المأتم الحسينيّ مؤسّسة لبناء فكر أهل الولاء

بقيت كلمة الحق تصدح بالحق المر وتستنهض الأتباع عبر الأجيال، وبقيت الدمعة الساخنة التي امتزجت بدماء الكرامة والعزة والسمو تعتصر الضمير الإنساني وتستحثه لنصرة الحسين (عليه السلام) في كل عصرٍ وكل مصر.

تجلى الصراع الأبدي بين الحق والباطل بأوضح صوره وأجلاها على صعيد كربلاء ففاض معين الشهادة ليروي عبر الأجيال ظمأ الإنسان لرسالة التوحيد والعدل والحرية، وليرسي قاعدة الكرامة والإباء في معادلة الصراع الطويل، إن الفأس الأسود الذي هوى على شجرة الإسلام ليقتلعها من جذورها زادها تجذراً ورسوخاً، واليد الآثمة التي امتدت لتطفئ جذوة الهدى تسببت دون اختيار منها في توهج تلك الجذوة وامتداد ضوئها.

لقد طفت سفينة الإسلام على قطرة دمٍ سالت في كربلاء، ونجت سفينة البشر بقطرة دمع ساخنة انبجست على أرض الطف، وكانت ولا تزال راية مخضبة بالدماء تستحث العاشقين للحياة الكريمة التي يهفو لها الإنسان وتتطلع لها فطرته النقية.

نعم بقيت كلمة الحق تصدح بالحق المر وتستنهض الأتباع عبر الأجيال، وبقيت الدمعة الساخنة التي امتزجت بدماء الكرامة والعزة والسمو تعتصر الضمير الإنساني وتستحثه لنصرة الحسين في كل عصرٍ وكل مصر.

وبقيت دعوة الحسين (عليه السلام): إنما خرجت لطلب الإصلاح، تتردد في وعي أهل الولاء، وصرخته: هيهات منا الذلة، تتجلى في ميادين الكرامة و الإباء، وبقيت مقالة سيدة الطف: ما رأيت إلا جميلاً، تتردد على ألسنة الثكلى وتختلط بزغاريد الشهادة، وما يوم حليمة بسر.

لقد غدت كربلاء مدرسة العقيدة والفكر وواحة الكرامة والإباء وصرخة الإنسانية المتعطشة لكمالها المنشود التي نستقبل بها عامنا لترسم لنا خط السير وغاية المسير ودروس الولاء والبراء.

وغدا المأتم الحسينيّ مؤسّسة دينيّة تملك الموقع الأول في بناء فكر أهل الولاء، وتشكل المرتكز الثقافي الأساس في هوية الفرد، وتحمل رسالة خالدة لها أبعادها العقدية، والفكريّة، والروحيّة، والأخلاقيّة، والاجتماعيّة، والسياسيّة، والجهاديّة، هي رسالة الإسلام الأصيل.

من هنا كانت المآتم الحسينية مستهدفة عبر التأريخ من قبل قوى معادية لأهدافها، أو من قبل قوىً متخلّفة لم تستوعب رسالتها وغاياتها ولم تدرك أبعادها وعطاءَها. وفي زمنٍ تتعاظم فيه الحاجة لعطاء كربلاء تزداد الحاجة لتركيز الجهود لاقتناص أكبر الفوائد من مائدة سيد الشهداء(عليه السلام)، لهذا كتبت هذه المحاولة.