علاقة العبادة بحركة المجتمع السياسية

2007-08-21

احمد حسين يعقوب

الحمد لله الذي هدانا لدين الإسلام، وألّف بين قلوبنا فجعلنا بهذه النعمة الإلهية إخواناً {لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفّت بين قلوبهم ولكن الله ألفّ بينهم}.

وأصلي وأسلم على نبيه الكريم محمد الذي بلغنا هذه الأمانة، وأدى هذه الرسالة وجاهد في الله حق جهاده، حتى أرسى القواعد الأساسية لأمة الإسلام، وأقام دولة الإسلام لتعبر بوجودها عن وجود الإسلام، ولتتميز بتطبيقها للإسلام عن غيرها من دول الأرض. اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله الأكرمين الذين وقفوا معه، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم لينتصر الإسلام. أما بعد: 

تباشير الفلاح

انه من يُمْنِ الطالع أن يصادف انعقاد مؤتمر الفكر الإسلامي الذكرى السنوية للإسراء، والمعراج، والإسراء يوم من أيام الله، ومن ملهمات هذه الأمة، يجدد شبابها، ويضيء دربها ويؤكد لها أن الصراع بينها وبين أعداء الإسلام قدر محتوم لا مفر منه.

أيها الأخوة: قبل أن يتألق النجم، قبل أن يتألق نجم الإمام الخميني (قدس الله سره) كانت الأمة ممزقة، ومبعثرة، كل شعب مشغول بنفسه، غني بمتاعبه، يسيرون جميعاً من ذيل القافلة الدولية، لا يقام لهم وزن ولا يحسب لهم حساب، يعيشون في حالة تبعية بغيضة للشرق أو للغرب أولهما معاً، لم تكن لهم دولة تطبق أحكام الإسلام الإلهية، وتعبر عن وجودهم كأمة واحدة من دون الناس، لقد كان المسلمون في ضياع وقد أحيط بهم تماماً، ولفهم ليل دامس الظلمات إذا أخرجت يدك لم تكد تراها؛ هذا على صعيد الأمة. أما على الصعيد الدولي فقد تحكمت بمصير العالم الدولتان العظيمان: الولايات المتحدة ودول أوربا الغربية في ركابها من جهة والاتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية في ركابه من جهة أخرى. الغرب يتبنى الرأسمالية التحررية ويزعم انه حارس الحرية، والشرق يتبنى الماركسية الشيوعية ويزعم انه القيم على فكرة العدالة الاجتماعية، وقد قامت الحضارة الغربية بشقيها الرأسمالي التحرري والماركسي الشيوعي على أساس فصل الدين عن الدولة وفصل الأخلاق عن القانون، وقصر دور الدين على العلاقة الشخصية بين العبد وربه، على اعتبار أن الدين والأخلاق حاجات ليست علمية كما يزعمون. ومن هنا فقد أقصوا الدين كنظام الهي عن مسرح الحياة، ومنعوه من أن يرشد حركة المجتمع السياسية أو أن يساهم في ترشيدها على الأقل. 

تألق النجم الباهر

بهذه الظروف العصيبة من حياة الأمة الإسلامية لاح نجم الإمام الراحل آية الله الموسوي الخميني قدس الله سره، وكان قدره أن يواجه أعظم طاغية عرفه الشرق الحديث على الإطلاق، الشاه وأسياده في الغرب والشرق وأعوانه من جهة وعلماء الإسلام في إيران والشعب الإيراني المسلم بقيادة الإمام الخميني من جهة أخرى، فقاد الإمام الدعوة إلى الإسلام وبعون الله وتوفيقه حصلت القناعة بأن الإسلام هو الحل وهو الطريق، هو الوسيلة وهو الهدف، وعاش في يقين هذه القناعة الإمام القائد وعلماء الإسلام في إيران والأكثرية الساحقة من شعب إيران المسلم، ونجحت الدعوة الإسلامية في إيران نجاحاً ساحقاً؛ فكلمة واحدة من الإمام كانت تُخرج الملايين المسلمين من بيوتهم، ولأن الإمام لا يفصل بين العبادة وحركة المجتمع السياسية، ولأنه يؤمن أن الإسلام كله عبادة، وانه ما جاء إلاّ ليقود حركة المجتمع السياسية في كل الأمور، ولأنه يقتدي بالرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، فبعد نجاح الدعوة الإسلامية في إيران قرر الإمام وخلفه علماء الإسلام وشعب إيران المسلم أن يقيموا دولة الإسلام في إيران، وبموازين الإسلام وحده، وبوسائل الإسلام نقل الدعوة إلى دولة. دعوة إسلامية تتمخض بالضرورة عن دولة إسلامية تحكم بما انزل الله تماماً، لا تنقاد للشرق ولا للغرب، لا تتبنى التحررية الرأسمالية، ولا تتبنى الماركسية الشيوعية، إنما تحكم وفق القواعد الإلهية، وتلك نقله نوعية في مسيرة النظام السياسي العالمي؛ فقد كان النظام السياسي العالمي قبل مجيء الإمام ونجاح الدعوة الإسلامية وتمخضها عن قيام دولة الإسلام في إيران كان هذا النظام حكراً على الرأسمالية وعلى الماركسية الشيوعية. 

قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية

بقيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحطمت تماماً المعادلة السياسية الدولية، فقد تبنت هذه الجمهورية نظام الله لتواجه به نظام البشر، وطبقت حكم الله لتواجه به حكم البشر؛ وهذه المواجهة على المدى البعيد معروفة النتائج ، فالبشر مخلوقة، والله هو الخالق، والبشر مهما كانت إمكانياته ناقص بطبعه إلا من عصم الله، والكمال لله وحده، فأي مناظرة موضوعية بين ما وصفه الله وما وصفه البشر محسومة أصلاً، واكتملت معالم وأساسيات هذه الجمهورية بالدستور الذي وضع موضع التطبيق وأثبت شجاعته وقدرته. 

ماذا يعني قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟

يعني أول ما يعني انه قد تكونت للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها دولة ترمز لوحدتهم وتطبق شريعتهم، وتضع تحت تصرفهم الأمل بتحقيق وحدتهم وإقامة دولة تنمو وتتسع حتى ينقاد كل المسلمين إلى القواعد الإسلامية، وحتى تضفي حمايتها على جميع المسلمين. 

تحطيم المعادلة الدولية

النظام السياسي العالمي السائد قبل مجيء الإمام كان يقوم بجوهره على تبعية وانقياد المخلوق للمخلوق، وتبعية الأقلية للأكثرية، وتبعية المحكومين للقوانين التي يضعها الحكام وبنجاح الثورة الإسلامية الإيرانية تحكمت هذه القاعدة تماماً فأصبح الانقياد والتبعية لله وحده وأصبحت القواعد الإلهية هي وحدها تحكم البشر. وتلك أمور كان العالم يتجاهلها تماماً. 

الحيثيات التي وضعها الإمام للأمة والدولة

المسلمون أمة واحدة من دون الناس، هذا قرار الهي، لا تملك قوة في الأرض تعديله أو تبديله {وإن هذه أمتكم أمة واحدة}، والأمة الواحدة لها دولة ولها إمام واحد يقود هذه الدولة، فمهمة المسلمين وواجبهم الديني يحتم عليهم أن يحققوا الوحدة بين الأمة وبين الدولة بحيث يكون للمسلمين كلهم دولة واحدة لأنهم أمة واحدة، ولأن الدولة الإسلامية تطبق شرع الله {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} فلن يحدث خلاف لأن الخلاف مرتبط بالهوى، وتطبيق الشرع الإسلامي يؤدي للاستقامة ولسد باب التفرقة {وان هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرَّق بكم عن سبيله}، والعلم على تطبيق شرع الله واجب ديني على كل مسلم؛ لأن بتطبيقه السلام، وبتعطيله الهلاك والبوار.

وبالسياق نفسه فإن الإمام يرى انه بتحقيق الوحدة بين الأمة والدولة، والوحدة بين أفراد الأمة المسلمة، وبتعاون الجميع في ظلال حكم الله، فان الأمة الإسلامية ستصبح مهيّأة لتلعب الدور الذي أناطه الله بها {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً}، عندئذ تتحول الأمة الإسلامية إلى جسر تعبر منه الهداية إلى كافة أقطار المعمورة، فنقود ولا نُقاد، وتُتَّبع ولا تَتَّبع.

كان الإمام يعلم أن هذه الأهداف كبيرة ومن الطبيعي أن نختلف، لكن الخلاف ينبغي أن يكون في إطار الإسلام، وان لا يؤدي إلى التدابر والتقاطع، ولا ينبغي أن يمنعنا من أن نمضي قدماً ومعاً لتحقيق غاياتنا الكبرى كفريق واحد يتوزع الأدوار بينه. 

الطريق ليست سهلة

لأن دول الكفر ستحاول أن توقع بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تتبنى حكم الله ونظامه وبين الدول الإسلامية الأخرى التي تتبنى الأحكام والأنظمة الوضعية، وستحاول دول الكفر أيضاً أن توقع بين المسلمين، وتجسم اختلافاتهم بالرأي ضمن الإسلام طمعاً بالتفريق بينهم، وهي بالتالي ستحاول أن تضع العراقيل أمام الإسلام حتى تحيل بين الناس وبين الانقياد لله ــ هذه أمور معروفة تماماً، فلقد كان لنا في رسول الله أسوة حسنة، فالمدينة المنورة كانت هي حدود دولته ثم اتسعت حتى شملت كل المسلمين، فرسول الله لم يحقق دولته بيوم وليلة، ولا انقاد الناس له بسهولة، وإنما قاوموه بضراوة لأنهم كانوا يتصورون أنه عدوهم ــ فإن علينا أن نقنع المسلمين بأن مصريهم مرتبط بالإسلام، ومصير الإسلام مرتبط بوحدتهم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وأن دعاة الإسلام ودولة الإسلام ليسوا ضد احد من الناس، وإنما هم مشفقون وناصحون، وها هي كلمات الإمام يتجاوب صداها في كل بعد:

"لو ملكت قوى الأرض كلها ما اعتديت على احد، ولا ظلمت أحداً؛ لأن الإسلام لا يقر الظلم ولا يقر الاعتداء وإنني أمدّ يد المحبة لكل مسلمي الأرض على صعيد الأخوة الإسلامية".

والحمد لله أولاً وآخراً.