الأدوار المتبادلة بين الحكومة والناس عند الإمام

2008-05-29

ما زال إنتصار الثورة وقيام الدولة الإسلامية في إيران يحظيان بإهتمام رفيع من قبل المفكرين والمحللين، ويعتبر موضوع الإسلام وقدرته على تحريك الشعب والجماهير، وكذلك موضوع الدولة الإسلامية وإعطاءها دور حقيقي للشعب من النقاط الأبرز في تجربة الجمهورية الإسلامية في إيران، وفي فكر الإمام وقد كان الجميع يراقب هذه التجربة ويسأل ترى ماذا ستحقق أو حققت هذه الدولة للشعب من أمور قيمة غير تلك التي حققتها الحكومات الديمقراطية في الغرب لشعوبها، وأين التمايز.

والموضوع الذي نحن بصدد الحديث عنه اليوم سيتمحور حول عناوين ثلاثة هي:

الأول: موقع الإنسان والناس في مفهوم الدين .

الثاني: الحكومة وأهدافها الإجتماعية.

الثالث: واجبات الشعب تجاه الدولة.

ومن الناحية المنهجية يبدو لي أنه لا بد من الإلتزام بمحددات ثلاث هي:

- المباشرة في قراءة نصوص الإمام

- الدمج بين النظرية والتجربة.

-التأسيس على النظرة العرفانية والإنسانية عند الإمام.

وبتقديري أن ذلك سيسمح بمقاربة أفضل للموضوع والواقع الموضوعي الذي عاشت فيه تلك التوجهات التي نادى بها الإمام دون التطرق إلى ما يجري في إيران اليوم، مع أنه جدير بالكلام، ولكنه يصبح نسبياً خارج موضوعنا، فما نود طرحه الآن يدخل في التأسيس للموضوع من خلال نظرة الإمام . ومع أن موضوع المحاضرة أكبر من فرصة الحديث، إلا أنه لا بدّ من المحاولة، آملين التوفيق منه سبحانه.

أما من ناحية المنهج فهناك كما يبدو ضرورة لاعتماد المباشرة بنصوص الإمام، والدمج بين النظرية والتجربة، والإلتزام بالنظرة العرفانية للموضوع، فهذه هي الوجوه الثلاثة التي تسمح بتجلية أفضل للموضوع والواقع الموضوعي الذي تعيش فيه تلك التوجهات التي نادى بها الإمام، وهذا ما سنحاول اعتماده.

الإنسان والناس في مفهوم الدين

ينطلق الإمام الخميني «رضوان الله تعالى عليه» في مفهومه للدين من نظرته كعارف يربط كل شيء بالسير والسلوك كطريق، وبمعرفة الله كغاية للخلق والكمال، أما الناس فيعتبرهم في الطريق للوصول .

ومن هنا..

يدرك الإنسان في جوهره من بداية تكوينه حاجتين أساسيتين هما الفكر والمعرفة، وتذوق الجمال، وهما متحَدان، تستمدان وجودهما من الفطرة، ومن العالم الخارجي «عالمي الغيب والشهادة»، فالإنسان ظامئ لهذا الرواء الفكري والشعوري الخلاق، يتردد في أعماق روحه افتقارٌ واحتياجٌ لا يتبدلان ولا يتوقفان.

يقول الإمام :«أيها التائهون في وادي الحيرة والضائعون في صحاري الضلالات، بل أيتها الفراشات الهائمة حول شمعة الجميل المطلق.. عودوا قليلاً إلى الفطرة وتصفحوا كتاب ذاتكم لتروا، أن قلم القدرة الإلهية قد كتب فيه : «وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض..» وهي فطرة المحبوب المطلق فطرة المعرفة».

«.. تيقظ من نوم الغفلة وأستبشر بأن لك محبوباً لا يزول، وأن لك مقصوداً نور طلعته نور السموات والأرض.. وأن محبوبك ذو إحاطة.. فإلى متى تتوجه هذه الفطرة التي لا تتبدل إلى الخيالات الباطلة، ونحو هذا وذاك من المخلوقات».

«.. يا ليتنا نحترق كالفراش حول شمع جماله دون أن نتكلم».

ومع كل أسف فما زال الإنسان يطوي أوراق عمره بالمعرفة وهو غارق في حجاب رؤية النفس وعبادتها، الذي هو عند الإمام «أضخم الحجب وأظلمها، ومع أن خرق هذا الحجاب - كما يقول - أصعب من جميع الحجب فهو إن حصل سيكون مفتاح مفاتيح الغيب والشهادة، وباب أبواب العروج»، «وما دام الإنسان قاصراً على النظر إلى نفسه فهو محجوب..»، «والخروج من هذا المنزل هو أول شرط للسلوك إلى الجمال المطلق والكمال الصرف. فكل سالك يسلك بخطوة الأنانية ورؤية النفس ويطوي منازل السلوك في حجاب الأنانية وحب النفس» فهو لم يعرف بعد نفسه على حقيقتها.

إن جميع السواقي والجداول التي كانت تطرب بأغنية أنا الساقية أنا الجدول، وجميع الأودية التي تسيل بقدرها عندما تصل إلى البحر تنتهي من ذاتياتها وتصمت، ويصبح البحر ينادي أنا البحر أنا البحر، فيردد الجميع نحن من البحر وإليه راجعون.

فمن يخرج من بيت نفسه مهاجراً إلى الله، وإلى رسوله، عليه أن يذوب في بحر البشر، في بحر الناس. وهذا هو الطريق «خدمة الحق في صورة خدمة الخلق» فالحج إلى الله لا يكون إلا مع الخلق وفي خدمتهم، وشرطه أن يترك الشرف والجاه لنفسه، ويلبس لباس الخدمة، ويبحث عن شرف الناس، وحاجات الناس، وهكذا كان الإمام واحداً من أعظم رواد هذا المنهج فتحقق على يديه تحول قوي لمجرى التاريخ، فتحول الفرد في بحر البشر إلى قوة الأمة لما سطره في ملاحم الإيثار والتفاني والشهادة من معاني عالية وسامية. وكان الإمام يعتبر أن الفقه والفقاهة والثورة والجهاد والسياسة والحكومة كلها من أجل الناس وتحقيق آمال المستضعفين بالحرية والعدالة والمساواة، وتحقيق الكرامة.

وكثيراً ما كان يردد مثل عبارة أريد أن أقضي مدة وظيفتي في خدمة الناس، وكان يوصي ولده الجليل السيد أحمد فيقول له :«..أحرص على إعانة عباد الله خصوصاً المحرومين والمساكين والمظلومين فذلك خير زاد» ويقول في غير مناسبة :«يا أبنائي الثوار أيها الذين لستم مستعدين أن تتخلوا لحظة عن زهوكم المقدس أنتم تعلمون أن عمري سيمضي لحظة بلحظة في طريق العشق في خدمتكم» .[1]

لقد غير الإمام النظرة إلى الدين والعرفان ووقف بقوة في وجه أصحاب منهج الإعتزال الذين أخرجوا الإسلام من ساحة الحياة والناس والمجتمع قائلاً :«تصور بعض الناس أن من كان من أهل السير والسلوك، فعليه ألا يهتم بما يجري لباقي الناس وكل ما يحصل في المدينة فهو غير معني به، ولسان حال أحدهم يقول : إنما أنني من أهل السلوك فلأجلس في زاوية ما وأكتفي بأوراد معينة.. ولو كان صائباً أن ينعزل أهل السلوك جانباً لكان من الواجب على الأنبياء أن يفعلوا ذلك، لكنهم لم يفعلوه.. لقد كان موسى بن عمران (ع) من أهل السير والسلوك ومع ذلك فإنه توجه صوب فرعون وقام بما قام في مواجهته، وهكذا الحال بالنسبة لإبراهيم (ع) والنبي الأكرم محمد (ص) . وكلنا نعلم أن رسول الله الذي خاض في أجواء السير والسلوك سنين طوال لكنه ما أن وجد فرصة حتى أقام حكومة سياسية من أجل إجراء العدالة. فإن من تبعات العدالة أن تسنح الفرصة كي يعرض كل شخص ما لديه. وهو هادئ البال. ففي أجواء القلق والإضطراب لا يمكن أن يحصل ذلك، ولا يتسنى لأهل العرفان أن يعرضوا عرفانهم، ولأهل الفلسفة أن يعرضوا فلسفتهم، ولأهل الفقه أن يعرضوا فقههم، فحينما تصبح الحكومة حكومة العدل الإلهي وتطبق العدالة ولم تسمح للإنتهازيين بتحقيق مآربهم، فقد تهيأ جو هادئ يستطيع الجميع أن يستفيدوا منه ويعرضوا فيه ما لديهم. وبناء على ذلك فإن ما ورد في قول المعصوم : وما نودي بشيء مثلما نودي بالولاية، مغزاه قيام الحكومة. فلم يحصل على أمر مثلما حصل الحث على هذا الأمر السياسي، وقد تم بالفعل هذا الأمر السياسي في عهد النبي الأكرم (ص) وفي زمن أمير المؤمنين عليه السلام، وبعد ذلك لو حصلت الفرصة لباقي الأئمة لبادروا إلى هذا الأمر».

الحكومة الإسلامية وأهدافها

نوع الدولة الإسلامية.

الدولة الإسلامية من أي أنواع الدول هي اليوم؟ هذا سؤال مطروح : هل هي ديمقراطية أم إشتراكية أم ثيوقراطية..؟ أذكر أني التقيت في أواسط السبعينات من القرن الماضي بأحد كوادر الحزب الشيوعي في لبنان وقد دار بيني وبينه حوار عن الإشتراكية فتناول بعض كلمات من نهج البلاغة تتعلق بتوزيع الثروة، وأسباب الفقر ليفهمني أن علي عليه السلام كان أباً للإشتراكية.. فهل يصح في حال عمت الأفكار الإشتراكية في بلادنا أن نصف نحن المسلمين الدولة الإسلامية بأنها دولة اشتراكية إسلامية؟

ومثل ذلك يصدق بحق الرأسمالية فقد كتب كثيرون وروجوا بأن الإسلام يؤبد الرأسمالية والملكية الخاصة فهل لأجل هذا يمكن أن نسمي الدولة الإسلامية بالدولة الرأسمالية، أو كما يطرح العلمانيون بأن الإسلام يلتقي مع العصر والعصر يتطلب إعتماد الإسلام العلماني؟! أم هل نستطيع أن نأخذ شيئاً من الثيوقراطية وشيئاً من الديمقراطية فنشكل نظاماً «ثيوديمقراطي» ونعتبره إسلامياً كما حاول أبو الأعلى المودودي أن يصنفها ؟ طبعاً الأمر ليس مقبولاً ولا صحيحاً، حتى من حيث التسمية، وأما تسمية الإمام للدولة بالجمهورية الإسلامية فإن المقصود منها كما قال «حكومة القانون الإلهي على الناس» و«الناس يتلقون القوانين الإسلامية بالقبول والطاعة».

إن محور المشكلة هو في نوع المسؤولية والقيم التي تنبع منها، فلقد كانت الحكومة في القرون الوسطى مسؤولة أمام رجال الكنيسة دون أن يكون هناك نصوص وقوانين إلهية حاكمة فهي عملياً كانت فوق القانون ومن هنا فقد فقدت المسؤولية قيمتها. وهناك مشكلة مماثلة واجهتها الدمقراطية، فهي تنشئ قانوناً يأخذ قيمته من الشعب، فالقانون إذاً أقل قيمة من الإنسان، وما من قدسية ترفعه إلى ما فوق الإنسان، فعملياً الإنسان ما زال فوق القانون، والفرق هو بالنوع فقط بين رجال الكنيسة، ورجال المال الذين كان الشعب يرفعهم إلى درجة الإستبداد باسم القانون. بينما كانت الكنيسة ترفع نفسها إلى درجة الإستبداد باسم الله.

أما في الإسلام فجميع أفراد الشعب ورجال الحكم مسؤولون أمام الله المطلق، والشريعة والقوانين، فهما يمثلان السلطة المطلقة والعدل المطلق، من هنا رفض الإمام الديمقراطية كمضمون كما هي في الغرب واعتبرها فاسدة.. وقال «الديمقراطية الصحيحة هي الديمقراطية الإسلامية. وإذا وفقنا فسوف نثبت للشرق والغرب بعدئذِ أن ديمقراطيتنا هي الديمقراطية، لا الديمقراطية التي عندهم، والتي تدافع عن الرأسماليين الكبار، ولا التي عند أولئك المدافعين عن القوى الكبرى..» [2]، إذاً خيار الإسلام هو خيار ثالث يختلف كلياً عن الأنظمة الأخرى وله هوية خاصة، تستند إلى قوانين وقيم إلهية.

الحكومة خادمة الشعب

الحكومة في ظل الإسلام خادمة الشعب، وبحسب قول الإمام :«يجب عليها أن تكون في خدمة الشعب» [3]، «نريد مثل تلك الحكومة التي يعتبر فيها الحاكم أن قيمة الرئاسة أقل من قيمة نعله المرقع..»، وحتى يضمن الإمام ما أراد فقد طلب من الشعب «أن يمنح أصواته لأولئك النواب المتعبدين بالإسلام والأوفياء للشعب ممن يشعر بالمسؤولية لخدمة الجماهير، وممن ذاقوا طعم الفقر المر، والمدافعين عن إسلام الحفاة في الأرض»، وطلب من الناس أن يرفضوا إسلام المرفهين الذين ليس لديهم شعور، إسلام الباحثين عن الراحة.. وبكلمة واحدة الإسلام الأمريكي»، «فعندما لا يحس الإنسان بمعنى الفقر ومعنى الجوع فإنه لا يستطيع أن يفكر بالجياع، والبؤساء» [4].

فيما يتعلق بحرية رأي الشعب في شكل الحكم وحيث لا تنافي مع أحكام الإسلام فإن الإمام يؤكد بأنه «لا يحق لنا أن نفرض على شعبنا شيئاً فنحن نطيع الرأي الذي يبديه أبناء شعبنا» فـ «من الحقوق الأولية لأي شعب أن يمتلك حق تقرير المصير وتعيين شكل ونوع الحكومة التي يريدها»، وإن «حرية الشعب في اختيار الحكومة ونظام الحكم وانتخاب المجلس والممثلين للأمة فذلك حق مصان».

إن رأي الشعب حق في كل ما يعود للناس، أما ما يعود لله فأمره يعود إلى الله والرسول وإلى من منحهم الله حق الولاية وكانوا من أولي الأمر. فقد قرأت رأياً فقهياً يجدر إيراده هنا وهو لآية الله الشيخ الجوادي الآملي وهو من بعض أبحاثه المنفصلة، ففي هذا الرأي يفرق بين أمر الله وأمر الرسول، وبين أمر الناس، إذ اعتبر أنه يصح التشاور بين الناس في أمورهم فقط وقد استشهد في ذلك بما ورد بالآيات والروايات التالية :

«وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم»، «وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله».

وعن أمير المؤمنين (ع) قوله لإبن عباس :« لك أن تشير علي وأرى فإن عصيتك فأطعني».

أما في أمور الناس فقد استند إلى قوله تعالى :« وأمرهم شورى بينهم»، فهنا الأمر لهم بما يعود إليهم مما لا يخالف أمر الله. ثم يشير إلى روايات عديدة تدعو إلى المشاورة وعدم الإستبداد أدخلها في معرض استدلاله.

وهنا يساعدنا الشيخ الآملي في بيان أن الدولة تعتني بأمرين الأول أمر الله والولي والثاني أمر الناس، وإن الحكومة تستند إلى الأمرين معاً، ومن هنا يتبين لنا مفهوم «الجمهورية الإسلامية» وقلت يساعدنا لأن الشيخ الآملي لم يكن في معرض بيان هذه النقطة بالذات. فقد كان كلامه في سياق البحث في مشروعية ولاية الفقيه وحكومة الشورى.

ومن يدخل إلى صلب تجربة الثورة والدولة في إيران، يستطيع أن يطلع على تلك الثوابت والمباني التي كما يقول الإمام القائد: «علمنا إياها الإسلام وأوضحها لنا الإمام العظيم والفذ، والتي منها:

إن أي نظام لم يكن مبنياً على أساس إرادة الناس وتأييدهم لا يمكن أن يكتب له البقاء والإستمرار».

ومن هنا، كما يذكر الإمام القائد: «كان الإمام يركز على الحضور السياسي للناس في ساحات النشاط السياسي»، وقد كان يؤكد لهم أن الدولة ملكاً لهم وإن مصيرها بأيديهم. ولذلك كان يطلب دائماً من الأجهزة الأمنية ومن إدارات الدولة، ومن النواب ان يخدموا الشعب، ويكونوا ملجأً للناس فيشعروا تجاههم بالمحبة والإطمئنان، ويكمل الإمام القائد قوله : كان الإمام - الذي كان يمثل رأس الحكومة - ينظر إلى الناس كما كان ينظر الأنبياء إلى الناس، يقول الإمام القائد وما زال الكلام له: لقد فقد الجميع أباً عطوفاً، وكان يقول: «إن الشعب خير منا وأفضل». لقد مثلت العلاقة بين الحكومة والشعب علاقة بين الراعي والمالك وكان الشعب يشعر فعلاً بأنه مالك وأن الحكومة أمانة في عقله وقلبه، وقد دفعه ذلك ليرصد للدولة والحكومة كل شعوره وماله ووقته وأفراد أسرته وحتى دمه. إنها حقاً ملحمة فريدة من ملاحم التعاضد والعشق، وشكلت الجمهورية الإسلامية النموذج الأصدق للحكومة الشعبية من بين كل حكومات العالم.

أهداف الحكومة الإسلامية

«بنفس ضرورة تنفيذ الأحكام التي استلزمت تشكيل الحكومة من قبل الرسول الأكرم في المدينة المنورة (والتي كانت حاجة الناس) يستدل الإمام الخميني على وجوب قيام الحكومة، معتبراً أن أحكام الشرع تعضد هذا الهدف لما تحويه من قوانين ومقررات لتشكيل نظام اجتماعي كامل، وأنه ما من أحد - بعد رحلة رسول الله (ص) - قد شكك بهذه الضرورة. وإن هدف هذه الحكومة، بحسب الإمام: تطبيق أصول الفقه المحكمة على الأفراد والمجتمع من أجل إيجاد الحلول للمعضلات.

ثم يعود الإمام إلى الآيات والروايات - كما في كتاب الحكومة - ليؤكد بأن نسبة الآيات العبادية للآيات الإجتماعية لا تتجاوز الواحد على مئة، وأن نسبة أبواب الروايات المتعلقة بالعبادات والأخلاق مقابل الإجتماعيات لا تتجاوز الأربعة إلى خمسين. فواجبات الحكومة - كما سيتبين لنا - هي واجبات من أجل الناس.

الأول: واجب قيام نظام يكفل وحدة الأمة كانصهار شعوري، ووحدة كلمة الشعب كموقف ديني وسياسي، فيؤمن العلاقة المتينة بين أفراده وفئاته، ويدفع نحو التكافل باعتباره واجباً كفائياً على أفراد الأمة. وأن يمكن للأمة حضورها في الساحة كعضد للإسلام وحامي للحكومة فإن وحدة الشعب عند الإمام هي الأصل في الثورة والأصل في قيام ودوام الدولة لذلك كان الإمام دائم التأكيد: «إذا بقي الشعب في الساحة فالإسلام بألف خير».

الثاني: واجب بناء دولة العدالة الإقتصادية والمعنوية، والمساواة وتكافؤ الفرص بحسب الأحكام الإسلامية، والأمن والإستقرار الإجتماعي. وقد مر بثنايا النصوص عن نوع الحكومة ونوع المسؤولين ما يؤكد هذا الهدف وتحقيقه.

الثالث: واجب بناء دولة الحريات الشخصية والفكرية والسياسية، والحريات الدينية للأقليات، ومساوات الجميع أمام القانون دون تمييز بين المواطنين، وهذا الواجب ايضاً قد مر ما يدل عليه والحرية هي أصل في الإسلام والإيمان فلا يجوز بل لا يمكن في الإيمان الإكراه. فالعقيدة يجب أن تكون بوعي ودليل وحرية، والإنسان حر في سلوكه الشخصي إلا ما خلف الدستور والقوانين أما حرية التعبير والعمل السياسي فهي مصانة ضمن استقلال البلاد واستقرارها وعدم إفسادها.

الرابع: واجب عمارة الأرض، واستثمار ثرواتها وبناء الحضارة والمدنية الإسلامية.

ويقول الإمام محدداً مفهوماً أوسع للحضارة: «ليس بإمكان الناس أن يعوا أبعاد التحضر الإسلامي.. أولئك لا يفهمون من حضارة الإسلام سوى الرسوم المزخرفة والفن المعماري الإسلامي. والأبنية العجيبة والاقمشة المطرزة وغيرها، فليست هذه ولا مئات منها تحسب على التحضر الإسلامي والديني».

«ففي اليوم الذي توجد فيه زخرفات الدنيا ويجد الشيطان له طريقاً فيما بيننا ويصبح هو مرشدنا فإن الإستكبار سوف يستطيع أن يؤثر فينا حينئذٍ ويجر وطننا نحو الفناء».

ثم يتساءل الإمام في مكان آخر: «هل حضارة أوروبا التي تمناها ثلة من المنحرفين هي جزء من الأمم المتحضرة، أوروبا التي قامت على سفك الدماء.. وإذلال الشعوب لأجل شهواتها وغرائزها» «فإلى أين بلغت أوروبا حتى نثني عليها ونمدحها.. إن حياة أوروبا اليوم هي أقذر وأسخف حياة تمر بها القارة الأوروبية التي لا تنسجم مع أي دين وعقيدة».

«ولو دخل الإسلام أوروبا لقضى على جميع فتنهم وإرهابهم التي يقرفها حتى الوحوش»

ولكن الإمام يعود ليوضح موقفه من الحضارة اليوم قائلاً :«إن ادعاء محمد رضا بهلوي المخلوع القائل أن علماء الدين هؤلاء يريدون أن يسافروا في هذا العصر على ظهور الحمير، لا يعدو أن يكون تهمة بلهاء. إذ لو أن المراد من مظاهر التمدن والتجدد هو الإختراعات والإبتكارات والصنائع المتطورة مما له مساس في رقي الحضارة البشرية فإن الإسلام وسائر المذاهب التوحيدية لم تعارض ذلك ولن تعارضه. بل إن العلم والصناعة مما أكد عليه الإسلام والقرآن المجيد. وآمل أن يعمل الكتاب وعلماء الإجتماع والتاريخ على تصحيح هذا المفهوم في أذهان المسلمين. وما يقال بأن الأنبياء عليهم السلام كانوا يهتمون بالمعنويات وأن الحكومة وإدارة الأمور الدنيوية شيء مرفوض.. مثل هذه الأقوال خطأ مؤسف، تؤدي نتائجه إلى الفساد والإستعمار»، ويعتبر الإمام أن الدنيا المرفوضة هي التي تجعل الإنسان غافلاً عن الباري، ويقول «إن حكومة الحق المقامة لصالح المستضعفين ولمنع الظلم والجور ولإحلال العدالة الإجتماعية فهي التي سعى إليها أمثال سليمان بن داوود ونبي الإسلام الأعظم (ص)، وأوصيائه الكرام، وهي من أعظم الواجبات وإقماتها من أسمى العبادات».

الخامس: واجب تحقيق الهدف الأسمى من الحكومة، وهو كمال الإنسان.

حيث أن الحكومة هي الظرف المناسب لتنفيذ الأحكام وتربية الإنسان وتكامله. وفي هذا يقول الإمام: «إن الهدف الذي ضحيتم من أجله هو أسمى وأثمن هدف طرح منذ بدء الخليقة في الأزل وحتى نهاية العالم إلى الأبد إنه المدرسة الإلهية بمعناها الواسع وعقيدة التوحيد بأبعادها التي هي أساس الخلق وغايته في كل آفاق الوجود وفي مراتب الغيب والشهود.. وبدونه لا يتيسر السبيل إلى الكمال المطلق ولا إلى الجمال والجلال اللامتناهي.

أنتم تسلكون طريقاً هو الطريق الوحيد للسعادة المطلقة، وانطلاقاً من هذا المفهوم استعذب أولياء الشهادة.. ووجدوا الموت الأحمر أحلى لهم من العسل». فالحكومة بحسب نظر الإمام هي الميدان الأفضل لتكامل الإنسان وإصلاح المجتمع.

السادس: من واجبات الحكومة منع تربع الطغاة المترفين من المستأثرين بالمال والسلطة على أكتاف الشعب، ومنع تداول المال بين حفنة من الأغنياء، فدولة الإسلام دولة يهتم فيها الأغنياء بالفقراء بشكل طوعي، والعمل على دفع أفضل الأفراد وأليقهم وأكثرهم التزاماً بالإسلام وعناية بالمستضعفين إلى مواقع المسؤولية.

واجبات الشعب تجاه الدولة

كيف أخذ الشعب دوره؟

حدث عظيم ذلك الذي وقع في إيران، فقد كانت له دلالات وترددات اجتماعية وثقافية ولا تزال، بما قام به الشعب من ثورة وتغييرات، وما انطوى عليه من قيم وواجهه من تحديات.

وبنفس القدر من الإكبار نتساءل عن السر الذي تخطى به ذلك الشعب من عقبات وموانع قبل أن يتحول من شعب هامشي مرذول عشية الثورة إلى شعب جسور ومقدام قادر على أن يصبح رقماً صعباً وعصياً على كل المعادلات والمؤامرات الدولية.

فما الذي حصل حتى تبدلت طباع هذا الشعب، لم يكن الأمر سهلاً، فقد كان شعباً ضعيفاً مستضعفاً قليل الثقة بنفسه، يخاف حتى أن يلهج باسم الإمبراطور بأية إهانة، لا يعرف سبيلاً للخروج. كان محتاجاً إلى من يوقظ حسه بالكرامة، ويرفع له مشعل الحرية، ويلهم روحه بكل تلك الفضائل التي تفتحت إبان الثورة، في تلك الأيام الشديدة والعصيبة.

يقول الإمام القائد: «ترى أين كانت ستتوجه قافلة الثورة لولا تلك القيادة الربانية؟ إلام كانت ستصغي لو سكتت تلك القوة الناطقة الإلهية؟».. «لقد حقرت القوى الكبرى شعوبنا.. وأماتت حسها إلى أن جاء الإمام، لقد حول الإمام أصابعنا من أصابع أصابها الخدر إلى أصابع شديدة الحساسية بما حولها».

هذا الرجل الذي كان يرى نفسه خادماً للناس ويقول «إني أشعر بالضآلة أمام الشعب».

حقاً لقد سطرت علاقة الشعب بالإمام والإمام بالشعب أروع ملاحم العشق ورسمت لوحة رائعة الجمال وأي جمال. وهنا يكمن السر في الثورة، لقد أحدث الإمام تحولاً في النفوس، كما يقول هو :«فعندما استيقظ شعبنا ببركة الإسلام وأحدث هذا التغيير في نفسه، والذي كان يخاف من مجرد حارس أصبح لا يخاف من أمريكا».

فقد شخص الإمام دوره وهدفه بدقة من خلال دور الأنبياء ثم انطلق، قائلاً: «جاء الأنبياء لتعبئة الفقراء ليذهبوا ويقفوا بوجه الناهبين والمترفين عند حدهم ويوجدوا العدالة الإجتماعية».

لقد أشعر الإمام الأمة بالمسؤولية وجعلها الشريك الأول في الثورة والدولة بل المالك لها، مذكراً لهم بتلك المسؤوليات الإلهية قائلاً :«كلكم مسؤول في محضر الله تبارك وتعالى».

«إن جميع أبناء الشعب مسؤولون، المراجع والعلماء والتجار والجامعيون وطلاب العلوم الدينية، والعمال. وإن المسؤولية اليوم تقع على عاتق جميع أبناء الشعب».

وهكذا دفع الإمام الشعب إلى أخذ دوره الفريد والذي تبلور في تلك التجربة الرائدة في إيران اليوم، لقد استطاع الإمام وبفضل فهمه العميق للإسلام وتجربة الأنبياء، وبفضل روحه ونبرته القيادية النبوية أن يكسر النير من فوق رقبة الشعب فحرر فيه كل ينابيع القوة والفتوة والكبرياء والكرامة والوعي والإرادة والرشد، فكان بمستوى المسؤولية. ولولا هذا الإمام فأين نحن كنا سنكون حينها.

واجبات الشعب :

ينظر الإسلام إلى واجبات الدولة الإسلامية على أنها واجبات للحكومة والشعب معاً، ومن هنا نحاول أن نرى إذا نجحت التجربة الإيرانية في تحقيق ذلك أم لا ؟

الواجب الأول والثاني : واجب الإقتراع والإنتخاب، وواجب الإشراف والرقابة.

1. المشاركة في الإنتخابات : بحسب نظر الإمام هي حق وهي واجب أيضاً، حيث يقول :«حكومتنا تتكئ على إرادة الشعب. يجب علينا جميعاً أن نذهب إلى صناديق الإقتراع وننتخب الأشخاص الملتزمين»، «فليس مهماً من يكون ومن أين يكون وإلى أي مجموعة أو حزب ينتمي فالإنتماء إلى الحزب لا يعني الصلاح ماءة بالماءة، ولا يعني أن غير الإنسان الحزبي إنسان فاسد».. «إن انتخاب الأصلح يعني الملتزم بالإسلام الفاهم للسياسة المطلع على ما يصلح البلاد، وقد لا يكون هذا الشخص من مجموعتكم والمتربصين بكم فإن عملكم هذا إسلامي، وإنه عبارة عن محك بالنسبة لكم».

لقد أعطى الشعب رأياً صريحاً إلى جانب الإسلام بدءاً من الإستفتاء الأول والثاني على نظام الجمهورية وعلى الدستور، وفيما بعد في انتخابات رئاسة الجمهورية، ومجلس الخبراء، ومجلس الشورى، وهذا يدل بقوة على الدور الفاعل الذي أوكله النظام الإسلامي إلى الشعب في الحكم، وبصورة لم تتح لأي شعب في أي مكان من العالم.

2. أما مسؤولية الإشراف على أمور البلاد، وعلى أداء أولياء الأمور: فقد حمَّل الإمام هذه المسؤولية بجزء كبير منها إلى الشعب قائلاً :«جميع أبناء الشعب مكلفون بالإشراف على الأمور، يجب على الشعب أن يوجهني، ويقول لي إنك فعلت كذا فأحفظ نفسك»، «فلو تبين ارتكاب أحد في مواقع المسؤولية مخالفة لمقررات الإسلام لوجب على الفلاح أن يعترض والكاسب والمعمم. وإذا ارتكب معمم مخالفة لوجب على الجميع أن يقفوا بوجهه» «كلكم راع».

لقد عبر الشعب دوماً، وفي كل المراحل والمحطات عن كبير وعيه، وقدرته على تحمل مسؤوليات الإشراف والمتابعة، فالإمام رحمه الله، واليوم الإمام القائد، قاما بتوجيه نظر الناس لعدة سنوات لأن يلتفتوا إلى أمور البلاد، وقد أثبت الشعب دائماً حضوره وعدم تخليه عن مسؤولياته في هذا الميدان.

الواجب الثالث : واجب التصدي للمسؤوليات في مواقع المسؤوليات.

منذ البداية كان الإمام يتوجه إلى كوادر الشعب من مراجع وعلماء ومثقفين وإلى المرأة وإلى الجامعيين بتحمل المسؤوليات الكبرى تجاه الدولة وتجاه المجتمع. فكان يرشدهم إلى أدوارهم، ويحذرهم من مغبة السقوط، وقد انخرط الجميع رجالاً ونساءً في جبهة متراصة واحدة للتصدي للمسؤوليات الجسام، وملء المواقع الشاغرة التي كان يشغلها المدراء الفاسدون في مؤسسات الدولة أيام النظام البائد.

فقد قامت هذه المؤسسات وإداراتها على أكتاف هؤلاء وأمثالهم، وكان التحدي الإداري من أعظم التحديات في الدولة ولم يكن لرجال الثورة أي تجربة سابقة في هذا المجال. ولقد توجه الشعب إلى ملء تلك المواقع بدافع المسؤولية الإلهية لا بدافع الوظيفة وقد تحقق للإمام ما أراد.

الواجب الرابع : واجب الحضور في ساحة الدفاع عن الإسلام والدولة.

كان الإمام يعتقد اعتقاداً راسخاً بقدرة الشعب وضرورة الإعتماد عليه «العلماء والمثقفون والجامعيون والنساء والعمال..» ويثق ثقة تامة باستعداده للمواجهة، ومع أن الكثير من العلماء كانوا يعارضون الإمام، فقد ظل الإمام يرى أن أي عمل دون حضور العلماء والشعب حتى النهاية سيقلب نجاحه إلى فشل. ففي تجربة المشروطة «كان العلماء في طليعة انتفاضة الدستور ومع أنهم تمكنوا من المسك بدستور البلاد، ولكن - والكلام للإمام - بعد أن وصلوا إلى سدة الحكم وإلى وقت العمل الجاد تركوا كل شيء لصالح أعداء النظام، كان الشعب محايداً، وترك علماء الدين الساحة وانصرف كل منهم إلى أموره الخاصة، فيما كان عملاء بريطانيا يرسمون الخطط لإبعاد العلماء عن الساحة السياسية والإجتماعية، بشتى الطرق».

من هنا فقد أدرك الإمام أكثر من ذي قبل مدى أهمية الحضور المستمر للشعب في الساحة في حماية الدولة والإسلام ونقاوة التجربة، ولم يكن باستطاعة الدولة وحدها أبداً أن تحقق كل تلك الإنجازات وتواجه هذا الكم الهائل من المؤامرات لولا وقوف الشعب. لقد حمَّل الإمام الشعب مسؤولية حماية الدولة الإسلامية كأعظم الواجبات، ولم يبخل الشعب بدمه في ساحات الجهاد والحرب أيام تآمر الشرق والغرب على هذه الدولة. فقد أعطى الشعب من فلذات أكباده حوالي ماءة ألف شهيد بكل رضا وإقبال وقد دعم المعركة بكل شيء يملكه بكل شيء يملكه فعلاً ونذر حياته ثمانية أعوام الحرب. وتحمل ودافع في كل الساحات لدفع الأخطار فكان الذراع الأمينة الحقيقية للبلاد، وكان يشارك في المظاهرات المليونية بكل اندفاع وحب للدولة وللقائد وللإسلام. وما زال كلما ناداه الواجب لموقف. وقف بكل اندفاع وثبات، وكان ذلك كله التزاماً بتوجيهات الإمام قبل وفاته، والتزاماً بوصاياه بعد مماته، فقد ذكر في وصيته :«وصيتي إلى الشعب الإيراني العزيز أن تقدروا النعمة التي كسبتموها بجهادكم العظيم وبدماء شبابكم الرشيدين، قدروها حق قدرها كأعز الأمور لديكم وحافظوا عليها واحرسوها، وابذلوا الجهد في سبيلها فهي نعمة إلهية عظيمة وأمانة ربانية كبيرة.. شاركوا حكومة الجمهورية الإسلامية بكل مشاعركم في مشاكلها واسعوا إلى حلها، واعتبروا الحكومة والمجلس جزءاً منكم وحافظوا عليها محافظتكم على محبوب عزيز. وأوصي المجلس والحكومة والمسؤولين أن يقدروا هذا الشعب حق قدره، فهؤلاء ضياء أعيينا وأولياء نعمتنا حقاً، والجمهورية الإسلامية عطيتهم وتحققها كان بفضل تضحياتهم وبقاؤها رهين خدماتهم. واعتبروا أنفسكم من الجماهير والجماهير منكم».

ومن الأمور التي حمَّلها الإمام للشعب هي مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي هي من مسؤوليات الحكومة أيضاً، ولم يتهاون الشعب في هذا المجال فالشعب الإيراني شعب غيور على الإسلام ولا يتهاون بتخطي حدوده الشريفة.

الواجب الخامس : واجب التكافل الإجتماعي.

تشكلت منذ اليوم الأول اللجان الشعبية في الأحياء لتنظيمها سيما أيام الحصار الإقتصادي وبذلك سدت حاجات الناس لسنوات عديدة إلى أن تحسنت الأمور الإقتصادية.

وقام الشعب بدور منقطع النظير في سد الثغرات والحاجات الإجتماعية المختلفة فكانت البلاد كلها ورشة عمل ضخمة شارك فيها الجميع رجالاً ونساءً فقامت مؤسسات الجهاد الزراعي الكبرى، ومؤسسات دعم المستضعفين العديدة، ومؤسسات القرض والإستثمار، والمؤسسات الثقافية والنسائية، ومؤسسات محو الأمية، ومؤسسات رعاية الشهداء والجرحى.

لا أحد يستطيع أن يعرف بسهولة حجم حضور وتضحيات الناس وحجم مشاركتهم في هذا الميدان إنها من أعظم أدوار الشعب وأقلها ظهوراً في الإعلام.

أخيراً : من الجدير ذكره لو أن الإمام اكتفى بتحصيل رضا الجماهير وتأييدهم، وقصر دور الشعب في الدولة على حق الاقتراع فقط، دون تحميله المسؤوليات الأخرى فليس من المضنون، بل من المستبعد أن يكتب لهذه الدولة النجاح والإستمرار. ولكن الذي حصل أن ما قام به الشعب الإيراني العظيم من أدوار وأعمال وإنجازات وما زال، أكبر من أن تحيط بها محاضرة أو مقالة، وباعتبار أنني حضرت وعشت المراحل الأولى من بناء الدولة، فقد وصلت إلى هذه النتيجة أنه لا مثيل لهذا الشعب، ولا للأدوار التي قام بها، فقد مثل أروع نموذج للعلاقة بين الشعب والحكومة، فالشعب في إيران لم يقم بانتخاب ممثليه ورحل للإهتمام بأموره الشخصية، فشيء من هذا لم يحصل إطلاقاً، وإذا كان هذا هو دور الشعب تجاه الحكومة والمجتمع فإن الشعب الإيراني بذلك يكون قد سطر أروع ملحمة من ملاحم عشقه للإسلام، فقد قدم كل ما قدم في سبيل الله تبارك وتعالى، وما من شعب آخر يتمتع بهذه المميزات، حتى قال الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه، بحقه ذلك القول المشهور :«أنا أزعم بجرأة أن الشعب الإيراني بجماهيره المليونية في العصر الراهن أفضل من أهل الحجاز في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله، وأفضل من أهل الكوفة في العراق على عهد أمير المؤمنين والحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليهما..».

 

ـــــــــــــ

 

[1] حديث الشمس .. ص 58.

[2] من خطابه بمناسبة إعلان قيام نظام الجمهورية الإسلامية / مؤتمر الجهاد والثورة : 0771

[3] نفسه: ص 0461

[4] الاستقامة والثبات .. ص 361 الى 371.