بيان الحج لولي أمر المسلمين الإمام الخامنئي عام 1416ﻫ ق
2008-11-19
الحمد للّه رب العالمين وصلى اللّه على سيد الأولين والآخرين محمّد المصطفى وآله الميامين والسلام على بقية اللّه في الأرضين.
الحج .. هذا الينبوع الفيّاض بالتقوى والمعنوية والخير والبركة, يتدفّق بعطائه كل عام وإلى الأبد على العالم الإسلامي وعلى كل مسلم موفق؛ لينال كل فرد وكل جماعة من عطائه بقدر الوسع والقابلية.
عطاء هذا النبع الفيّاض لا يقتصر على حجاج بيت اللّه الحرام, إذ لو عُرفت أبعاد هذه الفريضة العظيمة, وجرى العمل بها بشكل صحيح لنعُم كل الأفراد والشعوب في جميع أرجاء العالم ببركاته.
إنّ للكوارث التي يتعرض لها الأفراد والجماعات البشرية جانبان:
الأول: من داخل أنفسهم؛ ومنشؤه: الضعف البشري، والأهواء الجامحة، والشكوك، وجدب الإيمان، والخصال المخرّبة .
الثاني: الأعداء الخارجيون؛ فهم النكد لحياة الأفراد والشعوب بسبب طغيانهم وأطماعهم وعدوانهم ووحشيتهم، وهم البلاء الداهي نتيجة حروبهم وظلمهم وتجبّرهم وتعنّتهم.
إنّ العالم الإسلامي ـ بأفراده وشعوبه ـ كان دائماً عرضة لهذين التهديدين, وهو اليوم مهدّد أكثر من ذي قبل. فمن جانب نرى إشاعة الفساد في البلدان الإسلامية وفق خطة مدروسة، ونرى فرض الثقافة الغربية بمساعدة بعض الأنظمة العميلة على مظاهر الحياة بدءاً من السلوك الفردي وحتى تخطيط المدن والحياة العامة والصحافة وغيرها, هذا من جانب.
ومن جانب آخر نشاهد الضغوط العسكرية والسياسية والإقتصادية على بعض الشعوب المسلمة والمذابح في لبنان وفلسطين والبوسنة وكشمير وأفغانستان.. وكلها شواهد بارزة على هذين التهديدين في أجوائنا الإسلامية.
نبع الحج الفيّاض
إنّ الحج هو ذلك النبع الذي لا يتوقف تدفقه والهدية التي لا ينضب معينها، وبه يستطيع المسلمون أن يتخلصوا إلى الأبد من نكد العيش ومرارته ومن مرض الإنحراف ولوثته، وبمساعدة هذا الذخر الأبدي يقدرون أن يحصّنوا أنفسهم في كل زمان من هاتين الكارثتين.
فالحج وما فيه من عناصر التقوى والذكر وحضور القلب والخشوع والتوجه إلى اللّه سبحانه وتعالى لكفيل بمواجهة التهديد الأول، وما فيه من عناصر التجمّع والتوحّد والإحساس بعظمة الاُمة الإسلامية الكبرى وقدرتها على ساحة الحج لكفيل بمقابلة التهديد الثاني.
كلّما قوي حضور هذين الجانبين في الحج ازدادت حصانة ومقاومة الأفراد والمجتمعات الإسلامية أزاء هذين التهديدين، ومتى ما ضعف أو زال أحدهما أو كلاهما فإنّ الاُمة الإسلامية بأفرادها وشعوبها وبلدانها تصبح أكثر عُرضة للكوارث.
وفي نصوص الشريعة الإسلامية المقدسة وفي نصّ القرآن الكريم، تصريح بكلا الجانبين بحيث لا يبقى مجال للشك لكل ذي عين وقلب وإنصاف.
فما فرضه اللّه سبحانه في قوله: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أو أَشَدَّ ذِكْراً﴾[1]، جاء إلى جانبه فريضة اُخرى حيث يقول سبحانه: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾[2] .
واتساقاً مع قول الحكيم جلّت قدرته: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾[3] .
كل توصية وإعلام وسعي لإدخال الضعف على هذين الجانبين أو إبعاده إنّما هو مجابهة مع آيات القرآن الكريم وتعاليمه.
وليس ثمة خسارة للاُمة الإسلامية أفدح من أن تتعرض تعاليم الإسلام وتوجيهاته ـ التي هي ذخائر حياتية أبدية للمسلمين وجميع البشرية ـ لغفلة وجهل الزعماء الدينيين والسياسيين، وأن يحال بينها وبين أن يتزود من عطائها الناس جميعاً.
إنّ الحج هو إحدى هذه الذخائر الحياتية الأبدية، وعلى كل المسلمين أن يتعمّقوا في معرفته ويزدادوا انتهالاً من زاده.
إنّ العالم الإسلامي يعاني اليوم من مشاكل متفاقمة تهدّد كيانه.
وإذا لم تتظافر جهود المسلمين وتتجه بقوة الإيمان والجهاد والتوكل وبعلوّ الهمة واليقظة وبالاستفادة من ذخائر القوة المودعة في هذا الدين الحنيف إلى تجاوز هذه المشاكل، فإنّ أعداء الإسلام المستكبرين المجهّزين بسلاح القوة السياسية والعسكرية والتكنولوجية سيعملون على تصعيد هذه المشاكل وتضخيمها، وسيؤخرون موعد تحرر الشعوب الإسلامية وخلاصها عقوداً بل قروناً إلى الوراء، ولعلّ بعض الشعوب ستذوب تماماً وستفقد بالتدريج هويتها الإسلامية بعدما تتعرض لضغوط المسخ والإفساد الثقافي الغربي.
من مشاكل العالم الإسلامي
واليوم، وبعد قيام الجمهورية الإسلامية في أرض إيران، وانتعاش حركة الصحوة الإسلامية في كثير من البلدان الإسلامية انزاح الستار عن كثير من الحقائق مرّها وحلوها، وأصبح عدد كبير من أبناء العالم الإسلامي قادرين على تحليل الحوادث وفَهْم الواقع.
ولكن لابدّ من الإذعان أنّ وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة على الساحة العالمية ـ وجلّها تنفث في عقد الصهاينة وحماتها الغربيين وأحياناً في عقد عملاء المستكبرين المتظاهرين بالإسلام ـ تشوّه كثيراً من الحقائق.
لذلك من المناسب أن نستعرض بإجمال عناوين ما في العالم الإسلامي منمشاكل وإمكانات:
في الحديث عن الإمكانات لابدّ أن نبدأ من أنّ سكان العالم الإسلامي يبلغ ملياراً وبضع ملايين من المسلمين ينتشرون في أكثر من خمسين بلداً، وعلى أرض مترامية الأطراف تمتد بين المحيطين الهادي والأطلسي.
وبين هذا العدد الضخم من البشر توجد شعوب اشتهرت بالفطنة والذكاء, ولها حضارات ذات جذور ضاربة في أعماق التاريخ تمتد لآلاف السنين، وشخصيات علمية وسياسية مرموقة.
هذه المجموعة البشرية المسماة بالاُمة الإسلامية تملك ثقافة غنية وتراثاً ثرّاً وطاقات خلاّقة باهرة استثنائية, وهي إلى جانب تنوّعها وتعدّديتها تتمتع بوحدة وانسجام عجيبين ناشئين من تجذّر الإسلام والتوحيد الخاص والخالص في حياتها بكل ما في هذه الحياة من أجزاء وأركان ومنعطفات.
هذه الشعوب المتآخية المتعاطفة بعناصرها السوداء والبيضاء والصفراء وبلغاتها المختلفة، ترى نفسها أجزاء متساوية لهذه الاُمة الإسلامية الكبرى، وتفخر بذلك، وتتجه كل يوم نحو مركز واحد لتدعو اللّه بلغة واحدة، وتستلهم جميعاً من كتاب سماوي واحد، وهذا الكتاب فيه تبيان كل الحقائق ومنهج كل إحتياجاتهم وواجباتهم.. ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾[4].
إنّ المنطقة الجغرافية لهذه المجموعة البشرية هي من أغنى ـ إن لم نقل أغنى ـ أصقاع المعمورة في مصادرها الطبيعية، وفيها بشكل خاص مصادر النفط المحركة لعجلة المدنية في العالم.
أي أنّ هذه المجموعة لو قطعت نفطها لأشهر عن الزبائن، فإنّ قسماً كبيراً من العالمبما فيه البلدان التي تقدّم منذ قرون ولا تزال تقدّم مقدّرات الشعوب المسلمة قرباناً على مذبح أطماعها وتجبّرها، ستغطّ في زمهرير وحيرة وظلام.
وعلاوة على ذلك, فإنّ قائمة إمكانات الاُمة الإسلامية تشتمل على مئات العناوين الضخمة في الحقول الإنسانية والثقافية والمادية والإقتصادية والسياسية والإجتماعية, ممّا لا يخفى على كل من ألقى السمع وهو بصير.
والآن، لنلق نظرة على المشاكل الكبرى المحيطة بهذه المجموعة البشرية العظيمة أي الاُمة الإسلامية، هذه المشاكل التي تَحُول دون أن تستفيد هذه الاُمة ممّا لديها من إمكانات هائلة فاعلة استثنائية؛ لتبقى نتيجة ذلك متخلّفة عن ركب العلم، وعاجزة عن استثمار ثروتها العظيمة، ومغلوبة أمام الثقافات الأجنبية في حلبة الصراع الثقافي العالمي، وذيليّة في ساحة السياسة العالمية.. ولتبقى على الصعيد العسكري عرضة لاعتداء وقمع القوى المستكبرة.
هذه المشاكل التي نجم أكثرها عمّا في داخل الاُمة من تقصير وغفلة أو إنحراف وخيانة تشكل قائمة طويلة نستطيع أن نعنوها بما يلي:
ـ الخلافات الطائفية التي يروّج لها غالباً علماء السوء وذوو الأقلام المأجورة ويعملون على تصعيدها وتضخيمها.
ـ الخلافات القومية والإقليمية الناشئة عن التعصب القومي, وهي ممّا يثيره غالباً المثقفون المهزومون.
ـ الاستسلام أمام القوى الطامعة ممّا صيّر بعض البلدان توابع للقوى المتفرعنة.
ـ الاستسلام أمام الثقافة الغربية الفاسدة، بل وإشاعتها بدوافع سياسية وعقائدية.
ـ خلو بعض الحكومات من الإيمان والاهتمام بشعوبها وبإرادة هذه الشعوب ومعتقداتها وآمالها وتطلعاتها، وإتخاذ موقف الغطرسة تجاهها.
ـ هزيمة كثير من الشخصيات السياسية والثقافية في العالم الإسلامي أمام القوى المتجبرة واليوم بالذات من أمريكا.
ـ وجود الكيان الصهيوني الغاصب في قلب العالم الإسلامي، وهو بدوره عامل باعث على كثير من المشاكل الاُخرى.
ـ إشاعة فكرة فصل الدين عن السياسة، وتصوير الإسلام بأنّه طقوس فردية لا علاقة له بمسائل الحياة، كنظام الحكم والسياسة والإقتصاد وأمثالها.
هذه وعشرات غيرها من المشاكل الأساسية الكبرى، على ما فيها من جذور تاريخية، كان من الممكن تجاوزها وعلاجها لَوْ تَوَفّر في قادة السياسة والدين إخلاص وهمة وتحرر، لكنها اليوم باقية تنخر في جسد الاُمة, وتؤدي إلى ما يشهده العالم الإسلامي من مآس وويلات, وتجر إلى الفقر والجهل والإجحاف, وضعف الموقف السياسي, والتخلف والحرب والدمار, وإشاعة الخرافة والتعصب.
إنّ الحديث هو لو اُقيمت فريضة الحج بصورة صحيحة كما فرضها اللّه، فإنّها قادرة على معالجة هذه الأمراض الأساسية وإزالة بؤر التخلف، وهذا العلاج لا يأتي دفعة واحدة، إلاّ أنّ إجتماعاً مليونياً على مرّ السنين، من الرجال والنساء الوافدين من كل فج عميق، في بقعة واحدة، وعلى صعيد أعمال متناسقة مليئة بالمعاني، وتحت لواء التوحيد العظيم، وفي أجواء عبقة بذكريات صدر الإسلام من بدر واُحد، وعلى صعيد زيارة مسجد لا تزال جدرانه تعيد إلى الأسماع صدى التلاوة القرآنية العطرة مُنْطَقَة من حنجرة رسول اللّه المباركة، ولا يزال نداء تكبير المجاهدين في صدر الإسلام يموج في أجوائه، كل ذلك في جو مفعم بالذكر والإستشعار ومناجاة اللّه عزّ وجلّ، جو ينتشل الإنسان من ضعفه وذاتيته وإعوجاجه ليرفعه إلى معدن المجد والعظمة وقدرة رب العالمين.. إنّ مثل هذا الإجتماع بلسم شاف يبعث القوة في القلوب، والرفعة في الهمم، والصلابة في الإرادة، والثقة بالنفس، والسعة في الاُفق، والتقريب في تحقق الآمال، والاتحاد بين الاُخوة، والهوان في الشيطان، والضعف في كيده.
نعم، فالحج الصحيح والكامل.. هو الحج التوحيدي، الحج الذي يكون منطلقاً لحب اللّه وحب المؤمنين والبراءة من الشياطين ومن الأصنام والمشركين.. الذي يعمل أولاً على وقف اتساع دائرة مشاكل الاُمة الإسلامية، ثم استئصالها.. الذي يعود على الإسلام بالعزة، وعلى حياة المسلمين بالإزدهار، وعلى البلدان الإسلامية بالاستقلال والتحرر من شرّ الأجانب.
وإستناداً إلى هذا الفهم الصحيح لأهمية الحج، وضعت هذه الفريضة بعد إنتصار الثورة الإسلامية الكبرى في رأس قائمة اهتمامات الجمهورية الإسلامية على الساحة الدولية، وركزت هذه الدولة الكريمة على تقريب الحج ممّا كان عليه في صدر الإسلام وذلك بالدمج بين الجانب السياسي الإلهي لهذه الفريضة وهو مظهر عزة ساحة الحق وقدرته، والجانب العبادي الإلهي وهو مظهر غفران الرب ورحمته، ولتجسيد هذا الاقتران اُحيت شعيرة البراءة من المشركين ثانية في الحج، وهي تواصل العمل بهذا الواجب الإسلامي رغم كل المعوقات السياسية، ورغم كل العراقيل الناشئة عن دوافع غير إسلامية.
إنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية باعتبارها النظام الذي أثبت قدرة الإسلام على إدارة المجتمع البشري, رغم كل ما شاع تجاه هذه القدرة من تشكيك وإعلام مضادة خلال القرن الأخير، تنظر إلى الحج، لا كوسيلة لتكريس الذات، بل باعتباره ساحة توعية المسلمين وغرس روح التقوى والإيمان بتطبيق الشريعة الإسلامية وتحقيق العزة والاستقلال في نفوسهم.
واُولئك الذين يرفضون روح الحركة والنظرة الشمولية في الحج إنّما يرفضون في الواقع عزة المسلمين واستقلالهم ونجاتهم من براثن الإستكبار والصهيونية، كل فتوى ورأي في مجال هذا الفرض إنّما هو حكم بغير ما أنزل اللّه، صادر ـ على أغلب الظن ـ عن جهل بحقائق العالموعن إنعدام البصر والبصيرة في أمور المسلمين.
فكل مُطّلع على ما تعانيه الشعوب المسلمة اليوم من وضع مرهق, ومن سيطرة أمريكية متجبّرة عليهم.. كل من يعلم بما يرتكبه الصهاينة من جرائم، وما يحيكونه من مؤامرات خفية ضد البلدان الإسلامية.. كل من يحسّ بخطر انتشار هذه الغدة السرطانية الخبيثة في الأجهزة الإقتصادية والسياسية لدول المنطقة .. كل من يشاهد ما يعيشه الشعب الفلسطيني من وضع متأزم في مخيمات الغربة ومن احتلال الجلادين لأرض هذا الشعب.. كل من يعلم بما يجري في جنوب لبنان وفي مناطقه المحتلة من قبل الصهاينة وفي أراضيه المعرضة دائماً للهجوم.. كل من سمع بالمآسي المفجعة الأخيرة في لبنان حيث الصهاينة يقصفون بدعم حكومة أمريكا منذ اثني عشر يوماً بشكل متواصل أكثر من نصف هذا البلد من الجو والأرض والبحر ويقتلون بشكل جماعي الأطفال والنساء والمدنيين.. كل من يَطّلع على أوضاع البوسنة وأفغانستان وكشمير وطاجيكستان والشيشان.. كل من يدري بما تدبره أمريكا الطاغية والصهيونية عدوة البشرية من مؤامرات متواصلة وأعمال عدوانية ضد الجمهورية الإسلامية التي تمثل اليوم مظهر حاكمية القرآن والإسلام...
نعم .. من يعلم كل هذه الحقائق, وهو يتحلّى بغيرة إسلامية ويحس بمسؤولية دينية، فلا يتردد في الحكم على أنّ تضييع رصيد الحج العظيم وفقدان هذا السند الإلهي المستحكم للإسلام والمسلمين خسارة لا تعوض وذنب لا يغتفر.
إنّ ما تعانيه الدول الإسلامية من ضعف وما يوجد بينها من تمزق مؤلم حقيقة لا يمكن كتمانها أو إنكارها، فالعالم العربي دفع بنفسه اليوم إلى حالة لا يستطيع معها ـ مع الأسف ـ أن يدخل ساحة الحرب حتى ليوم واحد مع العدو الغاصب لأراضيه، وأن يدافع عن الشعب اللبناني الذي أضحى ضحية جرائم الكيان الصهيوني الغاصب.
نحن نرى المعدات الحربية الجوية ومعدات الدفاع الجوي المشتراة بأثمان خيالية من مصانع الغرب تملأ مستودعات هذه البلدان، بينما تقصف طائرات الصهاينة الدمويين بـ (حرُية) بيوت الشعب العربي وتُهدّم عليهم منازلهم ولا تستطيع أية دولة من هذه الدول أن تُسكت هذا القصف الوحشي.
هذه الحقائق المُرّة لو أضيف إليها ما تمارسه القوى الإستكبارية من تسلّط سياسي ومن هجوم دون رادع للسيطرة الثقافية التامة على كثير من هذه البلدان، وما تشهده الساحة من مصائب فادحة تنذر بالخطر، فإنّها كافية لكل ضمير حي وعقل سليم أن يتوصّل إلى أنّ البلدان الإسلامية والشعوب الإسلامية والنخبة الإنسانية المجتمعة حول الكعبة المشرّفة والمواقف المباركة في أرض الوحي بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى معنى الحج وروحه وقوته المودعة فيه ولابدّ أن يستثمر عطاؤه.
هذا هو حديثنا عن الحج, وهذا هو هدف دعوتنا إلى إحياء الحج وسائر شعائر الإسلام الحياتية.
الشجاعة وصلابة الموقف
إنّ الجمهورية الإسلامية بسبب هذه المواقف الصلبة الشجاعة في الدفاع عن الإسلام وأحكامه تعرضت منذ البداية وحتى الآن إلى غضب القوى الإستكبارية ونقمتها وعلى رأسها الشيطان الأكبر أمريكا.
إنّهم يتهمون الجمهورية الإسلامية بالروح التوسعية, وبإثارة الحروب والمشاكل لكي يبرروا أمام الرأي العام العالمي والإسلامي مواقفهم الحاقدة العدوانية اللئيمة تجاه دولة الإسلام.
إذاعاتهم العميلة وصحافتهم التي تملأ كل مكان بما في ذلك البلدان الإسلامية بتمويل الصهاينة أو عملاء أمريكا والصهيونية لا تزال تنشر التهم والشائعات, والتحاليل والأخبار الكاذبة والمغرضة ضد الجمهورية الإسلامية لتكسر وتحدّ من النفوذ المعنوي للثورة الإسلامية وقداسة ومحبوبية اسم الإمام الراحل (قدّس اللّه روحه).
إنّهم باستخدام أحدث السبل اللئيمة في الإعلام يسعون لتشويه سمعة الجمهورية الإسلامية من أجل أنّ ينصرف عنها مؤيدوها في عالم الإسلام، ويخلقوا حاجزاً من الكذب والتهم بين إيران الإسلام والبلدان التي يخشون تكرار تجربة إيران فيها.
أفظع إرهابيي العالم أي زعماء الكيان الصهيوني الغاصب, وحماته السيئون في الحكومة الأمريكية يتّهمون إيران الإسلام بالإرهاب.
زعماء أمريكا وإسرائيل في كل مناسبة وبدون مناسبة يوجّهون أصابع الاتهام نحو الجمهورية الإسلامية، ولا تخلو كل كلمة سياسية ينطقونها من ترديد الاسم المقدّس والعزيز والمشرق لإيران الإسلام بعبارات تعج بالحقد والبغضاء.
إنّه لفخر لنا أن يحقد علينا أشهر الأنذال وكبار المجرمين في العالم، نحن أيضاً نبغضهم ونبرأ من أعمالهم السيئة وأياديهم الملوثة.
واللّه ورسوله كذلك يبرءان منهم:﴿...وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾[5].
إنّ الجمهورية الإسلامية تشقّ طريقها اليوم، بفضل اللّه ومنّه، بقدرة وإرادة وعزم لا يلين رغم عداء الحاقدين والعراقيل التي يضعونها.
إنّها بلد يتمتع بالثبات، البناء والإعمار، وحكومة محبوبة منتخبة من الجماهير، وتواجد فاعل مقرون بالعزة والكرامة على الساحة العالمية، وإيمان طافح بالإسلام، وشباب يقظ حيوي متحرر ممّا يعانيه شباب كثير من البلدان من كآبة وأحزان، وجماهير واعية وشجاعة ومستعدة للدفاع عن الإسلام وإيران، ومعنويات متصاعدة، إلى جانب حياة نامية متطورة، ووحدة كلمة منقطعة النظير تضرب بها الأمثال.
إنّه كذلك وللّه الحمد.. ضخامة الهجوم الإعلامي ضدنا مؤشر على ما في شعبنا وبلدنا من عظمة متزايدة وإقتدار يتصاعد باستمرار.
في الختام، أدعو كل الحجاج الأعزاء أن يغتنموا فرصة هذه الأيام المباركة وأن يتدبروا في مناسك الحج وأن يتزودوا بالزاد المعنوي والروحي لبقية عمرهم.
وأدعو السادة علماء الدين المحترمين أن يطرحوا هذه المضامين بشكل مناسب على قوافل حجاج من الإيرانيين وغير الإيرانيين، ويشدّوا القلوب والنفوس إلى معنويات الحج وإلى مضمونه السياسي.
أسأل اللّه سبحانه وتعالى أن يمنّ على الإسلام والمسلمين بالعزة، وعلى الأقطار الإسلامية بالاستقلال الحقيقي والتحرر من هيمنة المستكبرين سياسياً وإقتصادياً، وعلى إيران الإسلام بدوام المجد والعظمة تحت ظل الألطاف والعنايات الخاصة البقية اللّه الأعظم المهديالمنتظر روحي فداه.
والسلام عليكم وعلى جميع إخواننا المؤمنين.
علي الحسيني الخامنئي
الرابع من ذي الحجة 1416 هجرية
ــــــــــ
[1] البقرة: 200.
[2] التوبة: 3.
[3] الحج: 37.
[4] سورة النحل، الآية: 89.
[5] التوبة: 3.
تعليقات الزوار