روح الله الخميني ثائر مزق الخوف فرواه الإجلال والإعظام

2011-06-02

هو حلم الأنبياء، هو النور التي تلهف الأنفس لذكر اسمه وتنبض الأجساد قبسات من وحي إمام أحب الله ونهج السبيل الأنجع.... هو القائد الثائر العالم التي تستقر في عيونه التي لا تغيب انتصارات تجلت واقعا في أيار وفي تموز والفرقان وفي كل حنجرة وقبضة مستضعف، طريق القدس بانت معالمها فوق راحتيه التي لم تسكن يوما، فتارة هي مرفوعة للدعاء وطوراً للعمل في سبيل معشوقه الأول البارئ عز وجل.... هو روح الله الموسوي الخميني...

صاح (كلا) لكل غاصبِ فأطلَّتْ من كلِّ فجٍّ عميقٍ زُمَرُ الخيرِ والأيادي التحامُ... مزق الخوف فَرَواهُ الإجلالُ والإعظامُ وتمشَّتْ على أهدابه إيرانُ في ثوبِ عُرسٍ وقلوبُ أحرار العالم زغردت لثورته ونصبته الإمام.....

 

ولادة النور...

روح اللّه بن مصطفى بن أحمد الموسوي الخميني، ولد في العام 1900 بمدينة خمين بإيران، وفقد أباه وهو في الشهر السادس من عمره، فنشأ يتيماً تحت رعاية والدته وعمته اللتين اهتمتا به اهتماماً شديداً.

بدأ بتلقي الدروس وهو في سنّ مبكرة، فأكمل دراسة الفارسية وعلومها قبل إتمامه السنة الخامسة عشرة من عمره. ثُمَّ شرع بدراسة العلوم الإسلامية على يد أخيه الأكبر السيِّد مرتضى بسنديده، فدرس الصرف والنحو وبقية العلوم المقررة في مرحلة المقدّمات، حتّى أتمها.

انتقل بعد ذلك إلى مدينة أراك، حيث مركز الحوزة العلمية في إيران آنذاك، وتابع تحصيله العلمي فيها، حتّى صار من أعلامها البارزين، ثُمَّ انتقل بعد ذلك إلى مدينة قم المقدسة مع أستاذه الشيخ عبد الكريـم الحائري، مؤسس الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة، وأقام فيها.

بدأ روح الله الخميني بانتقاد سياسات الشاه محمَّد رضا بهلوي، وتوجهاته أثناء دروسه ومحاضراته التي كان يلقيها في مدينة قم، واتخذت هذه الانتقادات طابع العلن والتصريح سنة 1944م، والتي تنادي بإقامة الحكومة الإسلامية على أساس الشريعة الإسلامية.

واستمر هذا الحال بينه وبين السلطة التي بذلت الكثير من المحاولات لتحجيمه والحدّ من نشاطه حتّى سنة 1963م حيثُ ألقى خطاباً عاصفاً هاجم فيه الشاه وأميركا وإسرائيل. أدّى إلى انتفاضة الشعب الإيراني ضدَّ الشاه، فاعتقلته الحكومة لمدّة ثمانية أشهر، ثُمَّ أفرجت عنه بعد ضغطٍ جماهيري عارم عمَّ كلّ أنحاء إيران.

 

الفتوى بحرمة استخدام التقية ....

أفتى فور الإفراج عنه بحرمة استخدام التقية في ذلك الوقت، وطلب من العلماء عدم اتخاذ أسلوب المهادنة مع الحكومة، اعتقل مجدداً في 14/11/1964م، وتقرر نفيه إلى تركيا، فنفي إليها، وبقي فيها نحو السنة، ثُمَّ انتقل إلى النجف الأشرف بالعراق، وبقي هناك حوالي ثلاث عشرة سنة، عمل خلالها على مواصلة قيادة الثورة داخل إيران، إلى جانب إلقاء الدروس والمحاضرات.

ضغطت حكومة الشاه على الحكومة العراقية لإيقاف نشاطه، فرفض ذلك، فطلبت منه مغادرة الأراضي العراقية، فغادر العراق بتاريخ 3/10/1978م متوجهاً إلى الكويت، لكنَّ الحكومة الكويتية منعته من دخول أراضيها، فقرر التوجه إلى فرنسا، فسافر إليها، وأقام في ضاحية «نوفل لو شاتو» في باريس، وواصل من هناك قيادة الثورة في بلاده.

 

تفتحت براعم الثورة ...

كانت الثورة قد قطعت في هذا الوقت مراحل كثيرة، ووصلت إلى الحدّ الذي اضطر الشاه معه إلى مغادرة إيران، وترك الأمور بيد رئيس وزرائه شاهبور بختيار، الذي حاول تهدئة الأوضاع المتفجرة، لكنَّه لـم يستطع أن يفعل أي شيء بوجه الثورة التي كانت قد اقتربت من الانتصار.

قرر ترك منفاه في فرنسا، والعودة إلى بلاده إيران، ليتولى قيادة الثورة من الداخل، ومشاركة الشعب في جهاده، فاستقل طائرة لتنقله إلى طهران، فوصلها في اليوم الأول من شهر شباط سنة 1979م، واستقبل استقبالاً حاشداً.

توجه بعد وصوله إلى طهران إلى مقبرة الشهداء فيها، حيثُ ألقى خطابه التاريخي الذي أعلن فيه انتهاء حكومة الشاه، وقيام الحكومة الإسلامية، واكتملت مراحل الانتصار في 11 شباط 1979م بالسقوط الكامل لحكومة شاهبور بختيار، ليشاد صرح الجمهورية الإسلامية.

انتقل بعد ذلك إلى مدينة قم المقدسة، ثُمَّ عاد إلى طهران ليستقر في حسينية جماران، ويواصل قيادة الجمهورية الإسلامية، التي استطاع بصبره وشجاعته وحنكته أن يسير بها إلى بر الأمان، رغم الصعاب الكثيرة التي وضعها الأعداء في طريقه.

 

لم ينس يوما فلسطين ...

ظلت فلسطين تتمدد في كل جوارحه حتى استقرت في فؤاده أرضا وحلما وعودة.

عندما انطلق الإمام بثورته المعجزة ترك أثراً ودورا بارزا في إحياء كل قضايا الأمة ومن أبرزها القضية الفلسطينية ذات الأبعاد الدينية والإنسانية.

ففي يوم السابع من آب \ أغسطس من العام 1979، أعلن الإمام الخميني يوم القدس العالمي، حيث قال:"أدعو جميع مسلمي العالم إلى اعتبار آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، يوما للقدس وقد جاءت هذه الدعوة حضا للمسلمين، على القيام بخطوة عملية تجاه القدس، وتوجيها لعملهم و أفئدتهم نحو بيت المقدس، لتتحول الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، إلى يوم عالمي للقدس، ويوما لمواجهة المستضعفين مع المستكبرين،وقال سماحته في هذا الصدد:

"يوم القدس يوم عالمي، ليس فقط يوما خاصا بالقدس، إنه يوم مواجهة المستضعفين مع المستكبرين. انه يوم مواجهة الشعوب التي عانت من ظلم أمريكا وغيرها، للقوى الكبرى، وانه اليوم الذي سيكون مميزا بين المنافقين والملتزمين، فالملتزمون يعتبرون هذا اليوم، يوما للقدس، ويعملون ما ينبغي عليهم، أما المنافقون، هؤلاء الذين يقيمون العلاقات مع القوى الكبرى خلف الكواليس، والذين هم أصدقاء (لإسرائيل)، فإنهم في هذا اليوم غير آبهين، أو أنهم يمنعون الشعوب من إقامة التظاهرات".

 

وفاة الإمام ...

رحل الإمام الخميني تاركاً إرثا نضالياً وفكراً مشعاً يعكس شخصية قل نظيرها وبصيرة لا يملكها سوى المخلصون لله تعالى، قد رسم الإمام الخميني خريطة الطريق وغير المعادلة ناسفا تلك المقولة الخانعة "إن العين لا يمكنها أن تقاوم المخرز" .

رحل الإمام الذي لطالما استبشر خيرا في الشعب المصري وها هي ثورة الشعب سنة 2011 تؤكد ما قاله الإمام للشعب المصري في العام 1981"على الشعب المصري أن يدرك بأنه لو ثار، كما ثار الشعب الإيراني، سينتصر رغم المؤامرات".

وقال أيضا: على الشعب المصري ألا يعير اهتماما لنظامه الذي يعلن أن كل من يتفوه بالإسلام فإنه سيقمع، وأن يدرك بأن الإسلام في مصر في خطر داهم، لذا على المصريين رجالا ونساء أن يثوروا للإطاحة بهذا النظام الذي أعلن الحرب منذ البداية على الإسلام.

...افتقدته تونس الخضراء هي أيضا ولسان حال معظم المفكرين التونسيين "لا خميني في ثورتنا" متمنين وبحسرة أن يكون هناك قائد تعلم نهج الإمام روح الله الخميني وعمل بأفكاره وقلبه النابض بالحرية وبعقله المشع دراية وحكمة ...

توفي الإمام روح الله الخميني في أحد مستشفيات طهران، في الثامن من حزيران سنة 1989م، بعد حياةٍ مليئة بالجهاد والتضحيات، وشيع تشييعاً قلّ نظيره في التاريخ، وقد بلغ عدد المشيعين حوالي السبعة ملايين، ودفن في مقبرة بهشت زهراء (جنة الشهداء) في طهران، إلى جانب قبور شهداء الثورة الإسلامية ويقصد قبره النَّاس من كلّ مكان.

للإمام الخميني مؤلفات عديدة، منها: مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية، وشرح دعاء السحر لشهر رمضان، والأربعون حديثاً، وأسرار الصلاة أو معراج السالكين، وكشف الأسرار، وآداب الصلاة، والرسائل، وكتاب البيع، وكتاب المكاسب المحرّمة، وكتاب الطهارة، وتهذيب الأصول، وجهاد النفس، والجهاد الأكبر، والحكومة الإسلامية، وحاشية على الأسفار وغير ذلك.

وصية روح الله الموسوي الخميني: الدافع الإلهي ووحدة الكلمة هما سرّ النصر

لا شك في أن سر بقاء الثورة الإسلامية هو نفس سرّ النصر. ويعرف الشعب سرّ النص، وستقرأ الأجيال الآتية في التاريخ أن ركنيه الأصليين هما: الدافع الإلهي والهدف السامي للحكومة الإسلامية، واجتماع الشعب في جميع إنحاء البلاد، مع وحدة الكلمة من اجل ذلك الدافع والهدف.

إنني أوصي جميع الأجيال الحاضرة منها والأتي:.. إذا أردتم أن يستقر الإسلام وحكومة الله، وأن تقطع يد المستعمرين والمستغلين الداخليين والخارجيين عن بلدكم، فلا تضيّعوا هذا الدافع الإلهي الذي أوصى الله به في القرآن الكريم.. وفي مقابل هذا الدافع - الذي هو سر النصر وسر بقائه - نسيان الهدف والتفرقة والاختلاف.

وليس عن عبث تركّز الأبواق الإعلامية في جميع أنحاء العالم، وامتداداتها المحلية في بذل كل جهدها على الشائعات والأكاذيب التي تزرع الشقاق، وتنفق في سبيل ذلك مليارات الدولارات، والسفر الدائم لأعداء الجمهورية الإسلامية إلى المنطقة ليس عبثا.

ومع الأسف فإن بينهم من قادة وحكومات بعض الدول الإسلامية الذين لا يفكرون إلا بمنافعهم الشخصية، وقد أغمضوا أعينهم وصمّوا آذانهم واستسلموا لأمريكا، وبعض المتظاهرين بأنهم روحانيون… ملحقون بهم.

الأمر الذي يجب أن ينصب عليه الجهد الآن وفي المستقبل، وينبغي أن تدرك أهميته من قبل الشعب الإيراني ومسلمي العالم هو: إبطال مفعول الإعلام المفرق الهدام.

ووصيتي للمسلمين وخصوصا الإيرانيين - لاسيما في عصرنا الحاضر - أن يتصدوا لهذه المؤامرات، ويقوّوا انسجامهم ووحدتهم بكل طريق ممكن ليزرعوا اليأس في قلوب الكفار والمنافقين.

 

وصيته للشعب الإيراني وللشعوب الإسلامية...

وصيتي إلى شعب إيران العزيز فهي" أن تحفظوا وتحرسوا النعمة التي حصلتم عليها بجهادكم العظيم ودم شبانكم الراشدين، اعرفوا قدرها كأعز ما لديكم وابذلوا الجهد من أجلها فهي النعمة الإلهية العظيمة، والأمانة الإلهية الكبيرة، ولا تخافوا من المشكلات التي تواجهكم في هذا الصراط المستقيم، فإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، وكونوا شركاء في تحمل صعوبات حكومة الجمهورية الإسلامية، واعملوا على تجاوز هذه الصعوبات بالروح والقلب... واعتبروا الحكومة والمجلس منكم وحافظوا عليها كما تحافظون على محبوب عزيز"...

وأما وصيتي إلى الشعوب الإسلامية فهي: "اجعلوا حكومة الجمهورية الإسلامية، وشعب إيران المجاهد قدوة لكم، وإذا لم تستجب حكوماتكم الجائرة لإرادة الشعوب - التي هي إرادة شعب إيران - فاجبروها بكل قوة على الاستجابة لذلك، فإن أساس شقاء المسلمين هو الحكومات المرتبطة بالشرق والغرب وأوصي مؤكدا أن لا تستمعوا إلى الأبواق الإعلامية لأعداء الإسلام والجمهورية الإسلامية، فإن الجميع يعملون على إخراج الإسلام من ساحة الصراع خدمة لمصالح القوى الكبرى ".

رحل القائد الملهم لكن كلماته التي تعبق إيمانا وإرادة اختصرت تجربة تؤرخ للماضي والحاضر والمستقبل، وهو الرصاصة التي انطلقت لتمزق جسد الاستعمار والطمع، والتي لا بد أن تستقر أخيرا في مقتل ذاك العدو الغاصب "إسرائيل" وإنَّ غدا لناظريه قريب ....

الإمام الموسوي الخميني جعل من حياته نبراسا ومن موته إقتداءً فقد عبر بجيله والأجيال التي تعاقبت من بعد رحيله إلى بر الأمان إلى بر تعلو به راية الإسلام والحق والكرامة والعنفوان....