نداء الإمام الخميني إلى حجاج بيت الله الحرام عام 1405هـ
2007-08-27
نداء الإمام الخميني إلى حجاج بيت الله الحرام
غرّة ذي الحجة 1405 هـ ق
بسم الله الرّحمن الرّحيم
نحمد الله حمداً وافراً، فبمنّه الكريم وبدعاء بقية الله (المهدي المنتظر) أرواحنا لمقدمه الفداء تمرّ هذه الأيام على الشعب الايراني العظيم وعلى حجاج بيت الله الحرام المتجهين إلى الميعاد الإلهي ليلبّوا دعوة الله التي نادى بها سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء وسيدنا المصطفى خاتم الرسل (صلى الله عليهما وعلى آلهما)، وليتشرفوا ملبّين ساعين بمحضر المعبود في ذلك المكان المقدس، وإن كان كل مكان محضراً لحضوره سبحانه.
تمّر هذه الأيام حيث تشعّ فيها شمس الإسلام الساطعة بنورها في شرق العالم وغربه، ويدوّي النداء الإبراهيمي المحمدي في أطراف العالم وأكنافه، فتنبعث الحياة في أرواح مسلمي العالم وقلوبهم، ويرتفع عالياً صوت الوحدة بين المذاهب الإسلامية ويهز المستضعفين والمظلومين من شعوب العالم، وتشرف قصور آمال الظالمين والطامعين على الانهيار، وكأن دولة المستضعفين قريبة ووعد الله تعالى وشيك.
حجاج بيت الله وعشاق لقاء الله يهجرون بيوتهم نحو الله والرسول الأكرم، في وقت تفتح الكعبة المعظمة ذراعيها لتستقبل وتحتضن المسلمين التوّاقين للحق والعدل، بصرخاتهم التي تقصم ظهر ظلمة الدهر وكبار الطامعين في العالم... يحتضن بيت الله الحرام والكعبة المعظمة حجاجاً أعزاء يخرجون الحج من الانزواء السياسي والانحراف الأساسي ليوجهوه وجهة الحج الإبراهيمي المحمدي، ويجدّدوا حياته ويحطموا أصنام الشرق والغرب، ويطرحوا معنى (قيام الناس) وحقيقة البراءة من المشركين.
وقلب الميقات يخفق شوقاً لحجّاج قادمين من بلد (لا شرقية ولا غربية) ليلبّوا دعوة الله نحو صراط الإنسانية المستقيم، وليرفضوا التفرّق بإعراضهم عن المدارس الشرقية والغربية والانحرافات القومية، وليكونوا أخوة متساوين ومتواسين مع جميع الشعوب بمعزل عن فوارق اللون والقومية والإقليم والمنطقة، وليوطدوا أسس الوحدة، ولينتفضوا بيد واحدة ضد أعداء البشرية والمبتزّين الطامعين الدوليين.
والجمرات في انتظار متفانين قدموا من بلد طرد شعبه الشجاع، ببسالة، الشياطين الكبرى والصغرى والوسطى وقطع أيديهم الآثمة عن ثروات بلده، وهم في هذا المكان المقدس أيضاً بحصاهم وبشعاراتهم القارعة يرمون ويطردون الشياطين من أم القرى وما حولها المتمثل بالعالم أجمع.
وعرفات والمشعر ومنى تستضيف أفراداً ثار شعبهم بعرفان وشعور ليحقق آمال الإسلام وأهدافه في بلده وسائر البلدان الرازحة تحت الظلم، وليفضح تجار السياسة المخادعين الذين جثموا على صدور المظلومين بخداعهم وتضليلهم ونهبوا ما يملكه الجميع.
وقد رأيتم ورأينا كيف أنّ شعبنا، بعدده المتواضع ورقعته المتواضعة، استطاع ـ باتّكاله على الله القادر المتعال الكبير وعزمه الكبير وإرادته القوية وقبضته الحديدية ـ أن يزيل من ساحة الحياة نظاماً طاغوتياً مع كل ما يمتلكه من أسلحة ومعدات حربية ومن دعم القوى الكبرى، وكيف قطع يد القوى الكبرى من بلده.
ونرى كيف كان موقفه من وسائل الإعلام المرتبطة بالقوى الشيطانية التي تبذل جهدها ليلاً ونهاراً لنشر الأكاذيب والدعايات المضللة وإثارة الفتن؛ إنه موقف جرّ على هذه الوسائل وعلى أصحابها العار والشنار، وأدّى إلى أن تصبح كل تهمها دعماً للجمهورية الإسلامية، وإثارة أكثر لاهتمام المظلومين والمستضعفين في العالم بالجمهورية الإسلامية.
ونرى كيف أن التصعيد المتزايد لتهمة الإرهاب وتدريب الإرهابيين التي وجهها زعماء البيت الأبيض وعملاؤهم والأجهزة الإعلامية المرتبطة بالمتجبرين لتضعيف الجمهورية الإسلامية ـ حسب زعمهم ـ قد عادت عليهم بإذن الله بنتيجة عكسية، وأدّت إلى ضعف معنويات أعداء الإسلام وأعداء الجمهورية الإسلامية، وتقوية معنويات شعبنا وخاصة مقاتليه وسائر الشعوب المظلومة والمستضعفة.
{ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين}.
ومن مظاهر دفاع الله تعالى وانعكاس مكر القصر الأبيض أنّ عملية تربية الإرهابيين على يد قادة البيت الأسود الأمريكي أصبحت مسألة يرددها حتى المثقفون الأمريكيون.
البيت الأسود بحذفه النظام العراقي من قائمة الارهابيين أثبت بوضوح أنه وراء الارهاب وسند له. القصر الأبيض يرى المعيار في تأييد الارهاب ورفضه يقوم على مقدار رفض جرائمه في العالم وتأييدها.
النظام العراقي كان في قائمة الارهابيين حين كان معارضاً له، وحين انحنى بخضوع على عتبة البيت الأسود حذف من القائمة! على الرغم من انفضاح مؤامراته الارهابية في المنطقة وخاصة في الخليج الفارسي.
حمداً لله وله المنّة أنّ ايران اليوم وسائر الشعوب المسلمة قد وجدت طريقها، وجموع حجّاج بيت الله الحرام من إيران وسائر البلدان الإسلامية قد تجمعت حول المسجد الحرام، مركز ثقل الإسلام ومهبط ملائكة الله ومحلّ نزول الوحي، لإحياء المناسك العبادية السياسية للحج وللعمل بواجبهم الإلهي القرآني المتمثل برفع صوت البراءة من المشركين (انتهاجاً لسنّة) أجراها الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله) وسلم عن طريق مولانا علي بن أبي طالب (سلام الله عليه) في الحج الأكبر. وإن استجاب ـ إن شاء الله ـ عامة الحجّاج، المجتمعون من كل فرقة ومذهب ومن جميع أنحاء العالم في ذلك المكان الشريف، لنداء الله، وأدانوا بصوت واحد الظالمين والمتجبّرين، فإن قصور الظلم ستنهار.
لو أن ممثلي مليار مسلم تبرّأوا من المعتدين على حقوق المظلومين وبلاد المسلمين بالاسم والتشخيص، وطالبوا بقطع يد الظالمين، فإن أية قدرة سوف لا تستطيع أن تقاومهم.
لو أن الشعوب الإسلامية وحكومات البلدان الإسلامية بكل ما تمتلكه من إمكانات إنسانية وذخائر حياتية ضرورية للمقتدرين تتخذ منهم موقفاً من موضع القوة، وتتجنب الخوف من ضجيج وجعجعة أصحاب القصور، وتبتعد عن التأثر بأكاذيب وسائل الإعلام المؤيدة الأجيرة للمتجبرين، وترفع صوتها بوجه أولئك (الطواغيت) اتكالاً على قدرة الله اللامتناهية وشكراً لنعمه المغدقة عليهم، وتهددهم بإغلاق حدودها بوجههم وقطع مساعداتها النفطية وغير النفطية عنهم، (لو فعلت ذلك) فما من شك أنّ هؤلاء (المتجبرين) سيستسلمون لهذه القدرة التي لا نقدرها حق قدرها.
أيها المسلمون المقتدرون!
أفيقوا، واعرفوا أنفسكم، وعرِّفوها للعالم، وألقوا جانباً، بحكم الله والقرآن، الاختلافات المذهبية والاقليمية التي خلقتها القوى الطامعة وعملاؤها الفاسدون لنهبكم وللاستهانة بشرفكم الإنساني والإسلامي، وأبعدوا عنكم المفرقين من أمثال رجال الدين الأجراء ودعاة النعرات القومية المعادين للإسلام ومصالح المسلمين، فضرر هؤلاء لا يقل عن ضرر الطامعين. هؤلاء يطرحون الإسلام مقلوباً ويفسحون المجال لنهب الطامعين.
نسأل الله سبحانه أن يقي الإسلام والبلدان الإسلامية من شرّ الطامعين وعملائهم وأجرائهم.
وهاهي أمور أذكّر بها، وإن كانت مكررة عسى أن تكون نافعة:
1 ـ قبل كل شيء، ينبغي أن أقول للحجاج المحترمين من الإخوة والأخوات، (القادمين) من البلدان الإسلامية، عليكم أن تؤدّوا مناسك الحج، هذه العبادة الكبرى التي قدمتم من أجلها، بالشكل اللائق المنطبق مع الأحكام الإلهية، وأن تتعلموا مسائله عند العلماء الأعلام بدقة، لئلاّ يتّضح لا سمح الله بعد أداء المناسك وانتهاء الوقت، وجود خلل فيها يؤدي إلى بطلان الحج وإهدار الأتعاب؛ وعلى السادة العلماء المحترمين أن يسعوا لتعريف الحجّاج الكرام بواجباتهم لكي تؤدّى مناسك الحج وفقاً لأحكام الشريعة المطهرة.
ومن الأمور المهمّة في جميع العبادات هو الإخلاص في العمل، فلو أدّى أحد عملاً ـ لا سمح الله ـ للرياء والتظاهر والتفاخر على الآخرين فإن عمله باطل. وعلى الحجاج الكرام الاهتمام بعدم إشراك شيء غير رضى الله في أعمالهم. والجهات المعنوية للحج كثيرة، والمهم أن يعلم الحاج إلى أين يذهب ولدعوة من يستجيب، وعلى ضيافة من يحل وما هي آداب هذه الضيافة. وعليه أن يعلم أن الارتكاس في الذاتية والغرور يتعارض مع السموّ إلى الله ومع الهجرة إلى الله، ويؤدي إلى نقص معنوية الحج. ولو تحقق في الإنسان هذا الجانب العرفاني والمعنوي وحده واقترنت التلبية صدقاً بنداء الله تعالى، فإنّ الإنسان ينتصر في جميع الميادين السياسية والاجتماعية والثقافية، بل حتى العسكرية؛ ومثل هذا الإنسان لا يعرف الهزيمة والفشل.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعاً شمّة من هذا السير المعنوي والهجرة الإلهية.
2 ـ أنتم أيّها الحجّاج (الايرانيون) الأعزّاء تتّجهون إلى الله من بلد قد اجتاز، في ظل عناية الله وبركة دعاء ولي الله الأعظم (المهدي المنتظر) روحي لمقدمه الفداء، الصعوبات والعقبات والمظالم، وحققتم النصر بحمد الله في جميع الميادين، ولازلنا في أول الطريق.
أنتم اليوم تغلبتم في الناحية الثقافية على الثقافات النتنة، الشرقية والغربية، وعلى الثقافة الشاهنشاهية المنحطة التي دفعت بشبابنا الأعزاء أفواجاً إلى الفساد، وسخّرت جامعاتنا لخدمة الغرب ولخدمة الشرق أحياناً. أنتم اليوم قد سحقتم تحت أقدامكم الثقافات التي كانت قد جعلت من شعبنا شعباً تابعاً مستهلكاً راضخاً للمتجبرين، وكانت قد نشرت فيه الفحشاء والفساد والإدمان بشكل متزايد، حتى أوشك أن يبتعد عن الأخلاق والإنسانية. (أنتم) أحللتم بدل ذلك الشرف الإنساني والتقوى والشهامة والشجاعة والصبر والمقاومة والمروءة والتعاون على البر والتقوى والاهتمام بمصالح الشعب والوطن. وأنتم الآن تتقدمون فخورين لنشر الثقافة الإلهية.
وفي الحقل الاجتماعي فقد رسّختم الوحدة بين الفئات بصفوفكم المتراصّة، ووجّهتم الجميع وجهة واحدة، وطردتم المفرقين والمتشرذمين والخدمة الطيّعين للشرق والغرب، ودفعتموهم إلى الانزواء، وجعلتم الفئات المختلفة فئة واحدة تخدم الوطن والشعب ودين الله الخالد.
ومن الناحية السياسية، ايران اليوم تلهج بذكرها ألسن جميع البلدان الصديقة والعدوة. الأصدقاء يتطلّعون إلى النهضة الإسلامية باعتبارها تجديداً لحياة الإسلام، ويبذلون الجهود والمساعي لوحدة إسلامية تحت لواء التوحيد، حيث ارتفع نداؤها من هذه البقعة من العالم وانتشر في الخافقين. والأعداء مذعورون من هذه البارقة الإلهية التي تتجه إلى قطع يد العدوان عن بلاد الله وعباده، فقدرة الإسلام أفقدتهم صوابهم ووحدة الشعوب الإسلامية، ثم المستضعفة في العالم أرعدت فرائصهم؛ والدول الصغرى والكبرى والشرق والغرب في سعي أملاً في إقامة علاقة مع إيران والجمهورية الإسلامية. وما ذلك كلّه إلاّ من فضل الله تعالى وبركات الإسلام العظيم {ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم}.
ومن الناحية العسكرية، فبتأييد الله القادر يشرف النظام العراقي المندحر على الانهيار، ولم تستطع كل الأسلحة والمعدات الحربية، الشرقية والغربية، وكل تأييد الطامعين أن تنقذ هذا العميل. وضربات جند الإسلام القاصمة سلبته مجال التفكير، ومن المؤمل بفضل الله أن تنقلع بذلّ هذه العقبة من طريق المسلمين، وخاصة الشعب العراقي الشريف، ويتسلم الشعب العراقي المسلم زمام أموره بيده ويعيش مع سائر المسلمين بأخوة ومساواة.
الهدف من هذا التذكير للحجّاج الكرام لفت أنظارهم إلى المسؤوليات الخطيرة الملقاة على عاتقهم في هذا السفر المهم للغاية، من قبل الشريعة المطهرة والشعب الايراني المضحّي، وأنتم في هذه الرحلة تخضعون لامتحان لأنكم قدوة ونموذج من الشعب الايراني، واعلموا أن عيوناً فاحصة لمئات الآلاف من الحجاج القادمين من أطراف العالم حول مركز الوحي تتطلع بدقة إلى حركاتكم وأعمالكم. أصدقاؤكم من حجاج بيت الله متشوقون إلى رؤية كيفية ومقدار هذا التحوّل العظيم المتحقق في الشعب الايراني بأبعاده المختلفة، خاصة البعد الأخلاقي والمعنوي. ومعارضوكم القادمون إلى ذلك المكان المقدس لتسجيل الحوادث والتجسس وبث النفاق، يترصدون نقاط الضعف ليصنعوا من القشة جبلاً، ويثيروا ضجة في وسائل الاعلام والصحافة والمحافل، وليدينوا، لا الجمهورية الإسلامية فحسب، بل الإسلام أيضاً!
من هنا فإنّكم أيّها الحجّاج الكرام على مفترق طريقين:
طريق السعادة المتمثل في صيانة كرامة الجمهورية الإسلامية والإسلام العزيز والشعب الكبير والمقاتلين العظام والشهداء العارجين الى لقاء الله، عن طريق الالتزام بالموازين الإسلامية والاخلاقية ومراقبة أعمالكم وأقوالكم في جميع المواقع وفي كل مشاعر الحج، وكذلك مراعاة الآداب والأخلاق الإسلامية مع جميع عباد الله…
وطريق الشقاوة، والطرد من ساحة القدس الإلهية، وذلك بعدم مراعاة ما ذُكر، وبارتكاب ما لا يتناسب مع كرامة الجمهورية الإسلامية.
أسأل الله سبحانه أن يوفق الجميع لحفظ شؤون الإسلام والجمهورية الإسلامية.
3 ـ من الموضوعات التي ينبغي التأكيد عليها، مع أنها قد أكد عليها من قبل، أنه مع ضرورة الهتاف بالبراءة من المشركين والظالمين بشكل قاطع جماعي يوصل صوت مظلومية المسلمين والشعوب الرازحة تحت سيطرة القوى الكبرى الظالمة، ويوقظ النائمين ويحذر الساكتين أمام المتجبرين ويلجم الناهين عن المعروف والآمرين بالمنكر من الذين يقومون خلافاً لأمر الله وحكم القرآن وسنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بكل ما لديهم من طاقة وجهد بالدفاع عن المشركين ومصّاصي الدماء الدوليين، وخاصة وعّاظ السلاطين الأجراء الذين يستهدفون بقلمهم وبيانهم إطفاء نور الله والشعلة المتوهجة في العالم لإنقاذ المظلومين من نير الظالمين… مع ضرورة كل ذلك يجب أن يراعوا النظام والتنسيق والآداب الإسلامية بشكل لائق دقيق، ويحذروا تماماً من رفع شعارات جانبية قد تكون من ايحاءات المنحرفين الرامين إلى إشاعة الفوضى والإساءة إلى سمعة الحجّاج المشاركين من كل البلدان الإسلامية وخاصة الجمهورية الإسلامية، ويتبعوا الشعارات التي يطلقها القائمون بأمر المسيرة وبتوجيه مباشر من مندوبي فضيلة حجة الإسلام السيد كروبي (أيّده الله تعالى)، ولا يتعدّوها، ولا يتابعوا أولئك الذين يريدون أحياناً رفع شعارات غير الشعارات المقررة، وينصحوا هؤلاء، وإن أصروا أبعدوهم عنهم؛ وعليهم أن يشتركوا في المسيرات المقرّرة، وأن لا ينظّموا مسيرات من تلقاء أنفسهم. ولو أدّت مخالفاتهم وتعديهم للحدود إلى جرح مشاعر حجاج جميع البلدان أو حجاج الجمهورية الإسلامية، فهم مسؤولون ومؤاخذون (أمام الله تعالى). وعليهم أن يعلموا أن واحداً من جوانب الحِكم المهمة لهذا التجمع العالمي العظيم في هذا المكان المقدس ومهبط الوحي، هو تلاحم المسلمين وتوطيد أواصر الوحدة بيت أتباع نبي الإسلام وأتباع القرآن الكريم أمام طواغيت العالم. ولو صدر ـ لا سمح الله ـ من بعض الحجّاج عمل يخلّ بهذه الوحدة ويؤدي إلى التفرقة، فذلك يوجب سخط رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعذاب الله القادر.
على الحجّاج المحترمين في جوار بيت الله ومحل رحمته أن يتعاملوا مع جميع عباد الله بالرفق والمروءة والأخوة الإسلامية، ويعتبروا الجميع من أبناء جلدتهم دون تمييز في اللون أو اللغة أو الاقليم أو المنطقة، ويكونوا جميعاً يداً واحدة وشعباً قرآنياً واحداً، ليتغلّبوا على أعداء الإسلام والإنسانية.
أسأل الله السلامة والتوفيق في القول والفعل للجميع.
4 ـ أخاطب حجّاج بيت الله الحرام، من أي بلد ومن أي مذهب كانوا، بتواضع وأقول: أنتم أمة الإسلام وأتباع النبي والعاملون بأحكام القرآن المجيد، ولكم جميعاً عدوّ غدّار مشترك، وبإثارته الاختلافات عن طريق عملائه الساقطين ووسائل إعلامه المضلّلة المفرقة خلال التاريخ، وخاصة خلال القرون الأخيرة، أوقع جميع الحكومات والشعوب الإسلامية في الأسر، ونهب ذخائر بلادكم الغنية وثمار أتعاب المظلومين في بلدانكم ومازال ينهب ويستهدف جعل الحكومات طيّعة في خدمته، وجعل الشعوب على يد هؤلاء مستهلكة، ويحول دون النمو الإنساني والابتكار الصناعي للبلدان المظلومة بحيل ومؤامرات شيطانية، ويصعّد من التبعية والاعتماد على الشرق والغرب، ويسدّ مجال التفكير في الاستقلال والابتكار أمام الجميع، ويحبس الانفاس في الصدور المتأهبة لإيقاظ الشعوب.
الوضع المأساوي الموجود في البلدان الإسلامية وسائر البلدان المظلومة وليد هذه المؤامرات المشتركة لأعداء المسلمين والمظلومين. والآن إذ تجتمعون بأمر الله ونداء رسوله في مركز الرسالة الإسلامية البنّاءة، وفي هذا المكان العظيم، من كل شعب ومذهب، فكروا في علاج لهذا الداء المهلك والسرطان القاتل، واعلموا أن العلاج الأساسي إنّما يتم في ظل وحدة جميع المسلمين والاجماع التام على قطع يد القوى الكبرى من البلدان الإسلامية، وتجسيد شعائر المواقف الكريمة والمشاهد المشرفة في بلدانكم. والخطوة الأولى تتمثل في إزالة اليأس الذي عمل الشرق والغرب وعملاؤهما على غرسه في قلوب المسلمين ونفوسهم، وجعلوا المسلمين يصدقون بعدم إمكان استمرار حياتهم دون الارتباط بقوة كبرى، وإيران أثبتت حكومة وشعباً في هذه الثورة العظمى تفاهة هذا الفهم وخواءه.
ومع أن القوى الكبرى لجأت إلى أنواع الحيل والمؤامرات من أجل إطفاء الشعلة المستعرة في هذا البلد الرامية إلى إحراق آمال الشرق والغرب، فإنّها لم تفلح. وإيران الإسلام اليوم ببركة الايمان القويّ والالتزام بالإسلام والتغيير الكبير المشهود بين الفئات المختلفة قد قطعت يد الشرق والغرب والطفيليات المنحرفة من بلاده، ولم تسمح لأية قدرة أن يكون لها أدنى تدخل في البلد الإسلامي إيران، وهذه حجة قاطعة للمسلمين ومظلومي العالم تثبت عدم إمكان التطاول على حق الشعوب أو مخالفتها إن أبت الشعوب ذلك، وإن الأمة التي تأبى الذل وتختار الشهادة لا يمكن أن تندحر. ولا سبيل أمام الشعوب المظلومة في العالم غير هذا السبيل. وحكومات الشعوب الإسلامية أيضاً ـ إن وحّدت خطاها وطريقها مع الشعوب المحرومة ـ ستنجو من هذه التبعية الذليلة التي يرجح عليها الموت ألف مرة، وسترفل بأثواب العزة والقيم الإسلامية.
أسأل الله تعالى أن يعرفنا جميعاً بواجباتنا الإلهية ووظائفنا الإنسانية.
ولابد من تذكير الدول العميلة الرجعية بأن هذه المؤتمرات العديمة الفائدة والبيانات التافهة والدعم الواهي لا تستطيع أن تنقذ النظام العراقي المجرم الكافر، وقد تقع هي في المستنقع الذي غرق فيه حزب البعث العفلقي؛ فصلاح دينهم ودنياهم يقضي بالكفّ عن هذه التحركات، وأن لا يجرّوا هذا البائس إلى المزيد من الفضيحة والخذلان وأن لا يورطوا أنفسهم بمهلكة عذاب الدنيا والآخرة.
5 ـ في الختام ينبغي أن أشير إلى أمر حياتي حلاّل لجميع مشاكل المسلمين والمستضعفين في العالم، وهو أن كل من يمعن النظر قليلاً في أوضاع البلدان الإسلامية يجد بوضوح أن الذي اتفقت عليه القوتان الكبريان والقوى التابعة لهما اتفاقاً لا تراجع فيه، هو إبقاء بلدان العالم الثالث عامة والبلدان الإسلامية الواسعة الغنية خاصة في تخلف ثقافي واجتماعي واقتصادي وسياسي وعسكري، وفرض المعايير الاستعمارية في جميع هذه المجالات عليها. ولتحقيق هذا الهدف المهم بالنسبة لهم يبذلون المساعي والجهود وينفقون الأوقات والأموال الطائلة.
كان زعماء هذه المؤامرات في السابق بريطانيا وفرنسا، ثم جاء من بعدهما أمريكا والاتحاد السوفيتي. هؤلاء، من أجل تحقيق أهدافهم المشؤومة دبّروا الانقلابات، وأطاحوا بالأنظمة، ودفعوا إلى الحكم أنظمة عميلة لهم، ويستبعد أن تكون هاتان القوتان الكبريان في صدد الاطاحة بالمنافس، ليأسهما من ذلك، واختلافهما إنما هو بأن تقسيم الفرائس وبلدان العالم الثالث.
أفضل طريق لفرض السيطرة الاستعمارية الحديثة ـ في رأيهم ـ الهجوم على ثقافات الشعوب واستخدام الجامعات، وبالسيطرة على هذه المراكز، يصنعون عن طريقها مجالس صورية وحكومات مطلوبة، وبذلك جعلوا الأنظمة برمّتها غربية أو شرقية. والبلدان الإسلامية عانت في هذا الصراع وتضررت أكثر، لأنّ الإسلام ذو ثقافة بنّاءة يقود الشعب دون انحراف نحو يمين أو يسار وبمعزل عن فوارق اللون واللغة والاقليم، ويهدي البشرية في الأبعاد العقائدية والأخلاقية والعملية، ويدفع إلى طلب العلم من المهد إلى اللّحد؛ وفي الحقل السياسي يوجه البلدان إلى إدارة شؤون الحكم السليم في جميع المجالات دون التشبث بالكذب والخداع والتآمر الماكر، ويوثق العلاقات الأخوية مع البلدان الأخرى الملتزمة بالتعايش السلمي وبالابتعاد عن الظلم والطغيان، ويوجه الاقتصاد وجهة سليمة بعيدة عن التبعية ولصالح الجميع ولرفاة جميع الناس مع الاهتمام بأمور الفقراء والضعفاء، ويسعى لتنمية الزراعة والصناعة والتجارة؛ وفي البعد العسكري يفرض التعليم العسكري على كل من له صلاحية الدفاع عن الوطن في المواقع الاضطرارية، وفي هذه المواقع يفرض التعبئة العامة الاختيارية وأحياناً الاجبارية، وفي الأوضاع العادية يربّي القوات المؤمنة المدربة للدفاع عن الثغور ونظم شؤون المدن والطرق وصيانة الأمن.
مما سبق أن قلناه ـ والقول في هذا المجال يطول ـ إن القوى الكبرى بتآمرها لم تدع الثقافة الأصلية الإسلامية تنمو وتتأصّل، بل تعرضت هذه الثقافة لهجوم شديد من قبل الجامعات البعيدة عن التهذيب والمتغربين الذائبين والعنصريين المتعصبين، وترك ذلك جروحاً عميقة في جسد البلدان الإسلامية. وإذا لم تنهض فئات الشعوب المختلفة بعلمائها الدينيين وخطبائها وكتّابها ومفكريها الملتزمين نهوضاً شاملاً وتنقذ بلدانها وشعوبها الرازحة تحت الظلم عن طريق توعية الجماهير المسلمة العظيمة فممّا لا شك فيه أن بلدانهم ستنجرّ إلى الفناء والتبعية الشاملة أكثر فأكثر، وسيمتص الغزاة الملحدون الشرقيون وأفظع منهم الملحدون الغربيون دماءهم ويسحقون كرامتهم وقيمهم الإنسانية.
أسواق البلدان الإسلامية أصبحت مركز تنافس بضائع الغرب والشرق وتتجه إليها سيول البضائع الكمالية المبتذلة والسلع الاستهلاكية… وجعلوا من الشعوب مستهلكين بحيث ظنّوا أنّهم غير قادرين على الحياة بدون هذه البضائع الأمريكية والأوربية واليابانية وغيرها.. ومع الأسف أن مكة المعظمة وجدة والمشاهد المشرفة في الحجاز، حيث مركز الوحي ومهبط جبرائيل وملائكة الله ومحل تحطيم الأصنام والبراءة منها بحكم الإسلام، مملوءة ببضائع الأجانب وأصبحت سوقاً لأعداء الإسلام وأعداء الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)!
كثير من حجّاج بيت الله الحرام الذين يذهبون لأداء فريضة الحج، ومن المفروض بهم أن يلبّوا استغاثة المسلمين ممّا يحيط بهم من مؤامرات، يجوبون ـ غافلين ـ الأسواق بحثاً عن البضائع الأمريكية والأوربية واليابانية، ويؤلمون قلب صاحب الشريعة بعملهم هذا المسيء إلى كرامة الحج والحجاج.
يا حجاج بيت الله الحرام.. أفيقوا.
أيها المسلمون في جميع أنحاء العالم.. انهضوا.
يا علماء العالم الإسلامي! انقذوا الإسلام وبلاد الإسلام والمسلمين.
وأينما كنتم اصمدوا ـ كما فعلت إيران شعباً وحكومة وعلماء ورجال ـ أمام الشرق والغرب، واطردوا من بلادكم عملاءهم وخبراءهم الكاذبين ومستشاريهم الناهبين.. كونوا كأبطال ايران.. وفضّلوا الشهادة على حياة الذلّ.. وفضّلوا الشرف الإسلامي والإنساني على الرفاه والعيش الذليل المخزي لأيّام معدودات، وتغلّبوا عليهم في ميادين النضال السياسي والعسكري، ولا تهابوا ضجيجهم الإعلامي. فالله معكم. {إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم}.
إلهي! هذا عبدك الضعيف يرفع أنين المظلومية بمقدار وسعه القليل من بلد مظلوم، أفراده قليلون مع قلة إمكانيّاتهم لكنهم يقظون بفضلك، ليوصلها إلى أسماع الشعوب المسلمة والمظلومة في العالم.
لقد رفعت صوتي وبلّغت وقلت: يا للمسلمين! وقلت انقذوا الإسلام!.
(إلهي) إن لم تنعم علينا بلطف وعناية فلا تُحلّ عقدة ولا يلتئم جرح. فتفضل على المسلمين برحمتك الواسعة، ونجنا من أغلال الذات والذاتية وعبودية الأوثان وخاصة وثن النفس، وادفع شرّ الظالمين عن مظلومي العالم خاصة المسلمين، وابعث اليقظة في المسلمين والجرأة والشجاعة وروح الانسجام مع الشعوب في حكومات البلدان الإسلامية كي لا يرضخوا لأسر الأجانب وهم يملكون ما يملكون من عدة وعدد وبأيديهم شريان الحياة للغرب والشرق.
نسأله سبحانه أن يمنّ على المقاتلين والمجاهدين المسلمين، أينما كانوا في أرجاء الأرض، بالنصر على الكفر العالمي.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. والسلام على عباد الله الصالحين.
روح الله الموسوي الخميني
غرة ذي الحجة الحرام 1405 هجرية
تعليقات الزوار