أكد رجل الوحدة والتقريب والانفتاح الشيخ بلال شعبان في حواره مع وكالة أنباء التقريب أن مشروع التقريب نشأ من أجل بسط وتسهيل أمور الدين لعامة الناس وذلك في الوقت الذي حاول فيه مشروع الاستكبار وأدواته وبعض الجهلة إظهار المذاهب وكأنها معسكرات وجبهات متقابلة يتناحر أتباعها فيما بينهم .

ضمن التحضيرات الجارية تمهيدا للمؤتمر الثامن والعشرين للوحدة الإسلامية المزمع عقده في طهران لمناسبة ذكرى أسبوع الوحدة في ذكرى ولادة الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وصحبه، تتابع وكالة أنباء التقريب بين المذاهب إجراء حوارات وحدوية وتقريبية مع بعض الشخصيات المشاركة في المؤتمر، للوقوف على رأيهم ومحاولة استشراف ما يمكن أن تؤول إليه هذه المؤتمرات واللقاءات في ظل الهجمة التكفيرية والفتنوية التي رصدت لها بحور من الأموال وجيوش من الجهّال، ويديرها الأرذال، لتشويه صورة الإسلام الحنيف المحمدي الأصيل.

هذه المحطة كانت مع الأمين العام لحركة التوحيد الإسلامي سماحة الشيخ بلال شعبان، ابن طرابلس عاصمة الشمال ، التي كثيرا ما تُزج في موضوع الفتنة وغالبا ما تكون محاولات إشعال النار المذهبية من هناك، لاعتبارات كثيرة يستفيد منها أصحاب رؤوس الشياطين، لتنفيذ مخططاتهم التدميرية بحق الإنسان والإسلام.

أطر مشروع التقريب، وحقيقة الاختلاف بين المذاهب، وإمكانية التعايش في ظلها، إلى النتائج الممكنة بعد مرور ٢٨ سنة من العمل على هذا العنوان، ودور المرجعيات الدينية الكبرى في هذا الأمر ، كلها محاور أجاب عليها رجل الوحدة والتقريب والانفتاح والتعايش فضيلة الشيخ بلال شعبان، حيث كانت المقابلة على الشكل التالي:

 

1 - ما هي أهم الأسس والأطر التي بني عليه مشروع التقريب ؟

منطلقات مشروع التقريب تقوم على أساسين شرعيين أولهما وحدة الأمة وثانيهما الحوار الجاد بين مختلف المدارس الفقهية على اعتبار أن مذاهبنا أصلها ومنطلقها واحد هو دين التوحيد.

ومشروع التقريب نشأ من أجل بسط وتسهيل أمور الدين لعامة الناس وذلك في الوقت الذي حاول فيه مشروع الاستكبار وأدواته وبعض الجهلة إظهار المذاهب وكأنها معسكرات وجبهات متقابلة يتناحر أتباعها فيما بينهم ،وعليه يكون هدف التقريب فهم الآخر وقبوله وليس شبط الآخر وإلغاؤه.

ويعمل التقريب على نقل الحوار والنقاش من الفضاء الشعبي الجماهيري العام ليكون بين يدي أهل الاختصاص ليناقشوا فيما بينهم نقاط التباين بطريقة البحث العلمي بعيدا عن التعصب للرأي وللفهم الذي هو بالأصل فهما إنسانيا قد يخطئ ويصيب ، لتسخَّر بعد ذلك الرؤية الواحدة في مشروع سياسي واحد يعيد الأمة إلى مكانها ومكانتها أمة عزيزة بين الأمم.

 

٢ - هل يمكن التعايش السلمي في ظل الاختلافات المذهبية الموجودة؟

نحن نعتقد أن اختلاف الراي لا يفسد للود قضية بل حتى اختلاف الاديان والأعراق والمذاهب ليس سببا من أسباب القتل والتقاتل والاختلاف أو الإلغاء، فالناس كلهم لآدم وآدم من تراب، بل إن ديننا يأمرنا بالبر والقسط مع من لم يعتد علينا وإن خالفنا في الدين فالله عز وجل يقول: "لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ*إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ".

فالتعايش ممكن مع من يخالفك بالدين ما لم يقاتلك في الدين وما لم يخرج من أرضك أو يظاهر ويساعد من يقوم بذلك، وقد تجلى ذلك على مدى قرن ونيف من الزمان في بلادنا، حيث عاش المسلمون مع النصارى واليهود في ظل الحكم الإسلامي والخلافة الإسلامية في إطار التعايش السلمي .

وعلى هذا الأساس أعتقد أنه من المعيب أن نصل إلى مرحلة يمكن فيها طرح تساؤل عن إمكانية عيشنا مع بعضنا البعض كمسلمين وموحدين ديننا واحد وربنا واحد ونبينا واحد وقبلتنا واحدة وقرآننا واحد وقبلتنا واحدة .

نعم ما يجري من اقتتال وتناحر وخصام فيما بين أركان أمتنا هو بفعل فاعل وليس نابعا من خلفيات دينية اعتقادية كما يحاول البعض أن يصورها. وإن للخلافات والنزاعات الحاصلة جذور سياسية تستثمر القراءات المذهبية المتعددة وتستثمر التنوع المذهبي والقبلي والقومي والوطني لمصالحها الدنيئة.

 

٣ - هل استطاع مشروع التقريب خلال العقود الماضية أن يزيل أو يقلل من التصورات الخاطئة للمذاهب عن البعض الآخر ؟

استطاع هذا المشروع الوحدوي خلال الفترة السابقة أن يقلل من التصورات الخاطئة للمذاهب عن بعضها البعض، ولكنه لم يفلح في إزالتها لعدة أسباب ولعل من أهمها قيام مشاريع الظلم الرسمي العربي بالتنسيق مع المشروع الاستكباري ببناء مشروعها في إطار المواجهة الشاملة مع أمتنا على تغذية الشرذمة المذهبية والقومية للتغلب على مشروع وحدة المسلمين والإبقاء على واقع الانحطاط العربي والإسلامي ردحا من الزمن كضامن لاستمرار الاستلزام لأنظمة الذل العربي ومن يقف خلفها وصدق الشاعر إذ يقول :

متى يبلغ العمران يوما تمامه           إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

لكن مجرد استمرار مشروع التقريب واستمرار التلاقي هو بحد ذاته نجاح ويبعث برسائل إيجابية في اتجاهات متعددة .

ولعل استهداف الوحدويين من طرفي الحوار السني والشيعي الذي وصل أحيانا إلى حد التصفية الجسدية لأوضح دليل على مدى غيظ العدو وغضبه من مشاريع الوحدة والتقريب.

 

٤ - الرأي العام يتوقع من مؤتمرات الوحدة الإسلامية نتائج ومكاسب ملموسة على أرض الواقع هل تحقق شيء من هذا النوع وعلى أي مستوى ؟

يشارك في مؤتمرات الوحدة الإسلامية في الغالب الأعم شخصيات شعبية جماهيرية وليست شخصيات في مواقع رسمية مؤثرة لذلك تبقى المقررات في الإطار النظري ولا تسلك دربها إلى التطبيق بسهولة وسلاسة كما لو كانت مقررات رسمية معتمدة ومقوننة .

لكن لا يجوز الاستسلام في هذا المضمار أبدا، بل يجب نقل توصيات المؤتمرات إلى المؤسسات الرسمية كالجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والمرجعيات الدينية كجامعة الأزهر والزيتونة والنجف وقم والمدينة المنورة إضافة إلى المؤسسات الشعبية والجماهيرية.

 

٥ - كيف تستطيع المؤسسات الدينية الكبرى كالأزهر أن تلعب دورا في مجال ترسيخ ثقافة التقريب وإزالة البغضاء والعداوات بين المذاهب الإسلامية ؟

تستطيع مؤسساتنا الدينية الكبرى أن تقوم بدور رائد في إعادة صياغة الوحدة الإسلامية والتقريب فيما بين مدارسها عبر عدة خطوات أهمها :

- تضييق هوة الخلاف عبر تحرير محل النزاع حتى يحصر الجميع نقاط الاختلاف .

- التأكيد الدائم على المشتركات ورفض الخطاب المزدوج الذي يتوجه من خلاله البعض بحديث مشبع بالمذهبية لمريديه وأتباعه بينما يتحدث خطابا وحدويا جامعا في اللقاءات والمؤتمرات العامة .

- تدريس أصول المذاهب في الجامعات كما تدرس أصول الأديان، وتدريس الفقه المقارن بين المذاهب ليدرك الجميع حجم ومقدار التلاقي بين مختلف مذاهبنا.

 

٦ - مع كل الجهود التي بذلها علماء المسلمين شيعة وسنة لتحقيق تقارب بين المسلمين وتجاوز الفتن المذهبية يشهد عالمنا الإسلامي احتقان طائفي من جديد، هل الأسباب مذهبية أم سياسية ؟ وما هو سبيل علاجها ؟

التطرف موجود في كل الأفكار والمذاهب ونحن نرى أن بعض أسباب الاحتقان الطائفي والمذهبي فكرية ناجمة عن عدم فهم المذاهب لبعضها البعض وإن كانت الأسباب الأساسية لهذا الاحتقان هي أسباب سياسية بامتياز ولكن تستخدم العصبيات المذهبية والقومية وغيرها وقودا لتأجيج المحارق السياسية بحيث يكون الدين والمذهب وأتباعهما هم الخاسر الأكبر ، بينما يجني المحرضون ثمار فتنتهم بيننا سيطرة نهبا للثروات وهيمنة على الاقتصاد وتحكما بالسلطة والسياسة.

أما كيفية العلاج للتطرف فعلى خلفية مرضه وأسبابه يكون العلاج .

- فإن كان سبب التطرف فكريا فيكون العلاج بالفكر والحوار والانفتاح .

- وإن كان التطرف ناجما عن الإلغاء والتهميش فيكون العلاج بالشراكة الفعلية الحقيقية بعيدا عن الإقصاء والإلغاء.

- أما إن كان التطرف ناجما عن ارتباط بأجهزة استخباراتية ينفذ مآربها فذلك التطرف لا ينطبق عليه صفة إسلامي ولو مجازا وإنما هو عمل أمني يستهدف الأمة ويجب مواجهته بنفس السلاح الذي يستخدمه ولكن بجراحة موضعية وتعرية إعلامية حتى لا نشكل له حاضنة مظلمة اجتماعية.

 

٧ - ماذا يحتاج إعلامنا لترسيخ ثقافة التعايش السلمي بين المذاهب المختلفة ؟

دعم فضائيات ووسائل الإعلام ذات الطابع الوحدوي والتي تتحدث عن المشتركات بين مكونات أمتنا وزيادة عدد شاشاتها ونوافذها وتفعيلها بشكل أكبر .

وإغلاق كل الفضائيات الفتنوية التي تبث التفرقة والاختلاف ومنع علماء الفتنة والضلال الذين يدعون إلى الفرقة من الظهور وتصدر المنابر والشاشات ، الانتقال بالعلماء والمفكرين من ساحة الإعلام المرئي والمسموع إلى نطاق التواصل الاجتماعي بشكل واسع .

 

٨ - هل تجيز المذاهب الإسلامية استخدام العنف والقتل مع المختلفين معهم في فهم الدين والقران ؟

طبعا لا تجيز المذاهب الإسلامية ترهيب وقتل المخالفين لها في الدين أو في المذهب بل أساس الدين قائم على الحوار والإقناع فالله عز وجل يقول: "لا إكراه في الدين".

وحفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال هي من مقاصد الدين وغاياته لذلك فاستخدام الدين في إلغاء الآخر لا يمت للشرع والدين بصلة.

حتى على مستوى الرأي والحوار علمنا القرآن أن ننطلق انطلاقة متجردة دون تعصب لرأينا قال تعالى :" وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ".

ولقد أطلق الإمام الشافعي شعارا حواريا قال فيه رأي صواب يحتمل الخطأ،ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب !!

والناظر إلى مدى المحبة والاحترام المتبادل بين الأئمة على اختلاف مذاهبهم يدرك أن الاختلاف الفكري فيما بينهم هو اختلاف تنوع وإغناء كاختلاف ألوان الأزهار والورود والرياحين .لذلك كل الذين يتباغضون ويتقاتلون فيما بينهم باسم الحرص على الإسلام والدين والمذهب ليسوا من الإسلام والدين والمذهب في شيء .

 

٩ - كيف تقيمون جهود مجمع التقريب في مجال تحقيق الوحدة الإسلامية ؟

يقوم مجمع التقريب العالمي للتقريب بين المذاهب بجهد كبير وأهدافه سامية وآماله عريضة ولكن ما تواجهه الأمة اليوم من هجمة تقسيمية عالمية شرسة تحتاج إلى مشروع وحدوي عالمي يكون على مستوى الهجمة التي تتعرض لها الأمة .

والتشظي المذهبي لم يصب الجهاز الديني في أمتنا وحده بالضرر إنما ضرب كل أركان المجتمع لذلك نحتاج لمجمع تقريب بين المذاهب على المستوى السياسي والاقتصادي ذكوري ونسائي وشبابي الخ...

ويجب تطوير أبجديات التقريب بشكل إبداعي لتكون فعالة في مواجهة الاستغلال السياسي للخلافات الفقهية.

 

١٠ - يقال إن الكلام عن الوحدة الإسلامية ليس تكتيكا وإنما إستراتيجية اتخذتها إيران الإسلامية على عاتقها ضمن إستراتيجيتها العامة في تعاملها مع شؤون العالم الإسلامية، كيف تفسرون هذا الكلام ؟

كانت باستطاعة إيران الاستمرار في العلاقة مع الغرب والصهاينة كمثل حكم الشاه وهذا بالتأكيد كان لم يوفر الكثير من العقوبات التي تعرض لها الشعب الإيراني وكانت لتحوز إيران على الكثير من الدعم الغربي و ربما منحها مزيدا من النفوذ في المنطقة في إطار حماية إسرائيل ودعمها .

لقد أثبتت الجمهورية الإسلامية وعلى مدى عقود منذ ثورتها المباركة أن إستراتيجيتها تقوم على محاربة الاستكبار والاستعمار والاحتلال والاستغلال العالمي لأمتنا .

وقد قرنت القول بالفعل عبر دعم حركات الجهاد والمقاومة خاصة في فلسطين ولبنان وقدمت الكثير في سبيل قضايا الأمة المركزية ماديا ماليا وعسكريا ومعنويا من خلال رفع راية وحدة الأمة الإسلامية وهذا الأمر مستمر منذ أكثر من ثلاثة عقود وهذا ليس تكتيكا ، ويدل على استراتيجيا واضحة خاصة وان الغاية بعيدة المدى والمصلحة عامة وليست خاصة

 

١١ - هل لمستم تغييرات في المواقف والتعامل بين اتباع المذاهب المختلفة على مختلف المستويات (علماء ومفكرين وعوام الناس) منذ أن بدء مجمع التقريب نشاطه من جديد وخلال العقود الثلاثة الماضية أي منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران ؟

لقد كان لمجمع التقريب بالغ الأثر في جمع مختلف القوى والشرائح الوحدوية عبر العالم في مؤتمراتها الممتدة على سنوات الثورة المباركة مما شكل نخبة عالمية متماسكة عابرة للحدود والمذاهب والقوميات تتحدث لغة ومنطقا واحدا عنوانه وحدة الأمة والعداء لإسرائيل والاستكبار العالمي .

كانت ثمار تلك الجهود كبيرة فكان التغيير واضحا لدى الجميع وعلى مختلف المستويات ولكنه كان يهتز بشكل كبير جراء البروباغندا السيكولوجية الإعلامية المعادية " المدعومة من الأنظمة والمنظمات التي تستثمر الخلافات المذهبية سياسيا " فكان صوت الإعلام المعادي أعلى من صوت التقريب بشكل كبير.

 

١٢ - التيار السلفي يخالف التقريب ، لماذا ؟

ليس كل التيارات السلفية تخالف التقريب ، ولا كل التيارات المقابلة تسعى إلى التوحد والتقريب فأهل التطرف والغلو من كل دين ومذهب ضد الوحدة والتقريب ويرى في الآخر خصما وعدوا، أما أهل التوسط والاعتدال ممن فهموا حقيقة الدين والرسالة فيسعون جاهدين للبحث عما يجمعهم ليصنعوا ملحمة الوحدة الإنسانية الإسلامية التي توصل إلى الإنسان الخليفة الذي أسجد الله تعالى له ملائكة قدسه والذي يشكل نواة أمة الشهادة على الناس .

المصدر: وكالة أنباء التقريب