقيّة حديث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم.

وأمّا الشخصية الأخرى التي اقتبست من كتاب (الولاية) للطبري بعد القاضي نعمان، هو ابن عبد البرّ الأندلسيّ (368 ـ 463). والأندلسيّ هذا قام بنقل ثلاثة أحاديث من كتاب الطبري في الجزء الشيّق فيه الخاصّ بشرح حال الإمام علي عليه السلام(99) من كتابه «الاستيعاب»، لكن لا توجد دلائل تؤكّد على أنّ الأندلسيّ قام بنقل الأحاديث أو الروايات عن كتاب الولاية أو كتاب الفضائل، إلاّ أنّه من المؤكّد أنّ الطبري قد أورد تلك الأحاديث في كتابه (فضائل علي عليه السلام).

ابن شهرآشوب وكتاب الولاية:

أبو جعفر رشيد الدين محمّد بن علي المعروف بابن شهرآشوب (ت: 588) هو الشخصية الأخرى التي أشارت إلى كتاب الولاية للطبري في كتاب «المناقب». فقد كتب يذكر جملة من الذين ذكروا حديث (الغدير) خلال مؤلفاتهم، ومنهم الطبريّ حيث يقول:

«ابن جرير الطبريّ من نيّف وسبعين طريقاً في كتاب الولاية»(100). وقام ابن شهراشوب كذلك بالاقتباس عن كتاب (الولاية) في مواطن عديدة من كتابه المناقب، لكننا لا نعلم أنّه قد فعل ذلك بصورة مباشرة، والمهمّ لدينا هو أنّه قام بالاقتباس عن هذا الكتاب مواضع لم تُذكَر في مصادر أخرى. وقد اعتاد ابن شهرآشوب على ذكر المصادر في بداية كلّ جملة، كقوله: «حلية أبو نعيم وولاية الطبريّ، قال النبيّ...»(101)، أو قوله: «ابن مجاهد في التاريخ والطبري في الولاية»(102)، أو قوله في موضع آخر: «الطبريّان في الولاية والمناقب»(103). ولا ريب أنّه قد قصد كتابي (الولاية) و(المناقب) للطبريّ. وقال في مكان آخر: «والطبريّ في التاريخ والمناقب»(104). ويبدو من خلال ذِكره لعبارة: (أورد الطبريّ حديث الطير في كتابه ـ الولاية) أنّه كان يعتبر كتاب (الولاية)(105) أعمّ وأشمل من كتاب (الفضائل). وكان استعمل مرة هذه العبارة: (الطبريّ في الولاية) في كتابه الموسوم بـ(متشابه القرآن)(106).

والنّقطة المهمة الأخرى هي أنّ ابن شهرآشوب راوح بين نَقله صراحةً من كتاب (الولاية) تارةً ومن كتاب (تاريخ الطبريّ) تارةً أخرى، لكننا نجده في مواطن أخرى يقوم بنقل الحديث عن الطبريّ دون أن يشير إلى أيّ كتاب من كتب الطبري، إلاّ أنّه وبعد التّمعّن بفحوى بعض تلك الأحاديث التي يستشف منها فضائل الإمام عليّ عليه السلام، يمكننا الاستنتاج بأنّها منقولة لا محالة عن كتاب (الولاية).

ابن طاووس وكتاب (المناقب) وحديث (الولاية)

وأمّا ابن طاووس (ت: 664) فقد ذَكر كتابي الطبريّ معاً ثم قام بنَقل بعض النصوص عن كتاب (المناقب) خاصة. يقول ابن طاووس في كتابه (اليقين): «فيما نذكره من كتاب المناقب لأهل البيت عليهم السلام تأليف محمد بن جرير الطبريّ صاحب التأريخ، تسمية ذي الفقار لعليّ عليه السلام بأمير المؤمنين» ثم يبدأ في نَقله عن الكتاب المذكور بالكلام التالي:

«قال في خُطبته ما هذا لفظه: حدّثنا الشيخ الموفق [المدقق] محمد بن جرير الطبري ببغداد في مسجد الرصافة، قال: هذا ما ألّفته من جميع الروايات من الكوفيين والبصريين والمكّيين والشاميين وأهل الفضل كلّهم واختلافهم في أهل البيت عليهم السلام، فجمعْتُه وألّفْتُه أبواباً ومناقب ذكرت فيه باباً باباً وفصّلت بينهم وبين فضائل غيرهم. وخَصَصْتُ أهل هذا البيت بما خصّهم الله به من الفضل».

ونستنتج من عبارات ابن طاووس هذه أنّه يريد الإشارة إلى أنّ كتاب الطبريّ كان مصنّفاً على أبواب وفصول لقوله (فجمعْتُه وألّفْتُه أبواباً ومناقب ذكرت فيه باباً باباً...)، لكنّه مع ذلك لم يوضّح الأساس الذي استند عليه في هذا التّبويب، إلاّ إشارة واحدة من خلال كلام ذكره ابن طاووس في مكان آخر حيث قال: «قال محمد بن جرير الطبريّ المذكور في كتاب مناقب أهل البيت عليهم السلام في باب الهاء من حديث نذكر اسناده والمراد منه بلفظه»(107). وقال كذلك في كتاب (الطُرَف) مشيراً إلى كتاب (المناقب) للطبريّ: «ورتّبه أبواباً على حروف المعجم، فقال في باب الياء ما لفظه:»(108). وإذا أردنا تبيين المراد من (باب الهاء) أو (باب الياء) توجّب علينا التركيز أكثر على بعض الأمور(109). وعلى هذا تبدو إعادة ترتيب الكتاب بالشكل الذي كان قد رتّبه هو بنفسه أمراً صعباً بعض الشيء.

ثمّ ينقل ابن طاووس كلاماً للخطيب البغداديّ (بحذافيره) ـ كما هو موجود في كتاب (تاريخ بغداد، 2/162) عند ترجمته لابن جرير الطبريّ(110). وضمن تأكيده على أنّه لم يَقُم بهذا النّقل إلاّ ليوطّد قاعدة استدلاله ـ قال ابن طاووس:

«وقد ذكر في كتاب المناقب المشار إليه من تسمية مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام بأمير المؤمنين ثلاثة أحاديث نذكرها في ثلاثة أبواب ما هذا لفظه»(112)، ثم يأتي على ذكر نصوص تلك الأحاديث. ولابن طاووس أيضاً إشارات إلى كتاب (الولاية) والذي ذكرناه في مواضع أخرى نقلاً عن (الطرائف).

شمس الدين الذهبيّ وكتاب (الولاية):

ذكرنا آنفاً أنّ الذهبي كان قد اطّلع على مجلّد واحد من مجموع مجلّدَين لكتاب الطبري فيما يخصّ طرق حديث (الغدير) وأنّه دُهش لكثرة ما رأى من الطرق المذكورة لذلك الحديث. وقد قام الذّهبى محاكاةً ـ كما يبدو ـ لمُصَنَّف الطبري بتأليف رسالة مستقلة في طرق حديث (الغدير) ونقل عدداً من الرويات من كتاب الطبري في مواضع كثيرة في كتابه. وقال في موضع ما من كتابه، بعد إيراده لرواية: «هكذا روى الحديث بتمامه محمد بن جرير الطبريّ»(113)، وقال أيضاً: «حدّثنا ابن جرير في كتاب غدير خمّ»(114)، وفي موضع آخر كتب يقول: «قال محمد بن جرير الطبري في المجلد الثاني من كتاب (غدير خمّ» له وأظنه به مثل جمع هذا الكتاب نسب إلى التشيع»(115)، وله كذلك: «رواه محمد بن جرير في كتاب (الغدير)»(116).

ابن كثير وكتاب (الولاية):

وذكرنا أيضاً أنّ ابن كثير قد أشار هو الآخر إلى كتاب (الولاية). فقد تطرّق إلى حديث (الغدير) في موضعَين في كتابه (البداية والنهاية); الموضع الأول في حوادث سنة (10) للهجرة مشيراً إلى بعض طرقه(117). والموضع الثاني جاء به في آخر أيام أمير المؤمنين عليه السلام وذلك خلال ذِكره فضائله سلام الله عليه، وهنا كذلك أورد بعض طرق حديث (الغدير) إلاّ أنّه لم يُشر، لا من قريب ولا مِن بعيد، إلى كتاب الطبريّ(118).

ففي الموضع الأولّ وبعد التنويه إلى أنّ الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم قام ببيان إحدى فضائل عليّ عليه السلام على الملأ بالقرب من غدير (خمّ) وذلك عند عودته من حجّة الوداع، كتب ابن كثير يقول: «ولهذا لمّا تفرّغ عليه السلام من بيان المناسك ورجع إلى المدينة بيّن ذلك في أثناء الطريق، فخطب خطبة عظيمة في اليوم (18) من ذي حجة عامئذ وكان يوم الأحَد بغدير خمّ تحت شجرة هناك. فبيّن فيها أشياء. وذكر من فضل عليّ وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه! ونحن نورد عيون الأحاديث الواردة في ذلك ونبيّن ما فيها من صحيح وضعيف بحول الله وقوّته وعونه. وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتأريخ، فجمع فيه مجلّدين أورد فيهما طرقه وألفاظه وساق الغثّ والسمين والصحيح والسقيم، على ما جرت به عادة كثير من المحدّثين يوردون ما وقع لهم في ذلك الباب من غير تمييز صحيحه وضعيفه»(119).

ثم يُشير بعد ذلك إلى أنّه ينوي نقل بعض طرق الحديث المذكور، فقام بنقل ذلك.

وبإلقاء نظرة سريعة على الطرق التي قام بنقلها يتّضح لنا بأنّ النصّ هو في الواقع جزءٌ من كتاب الطبريّ. ويبدو ممّا جاء في كتاب (البداية والنهاية) أنّ الرسالة المذكورة (في طرق حديث الغدير) كانت بحوزة ابن كثير.

البياضي وكتاب (الولاية):

ذكر زين الدين علي بن يونس العاملي في مقدمة كتاب (الصراط المستقيم) فهرساً من مصادره، ومن جمتلها اسم كتاب (الولاية) للطبريّ(120). وفي مكان آخر وخلال ذِكره لمؤلفات أهل السنّة حول أهل البيت عليهم السلام بدأ بذِكر كتاب الطبريّ، حيث قال: «فصنّف ابن جرير كتاب الغدير وابن شاهين كتاب المناقب...»(121)، وعلى هذا الأساس قام بنقل بعض النّصوص من الكتاب المذكور مستنداً أغلب الظنّ إلى كتب لابن شهرآشوب وابن طاووس أو مصادر أخرى. ومن بين تلك المقتبسات، اقتباس مفصّل عن زيد بن أرقم نقلاً عن كتاب (الولاية) للطبريّ، والذي يبدو أنّ العلامة الأمينيّ قد قام بنقل ذلك عن البياضيّ(122)، وذلك لأننا لا نجد عين هذا النصّ في مكان آخر غير هذا.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ البياضي يذكر تارةً كتاب (الولاية) للطبريّ بصريح العبارة، وتارةً أخرى يقوم بنَقل نصّ عنه واضعاً اسمه إلى جانب أسماء الرواة الآخرين من أهل السنّة ممّا يؤكّد كون الطبريّ هذا هو نفسه الطبريّ المؤرّخ المعروف.

هذا وقد أشار البياضيّ في كثير من المواطن إلى كتاب (التأريخ) للطبريّ(123)، كما أشار أيضاً إلى الطبريّ الشيعيّ وكتابه (المسترشد)(124) واقتطف منه مقاطع كذلك. وجدير بالذكر، أنّه يصعب علينا تحديد مَن هو المقصود بكلمة (الطبري) التي يذكرها البياضي في بعض المواضع التي لا يذكر فيها الاسم الكامل سوى ذِكره لكلمة (الطبري) وحسب(125).

وقد نقل عن كتاب الطبري (المناقب) مورداً يتعلّق بأبي بكر(126).

ومن الشخصيات التي قامت بنقل بعض الروايات في فضائل الإمام علي عليه السلام كذلك عن الطبريّ، هو العالِم المحدّث المشهور لدى أهل السنّة علاء الدين علي المعروف بـ(المتّقي الهندي) (ت: 975)، حيث قام بنقل العديد من الروايات في كتابه (كنز العمّال)(127) والخاصّة بفضائل الإمام علي عليه السلام واضعاً اسم ابن جرير في آخر تلك الروايات. ويقول المتّقي الهندي في مقدمة الكتاب ما شرحه: «إذا كان أورد اسم ابن جرير مطلقاً فحينئذ يقصد كتابه (تهذيب الآثار)، وأمّا إذا نقله عن كتاب (التّفسير) أو كتاب (التأريخ) فإنّه يذكر ذلك صراحةً. وهنا ننوّه أنّه لمّا كانت الروايات المنقولة عنه في باب فضائل أهل البيت كانت كذلك موجودة يقيناً في كتاب (مناقب أهل البيت)، ولمّا كان بعضها يتعلّق بطُرق حديث (الغدير)، يمكن اعتبار هذه الأحاديث أيضاً بمثابة جزء من كتاب (الفضائل) أو كتاب (الولاية) اللّذين للطبريّ.

وتجدر الإشارة إلى أنّه لم يصل إلينا من كتاب (تهذيب الآثار) إلاّ قسم من أجزائه فقط، وعلى هذا فالقسم الأكبر من تلك الروايات غير موجود في النسخة المطبوعة منه والموجودة في أيدينا اليوم.

وأخيراً لوحظ اهتمام بالغ بهذا الكتاب في كتاب (الغدير) للعلامة الأميني (1320 ـ 1390 هجرية) الذي ذكر حديث (الغدير) برواية الطبريّ نقلاً عن (كنز العمّال) و(البداية والنهاية)(127). ونشير إلى نّ الأستاذ المرحوم السيد عبد العزيز الطباطبائيّ (ت: 1416) قد ذكر أيضاً كتاب (الولاية) ضمن مؤلّفات أهل السنّة عن أهل البيت عليهم السلام(128).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تاريخ الإسلام للذهبي: 310 ـ 320، 279 ـ 286، حيث ذكرت هناك عشرات المصادر في شرح تلك الشخصية. راجع كذلك لسان العرب 5: 757، ش 7190، إذ ذكرت هناك بالترتيب المصادر التي شرحت فيها استناداً إلى مصادر كثيرة أخرى. وقد عدّ السيوطي في رسالته الموسومة «التنبيه بمن يبعثه الله على رأس كل مائة» الطبري بأنه جدير اعتباره شخصية متميزة رأس المئة الثانية للهجرة. ـ خلاصة عبقات الأنوار 6: 94 (طبعة قم 1404 هـ)، نقلاً عن الرسالة المذكورة ـ.

(2) يصف الطبراني (المتوفى 360) المحدث الكبير وصاحب المعاجم الثلاثة الصغيرة المعروفة: الصغير والأوسط والكبير، الطبريّ بـ«الطبريّ الفقيه». راجع: المعجم الكبير 9: 292.

(3) راجع المقالة تحت عنوان «أهل الحديث وكتاب ـ السنّة ـ للطبريّ» في قسم «المقالات التاريخية» المجلد الثاني; وكذلك مقالة «دور أحمد بن حنبل في تعديل مذهب أهل السنّة» في قسم «المقالات التاريخية» أيضاً المجلد السادس.

(4) يشير ابن قتيبة إلى تقصير أهل الحديث في نقل الأحاديث الخاصة بفضائل الإمام علي عليه السلام تعليقاً له على ردّ فعلهم في مقابل (الرافضة) الذين قيل عنهم أنّهم يُغالون في رفع منزلة علي عليه السلام فوق كلّ منزلة،حيث يقول: «لقد أخرج هؤلاء علياً من زمرة أئمة الهدى مُدخلين إيّاه في جُملة قادة الفِتَن ولا يثبتون له حقاً الخلافة بحجة أن الناس لم يجتمعوا إليه لمبايعته، لكنّهم ومن جهة أخرى يقبلون بيزيد كونه خليفةً لاجتماع الناس إليه ومبايعته». ثم يستطرد ابن قتيبة بقوله: «وتحامى كثير من المحدثين أن يحدثوا بفضائله كرم الله وجهه أو يظهروا ما يجب له، وكل تلك الاحاديث لها مخارج صحاح. وجعلوا ابنه الحسين عليه السلام خارجيّاً شاقّا لعصا المسلمين، حلال الدم، لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلم (من خرج على امّتي وهم جميع، فاقتلوه كائناً من كان). وسوّوا بينه في الفضل وبين أهل الشورى لأن عمر لو تبيّن له فضله لقدّمه عليهم ولم يجعل الأمر شورى بينهم. وأهملوا من ذكره أو روى حديثاً من فضائله حتى تحامى كثير من المحدثين أن يتحدثوا بها وعنوا بجمع فضائل عمرو بن العاص ومعاوية كأنهم لا يريدونهما بذلك وإنما يريدونه. فإن قال قائل: أخو رسول الله صلّى الله عليه وسلم عليّ وأبو سبطيه الحسن والحسين وأصحاب الكساء عليّ وفاطمة والحسن والحسين; تمعّرت الوجوه وتنكّرت العيون وطرّت حسائك الصدور. وإن ذكر ذاكر قول النبيّ صلّى الله عليه وسلم (من كنتُ مولاه فعليّ مولاه) و(أنتَ مِنّي بمنزلة هارون من موسى); وأشباه هذا، التمسوا لتلك الأحاديث المخارج لينقصوه ويبخسوا حقّه بُغْضاً منهم للرّافضة وإلزاماً لعليّ عليه السلام بسببهم ما لا يلزمه وهذا هو الجهل بعينه. والسلامة لك أن لا تهلك بمحبّته ولا تهلك ببغضته وأن لا تحتمل ضغناً عليه بجناية غيره، فإن فعلتَ فأنتَ جاهل مفرط في بغضه وإن تعرف له مكانة من رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالتربية والأخوة والصهر والصبر في مجاهدة أعدائه وبذل مهجته في الحروب بين يديه مع مكانه في العلم والدين والبأس والفضل من غير أن تتجاوز به الموضع الذي وضعه به خيار السلف لما تسمعه من كثير فضائله فهم كانوا أعلم به وبغيره ولأنّ ما أجمعوا عليه هو العيان الذي لا شكّ فيه، والأحاديث المنقولة قد يدخلها تحريف وشوب ولو كان إكرامك لرسول الله صلّى الله عليه وسلم هو الذي دعاك إلى محبّة من نازع عليّاً وحاربه ولعنه إذ صحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وخدمه وكنت قد سلكت في ذلك سبيل المستسلم لأنت بذلك في عليّ عليه السلام أولى لسابقته وفضله وخاصته وقرابته والدناوة التي جعلها الله بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم عند المباهلة، حين قال تعالى: «قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم...» فدعا حَسناً وحُسيناً «ونساءنا ونساءكم» فدعا فاطمة عليها السلام «وأنفسنا وأنفسكم» فدعا عليّاً عليه السلام. ومن أراد الله تبصيره بصّره ومن أراد به غير ذلك حيّره». راجع: الاختلاف في اللفظ: 41 ـ 43 (بيروت، دار الكتب العلمية).

(5) تحقيق أحمد المحمودي، قم، مؤسسة الثقافة الإسلامية لكوشانپور، 1415 (مقدمة المصحح).

(6) تحقيق قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة، قم، 1413.

(7) البداية والنهاية 11 ـ 12: 167، ذيل حوادث سنة 310; والذريعة 16: 35; وشرح الأخبار 1: 131 ـ 132 (الهامش). وقال (كلبرگ)، مشيراً إلى اعتقاد (آقابزرگ الطهراني) في هذا المجال من أنّ كتاب (مناقب أهل البيت) والذي نسبه ابن طاووس إلى الطبريّ المؤرخ المعروف، إنّما يعود إلى الطبريّ الشيعيّ، قال «الظاهر هو عدم وجود أيّ مصدر موثوق يؤيّد إعتقاد آقا بزرگ». مكتبة ابن طاووس: 398، ش356.

(8) معالم العلماء: 106، ش715; راجع كذلك (عمدة عيون صحاح الاخبار) لابن بطريق: 157.

(9) رجال النجاشيّ: 322، ش879.

(10) إقبال الأعمال 2: 30 (قم 1415 هـ).

(11) الطرائف: 142.

(12) مكتبة ابن طاووس: 288.

(13) للحصول على معلومات أكثر بهذا الخصوص راجع: مكتبة ابن طاووس: 286.

(14) مكتبة ابن طاووس: 286، ش171; ص398، ش356.

(15) الغريب أنّ (فؤاد سزگين) لم يُشر إلى أيّ من محتويات كتاب الطبريّ هذا لا من قريب ولا من بعيد (تاريخ التراث العربي المجلد الأول التدوين التاريخي: 168 ولا حتى الاشارة إليه في فهرست اسماء الكتب بكونه من مصنفات الطبريّ سوى إلماعة بسيطة عن (رسالة الردّ على الحرقوصية) في ذيل هامش تلك الصفحة نقلاً عن (بروكلمان) مشيراً إلى حديث النّجاشي دون التنويه في كتبه اللاحقة إلى باقي محتويات هذا الكتاب القيّم.

(16) الغدير في التراث الإسلاميّ: 35 ـ 37; أهل البيت في المكتبة العربية: 661 ـ 664.

(17) رجال النجاشيّ، (تحقيق السيد موسى الشبيري، قم): 322، ش879.

(18) كذا; وفي موضع آخر: كتاب خبر غدير خم وشرح أمره، تصنيفه. فهرسة كتب الشيعة وأصولها، تحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي، قم، 1420: 424، ش655.

(19) عمدة عيون صحاح الأخبار: 157 (قم، 1412 هـ).

(20) معالم العلماء: 106، ش715.

(21) المنقذ من الضلال 1: 334 (قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1414 هـ).

(22) بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية، (مؤسسة آل البيت، قم، 1411 هـ): 299 ـ 300.

(23) اليقين: 215.

(24) إقبال الأعمال 2: 30 (قم 1415 هـ).

(25) المصدر السابق 2: 248.

(26) الطرائف: 142; وانظر أيضاً: 154 (قم، 1400 هـ).

(27) تذكرة الحفّاظ، (بيروت، دار الكتب العلمية) 2: 713.

(28) «طرق حديث من كنت...»: 62، ش61.

(29) البداية والنهاية 11 ـ 12: 167، ذيل حوادث سنة 310.

(30) تهذيب الكمال 20: 484.

(31) كتب في (فتح الباري 7: 61) دون الإشارة إلى كتاب الطبري يقول: «وأوعب من جمع مناقبه [يعني علياً] من الأحاديث الجياد النسائي في كتاب (الخصائص); وأما حديث (من كنت مولاه فعليّ مولاه)، فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جداً، وقد استودعها ابن عقدة في كتاب مفرد; وكثير من أسانيدها صحاح وحسان».

(32) «تهذيب التهذيب» 7: 297 (بيروت، دار الفكر). وكانت توجد نسخة من كتاب «جمع طرق حديث الغدير» لابن عقدة في حوزة ابن حجر. راجع: «المقالات التاريخيّة»، المجلد السادس، مقالة المصادر التاريخيّة لابن حجر في الإصابة: 363.

(33) شرح الأخبار 1: 130 ـ 132.

(34) معجم الأدباء 18: 80.

(35) المصدر السابق 18: 84 ـ 85.

(36) تاريخ الإسلام للذهبيّ: 310 ـ 320، 281.

(37) راجع بهذا الخصوص: سير أعلام النّبلاء 16: 132.

(38) تذكرة الحفّاظ 2: 713.

(39) تاريخ الإسلام للذهبيّ: 310 ـ 320، 283.

(40) تاريخ دمشق 52: 198.

(41) الذخيرة: 442 (تصحيح السيد أحمد الحسيني الأشكوري). على الرغم من الإشارة في نسختي كلتيهما من أنّ المقصود بـ(أبي بكر) هو ابن أبي داود السجستانيّ صاحب السنن، فقد توهّم المصحّح وقام بتخطئة ذلك، فأورد اسم السجستاني نفسه في النصّ.

(42) الشافي في الإمام 2: 264 (تصحيح السيد عبد الزهراء الخطيب، طهران، مؤسسة الصادق عليه السلام).

(43) تقريب المعارف، (تحقيق فارس حسون، قم، 1417 هـ): 207 ـ 208.

(44) طرق حديث «من كنت...»: 62; وأظنه بسبب جمع هذا الكتاب نسب إلى التشيّع.

(45) البداية والنهاية 7: 390 (دار إحياء التراث العربي، 1413 هـ).

(46) تاريخ بغداد 2: 164; تاريخ دمشق 52: 196; الأنساب 4: 46; مُعجم الأدباء 18: 43; تاريخ الإسلام للذهبيّ: 310 ـ 320، 282.

(47) قال: كانت الحنابلة تَمْنَع ولا تَتْرُك أحداً يَسْمَع عليه. معجم الأدباء 18: 43.

(48) من جملة ذلك إنكار حديث (الجلوس على العرش) والذي كان عنه أنّه محال وكان يردّد البيت التالي:

سبحان من ليس له أنيس        ولا له في عرشه جليس

 

(ياقوت الحمويّ،معجم الأدباء 18: 58) ;(الوافي بالوفيات 2: 287). ويضيف قائلاً: فلمّا سمع ذلك الحنابلة منه وأصحاب الحديث، وثّبوا ورموه بمحابرهم وقيل كانت الوفا، فقام أبو جعفر بنفسه ودخل داره، فرموا داره بالحجارة حتى صار على بابه كالتّلٍّ العظيم، وركب (نازوك) صاحب الشُّرطة في عشرات الألوف من الجند يمنع عنه العامّة. ووقف على بابه يوما إلى الليل وأمر برفع الحجارة عنه. وكان قد كتب على بابه:

سبحان من ليس له أنيس        ولا له في عرشه جليس

 

فأمر (نازوك) بمحو ذلك. وكتب مكانه بعض أصحاب الحديث...

واستسلم الطبريّ أمام هذه الضغوط وكتب ما وافق مَيل الحنابلة.

وإضافة إلى ما ذُكَر، فقد ذكر ابن الجوزي قولاً حول وجود اختلافات أخرى في وجهات النظر بين الطبري وأبي بكر بن أبي داود فيما يخصّ المسائل العقائدية، وحول سعي ابن أبي داود في إيصال الأمر إلى السلطات آنئذ وجواب الطبري عن ذلك. راجع: المنتظم 13: 217.

والسبب الآخر وراء عداء الحنابلة للطبريّ يكمن في أنّه لم ير أهمية تُذكر لِفقه أحمد بن حنبل ولم يعتن به، فقد كتب ابن الوردي يقول: وصنّف كتاباً فيه اختلاف الفقهاء ولم يذكر فيه أحمد بن حنبل، فقيل له في ذلك، فقال: إنّما كان أحمد بن حنبل محدّثاً. فاشتدّ ذلك على الحنابلة وكانوا لا يحصون كثرةً ببغداد، ورموه بالرّفض تعصّباً وتشنيعاً عليه. [تاريخ ابن لاوردي 1: 356 (النجف الأشرف، المطبعة الحيدرية، 1389 ق.); المختصر في أخبار البشر 1: 71 (القاهرة، مكتبة المتنبي)].

(49) تجارب الأمم 5: 142 (تصحيح الدكتور أبو القاسم الإماميّ، طهران، سروش، 1998 م).

(50) معجم الأدباء 18: 40 (دار الفكر).

(51) المنتظم 13: 217.

(52) المصدر السابق.

(53) الكامل في التاريخ 5: 74 ذيل حوادث سنة (310) (بيروت، مؤسسة التاريخ العربي).

(54) المصدر السابق.

(55) البداية والنهاية 11 ـ 12: 167 (بيروت، مؤسسة التاريخ العربي، 1413 هـ).

(56) لا شكّ في وجود اختلاف في وجهات النظر بين الطبريّ وبين علي بن داود الظاهريّ، والذي كان السبب في قيام ابن الظاهريّ (محمّد بن علي بن داود الظاهريّ)، إلاّ أنّ تلك الحادثة لا علاقة لها فيما نحن بصدده وهو مسألة (الغدير).

[راجع: معجم الأدباء 18: 79 ـ 80].

(57) تاريخ الإسلام للذهبيّ: 310 ـ 320، 516.

(58) المصدر السابق: 517.

(59) الفهرست: 288.

(60) تاريخ الإسلام للذّهبي: 310 ـ 320، 518.

(61) ميزان الاعتدال 3: 499.

(62) المصدر السابق.

(63) لسان الميزان 5: 758 (بيروت، تحقيق محمد عبد الرّحمن المرعشلي).

(64) إنّ هناك فرقاً بين الاتّهام بالتشيّع والاتهام بالرّفض. (راجع بهذا الخصوص البحوث الأوليّة في كتاب ـ تاريخ التّشيع في إيران ـ المجلد الأول).

(65) حول سنة ولادته، راجع: مقدمة ديوان أبي بكر الخوارزميّ، للدكتور حامد صدقي: 107.

(66) اُنظر رسالته إلى الشيعة في نيسابور والمجموعة في كتاب (رسائل الخوارزميّ)، طبعة بيروت: 16. وكان الأستاذ صدقي قد جمع كلّ عباراته التي يمكن من خلالها استشمام رائحة التّشيع عند الرجل ووضعها في مقدمة ديوان أبي بكر الخوارزميّ (طهران، التراث المكتوب، 1997 م: 115 ـ 117).

(67) الأنساب 2: 408.

(68) وفيات الأعيان 4: 192 و 400.

(69) سير أعلام النّبلاء 16: 526.

(70) الوافي بالوفيات 2: 284.

(71) شذرات الذهب 3: 105.

(72) مرآة الزّمان 2: 416.

(73) تاريخ نيسابور، (تصحيح محمد رضا شفيعي كدكني، طهران، 1996م): 185. وردت هناك العبارة التالية: «محمد بن العباس، ابن أخت محمد بن جرير، أبو بكر الأديب الخوارزميّ»: 185، ش2445.

(74) تاريخ بيهق: 16.

(75) المصدر السابق: 16.

(76) معجم البلدان 1: 77.

(77) مقامع الفضل 1: 464 ـ 465 (قم، تحقيق ونشر مؤسسة العلامة الوحيد البهبهاني، 1421 هـ).

(78) المجلّد السابع: 293 ـ 294.

(79) المجلّد التاسع: 377 ـ 378.

(80) مجالس المؤمنين 1: 98.

(81) وعلى هذا استند المرحوم المحدّث الأرموي في تعليقات النّقض 2: 658; معتبراً الخوارزمي ابن أخت الطبري المؤرّخ، وهو ما أيّده الأستاذ حامد صدقي واعتبره مطابقاً لِما ورد في المصادر التأريخيّة. راجع: مقدمة ديوان أبي بكر الخوارزمي: 111.

(82) مقدمة ديوان أبي بكر الخوارزمي: 112 ـ 113.

(83) سوى الأبيات التي سنأتي على ذكرها فيما بعد.

(84) معجم البلدان 1: 77; أورد القاضي نور الله البَيتين المذكورين كذلك في كتابه (مجالس المؤمنين 1: 98).

(85) النّقض: 218.

(86) تاريخ بيهق: 108. بالرّغم من أنّ هذين البَيتين قد وردا في ثلاثة مصادر قديمة، إلاّ أنّ ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 2: 36 ذكر كلاماً غير هذا. فقد كتب مشيراً إلى كتاب (المسترشد) الذي صنّفه محمد بن جرير الطبريّ، يقول: «ذلك ليس بمحمد بن جرير صاحب التاريخ بل هو من رجال الشيعة، وأعتقد أنّ أمّه من بني جرير من مدينة (آمل) بطبرستان. بنو جرير الآمليون شيعة مستهترون بالتشيع، فنسب إلى أخواله». ثم يستطرد قائلاً: «وله بيتان من الشعر يؤكدان هذا الأمر». ثم أورد البيتين المذكورين مع تغيير طفيف:

بآمل مولدي وبنو جرير فأخوالي ويحكي المرءُ خالَهْ

فمَن يَكُ رافضيّاً عن أبيه        فإني رافضيّ عن كلالَهْ

ولا يُعرف السبب وراء نسبة ابن أبي الحديد تشيّع محمد بن جرير الرافضي (وهو نفسه من بني جرير) إلى أخواله الذين نسبهم كذلك إلى بَني جرير.

(87) اليقين: 488.

(88) شرح الأخبار 1: 116.

(89) المصدر السابق: 117.

(90) المصدر السابق: 130 ـ 131.

(91) المصدر السابق 1: 128.

(92) المصدر السابق 1: 132.

(93) المصدر السابق: 135. ويقصد الكلام الذي قيل فيه: إنّ الإمام عليّا عليه السلام كان موجوداً في اليمن وقت حجة الوداع.

(94) المصدر السابق 1: 136 ـ 137.

(95) المصدر السابق 1: 136 ـ 137

(96) المصدر السابق: 138.

(97) المصدر السابق 1: 149.

(98) شرح الأخبار: 164.

(99) الاستيعاب 3: 1090، 1118، 1126.

(100) المناقب 4: 25.

(101) المصدر السابق 3: 48.

(102) المصدر السابق 3: 67.

(103) المصدر السابق 3: 70 و4: 73.

(104) المصدر السابق 3: 129.

(105) المصدر السابق 2: 282.

(106) متشابه القرآن، (قم، منشورات «بيدار»، 1410 هـ) 2: 41.

(107) اليقين: 477.

(108) الطُرَف، (ميراث اسلامي ايران، المجلد الثالث): 186.

(109) كتب (كلبرگ) ـ مكتبة ابن طاووس: 398، ش356 ـ يقول: إنّ المقصود من ذلك هو ترتيبه الأبواب بحسب أسماء الرواة. ومع ذلك لا يمكننا تأييد هذا القول بالكامل إذا ما علمنا أنّه قام مثلاً بنَقل حديث عن سلمان في (اليقن: 477) لا يناسب وضعه في باب الهاء، وشبيه هذا الأمر موجود كذلك في كتاب (الطُرَف).

(110) وقام كذلك بنقل نصوص أخرى لعلماء من أهل السنّة يمدحون فيها الطبريّ ويثنون عليه [اليقين باختصاص مولانا عليّ بأمير المؤمنين، تصحيح الأنصاري، قم دار الكتب، 1413 هـ: 487].

(111) اليقين: 215 ـ 216.

(112) طرق حديث «من كنت مولاه...»: 29.

(113) المصدر السابق: 41.

(114) المصدر السابق: 62.

(115) المصدر السابق: 91.

(116) البداية والنهاية 5: 227 ـ 233 بيروت، دار إحياء التّراث العربي، 1412 هـ.

(117) المصدر السابق 7: 383 ـ 387.

(118) المصدر السابق 5: 227.

(119) الصراط المستقيم 1: 9.

(120) المصدر السابق 1: 153.

(121) الغدير 1: 214; راجع: الصراط المستقيم 1: 301.

(122) الصراط 3: 79، 81، و 162.

(123) المصدر السابق 1: 4، و3: 255.

(124) المصدر السابق 1: 246. وفي 1: 261 يُدرج اسمه في عِداد كتّاب الشيعة كابن بطريق وابن بابويه، ويحتمل أنّه قد قصد من الطبري صاحب «المسترشد».

(125) الصراط 1: 233; وأسند ابن جرير الطبري في كتاب (المناقب) إلى النّبي...

(126) بيروت، مؤسسة الرسالة، 1409 هـ.

(127) حول كتاب (الولاية) راجع: الغدير 1: 152.

(128) الغدير في التراث الإسلامي، (بيروت، دار المؤرخ العربي، 1414 هـ): 35 ـ 37; أهل البيت في المكتبة العربية، (قم، مؤسسة آل البيت، 1417 هـ): 661 ـ 664، ش852.