الإمام الخميني والدلائل الثقافيّة للثورة الإسلامية

2010-06-03

من وجهة نظر الإمام الخميني (قدس سره)، فان التغيّرات الإجتماعيّة ومنها الثورات، منوطة على تغيير وجهات نظر الناس ومعرفتهم. ففي هذا المجال العناية الإلهيّة تلتفت إلى تحوّل الناس، وهذا الأمر يكون سبباً لتوعيتهم ويقظتهم. هذه التوعية واليقظة بدورهما تُمهدان الطريق للتغيير الثقافيّ والإجتماعيِّ.

يقول الإمام: إن إرادة الله أنقذت هذه البلاد وأيقظت الناس، إنّ الله أيقظ الناس... إنّ يدّاً إلهيّة غيبية حوّلت أو غيرّت الإنحلال والتفكك وعدم الوعي وعدم المعرفة إلى الوعي بحيث استعد الجميع، ولا يمكن الوصول إلى مثل هذا التطوّر من دون تأييد ربّانيّ.

كذلك يقول: إنّ الله تبارك وتعالى لم يُرد، وكان معنا وقد غيّر الشعب كلّه بشكل توجّه جميعه بإيمان إلى ساحة الجهاد وهم مؤمنون. كذلك يستفاد من هذه العبارات أنّ تغيير النظام السياسيّ والإجتماعيّ يمكن أنْ يحصل بالتغيير في (العقائد والإعتقادات). النظر إلى مفهوم المعرفة ودوره في التغيير والتحولات المستقبليّة يكون بشكل وكأنه يلعب دوراً أساسياً ويكون أساساً لكلِّ التغييرات والتحوّلات، ومنها التحوّلات الثوريّة في الدول والمجتمعات، كما يستشهد الإمام الخميني (قدس سره) بقوله تعالى إذ يقول:

(إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم)، هذه حقيقة ودستور حقيقة بمعنى أنّ التغييرات التي تحصل في أمّة أو قوم ما تكون مبدأ التغييرات التكوينيّة والعالميّة والموسميّة. وهو دستور التغييرات التي تُحدثونها يجب أنْ تكون تغييرات تؤدي إلى تغييرات إيجابيّة. انتم لاحظتم بأنّ التطور والتقدم الذي حصل للشعب الإيرانيّ قد نشأ من التغيّر الذي طهر النفوس. نحن كّنا قوماً وكان شعبنا قوماً قد تغيّر بسبب الدعايات السيّئة على مرّ التاريخ، وبواسطة سلطة أجنبيّة من كلّ النواحي مع عملائها الأجانب، قد جعل هذا الشعب يقبل بالنظام السابق. كان تحوّلاً، قد حوّل الفطرة الإنسانيّة السليمة إلى إنسان غير سليم... وبحمد الله في هذه الثورة والنهضة قد حصل التغيير من هذه الناحية، وهي أنّ الشعب الذي كان تحت الضغوط عبر التاريخ وقد تعوّد عليها ورضي بهذا الظلم والتعدّي، قد تحوّل في فترة قصيرة إلى شعب يرفض أيّ نوع من الظلم. أي أنّه أحدث مثل هذه الثورة.

إذاً، فقد وجد شعبنا تغييراً وتحوّلاً، وما لم يحصل هذا التغيير، لم يحصل التغيّر النفسيّ، كان هذا الشعب موضع تغيير حقيقيّ وواقعيّ، وهو سقوط الطغاة وبمجيء إن شاء الله نظام إسلاميّ.

إن ثورة هذا الشعب الباطنيّة أدّت إلى وقوع هذه الثورة، فتلك الثورة الباطنيّة في نفوسهم ومعرفتهم للإسلام وتوجّههم إلى الله تبارك وتعالى كلها أدّت إلى وقوع الثورة. لذا يجب أن نبحث عن الإنتصار في التغيير الباطنيّ للناس وإنْ لم يحصل هذا التغيير، تكون الثورات، ثورات نقل السلطة من شخص إلى آخر ويكون وضع الشعب كما كان.

كما يُفهم من كلام الإمام الخمينيّ (قدس سره) إنّ مصدر التغيير والتحوّل في ظاهر الناس وفي حياتهم السياسيّة والإجتماعيّة يجب أنْ نبحث عنه في باطنهم.

إنّ هذه العبارة تؤكّد على أهميّة التغيير في النظام العلميّ والفكريّ والعقائديّ للأشخاص والأحزاب. وبعبارة أخرى يسعى الإمام (قدس سره) في هذه العبارات ليبين بأنّ أيّ تغيير يحصل أو يظهر في الأنظمة السياسيّة والإجتماعيّة من دون الاهتمام بمستوى البنية التحتيّة لعلم المعرفة في الأشخاص والأحزاب، قد يكون تغييراً ظاهرياً وغير أساسيّ، وبالطبع يكون غير ثابت أو غير راسخ.

الوعي واليقظة من وجهة نظر الإمام الخميني (قدس سره)، مقرون بمعرفة الإسلام الحقيقيّ والأصيل والتمييز عن الإسلام المزيّف.

إنّ ضرورة معرفة الإسلام الحقيقيّ هو بسبب أهميته في حياة الناس. لأنّ الإسلام الحقيقي، هو مربّي العدالة، ومخالف الظلم والعدوان، وهو مربّي الإنسان ومرشده، ومن هذه الناحية يكون خلافاً للإسلام المزيّف الذي هو سببٌ للتبعيّة وإنحطاط المسلمين، فإنّه يخلق العّز والفخر.

يجب علينا أن نزيل الإبهام والغموض الذي أوجدوه ضدّ الإسلام، ولو لم نزل هذا الإبهام عن الأذهان فلن نستطيع فعل شيء. يجب علينا أنْ نزيل هذا الإبهام الذي حصل إثر الدعايات السيئة ضدّ الإسلام طيلة مئات السنين حتى أنّه أثّر على الكثير من المتعلّمين والمثقفين، يجب أنْ نعرّف الحكومة الإسلاميّة، وأنظمة الإسلام الإجتماعيّة كي يعلم الناس ما هو الإسلام؟ وكيف تكون قوانينه؟ فالناس لا يعرفون الإسلام... ثقوا بأنه إذا عرضت هذه الفكرة والحكومة الإسلاميّة كما هي، وتوضّحت في الجامعات فإنّ الطلاب سيرحِّبون بها.

كما نرى في هذا المقطع، فإنّ دور عنصر التوعية والمعرفة لا يكون مؤثّراً فقط في حدوث الثورات بل في استمرارها وحفظها وتثبيتها أيضاً.

لذا هذا العنصر الذي هو أساس الثقافة يكون عاملاً مُحدِثاً ومُحكماً كذلك. فيجب غربلة ما يشوبها في كلّ مراحل الثورة، وهو ضروري لاستمرار الشروط الثوريّة.

النتيجة الرئيسية أو التحوّل المعنويّ للناس إثر وعي القادة والمثقفين (بعد الإستشهاد)، هي وحدة الكلمة، وهي التي تحصل برأي الإمام (قدس سره) بسبب الإعراض عن الأغراض الشخصيّة، وهي إحدى رموز الإنتصار. إذ يقول (قدس سره):

هذه قوة إيمان شعبنا التي تغلّبت على كلّ هذه الأمور، وذلك بالدفاع والتضحية، وهي رمز هذا الإنتصار. إنّ قوة الإيمان كانت سبب هذا الرمز الحقيقي الذي هو توحيد كلمة شعبنا في هذا الأمر، وكان سبب الإنتصار.

أو قوله (قدس سره):

لم نكن نملك شيئاً، كان الله معنا ... لكنّ الله تبارك وتعالى قذف في قلوبهم الرُعب، قذفهم بمثل ذلك الرعب والخوف شرّاً كبيراً... لأنّها كانت انتفاضة إسلاميّة.

ما نستنتجه من هذه العبارات هو أنّ الشيء الذي يظهر بعد المعرفة والفهم والبصيرة الدينيّة – الثوريّة هو الإحساس بالتضامن والإتحاد والمسايرة الجماعيّة للوصول إلى الهدف.

في آداب علم الثقافة (كما أشير سابقاً) إنّ هذا السبب أو بعبارة أدق هذه المادّة تدرّس وتُقرأ مرّة أخرى باسم القيم الإجتماعيّة والجماعيّة. وبعبارة أخرى وفي هذه المرحلة، فإنّ العقائد بعد تغيير باطنيّ وانتزاعيّ أو فكريّ، تدخل في مرحلة تحوّل القلوب والأحاسيس، وتستطيع أنْ تغيّر الإحساس والتوقّعات الجماعيّة. وذلك في حالة ظهور الالتزام بالإسلام القويم والحقيقيّ (العنصر الأول) وروحيّة التعاون للانتفاضة الإسلاميّة (العنصر الثاني) فإن الحكومة بسبب عدم إصلاح أسلوبها، سوف تواجه تراجع مشروعيتها، وتتهيّأ أو تتوفّر الأرضية المناسبة لقيام ثوري، والثورات والمظاهرات والاشتباكات. (العنصر الثالث) إذ يقول الإمام (قدس سره):

عندما تكون حالة دولة بهذه الصورة، أي الشعب في جانب والحكومة بعظمتها في الجانب الآخر، فإنّ مثل هذه الحكومة لا يكون لها دعم. يجب أنْ يكون الشعب سنداً وداعماً للحكومات. إنّ الحكومة التي تفقد الدعم سوف تنهزم وتندحر.

ما نستنتجه بصورة عامة من رأي الإمام الخميني (قدس سره) حول النظرة الثقافيّة للثورة الإسلاميّة هو أنّ: العلم بالإسلام الحقيقيِّ الذي كان مغفولاً عنه أدّى إلى تحوّل روحي في الأشخاص ومن ثمّ أدّى إلى التوجّه المنحصر بالله عز وجل وطلب الاستشهاد وعدم الاهتمام بالإغراض الشخصيّة، والوحدة والإتحاد والتآلف بين الناس وأخيراً بالإضافة إلى سبب مهم آخر، وهو عدم كفاءة النظام الحاكم، فقد تهيّأت وتوفرت الظروف المناسبة لإنتصار الثورة.